الحقيقة».. فيلم يرصد دهاليز المعارك الصحفية مع السياسيين
«سينماتوغراف» ـ هناء العميرربما كان من سوء حظ كاتب السيناريو المعروف جيمس فاندربيلت أن ينتج فيلمه «الحقيقة ـ Truth» – وهو أول أعماله كمخرج – حول مهنة المتاعب الصحافة وذلك في نفس العام التي يحوز فيها فيلم أمريكي آخر، يتناول نفس الموضوع، على أوسكار أفضل فيلم، ألا وهو فيلم «سبوتلايت». والواقع أن هناك فروقات في المستوى الفني بين العملين وإن كانا ينتميان إلى سينما الصحافة التي تتناول تفاصيل العمل الصحفي.ولابد من الإشارة، عند الحديث عن هذا النوع من السينما، إلى العمل الكلاسيكي الذي قدم هذا النوع في أفضل حالاته، ألا وهو فيلم «كل رجال الرئيس» والذي أنتج عام 1976 وحاز على أربع جوائز أوسكار منها جائزتا أفضل سيناريو لويليام جولدمان وأفضل ممثل مساعد لجيسون روبارد وذلك ومن أصل ثمانية ترشيحات منها أفضل إخراج لآلان باكولا وأفضل فيلم وأفضل مونتاج. وكان الفيلم من بطولة النجمين داستن هوفمان وروبرت ريدفورد ويتناول قصة الصحفيين بوب ودورد وكارل برنستين من جريدة واشنطن بوست، اللذين تمكنا، عبر سلسلة من التحقيقات الصحفية، من الكشف عما عرف فيما بعد بفضيحة «ووترغيت»، والتي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي نيكسون. ومن المؤكد أن فيلم “سبوتلايت” يتبع مدرسة هذا الفيلم بدقة وهو ما جعله ينجح في حين أن فيلم “الحقيقة” تعثر في أكثر من اتجاه، رغم تميز قصته.يبدأ فيلم «الحقيقة» بالممثلة القديرة كيت بلانشيت وهي تنتظر أحدهم لمقابلته، في حالة من الترقب والقلق، وبإجادة نعهدها في بلانشيت في نقل المشاعر الخفية للشخصية. ثم تقابل رجلاً في مكتبه ولا يبدو واضحاً في البداية من هو ولا سبب زيارتها له، وبعد أسئلة بسيطة لها تعود بفلاش باك لنتعرف عليها عن قرب، فهي المنتجة والمخرجة ماري ميبس حيث نراها تعمل على حلقة من برنامج «ستون دقيقة» عن سجن أبو غريب وما يحدث فيه من انتهاكات، على قناة سي بي اس. ثم نشاهد ميبس وهي تبدأ في إعداد قصة جديدة عن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2004. والقصة التي تود ميبس روايتها هي أن بوش قد تهرب من الذهاب إلى فيتنام معتمداً على علاقات عائلته، ولذلك فقد أسقط من التجنيد لكي يخدم في الحرس الجوي الوطني الأميركي في تكساس، وأنه لم يلتزم بالتدريب ونقل إلى الحرس الجوي الوطني في ألاباما ولكنه لم يحضر هناك. وبالطبع لأن القصة تتعلق بالرئيس فالحصول على المصادر صعب للغاية، ولذلك ففريق العمل المكون منها ولوسي سكوت -إليزابيث موس- ومايك سميث -توفر جريس- ودينيس كويد -كولونيل روجر تشارلز-، يواجه بعدم قبول أي من مصادرهم بالحديث عن الموضوع.لكنها تصر على البحث والتحري يدفعها الدعم المعنوي الذي يوفره لها مقدم البرنامج الشهير دان راذر -قام بدوره روبرت ريدفورد-، فتحصل على وثائق غير مؤكدة حول القصة وتذيعها مما يترتب عليه إشكاليات كثيرة لكل طاقم العمل.والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تناول هذا البرنامج الشهير بشكل دقيق وكجزء أساسي من قصة فيلم ما، فقصة فيلم «The Insider» تدور حول إنتاج حلقة لبرنامج «60 دقيقة» تناقش تحايل شركات التبغ الكبرى على القانون وما يدور في الأروقة الداخلية لهذه الصناعة. وقد كان منتج البرنامج في ذلك الوقت «لويل بيرجمان» وقام بدوره آل باتشينو، أما مقدم البرنامج فقد كان «مايك والاس» وقام بدوره كريستوفر بلامر، في حين أن ضيف الحلقة التي دار حولها الفيلم كان راسل كرو، والذي قام بدور الباحث جيفري ويجاند. وقد رشح الفيلم حينها لسبع جوائز أوسكار، كان أحدها فئة أفضل إخراج للمخرج الشهير مايكل مان.