مدرسة تحسين الخطوط.. الخط العربي تراث عالمي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مدرسة تحسين الخطوط.. الخط العربي تراث عالمي



    مدرسة تحسين الخطوط.. الخط العربي تراث عالمي

    د. خالد عزب
    دكتور خالد عزبأعلنت اليونسكو تسجيل الخط العربي علي قائمة التراث العالمي اللامادي، وهو حدث مر في مصر مرورا عابرا دون أن نتوقف عنده ونستثمره، كما يمر في شهر سبتمبر القادم مائة عام علي تأسيس مدرسة تحسين الخطوط بأمر من الملك فؤاد، أتخذت المدرسة مدرسة خليل أغا في القاهرة مقرا لها ، كان لنجاحها ودورها الرائد علي صعيد المنطقة العربية والاسلامية تأثير كبير، ولذا تستعد العديد من مراكز ومعاهد الخط العربي في المنطقة العربية وكذلك في تركيا خواندونسيا وماليزيا والهند وباكستان للاحتفاء بهذه المئوية، بينما تتناسي وزارة التربية والتعليم هذا الأمر حتي لا نكاد نسمع صوتا يطالب به، في اطار تهميش الخط العربي في المدارس العربية، كيف لا وهناك طلاب في مراحل متقدمة في التعليم لا يحسنون القراءة الكتابة ، وطلاب في مدارس التعليم الأجنبي في مصر لا يقرؤون العربية جيدا، هناك كراسة للخط العربي .. نعم .. لكنها من خطوط الكومبيوتر السيئة الفادقة للروح والجمال، بعد أن كان يخطها خطاطين مشاهيرمثل سيد ابراهيم ، صارت حصة الخط العربي في خبر كان أي فعل ماضي ، فهي غالبا ما تلغي أو يدرسها مدرس الخط العربي فيتجاهلها لأن خطه سيء، فتم تهميش وتجاهل مدرسي الخط العربي ، وبالرغم من غياب مئوية مدرسةتحسين الخطوط عنوزارة الثقافة إلا أن لديها ما يمكن الاشادة به كمهرجان القاهرة الدولي للخط العربي الذي يقام سنويا ، استطاع هذا المهرجان أن يضع مصر مرة أخري علي خريطة أنشطة الخط العربي في العالم ، كما افتتحت مدرسة خضير للخط العربي في الجمالية مؤخرا ، كانت وزارة الثقافة في عهد الوزير فاروق حسني افتتحت أول متحف للخط العربي في مصر بالاسكندرية . كان تأسيس مدرسة تحسين الخطوط الملكية جزءا من استرداد مصر دورها علي صعيد العالم الاسلامي وفقا لخطة توافق عليها كل من الملك فؤاد والنخبة المصرية والتي كان منها تأسيس مجنع اللغة العربية، بعد أن تواري الدور التركي بالغاء الدولة العثمانية، فكان علي دولة ما مليء هذا الفراغ ، في ظل هرولة تركيا نحو النموذج الأوربي ، فكانت مصر التي أدركت ووعت دورها، فكان تأسيس مدرية تحسين الخطوط، التي كانت تتويجا لثلاث مراحل أدت إلي بروز مصر دوليا في الخط العربي ، الأن تركيا وايران ودول جنوب شرق أسيا تتربع علي عرش الخط العربي في العالم.المرحلة الأولي
    بدأت المدرسة المصرية باستدعاء خطاطين من ايران وتركيا ، بهدف نشر الجديد في الخط العربي بمصر، فضلا عن تزيين المنشأت المعمارية بابدعات هؤلاء الخطاطين، ومن أبرز من جري استدعائهم لمصر الخطاط الإيراني ميرزا سنجلاخ الخراساني، وهو من أعظم الخطاطين الإيرانيين خلال العصر القاجاري، وأشهر الخطاطين في العالم الإسلامي، اسمه الأصلي محمد علي البجنوردي، لقب نفسه سنجلاخ وتعني بالفارسية ” الصخرة” اشتهر بابداعاته في خط التعليق والنستعليق، كان من بواكير ما قام به قاعدة الحروف العربية التي استخدمتها مطبعة بولاق في مطبوعاتها واشتهرت بها، وكتب خطوط ميضأة مسجد محمد علي ، عاش في مصر اثنين وثلاثين عاما حيث غادرها في عام 1854 م، ومن أهم مؤلفاته ” تذكرة الخطاطين “طبع في عام 1847 م .
