وحيد قصاص يمعن في كثافات البنية الجمالية لكسر المسافات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وحيد قصاص يمعن في كثافات البنية الجمالية لكسر المسافات





    السوري وحيد قصاص يمعن في كثافات البنية الجمالية لكسر المسافات




    غريب ملا زلال





    شخوص غريبة ومألوفة في آن واحد


    بدأ الفنان السوري وحيد قصاص علاقته بالفن التشكيلي منذ نعومة أظافره فكان يرسم كل ما يشاهده ويحبه ويتعجب منه، ثم صار يرسم البورتريه لشخصيات مشهورة، إلى أن نضجت تجربته الفنية بالدراسة الأكاديمية والخبرة التطبيقية فصار ينشئ شخوصه الخاصة المتمردة على الواقع والمتمازجة في الفضاء لتعبّر عن هواجسه وأحلامه التي تنهل من الدمى التي كانت تصنعها له أمه بالأقمشة الملونة.


    "هناك فقاعات تظهر وتبهر البصر، لكنها تنتهي بلا عودة، وهناك حبات من المطر تمكث في التراب لتجدد دورة الحياة". هذا ما يقوله الفنان التشكيلي وحيد قصاص. والقافلة التي يقصدها قصاص طويلة، فكثرة الترويج والتهويل، والتصفيق لأسماء معينة والنفخ فيها حتى كاد أصحابها يصدقون أنهم من أهم الأسماء الفاعلة لا في المحترف التشكيلي السوري بل والعالمي أيضا، حتى أشرقت الشمس فذاب الثلج وبان المرج كما يقال، المرج الذي لم يكن أكثر من تلك الفقاعات التي تكلم عنها الفنان قصاص.
    وإذا ما حاولنا أن نطبق على الفنان التشكيلي مقولته فهو حتما سيكون حبات المطر التي تسقط على التلال وعلى الحقول، لتفعل فعلها وتترك الأثر، فهو الذي كان يرسم صور الحيوانات وهو لم يزل على باب المدرسة التي ما إن ولجها حتى دعاه معلمه إلى رسم رموز ثقافية وتاريخية بدلاً عن تلك الحيوانات وأبدع فيها أيضاً، ومن هنا يبدأ رحلته مع الرسم وحبه له حتى بات هاجسه الأهم الذي بدأ يترسخ رويدا رويدا حتى صار هواءه الذي يتنفس منه/ به.
    وحيد قصاص فنان تشكيلي يفاجئنا بالكم الهائل من استطالات ملامح شخوصه لتبدو وكأنها حيارى في فضاءات مغايرة

    وعلى تخوم هذا الهاجس ستلد سهوب الفنان وحيد قصاص التي ستنتظر أصابعه ليزينها بخيام من لون وضوء، وتحت تأثير عشقه للرسم الذي بقي في حالة صعود حتى بات قريبا من ملحمة الأفق حين تغرد فوضاه، تبدأ تدفقات انفعالاته على شكل بقع لونية هي أشبه بمقاطع موسيقية تمنح بداية تجربته مداخل ستبقى على امتداد الزمن تدغدغ أحلامه وهي تترجم على مساحات بيضاء وكأنها طفرات لصياغات تمتلك كل شروط الاستمرارية، فإمكانياته في كسر المسافات كبيرة وهائلة، ولهذا خياراته في طرح قضاياه بوصفها تجليات كثيرة كاشفة للضوء أيضا، دون أي تحريض لها.
    كما أن خوض الاحتفاء الإيثاري للقبض على اللحظات الأكثر قيمة مع مسوغاتها هو الذي يراهن على ذاته وبأنه الأكثر إمعانا في كثافات البنية الجمالية، وفي كيفية تكريس نتاجه لذائقة متلق لا يلغي تخيلاته مطلقاً بل ينزاح نحو سبرها والغوص العميق في أسرارها وإبراز نقاط الاختلاف والتباين فيها، مع إمكانية الإبحار في تفاصيلها المؤثرة.
    والفنان يدرك حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه في الكشف عن حالة العشق التي منها ينهل ألوانه والتي يستثمرها بإحساس يمتلك كل الحركة للعبور بمفارقاتها اللافتة نحو خطوط التحول بخطوات متقدمة تفرضها تعبيريته بنكهتها الحلبية، بالتزامن مع ما يمكن تسميته بالحساسية الجديدة والتي تشبه الجدل الخصيب، وهي حساسية شديدة الدلالة في الآن ذاته، وهذا يغني منجزه ويغني أبعاده الواقعية والمتخيلة معاً، ومن الممكن أن يفضي به إلى مرحلة لا تقوم على التوصيف والتحديد، بل تقوم على التجريد والاختزال وفق معايير وضوابط ستحمله إلى آفاق أبعد.
    ألوان تعيد قصاص نحو اللحظة الأولى لتعرفه على الفن