ما يشكل اختلافاً بين كل هذه الأفلام وفيلم «الحقيقة» هو القصة. ففي حين أن كل الأفلام السابقة اعتمدت على قصة نجاح وبطولة للصحفيين في الوصول إلى الحقيقة ونقلها، اعتمد الفيلم الأخير على نقل قصة لا تصل فيها الحقيقة ويفشل الفريق في نقلها للناس، لكن السيناريو لم يكن واضحاً في تحديد موقفه. فقد اعتمد السيناريو على مذكرات ماري ميبس والتي نشرت عام 2005 بعنوان «الحقيقة والواجب: الصحافة، والرئيس وامتياز السلطة»، والذي شرحت فيه ميبس أسباب ما حدث، لكن الفيلم لم يتبع خطاً واحداً، وهو ما جعل المشاهد يخرج بمشاعر متضاربة. ففي الفيلمين «The Insider» و«Truth»، هناك صراع مع القناة من أجل السماح بعرض مواضيع حساسة يمكن أن تتضارب مع مصالح القناة، ولكن ما رأيناه في الأول من تضامن المخرج الكامل مع ضيفه، لم نجده في الثاني مع ميبس التي قدمت ضمانات غير حقيقية للشخص الذي وفر لها الوثائق، ولم توفر له أي حماية. كما أنها في عجلة الحماس، لم تتأكد من بعض المصادر وتسببت في أن يفقد البطل الحقيقي في الفيلم، وهو راذر، وظيفته. وإن كان من شيء مختلف عرضه الفيلم، فهو محاولة الجميع التملص من المسؤولية حيث كل شخص يلقي اللوم على الآخر. ولكن في المقابل وبسبب عدم إثبات تزوير الوثائق من عدمه، وقد كانت إشارة خفية من الفيلم، بأن ما حدث للصحفية قد يكون نوعاً من المؤامرة، لم يستطع المشاهد أن يكون على وضوح بما يريد الفيلم قوله، وهكذا فقد بدت الحقيقة التي تبحث عنها ميبس، كما ذكرت لابنها في أحد الحوارات، تائهة في دهاليز المعارك الصحفية مع السياسيين.
«سينماتوغراف» ـ هناء العميرربما كان من سوء حظ كاتب السيناريو المعروف جيمس فاندربيلت أن ينتج فيلمه «الحقيقة ـ Truth» – وهو أول أعماله كمخرج – حول مهنة المتاعب الصحافة وذلك في نفس العام التي يحوز فيها فيلم أمريكي آخر، يتناول نفس الموضوع، على أوسكار أفضل فيلم، ألا وهو فيلم «سبوتلايت». والواقع أن هناك فروقات في المستوى الفني بين العملين وإن كانا ينتميان إلى سينما الصحافة التي تتناول تفاصيل العمل الصحفي.ولابد من الإشارة، عند الحديث عن هذا النوع من السينما، إلى العمل الكلاسيكي الذي قدم هذا النوع في أفضل حالاته، ألا وهو فيلم «كل رجال الرئيس» والذي أنتج عام 1976 وحاز على أربع جوائز أوسكار منها جائزتا أفضل سيناريو لويليام جولدمان وأفضل ممثل مساعد لجيسون روبارد وذلك ومن أصل ثمانية ترشيحات منها أفضل إخراج لآلان باكولا وأفضل فيلم وأفضل مونتاج. وكان الفيلم من بطولة النجمين داستن هوفمان وروبرت ريدفورد ويتناول قصة الصحفيين بوب ودورد وكارل برنستين من جريدة واشنطن بوست، اللذين تمكنا، عبر سلسلة من التحقيقات الصحفية، من الكشف عما عرف فيما بعد بفضيحة «ووترغيت»، والتي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي نيكسون. ومن المؤكد أن فيلم “سبوتلايت” يتبع مدرسة هذا الفيلم بدقة وهو ما جعله ينجح في حين أن فيلم “الحقيقة” تعثر في أكثر من اتجاه، رغم تميز قصته.