الفنانة السعودية مهدية آل طالب: ثنائية الإتقان مع الخط واللون
عدنان بشير معيتيق
الخميس 2022/08/25
فنانة تصور بنات جنسها
تخوض الفنانة السعودية مهدية آل طالب منذ ثلاثة عقود غمار التجربة الفنية منوعة في المدارس الفنية وفي الأساليب المستخدمة في أعمالها التشكيلية، فهي وإن كانت فنانة دائمة التجديد إلا أنها تسير في طريق واضحة جعلتها تلتزم بالفن كمنجز فني لا يحتكم للسوق ولمنطق العرض والطلب وإنما للتعريف بموهبة خاصة وفريدة تنطلق من عالم الفنانة الضيق لتنفتح على عوالم أخرى أكثر اتساعا.
تسير الفنانة السعودية مهدية آل طالب بخطى ثابتة في مسيرة خالية من التعثر والارتباك، نلاحظها في العديد من التجارب التشكيلية العربية الأخرى حتى التي قضت سنوات طويلة من التجريب في مناطق عديدة من مناخات ومدارس الرسم حيث لا يمكن أن يتميز بعضها بملامح أسلوبية في الكم الكبير من أعماله نتيجة اتباع نهج السوق والأعمال السياحية والتجارية التي تسير خلف هدف واحد هو البيع دون التركيز على القيمة التشكيلية المقدمة بعكس ما تفعله الفنانة السعودية.
وأعمال الفنانة ذات فهم تشكيلي عال وجماليات تتخذ من مناطق تشكيلية تخصها وحدها دون غيرها من أصحاب التجارب العربية المجاورة من حيث تعدد الألوان في تناغم متقن دون تشكل ولا مبالغة في الرسم من حيث مهارة الأداء والتمكن من التشريح وقوانين العمل التقليدي في قالب معاصر جديد.
مهدية آل طالب تهتم بالألوان كأنها رسامة تجريدية، في حين تهتم بالخط والشكل وكأنها فنانة واقعية
هي ﻻ ترسم واقعا بل تحاكي مخيلتها الخصبة لتصنع عالما آخر موازيا لهذا الواقع المعيش، يكون ملجأ عند الحاجة إليه، هي كصاحبة هذا المشروع الفني ولكل المتعطشين للجمال الذين يجدون راحة النظر في مجاورة هذه الأعمال، عوالم مكانها من قصص الجنيات فتيات يافعات في حالة من الخفة والرشاقة في طفولة اللعب في أجواء خالية من كل هموم العصر.
بدأت مهدية آل طالب تصنع عالمها الخاص من الألوان بمقترحاتها المتخيلة منذ الطفولة، فالفنانة ترسم على كل شيء في طريقها، دفاتر الرسم والجدران وكل ما أمكن من مساحات تكون صالحة لإقامة مشروعها الفني، وتنفيذ أيّ فكرة تخطر على بالها كأي طفل يتملكه الشغف بحبه للرسم والتلوين حتى يصبح المرسم مكانه المفضل فينفصل عن عالم الواقع ويعيش في عالمه الخاص المتخيل.
وفي طور التكوين الفني للفنانة السعودية بعد العمل الجاد بكل شغف واطلاع على تجارب الآخرين الرائدة العالمية والمحلية عبر سنوات، بدأت تتكون لتجربتها ملامحها الخاصة متمثلة في الوجوه خصوصا وجه المرأة وتسريحة الشعر وتشريح الأجساد التي تميل إلى بدانة مستساغة وطريقة التلوين واستعمال مفردات ورموز أخرى كطائر الهدهد والسمكة والحصان، الحاضرة في عالم فني واحد، والذي تحضر فيه المرأة دائما مع أختها ومع زوجها وعائلتها، في نصوص بصرية مفتوحة، كأن الفنانة ﻻ تسعى لتكبيل المعنى في قصة محددة يمكن أن تفسّر بل هي بمثابة حلم متداخل المشاعر بين الوضوح والغموض.
ولأن الرسم عالم قائم بذاته ﻻ يمكن أن يحيل إلى قصص مكتوبة أو يترجم بالاكتفاء بالإشارة إلى المنجز الفني أو الكتابة، فوصف الحالة التي تصيب المتلقي أثناء مشاهدة الأعمال الفنية هو الأصدق تعبيرا عن التجربة. ويمكن أن تسرد مع سيرة الفنانة وما تم إنجازه في سيرتها الفنية من معارض ومشاركات محلية وعربية ودولية. وتعمل مهدية آل طالب على ترسيخ فكرة أن الرسم فن ﻻ يمكن أن يتجاور مع نصوص مكتوبة في كل الأوقات فهو عالم قائم بذاته، كل ما يحتاجه ذائقة عارفة بأمور التشكيل ومفاهيم الفن الجديد يكفي للتواصل مع تجربة الفنانة دون أيّ وسائط أخرى.
أشكال تمزج بين الواقع والخيال
وتهتم الفنانة بالألوان كأنها رسامة تجريدية، في حين تهتم بالخط والشكل كأنها فنانة واقعية فائقة الدقة، والأمر يعود إلى الإتقان في العمل والشغف بالرسم والتلوين معا من أجل صناعة عالم أجمل وأمكنة أرحب وفضاءات تتسع للجميع من أصحاب الذائقة المحبة لفن الرسم والنحت. ففي تجربتها بالإضافة إلى الرسم بالألوان على القماش بأعمال كبيرة الحجم أيضا أعمال أخرى بين الرسم والنحت تستعمل فيها مواد الخشب المهترئة والبالية والقديمة لتوظيف آثار الزمن في هذا النوع من الأعمال، وهي تضيف عليها مواضيعها المرسومة من شخوص وطيور والكثير من الحروف العربية بخط جميل كاستخدامات حروفية في بعض أجزاء الأعمال الفنية باستعمال مواد متعددة تثري التجربة عندها بتنوع إنتاجها من الرسم إلى النحت.
يذكر أن الفنانة والنحاتة مهدية علي آل طالب، من مواليد المملكة العربية السعودية – المنطقة الشرقية – القطيف، شاركت منذ عام 1992 في المئات من المعارض المحلية والدولية والعشرات من الملتقيات.
حصلت الفنانة على العديد من الدورات والورش التدريبية في الفن التشكيلي ومنها في النحت والخزف، والجرافيك سلك سكرين والليثوجرافيك والتصوير الضوئي، والخط الديواني والزخرفة. كما قدمت دورات وورشا تدريبية منذ عام 1995 في كل المجالات الحاصلة عليها.
وأسست الفنانة منذ عام 2006 مشروعها الفني الخاص، ومحترفها باسم محترف المدى “مهد الفنون” يضم معرضا دائما لها، وفيه تستضيف الفنانين لإقامة الدورات والورش.
والفنانة حائزة على جائزة اقتناء في معرض النحت الثاني عام 2014، وجائزة لجنة التحكيم في ملتقى الدكتورة سعاد صباح بالكويت في العام 2010، وجائزة المستوى الأول في المعرض الخامس لفنانات المملكة. وجائزة اقتناء في المعرض العام الثالث عشر مناطق المملكة بالرياض في العام 2010.