    ​كان عبد الغفار بيضا خاروي ثاني خطاط إيراني جاء إلي مصر في عصر محمد علي ومن المرجح أنه قدم إليها قبل العام 1824 م، وإلتحق بالعمل في دواوين الحكومة المصرية، وأحيل للمعاش في عام 1862 م، تشير الوثائق إلي أنه كتب نصوص النياشين وقام بتذهيبها، كتب عبد الغفار نصوص البردة في جامع محمد علي بالقلعة ونصوص البردة بجامع البوصيري في الإسكندرية فكانت من أروع ما خلفه لنا بخط النستعليق ، استدعت مصر أيضا خطاطين من تركيا لكي تضفي نكهة أخري علي الخط العربي في مصر ، ومن أبرز الخطاطين الأتراك الذين جاؤوا إلي مصر محمد أمين أزميري ، دخل الخدمة في الحكومة المصرية في عام 1835 م، كتب عدة أيات قرأنية بالخط الثلث بمداخل مسجد محمد علي ، كما كتب أسماء الخلفاء الراشدين داخل المسجد بالخط الثلث الجلي ، ولأمين أزميري لوحات تشهد علي مقدرته المتفردة في الكتابات التشكيلية للجمل والصيغ المختلفة . https://youtu.be/Gzx9NQgJJSgالتغريب والإحياء
    تمتد فترة التغريب والإحياء في الخط العربي من عصر الخديو إسماعيل إلي عصر الخديو عباس حلمي الثاني، ألقت تبيعة مصر للدولة العثمانية ظلالها علي الدولة والمجتمع فاللغة التركية كانت لغة لجزء لا بأس به من الطبقة الحاكمة في مصر ، بالرغم من تعريب الخديو إسماعيل دواوين ومكاتبات الدولة التي أصبحت العربية إلا أن المكاتبات والمعاملات مع الدولة العثمانية ظلت بالتركية ، مع ظهور النصوص الأجنبية خاصة الفرنسية علي العمائر في تلك الحقبة كلغة موازية تعبر عن النفوذ الأجنبي وتغلغله في مصر مما أدي لظهور الفرنسية إلي جانب العربية في نصوص تأسيس المنشأت ومنها نص البنك العثماني في الإسكندرية ، كان للحضور التركي أثره في انتشار خطوط : الرقعة ، الديواني ، سياقت ، شهدت تلك الفترة إصدار أول ” مشق مصري” لتعليم خط الرقعة لعبد الرزاق عوض بعنوان ” الرفعة في تعليم الرقعة ” طبع في فينا، كما تبلورت درسات تاريخ الخط العربي في تلك الحقبة ، ألف عبد الفتاح عبادة ” انتشار الخط العربي في العالم الشرقي والعالم الغربي ” ، كما برز عدد من الخطاطين في تلك المرحلة فمن هؤلاء :
    عبد الله زهدي: هو عبد الله زهدي أفندي بن عبد القادرأفندي النابلسي ، وهو فلسطيني الأصل من سلالة الصحابي تميم الداري ، هاجرت أسرته إلي تركيا حيث تعلم أصول وفنون الخط العربي بها ، ثم شارك في مسابقة الخط العربي في المسجد النبوي تحت رعاية السلطان عبد المجيد الذي أشرف بنفسه علي مسابقة لاختيار أفضل خطاط لتنفيذ هذه اللوحات، سافر زهدي للمدينة المنورة ونفذ أروع نماذج الخط بالمسجد النبوي خلال سبع سنوات ، وما زالت أعماله باقية إلي اليوم ، غير أن وفاة السلطان عبد المجيد وانقطاع راتبه المخصص له من السلطان ، دفعه للهجرة إلي مصر، فاستقبله الخديو إسماعيل وأطلق عليه لقب ” خطاط مصر الأول ” وذلك سنة 1866 م ، نفذ عبد الله زهدي خطوط راقية فنيا في العديد من المساجد والمدارس ودوائر الدولة ، كما درس فن الخط العربي في المدرسة الخديوية ومدارس أخري ، فتخرج علي يديه عدد كبير من كبار الخطاطين في مصر شكلوا جيل الأباء المؤسسين لمدرسة الخط العربي في مصر المعاصرة.
