نص طويل عن تجربة الفنانة أمل نصر، ومشروعها الذي عرض في معرض بينالي كتاب الفنان الدولي - بمكتبة الإسكندرية 2022
وهنا مقطع محدود من المقال الذي سينشر كاملا في أخبار الأدب.
أوراق ذاكرة الأرض
أبجدية أخرى في تاريخ الرمز والسر والدلالة
كتب: مهاب عبد الغفار
ليست اللغة في الحقيقة فقط مجموعة من الإشارات والعلامات ذات الاشكال المستقلة بذاتها، ولكنها تختلط وتتشابك جيداً بأشكال وعلامات العالم لتقيم معها شبكة من الدلالات، حيث تلعب تلك العلامات أدواراً مختلطة.. دور المحتوى والإشارة.. دور السر والدلالة، أنها تتعدى كونها فقط وعاء، ولكنها كما نستفهمها في كيانها الخام والتاريخي موضوعة داخل العالم، حيث نجد أن الأشياء تخفي لغزها وتظهره كلغة، لتقدم الكلمات نفسها للبشر كأشياء يتوجب فك رموزها، لأن أي استعارة أو قراءة لكتاب لمعرفة الطبيعة ليست سوى مظهر مرئي لتحول آخر أشد عمقاً بكثير، يرغم اللغة أن تندمج من جهة العالم بين النباتات والأعشاب والأحجار والحيوانات.
إننا هنا نتورط بشغف كجزء من ذلك المشروع البصري الذي تقدمه أمل نصر صائغة لمفردات لغة تتحقق كطقس معرفي دلالي تختلط فيه تواريخ اللغة المكتوبة مع تواريخ المعارف الأولى للدلالات البصرية والصياغات الشكلية، تلك التي تناقلتها المجتمعات الإنسانية كخبرة تراكمية، حتى تفكك المدلول الرمزي لأشكال التواصل والتفاعل، بغية الوصول إلى منطوق يدمج معارفها وخبراتها مع العالم المعاش كمادة حية، وسوف نتعرض بالتفصيل لذلك النسق التفاعلي من خلال مناقشة مفهومية العمل.
إن أول ملمح للعمل الذي قدمته الفنانة أمل نصر (قصص الأرض) هو اشتباك صياغتها البصرية مع الموضوع الذي أشارت لمرجعيته وتلمست دلالاته في كتاب (تعويذة الحسي) لديفيد إبرام، كجانب يخص المفهوم الذي انطلق منه مشروعها، ومن جهة أخرى نتماس مع العمل الذي تحقق في ذلك المشروع من حيث، معالجة السطح والخامات المستخدمة - التكوين والمقاطع بين المنظور والتصميم - طبيعة اللون وكينونته، واستخدام الخط كصيغة تتماهى مع الموضوع.
- تعويذة الحسي
يتعرض الكتاب باختصار للكثير من التفاصيل مثل، ايكولوجيا السحر وعلاقة الإنسان بالطبيعة – وتشمل التجربة الخاصة للكاتب، ويتعرض للظاهراتية لدى أدموند هوسرل واستيضاح علم الظواهر، ثم اللغة ونشأة الأبجدية، والزمن والفضاء الكوني، وكتعريف بالكتاب أو بشكل محدد أكثر، المنطق الذي تجسد في عمل الفنانة، نقرأ في المقدمة الخاصة التي صاغتها مترجمة الكتاب:
"إن الرؤى الصوفية عرّفت حال الإنسان على أنه الكون الأصغر، والذي يطابق الكون الأكبر بكل ما فيه، ولعل هذه الحالة الصوفية – الحسية هي ما يقصد ديفيد إبرام في التواصل الذي يطرق أبوابه ليحييه لدى الإنسان الحديث كي يستعيد علاقته العضوية والمنسية مع أصل الكون، وبالتالي مع ذاته التي صارت موضع تشيئ، تماماً كما هو موضع الكون والطبيعة في مواجهة الإيمان المطلق بعالم بشري مغلق الحدود حتى في وجه إخوانهم من البشر".
إن تلك المقدمة لا تتعدى أن تكون إحدى لمحات المترجمة في سبر أغوار النص المدهش والمتعدد المستويات للكتاب، ونحن إذ نفتح مسارباً لقراءة نص الكتاب إنما نرتجي من هذا التفاعل مع تجربة الفنانة من داخل الموضوع المعرفي الذي قامت وتأسست عليه فكرتها ومثيراتها، وليس فقط تفحص العلاقات الجمالية في الشكل والعمل المطروح أمامنا، حيث أن أهم الأفكار التي ارتكز عليه الكاتب هي اعتبار أن التواصل عبر الاندماج مع العالم الذي نعيشه هي السر وراء كل تناغم خصب.
يتعرض المقال لعدة محاور في تجربة الفنانة مثل:
الأبجدية
تفاعلات البناء
أبعاد الطوطمية والإهة الأم
طاقة اللون
وأخيرا، إعادة حالتنا البدائية والمستقلة إلينا