سلطة فوق السلطات ..!!
الفيس بوك
أ.محرز شلبي
محرز شلبي..* متى نستخدم “مبيد” الحكمة والتعقل والتواضع والتواصل الميداني لتسقط خلافاتنا تحت أحذيتنا.. متى؟*
لا أحد ينكر الميزات الكثيرة التي جلبها هذا التطور وانعكست ايجابياً على الجوانب السياسية والاقتصادية وحتى الصحية، ففوز رئيس من الرؤساء مثلا كعينة في الانتخابات إلا بسبب الفيسبوك، ومن خلاله تم طرد العديد من الطغاة ، وكشف المفسدين، كان دليلاً على أهمية دور مواقع التواصل الاجتماعي وإمكانية تأثيرها على الناس بشكل كبير جداً، بل وأصبح لهذه المواقع أهمية بالغة في توجيه آراء الناس في اتجاهات محددة على الرغم من بعض السلبيات في هذا المجال.
*برلمان جماعي لا تمييز فيه ..
يرى الدكتور أحمد عبد الله أستاذ الطب النفسي بجامعة الزقازيق، أن رواد صفحات عرض المشكلات على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وجدوا بها نوع من الأُنس الجماعي.
وقال لـ”الخليج أونلاين”: “إن تلك الصفحات تشبه إلى حد بعيد
المنصة ، حيث يعرض المشاركون مشكلاتهم وانتقاداتهم ويسمعون مشورة جماعية من مشاركين آخرين بين مؤيد ورافض لآرائهم.
منصة يعلوها كل من أراد أن يعبر عما في خاطره مهما كان اتجاهه وجهته ، وجنسه وجنسيته ، لا مقص ولا ممنوعات ، بل صار أفضل من البرلمان المتعارف عليه في بلاد الحكم الفردي ، فيه يتم نقد مشاريع وخطط الجهات الحاكمة أو كشف فسادها ، بحيث صار مزعجا لها ، وبفضله تثقف الجميع كبارا وصغارا بشتى أنواع الثقافات ، وتجاوز الأصوات عبر المعابر والحدود…
عقول تجاوزها الزمن!!*
إن عديد الأنظمة على رأسها تلك العقول التي لم تغير من تفكيرها وسلوكها بعدُ ، رغم العولمة والتطور الالكتروني !!
بكل أسف نتساءل حين نرى تجاوز أطر الأدب في النقد والرد عليه..
– كيف ولماذا صار بعضهم ، شتّّاما، قاسيا، صارخا، يتربّع على قائمة المعبرين عن حزنه ، والتخوين والتشكيك، تجاه الطرف الآخر، الحاكم والمحكوم، بسبب اختلاف السياسات بين الهيئات ، المنقسمة بين موالاة ومعارضة وهم خاصة عندنا نحن من نفس الأسرة والحي والمسجد …!!؟
– كيف ولماذا في عديد بلدان العرب صار المواطن الذي يشكو أنظمته ليل نهار، وتستغفله ليل نهار، وتصنع ديكتاتورياتها بغفلة منه ليل نهار، مازال لا يطير إلا تحت ذيل أنظمته، فصار يكفر بحريته وعقله ووعيه ووطنيته بسبب إجباره للاصطفاف خلف عربة القيادة طوعا أو كرها ونحن في زمن تجاوز مفهوم التحرر إلى تأسيس جمعيات تطالب حتى بحقوق الحيوان !!؟
* الفيسبوك تخطى كل المنابر..
كيف أن صار كم النخب والكتب التي تحتل رفوف المكتبات الجامعية وفي كل المؤسسات الخاصة والعامة التي تمنح شهادات عليا، وآلاف المفكّرين والشعراء والأدباء والمثقفين والإعلاميين… ، وسقوط هيبة العرب تحت مذلة ما يسمى بالتآمر والظلم الخارجي ، والفساد والتهميش الداخلي، لم تشعل شمعة واحدة في كهف التفكير الوطني حول مصير الوطن، لم توقظ به حسّه حول الخطر القادم !!؟
*العجب كل العجب ..
إننا نرى العديد من الأنظمة العربية خاصة ، يعيد إنتاج داحس والغبراء بطريقة معاصرة ، يتلذذ في احتقار غيره من آل الأخوة الواحدة ، لا أقول في الدين فقط بل في الوطنية ، وقهر الرأي المخالف ، وخنق الصوت ، ووأد الإبداع ، وبيع المصالحة في سوق الرقيق، لترضى عنه ألهتا الفتنة داحس والغبراء من وراء الستار اللتان عانا منهما الجميع قديما وحديثا ،و لتشعلا حروباً لا تهداً من الشتائم والسباب والازدراء، بين ما يسمى موالاة ومعارضة !!
ثم يتبجحون و يصرّون بعد كل هذا “التقيؤ” أن ما يفعلونه مجرّد ” محافظة على الوطن”!
مع الأسف أنظمة تعيش بذهنية سكان أدغال إفريقيا أيام زمان ، تعتبر الوطن مزرعة موروثة أب عن جد ،لا يحق الأكل من ثمارها إلا لأبنائهم وأحفادهم !!