يبدأ فيلم «الحقيقة» بالممثلة القديرة كيت بلانشيت وهي تنتظر أحدهم لمقابلته، في حالة من الترقب والقلق، وبإجادة نعهدها في بلانشيت في نقل المشاعر الخفية للشخصية. ثم تقابل رجلاً في مكتبه ولا يبدو واضحاً في البداية من هو ولا سبب زيارتها له، وبعد أسئلة بسيطة لها تعود بفلاش باك لنتعرف عليها عن قرب، فهي المنتجة والمخرجة ماري ميبس حيث نراها تعمل على حلقة من برنامج «ستون دقيقة» عن سجن أبو غريب وما يحدث فيه من انتهاكات، على قناة سي بي اس. ثم نشاهد ميبس وهي تبدأ في إعداد قصة جديدة عن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2004. والقصة التي تود ميبس روايتها هي أن بوش قد تهرب من الذهاب إلى فيتنام معتمداً على علاقات عائلته، ولذلك فقد أسقط من التجنيد لكي يخدم في الحرس الجوي الوطني الأميركي في تكساس، وأنه لم يلتزم بالتدريب ونقل إلى الحرس الجوي الوطني في ألاباما ولكنه لم يحضر هناك. وبالطبع لأن القصة تتعلق بالرئيس فالحصول على المصادر صعب للغاية، ولذلك ففريق العمل المكون منها ولوسي سكوت -إليزابيث موس- ومايك سميث -توفر جريس- ودينيس كويد -كولونيل روجر تشارلز-، يواجه بعدم قبول أي من مصادرهم بالحديث عن الموضوع.لكنها تصر على البحث والتحري يدفعها الدعم المعنوي الذي يوفره لها مقدم البرنامج الشهير دان راذر -قام بدوره روبرت ريدفورد-، فتحصل على وثائق غير مؤكدة حول القصة وتذيعها مما يترتب عليه إشكاليات كثيرة لكل طاقم العمل.والحقيقة أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تناول هذا البرنامج الشهير بشكل دقيق وكجزء أساسي من قصة فيلم ما، فقصة فيلم «The Insider» تدور حول إنتاج حلقة لبرنامج «60 دقيقة» تناقش تحايل شركات التبغ الكبرى على القانون وما يدور في الأروقة الداخلية لهذه الصناعة. وقد كان منتج البرنامج في ذلك الوقت «لويل بيرجمان» وقام بدوره آل باتشينو، أما مقدم البرنامج فقد كان «مايك والاس» وقام بدوره كريستوفر بلامر، في حين أن ضيف الحلقة التي دار حولها الفيلم كان راسل كرو، والذي قام بدور الباحث جيفري ويجاند. وقد رشح الفيلم حينها لسبع جوائز أوسكار، كان أحدها فئة أفضل إخراج للمخرج الشهير مايكل مان.ما يشكل اختلافاً بين كل هذه الأفلام وفيلم «الحقيقة» هو القصة. ففي حين أن كل الأفلام السابقة اعتمدت على قصة نجاح وبطولة للصحفيين في الوصول إلى الحقيقة ونقلها، اعتمد الفيلم الأخير على نقل قصة لا تصل فيها الحقيقة ويفشل الفريق في نقلها للناس، لكن السيناريو لم يكن واضحاً في تحديد موقفه. فقد اعتمد السيناريو على مذكرات ماري ميبس والتي نشرت عام 2005 بعنوان «الحقيقة والواجب: الصحافة، والرئيس وامتياز السلطة»، والذي شرحت فيه ميبس أسباب ما حدث، لكن الفيلم لم يتبع خطاً واحداً، وهو ما جعل المشاهد يخرج بمشاعر متضاربة. ففي الفيلمين «The Insider» و«Truth»، هناك صراع مع القناة من أجل السماح بعرض مواضيع حساسة يمكن أن تتضارب مع مصالح القناة، ولكن ما رأيناه في الأول من تضامن المخرج الكامل مع ضيفه، لم نجده في الثاني مع ميبس التي قدمت ضمانات غير حقيقية للشخص الذي وفر لها الوثائق، ولم توفر له أي حماية. كما أنها في عجلة الحماس، لم تتأكد من بعض المصادر وتسببت في أن يفقد البطل الحقيقي في الفيلم، وهو راذر، وظيفته. وإن كان من شيء مختلف عرضه الفيلم، فهو محاولة الجميع التملص من المسؤولية حيث كل شخص يلقي اللوم على الآخر. ولكن في المقابل وبسبب عدم إثبات تزوير الوثائق من عدمه، وقد كانت إشارة خفية من الفيلم، بأن ما حدث للصحفية قد يكون نوعاً من المؤامرة، لم يستطع المشاهد أن يكون على وضوح بما يريد الفيلم قوله، وهكذا فقد بدت الحقيقة التي تبحث عنها ميبس، كما ذكرت لابنها في أحد الحوارات، تائهة في دهاليز المعارك الصحفية مع السياسيين.