    وبتلك الآفاق يتجاوز قصاص تجليات الموضوع والجانب الحكائي لها، وبالتالي يتجاوز الزحام والفقاعات إلى تساؤلات، الإجابة عنها ستكون عنوان المرحلة التي دفع ببابها بثقة تطفح به إلى حد الجنون، حينها يستطيع قصاص تحميل منجزه بمتن يمكن أن يحتضن ولادة جديدة تكون مساهمته الأهم في هذا المحور التشكيلي الذي يضيئه قصاص بكل لهفة وإمتاع، مكرساً أساساً لعملية تعرف بنقطة التحول من العنوان إلى النص حيث يكون المولود في أنضج حالاته.
    ويقول قصاص ما معناه: إذا لم يكن الفن شاهداً على عصره فستزوره الريح وتذهب به لتذريه تماماً حتى لا يبقى له أي أثر. فالحقيقة أن أعماله ليست شاهدة على العصر فحسب، بل تحمل كل ملامحه بلا رتوش وبلا حسابات، وتحمل كل ألمه وأمله، فالعصر موجع إلى درجة اللاحب، والحيثيات برموزها مرتبطة بالمعاناة الإنسانية بكل توجهاتها وامتداداتها، وهذا كله يتصاعد في منجزه وكأنها ستحاور السماوات لتنقل لها صرخاته الطافحة بالأنين والقلق، وكادت تشكل لغته وكأنه يؤكد أن هدف اللحظة عنده ليس التقاطها في الوقت المناسب بل ملاحقتها بما يوازي غليان التعب في أرواح شخوصه حتى باتت دون ملامح.
    ويفاجئنا قصاص بهذا الكم الهائل من استطالات ملامح شخوصه لتبدو وكأنها حيارى في فضاءات مغايرة، كل منها تدلي بدلوها في الخوض في لحظات الحسم وما تتيح لها من التأمل في قطيعة الأشكال وما تفرزه من أطياف تعبيرية تمده بعناصر هي في حالات ارتباطية خاصة في ما بينها، في فسحة زمنية غير معينة.
    تمرد على المألوفوالفنان على قدر كبير من الاطلاع العميق على تفاصيل الدخول إلى عوالم جديدة يرتادها هو وقليلون ممن يملكون أسرار مفاتيحها، فهو يخصص الموضوع ويعطيه دلالته وينخرط على خلفية فلسفية بمرجعياتها الجمالية، فإذا أخذنا تقنية التكرار لديه فسنرى أنها أشبه بفعل مفتوح لا نهاية له، وثمة انتقال من علاقته ما بين الحكاية وفعلها، وهذه ميزة تسجل له لا تؤخذ عليه، بل يحسم خياره في الكشف عن تلك الإشارات التي توحي بما ينطوي عليه من خطوات إبداعية تؤكد على حضور إمكاناته وتضافرها، مع معالجته لمشكلات حيوية تحتج على عصره بجسارة فنان تفتح أمامه كل الأبواب المغلقة، فلا يتردد في دخولها واحداً تلو الآخر، مبرزاً استجاباتها لخصوصيته الإبداعية، وما فيها من علاقات التفاعل والتبادل من جهة، والتوتر والصراع من جهة ثانية، مما يسهم في تحديد أبنيته بتنوعها دون أي إغفال عن نظرته فيها وفي آليات تشكلها، وسيلاحظ المتلقي دوائر تقاطعها وما تعتمد عليه من الإحالات دون أي سقوط في النمطية.
    ويذكر أن وحيد قصاص فنان تشكيلي سوري من مواليد حلب سنة 1958، تخرج من مركز الفنون التشكيلية حلب ثم تابع دراسته في كلية الفنون الجميلة دمشق. ومنذ سنوات دراسته شارك الفنان بمعارض مركز الفنون في سوريا والمعرض السنوي للدولة، وتم اقتناء أعمال له داخل سوريا من قبل مؤسسات رسمية وخاصة وكذلك أفراد.
    وعمل قصاص في تدريس مادة الفنون في مؤسسات الدولة، ولديه العديد من المعارض الشخصية في سوريا ومعارض أخرى منها ما كان في قصر اليونيسكو في بيروت، وفي مدينة ليل الفرنسية، وبعض لوحاته اقتنيت أيضا في ألمانيا واليونان وفرنسا وسويسرا.























يعمل...
X