الخطأ الحاسوبي الذي جعل بلداً بأكملها تعلن الحرب على شركة بيبسي
من علي وديع حسن14 نوفمبر 2018
عام 1992 عرضت القناة الأخبارية الثانية في العاصمة الفلبينية (مانيلا) فقرة معتادة كان قد تم بثها بشكل منتظم طوال أشهر سابقة، كانت الفقرة تتضمن الإعلان عن الأرقام الفائزة بسحب ترويجي ترعاه شركة المشروبات الغازية الشهيرة بيبسي. كان مبدأ السحب بسيطاً للغاية، فكل زجاجة بيبسي تشتريها تمتلك رقماً مكتوباً أسفل الغطاء، وتعمل كما أوراق اليانصيب (اللوتو)، حيث أصحاب الأرقام التي يتم اختيارها يفوزون بجوائز معظمها صغير نسبياً بقيمة 100 بيزو فلبيني (قرابة 5 دولارات)، لكن بين مجموعة الجوائز المعروضة في المسابقة كانت هناك جائزة كبرى: مليون بيزو (حوالي 40 ألف دولار أمريكي).
وبغض النظر عن كون احتمال الفوز بجوائز من هذا النوع صغير جداً عادة، فالأمور كانت على وشك أن تتغير تماماً، فمع الإعلان عن الجائزة الكبرى يوم 25 أيار/مايو من عام 1992 لم يكن هناك فائزان بالجائزة الكبرى كما هو مخطط، بل كان هناك الآلاف من الأشخاص المتدافعين أمام مقر بيبسي وهم يطالبون بجوائزهم.
بالطبع فجائزة بقيمة تقارب 40 ألف دولار أمريكي كبيرة للغاية، وفي الفلبين حيث كان الاقتصاد متعثراً إلى حد بعيد كانت هذه الجائزة أشبه بحلم للكثير من الأشخاص، فهي حرفياً كافية لقلب حياتهم بأكملها.
على العموم فالجائزة الحلم سرعان ما تبددت كما الكثير من الأحلام، حين كان هناك أكثر من 400 ألف شخص يطالب بها بدلاً من اثنين فقط، وبالطبع فالشركة لم تكن مستعدة لدفع أكثر من 16 مليار دولار كجوائز ترضية.
قصة المسابقة التي أجرتها بيبسي
منذ بدأت شركة بيبسي فعلياً قبل أكثر من قرن من الزمن وهي تواجه تحدياً كبيراً جداً، وهو محاولة التفوق على غريمتها كوكاكولا، فعلى مدار العقود وعلى الرغم من كون الشركة تمتلك مبيعات هائلة للمشروبات الغازية، فهي دائماً في المرتبة الثانية، وفي مطلع التسعينيات كانت الشركة تبحث عن أي طريقة تسويقية تسمح لها بالفوز بقلوب الزبائن وخصوصاً في الأسواق النامية مثل الفلبين، التي كانت تحتل المرتبة 12 بين أكبر أسواق المشروبات الغازية في العالم.
في البداية حاولت الشركة التسويق عبر منتج جديد هو Pepsi A.M التي تحتوي على كمية إضافية من الكافيين، وتم تسويقها كبديل للقهوة الصباحية دون جدوى، لاحقاً تعاقدت الشركة مع المغنية الشهيرة (مادونا) لكنها اضطرت لسحب إعلاناتها التي تظهر فيها المغنية بعد صرف الملايين نتيجة جدل كبير أحاطها حينها بسبب أغاني تحمل إيحاءات دينية، وفي النهاية استقرت الشركة على فكرة تبدو غير قابلة للفشل: لوتو المشروبات الغازية.
Advertisements
ببساطة وضعت الشركة ميزانية 2 مليون دولار فقط للحملة في الفلبين، وتعاقدت مع شركة مكسيكية لتنظم المسابقة بحيث تطبع الأرقام بشكل عشوائي على أغطية العبوات بحيث لا يطبع سوى عدد محدود من العبوات المقرر فوزها لاحقاً، ومع أن معظم الجوائز كانت صغيرة جداً، فقد أثبتت الحملة في البداية نجاحاً كبيراً جداً، وخلال أشهر قليلة ارتفعت مبيعات الشركة في الفلبين بنسبة 40٪ قبل أن يحصل ما لم يكن في الحسبان.
الكارثة التسويقية
كانت الفكرة الأساسية هي أن الشركة المعنية بالتنظيم تقوم باختيار الأرقام الفائزة وإرسالها إلى مصانع الشركة لتطبعها بشكل محدود جداً على العبوات، وفي حينها كان المخطط هو أن الرقم 349 سيفوز بالجائزة، وسيكون هناك عبوتان فقط تمتلكان الرقم الرابح، لكن عند الطباعة حصل خطأ حاسوبي لم ينتبه له العاملون، وبدلاً من طباعة الرقم الفائز على غطائين (يمتلكان رمزاً خاصاً لمنع التزوير) تمت الطباعة على أكثر من 800 ألف غطاء عبوة.