    محمد مؤنس زاده : محمد بن ابراهيم مؤنس ، شيخ الخطاطين المصريين في زمنه ، اشتهر برسالته التعليمية ” الميزان المألوف في وضع الكلمات والحروف ” التي طبعت بأمر من علي باشا مبارك عام 1868م ، ووزعت علي طلاب المدارس، ولد في القاهرة تعلم الخط من والده إبراهيم أفندي مؤنس الذي كان خطاطا مجودا وأستاذا في هذا الفن ، حتي تفوق فيه وأصبح شيخا للخطاطين، كتب محمد مؤنس زاده نسخة فريدة من مخطوط دلائل الخيرات .
    محمد جعفر: نبغ في الخط نبوغا غير مسبوق، كتب بخطه الثلث الجميل أغلب اللوحات التي تحمل أسماء شوارع القاهرة ، وكتب بعض خطوط العملة الورقية والمعدنية المصرية، وكتب حروف النسخ لمطبعة بولاق ( الأميرية) وتتلمذ سيد إبراهيم علي يديه عند تنفيذه كتابات مسجد السيدة زينب . https://youtu.be/wh8NUDFAmhYمرحلة الإحياء والتجديد
    تمثل هذه المرحلة ذروة المدرسة المصرية المعاصرة في فن الخط العربي، ويمثلها بقوة الخطاط العبقري يوسف أحمد الذي كان علامة فارقه، لكن التجديد فيها جاء علي يد مصطفي غزلان الذي طور شكل الخط الديواني ، وانتشرت خطوطه حتي صارت علامة علي المدرسة المصرية، ثم يأتي الابداع في مصر علي يد محمد حسني وسيد إبراهيم وكلاهما موهوب بالفطرة .
    يوسف أحمد : يعد يوسف أحمد باعث الخط الكوفي في العصر الحديث ، والأن يقوم الخطاط الفنان صلاح عبد الخالق باكمال المسيرة ، حيث وضع مشق للخط الكوفي المملوكي بناه علي الخط الكوفي المملوكي في إيوان مدرسة السلطان حسن، ونعود إلي يوسف أفندي أحمد بن المعلم يوسف أحمد ، تعلم القراءة والكتابة ، وحفظ القرأن الكريم وأخذ مباديء الحساب، وكان والده نحاتا دقيقا في صنعته حتي اشتهر أمره في بناء المأذن والقباب وكان يصحبه ابنه يوسف الذي قام بمحاكاة الخطوط القديمة في المساجد، وشجعه والده علي ذلك حتي اجاد الخط الكوفي وكافة أشكاله عبر نسخ أمثلته من البنايات الأثرية ، وتوج ذلك بتعينه في لجنة حفظ الأثارالعربية عام 1891 م لموهبته في الخط العربي وقدراته في تفريغ وقراءة الخطوط العربية القديمة .
    ومن مأثره نص تجديد جامع عبد الغني الفخري علي عضادتي المدخل فأحيا هذا التقليد الذي اندثر لعقود طويلة ، ونص واجهة مسجد الأمام الشافعي وهو شريط كتابي بالخط الثلث ، وتعددت نصوصه في ترميمات المساجد وأبرزها استكمال النصوص الناقصة بالجامع الأزهر ، بدأ أسلوب وشخصية يوسف أحمد يتبلوران تدريجيا لنري نضجا ، درس يوسف أحمد الخط الكوفي في مدرسة تحسين الخطوط كما درسه في جامعة القاهرة ، وتخرج علي يديه مشاهير الخطاطين مثل : محمد عبد القادر ، محمد خليل وغيرهما، له ثلاث رسائل مطبوعه في الخط الكوفي والعديد من المؤلفات القيمة في الأثار الإسلامية ، وظل عطاؤه متدفقا إلي أن مات سنة 1942 م .
    مصطفي غزلان : ولد مصطفي غزلان ببلدة الباجور بالمنوفية عام 1860 م تقريبا، أخذ خطي النسخ والثلث من الشيخ مصطفي الغر، وأخذ خط الرقعة عن الاستاذ محمود ناجي الموظف بالديوان العالي السلطاني في عهد السلطان حسين كامل، ثم ألتحق بالقصر الملكي في عهد السلطان حسين كامل، وبه تعلم الخط الديواني علي الاستاذ حسين حسني أفندي، وأخذ الخط الريحاني عن محمود باشا شكري ، الذي كان رئيس الديوان العالي الملكي .
