«فتاة القطار».. إثارة تفتقد عنصر المفاجآت
ـ محمد جابرهناك كثير من التفاصيل التي تجعل المقارنة منطقية جداً بين فيلم “فتاة القطار” The Girl of the Train الذي يعرض حالياً في دور السينما، وفيلم المخرج، ديفيد فينشر، Gone Girl الذي كان واحداً من أهم إنتاجات عام 2014؛ كلاهما فيلم إثارة، مقتبس عن رواية كانت الأكثر مبيعاً وقت صدورها، ويحكي عن اختفاء فتاة وغموض حول مكانها، على خلفية من العنف والجنس والتفاصيل والسرد غير النمطي، ولكن الفارق الحقيقي بين العملين كان جودة السيناريو المقتبس من ناحية، ووجود مخرج بقيمة فينشر من ناحية أخرى.تدور أحداث فيلم “فتاة القطار” حول “ريتشل”، مدمنة الكحول التي تعيش فترة كئيبة من حياتها، تركب القطار يومياً للذهاب إلى عملها في نيويورك، وفي كل يوم تشاهد حياة طليقها المستقرة مع زوجته الجديدة وابنته داخل بيتها القديم، وكمحاولة لإلهاء نفسها عنهم تبدأ في مراقبة حياة شخصية أخرى هي “ميغان” على بعد عدة بيوت، وتعتقد أن تلك الفتاة تعيش حياة مثالية تماماً، وفي أحد الصباحات تستيقظ “ريتشل” متعبة جداً من أثر الكحول، ولا تذكر أي شيء عن الليلة السابقة، قبل أن ترى في التلفاز خبراً عن اختفاء “ميغان”، وتشعر بقوة أنها متورطة في اختفائها، وتبدأ في البحث عنها ومحاولة اكتشاف ما حدث في الليلة التي لا تذكرها.رواية “إرين ويلسون” الناجحة جداً لم تكن فقط رواية عن “التحولات الدرامية” أو المفاجآت التي تجعل القارئ يندهش ويسقط من على كرسيه، ولكن أهميتها الحقيقية كانت في التتابع النفسي المدروس للشخصيات، وعلاقة ذلك بالحكاية التي تحدث. في الفيلم كل ما هو مهم للكاتبة، باولا هاوكينس، والمخرج، تيت تايلور، مرتبط بالقشور الخارجية للحكاية، والتفاصيل المثيرة التي تحدث في كل مرحلة، وهو أمر أدى بالفعل لخلق فيلم مقبول جداً على مستوى الاستمتاع، خصوصاً لهؤلاء الذين لم يقرأوا الرواية الأصلية ولا يعرفون ماذا سيحدث، ولكنه افتقد ما يجعل الفيلم أعمق وأهم وعلى مستوى النص المقتبس عنه، أو يجعله حتى قابلاً للمشاهدة مرة أخرى بعد انكشاف ألاعيبه.وبالعودة إلى Gone Girl، فإن ميزته الأساسية لم تكن في “مفاجآته”، ولكن في التعقد الشديد للشخصيات ووجود أبعاد مختلفة في كل شخصية، وأن كتابة مؤلفة الرواية لسيناريو الفيلم – وتحت إدارة مخرج كـ”فينشر” ــ جعلها لا تفلت التفاصيل المهمة والأساسية في الحكاية بعيداً عن السطح، وجعل الفيلم لا يكتفي بكشف المعلومة قدر ما يجعل المتفرج متورطاً ناحيتها، وكلما يظن أنه وصل، يفاجئه الفيلم بانتقالة جديدة، ولذلك فهو فيلم مهم يبقى في الذاكرة. العكس من ذلك تماماً يمكن قوله على “فتاة القطار”، هنا لم يكن هذا أو ذاك موجوداً، منذ اللحظة الأولى يكتفي الفيلم بتوصيف مبدئي لكل شخصية يتحرك به حتى النهاية، ينقل من الرواية حوارات كاملة، وأحداثاً بوصفها الدقيق، ولكنه يترك الجزء النفسي المتشابك، والجرأة المهمة – والتي تقع في صلب الحكاية ــ في تناول بعض التفاصيل الجسدية والجنسية، ويفشل كذلك في خلق نمط سردي واضح لا يشتت المتفرج نحو ما يراه.ربما ظلم الفيلم بعض التوقعات الكبيرة نحوه منذ الإعلان عن اقتباس الرواية، وربما ظلمه أيضاً، وضعه في مقارنة – منطقية تماماً ــ مع Gone Girl، ولكن بمعزل عن هذا وذاك فهو فيلم إثارة جيد فعلاً، يثير فضول المتفرج لمعرفة حقيقة ما سيحدث طوال الوقت، وأداء إيميلي بلانت المتوتر والمُجهد سيخلق رابطاً بينهم وبين شخصية “ريتشل” حتى لو كان ذلك غير مؤسس في السيناريو ذاته، وفي النهاية، وفي عام شاحب على مستوى الأفلام، حتى الآن، ستكون مشاهد “فتاة القطار” هي وسيلة جيدة لساعتين مسليتين في السينما، دون تذكر كثير بعد مغادرة القاعة.