وفي يوم 25 مايو/أيار أعلنت الفقرة التلفازية للشركة كون الرقم الفائز هو 349، وبالطبع فقد صدم مئات آلاف الفلبينيين من كون الحلم قد بات حقيقية وفي متناول أيديهم مع فوزهم بالجائزة، في اليوم التالي تجمهر الآلاف أمام مقر الشركة في العاصمة الفلبينية مطالبين بجوائزهم، وهنا دخلت الشركة وضع الذعر فهي لا تستطيع دفع 16 مليار دولار لحملة إعلانية لم تخطط لتدفع أكثر من مليوني دولار عليها، لذا فقد كان أفضل ما خطر ببال المدراء هو دفع تعويض صغير يقدر بحوالي 20 دولاراً لكل من يحمل غطاء عبوة مع الرقم الفائز.
في البداية تجاوب البعض مع هذا العرض أخذوا المبلغ الصغير كونه أفضل ما يمكن أن يحصلوه، لكن الغالبية العظمى من الفائزين لم يوافقوا على الأمر، فمحاولة تعويض شخص كان يظن أنه ربح ما سيغير حياته تماماً بحولي 0.5٪ فقط من الجائزة ليس مجدياً حقاً، ومن هنا بدأت حرب حقيقية بين الشركة والمتظاهرين الذين سرعان ما بدأوا بالتنظيم وأعمال العنف.
حرب المتظاهرين على بيبسي
في البداية كان الأمر على شكل مظاهرات غاضبة من رابحين منددين بعدم حصولهم على جوائزهم، ومع تجاهل الشركة لهم سرعان ما بدأ الأمر يتحول للعنف بسرعة كبيرة وكانت الأهداف الأولى هي الشاحنات التابعة للشركة بالطبع، حيث أن عشرات الشاحنات تعرضت للقلب والحرق والرجم بالحجارة من المتظاهرين الغاضبين، وسرعان ما تحول الهدف من الشاحنات فقط إلى رمي الحجارة على مقرات الشركة ومكاتبها العديدة في البلاد.
صورة: Romeo Gavad/AFP/Getty Images
مع تزايد أعمال العنف سحبت بيبسي معظم موظفيها غير الفلبينيين خوفاً على سلامتهم، كما أن الموظفين الذين بقوا في البلاد كانوا يرافقون بحماية شخصية ومرافقة دائمة خوفاً من محاولات الانتقام عبر إيذائهم، ولاحقاً تبين أن هذا القرار كان سليماً مع انتقال البعض لاستخدام قنابل المولتوف والمتفجرات اليدوية ورميها على مباني الشركة وشاحناتها، وفي إحدى الحالات تدحرجت القنبلة المصنوعة يدوياً لتقتل مدرة وطفلة بعمر 5 سنوات وتصيب أطفالاً آخرين.
Advertisements
مع الوقت استمرت المظاهرات وأعمال العنف ضد بيبسي خلال عام 1993، حيث رفضت الشركة مطالب المحتجين واصفة إياها بالابتزاز العلني، لكن مع الوقت تحولت الأمور باتجاه القضاء بالدرجة الأولى حيث رفعت بضعة آلاف من الدعاوى القضائية ضد الشركة، وحتى أن أحد عناصر الشرطة ادعى أن بيبسي هي وراء عمليات التفجير التي استهدفتها، لكن سرعان ما تبين زيف ادعاءاته التي رفضت من قبل المسؤولين.
عواقب الحرب على بيبسي
مع الوقت تم رفض الدعاوى القضائية ضد بيبسي من قبل القضاء الفلبيني، حيث حكمت المحاكم لصالح الشركة بكونها غير ملزمة بدفع أية تعويضات مما أدى لخسائر كبرى للبعض ممن كانوا قد بادروا بشراء أغطية تحمل الأرقام الرابحة بأسعار تراوح 15 دولاراً للغطاء أملاً بكون بيبسي ستستسلم مستقبلاً وتدفع الجوائز كاملة، ومع أن الحملة ضد بيبسي كانت قد حطمت شعبيتها لتخسر جزءاً كبيراً من حصتها السوقية (انخفضت حصتها من 28٪ إلى 17٪ فقط) فقد عادت للانتعاش بعدها.
Advertisements
بحلول عام 1996 كانت الشركة قد عادت للنمو في السوق الفلبينية مجدداً، وعلى الرغم من بضعة قضايا مثيرة للجدل (تتضمن إحداها جائزة لمن يجمع 7 ملايين نقطة هي طائرة مقاتلة حربية لم تسلم بالطبع) فقد أثبتت الشركة أنها مصرة على البقاء في السوق الفلبيني، وأن صبرها أطول من صبر المحتجين عموماً. واليوم بعد قرابة 27 عاماً على الأمر تعد الشركة واحدة من أكبر الشركات في الفلبين حيث تسيطر على ما يزيد عن 30٪ من سوق المشروبات الغازية هناك.