    عين رئيسا لقلم التوقيع بالديوان الملكي ، وأصبح خطاطا لملك مصر فؤاد الأول ، عرف غزلان بك بابداعاته حتي جدد وأضاف للخط الديواني فصار يعرف من وقتها بالديواني الغزلاني، وأخرج كراسات له من الحجم الكبير والصغير ، تقاعد عن العمل عام 1920 م ، ومن مأثره كتابات خط الثلث في قاعتي العرش بقصري عابدين بالقاهرة ورأس التين بالإسكندرية ، كما زين قاعة المائدة في قصر عابدين بالأيات القرأنية ، وكتب مونوجرام للمك فؤاد بالخط الديواني فأصبح الشارة الملكية والشعار الرسمي . درس الخط الديواني بمدرسة تحسين الخطوط ، وأسند له كتابة خطوط كسوة الكعبة في سنة 1937 م، تتلمذ علي يديه عدد كبير من الخطاطين ، توفي في 13 فبراير 1938م .محمد حسني : ولد محمد حسني عام 1894 م بدمشق ، والداه من أصول تركية وهو ينتسب لعائلة البابا ، وهي أسرة عريقة ببلاد الشام لها أقدام راسخة في فنون الغناء والأنشاد وهو ما يفسر موهبة ابنتاه سعاد حسني ونجاة الصغيرة، كان محمد حسني موهوبا في الخط وهو ما اكتشفته أسرته مبكرا فدفعت به إلي الخطاط التركي يوسف أفندي رسا للقيام بتعليمه في أثناء قيامه بكتابة خطوط المسجد الأموي بدمشق ، وتوفي والده وهو صغير فرحل إلي مصر عام 1912 م ، ليكمل تعليمه للخط العربي علي يد الشيخ الجمل ، ليعمل في الكتابة للمطابع وابداع اللوحات الفنية ، ودرس بمدرسة تحسين الخطوط الملكية ، وعمل خبيرا للخطوط بالمحاكم ، كما قام بتخطيط وزخرفة كسوة الكعبة ، في عام 1958 م بدأ مرحلة جديدة في حياته مع الخط العربي حيث خرج في ابداعاته عن الانماط الفنية المتعارف عليها، وبدأ حوارا بين الأحرف والكلمات في مساحة اللوحة وهو ما أدي إلي تراكيب مبتكرة ، في عام 1964 م أرسل بناءا علي طلب أكاديمية الفنون في كندا بعض أعماله الفنية ، فأرسل أربع لوحات تمثل اتجاهه في التركيب الخطي بالخط الثلث ، وقررت لجنة علمية رفيعة المستوي منحه درجة الدكتوراة الفخرية وكان عمره سبعين عاما ، توفي محمد حسني في 3 يونية 1969 م . https://youtu.be/tWcJaXn_mOI
    مدرسة الخط العربي المصرية شهدت تجديدات متوالية كان من عمالقتها الفنان خضير البورسعيدي الذي يرأس الجمعية المصرية للخط العربي ، وهو خطاط مجدد له ابداعاته وقد حول منزله في الجمالية لمتحف للخط العربي يزوره الزوار من كل أنحاء العالم حتي صار أحد معالم القاهرة ، وهناك جيل شاب من الخطاطين الواعدين الذين يرسمون لنا الأن روحا جديدة في فن الخط العربي في مصر ، ويعود الفضل في هذه الروح لمدرسة الخط العربي في مؤسسة الحلقة التي أسسها الخطاط المغربي المرموق بلعيد حميدي واستطاع من خلالها تكوين جيل جديد من الخطايطن من كل أنحاء العالم الإسلامي ، وتعد مؤسسة القلم بالقلعة في القاهرة واحدة من المدارس الواعدة في الخط العربي وتشكل تيارا واعدا حيث أن بها روح شابه دفاقه ومجددة وتتنوع جهودها في الخط العربي حتي لاقت تقديرا دوليا .






يعمل...
X