كل ذلك جعل البقية يلجئون إلى الهيئة الفيسبوكية للتعبير دون قيد ولا شرط.
*هل من آذان صاغية !؟
– أليس من العار أن تتفسخ معركتنا الأولى ضد التخلف والجهل والفقر إلى معارك جانبية، معارك وطنية ، معارك ذقنا مرارتها منذ الجاهلية الأولى كعرب ، ويذوقها أشقاء لنا اليوم !!؟؟
– كيفما يسيل الدم فيها فهو دمنا، وكيفما تؤذى الأعراض فيها فهي عرضنا..
– لماذا تترك الفرصة لهيئات دون هيئات ، تعبر، تتحرك ، تستفيد من المغانم ، أو أفراد دون أفراد في نشرات الأخبار أو في وسائل الإعلام الوطنية للتعبير عن انشغالاتهم وطرق مساهاماتهم الفكرية والتربوية والثقافية والسياسية وغيره !؟
* الفيسبوك هو الحل..
بسبب غلق تلك الأبواب للتعبير الحر الصريح عن الآلام والآمال، لجأ الكل إلى الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل ،فاستغنى الجميع عن وسائل الإعلام المحكومة.
نتأسف بل يؤلمنا تكاثر الذباب فوق الجرح الوطني الغائر، يدميه، يؤذيه، ويعرضه للبتر الأبدي من خلال الهروب ورفض التوافق والإجماع الوطني لتسيير شؤوننا معا !!
– متى نستخدم “مبيد” الحكمة والتعقل والتواضع والتواصل الميداني لتسقط خلافاتنا تحت أحذيتنا.. متى؟
– االفيسبوك أفضل هيئة ديمقراطية ..
لا شكّ أن مواقع التواصل الاجتماعي شكّلت في زماننا فرصة لكثير من الفئات للتعبير عن آرائها ومطالبها ؛ عدا عن كونها كانت منصة للتواصل والتعارف أحيانًا وقرّبت البعيد أحيانًا أخرى، بأن أظهرت الفئات نفسها أو ما هي ماهرة فيه، ولكنها (مواقع التواصل) أيضًا قد صارت موقع يجمع الموالاة والمعارضة لا من أجل التكامل الفكري بل من أجل التناطح (طبعا لصالح جهة ما ).
* المعارضة الفيسبوكية ..
كما أن داخل البرلمان الفيسبوكي معارضة فإن له موالاة ..
ثمة عبقرية في اختيار اسم لتلك المعارضة داخل البرلمان الفيسبوكي ألا وهو مصطلح: “الذباب الإلكتروني” المشكل من طرف النظام المضاد لتطلعات شعبه ، والذي أطلق مؤخراً على أصحاب الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تغير قبلتها حيث يقف الحاكم، وتشنّ حربها وتبوح بقاموس شتائمها، أو تخلع عباءة حيائها وتبدي استعدادها للتطبيع أو المديح لعدو الأمة ” المناهض لأسباب التخلص من الهيمنة ” .
*دهاء ما بعده دهاء..
إن العبقرية في اختراع هذا المصطلح مدهشة.. فالذباب لا يصنع عسلاً، والذباب لا يقبل بالمواجهة، هو يزعج فقط لكن ليس ندّاً حقيقاً ، لو أحضرت أحدث الأسلحة لن تكون القدرة عليه لأنه أصغر منها جميعاً وأتفه ، الذباب الإلكتروني لا تغريه المواقف النظيفة فلا يحلّق فوقها، هو يطير دائماً حيث فضلات التصريحات والمواقف الميتة، يحوم طويلاً يتغذّى عليها.. حتى تتحلى جيفة الكلام ويبلى جسد الحدث فيطير أو يموت دون أن يشكره أحد أو يعتدّ به أحد..
حدود حرية البرلمان الفيسبوكي..*صحيح أن لكل حرية قواعد وحدود ، ففي الوقت الذي نجد فيه أن من مسيري شؤون بعض البلدان حيث رعاته من الذين لا علاقة لهم بهذا البرلمان نجد أن منصات أو مواقع التواصل الاجتماعي اليوم واسعة الانتشار ولها في كل بيت موطئ قدم، حتى باتت تُستخدم في التواصل بين أفراد العائلة الواحدة في ذات المكان، وصار العالم فعلا غرفة بعد أن كان قرية ، حيث أنها قرّبت البعيد وباعدت بين القريبين.. وفي بعض الأحيان باتت في كل عائلة أكثر من عائلة، يسوق كل واحد منهم مجتمعه الوهمي أو الحقيقي ويبني عليه أفكارًا وأحداث ويصنع لنفسه بيتًا تكنولوجيًّا بعيدًا عن عائلته وبيته على أرض الواقع.
*وأخيرا من المؤكد..
صار الفيسبوك بجدارة السلطة الخامسة بعد السلطات الأربع المعروفة؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، ثم سلطة الإعلام أو الصحافة التي اصطلح على تسميتها بالسلطة الرابعة.