الانتهاكات داخل السجون التركية تبلغ حد حرمان الرضع من الرعاية الصحية
في الداخل حياة أشبه بالموت
أنقرة – تم الإفراج عن الآلاف من السجناء المتهمين في قضايا الحق العام بجرائم مثل النصب والاغتصاب والسرقة والنهب والابتزاز قبل إنهاء مدة عقوبتهم، لإفساح المكان للعديد من السجناء من الكتاب والصحافيين والقضاة والأكاديميين والسياسيين المعارضين وغيرهم من المهنيين في السجون التركية لتغص بأعداد هائلة منهم وتصبح مجمعا لنخبة المجتمع التركي.
ويحصل الزوار للمساجين في السجون التركية عموما على مقابلة لمدة 20 دقيقة مع السجين، كما يستغرق إحضار السجين من زنزانته إلى غرفة الزيارة وعودته إليها مرة أخرى حوالي الساعة. ولا تسمح إدارة السجون بإدخال الأطعمة والمشروبات، ولا حتى الكتب وجل مستلزمات الترفيه حتى اللعب للرضع والأطفال المحبوسين مع أمهاتهم.
وتقول شفق باوي عضو في البرلمان التركي ممثل لحزب الشعب الجمهوري المعارض على مدى السنوات الست الماضية، في مقال رأي نشرته في صحيفة ذي نيويورك تايمز، إن منصبها أجبرها على أن تصبح متخصصة في السجون التركية بعد الاضطهاد الذي تقوم به حكومة حزب العدالة والتنمية في حق العديد من السياسيين والنشطاء والمهنيين والمواطنين المدنيين ممن يعارضون حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واعتقلوا الآلاف بعد محاولة الانقلاب الفاشل.
ويعتمد وزير العدل التركي تصاريح زيارة السجون بعد تقديم طلب يتضمن أسماء السجناء واقتراح مواعيد للزيارات، ومع تزايد أعداد المعتقلين في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، وجب توخي الحذر بعدم الخلط بين اسم السجين وموقعه، وإلا سيُلغى التصريح.
السجناء يجدون صعوبة بالغة في الحصول على الرعاية الصحية داخل السجون، مهما كانت وضعيتهم الصحية وجنسهم وسنهم
وتضيف شفق أنها بدأت بزيارة خمسة سجناء سياسيين عام 2011، وأنها الآن تزور أكثر من 50 سجينا ممن يشكلون جزءا صغيرا من مجموع المعتقلين. ومن بين هؤلاء صحافيّان من صحيفتي جمهورييت وبيرغون منتقدان لحكومة أردوغان. أحدهما موسى كارت، رسام كاريكاتير في جريدة جمهورييت، تم سجنه مع 11 زميلا منذ أكتوبر بتهمة “مساعدة منظمة إرهابية مسلحة”.
ويرى البعض أن الاتهامات الموجهة ضد الكتاب والصحافيين المعتقلين تحمل طابعا هزليا، حيث شملت الأدلة الجنائية ضد أتيلا تاس، وهو كاتب عمود مسجون، واحدة من تغريداته التي تقول “لم يكن إديسون ليخترع المصباح الكهربائي إذا عاش هذه الأيام!”، ويُزعم أنه رمز بذلك إلى حزب العدالة والتنمية. وأمرت المحكمة بإطلاق سراح تاس في أول جلسة استماع له في أواخر شهر مارس الماضي، مما نتج عنه إقالة القضاة من مناصبهم في نفس يوم المحاكمة. وأعيد اعتقال تاس مرة أخرى، ولا يزال في السجن.
ويعد هذا المثال دليلا على أن لا مجال للحديث في تركيا أردوغان وفي تركيا ما بعد الانقلاب عن استقلالية القضاء وعن تطبيق القانون وسيادة القانون، فلا سيادة إلا لأهواء وتصفيات الحساب التي يشنها الحزب الحاكم ضد خصومه.
وتؤكد شفق أنها غالبا ما تزور سجن سيليفري، وتقول “هناك أمرّ بجميع مراحل التفتيش الأمنية، بما في ذلك فحص بصمة العين. وتعتبر مرحلة تفتيش الدخول هي الأصعب بالنسبة إلي، بسبب أطرافي الصناعية إذ تُطلق صفيرا عاليا في أجهزة الأمن. ويُسمح لي فقط بحمل دفتر ملاحظات وقلم، ولا يسمح للسجناء بالكتابة في الدفتر أو مشاركة أي ملاحظات مكتوبة. دوري هو أن أنقل ما يودون إخباره لأقربائهم ومحاميهم فقط”.
وتتغير قواعد الزيارات من آن إلى آخر. فعلى سبيل المثال، تم تحديد أيام الزيارات وهي الأربعاء والخميس، ولكن قد يغير مسؤولو السجن حرف الواو بـ”أو”. وتوضح الكاتبة أنه حتى حراس السجن ينتابهم الخوف والقلق، “فإذا طلبت كوبا من الماء لن يعطوك إياه خوفا من اتهامهم بمساعدة المعارضين منذ أن تمت إقالة العديد منهم بعد محاولة الانقلاب الفاشلة”.
لا مجال للحديث في تركيا أردوغان وفي تركيا ما بعد الانقلاب عن استقلالية القضاء وعن تطبيق القانون، فلا سيادة إلا لأهواء وتصفيات الحساب
ويجري تفتيش السجناء وهم عراة، وتنشر الحكومة بصورة دورية صورا للسجناء بأياديهم المقيدة خلف ظهورهم. وأبلغت منظمة العفو الدولية وحقوق الإنسان عن إساءة معاملة السجناء وتعذيبهم داخل السجون، حيث يتم إجبارهم على الجثو على ركبتيهم، ثم يُضربون بالعصي ويُحرمون من النوم حتى يوقّعون على ورقة الاعترافات التي توضع أمامهم.
ويجد السجناء صعوبة بالغة في الحصول على الرعاية الصحية داخل السجون، مهما كانت وضعيتهم الصحية وجنسهم وسنهم وهو ما أكدته العديد من التقارير الصحافية وكذلك بيانات وتقارير بعض المنظمات الحقوقية، وعلى سبيل المثال نشرت صحيفة زمان التركية مقتطفات من تقرير مفصل امتد على ثلاث صفحات نشرته صحيفة ألمانية سلطت فيه الضوء على أوضاع الأطفال الرضع داخل السجون التركية.
وبحسب الصحيفة الألمانية فإنه لا يمكن للأطفال النمو داخل السجن لأن الزنازين ممتلئة أكثر من طاقتها الاستيعابية ويحظر استقدام ألعاب ودمى إليهم من الخارج. وأفادت الصحيفة أن الأطفال يصابون بالأمراض باستمرار بسبب الأوضاع السيئة داخل السجون وأن أحدهم مهدد بفقدان بصره إن لم يتلق العلاج اللازم. موضحة أن الأطفال لا يتلقون الطعام المناسب واللازم لهم ويتم منح الأم والطفل وجبة واحدة.
وذكرت الصحيفة أيضا أن سيدة تُدعى نور حياة يلماز تبلغ من العمر 28 عاما تم اعتقالها أثناء حملها وفقدت توأمها داخل السجن ولم يتم إلى الآن تسليم الأسرة جثامين الطفلين.
جدير بالذكر أن سجون تركيا تضمّ 560 طفلا رضيعا بسبب اعتقال أمهاتهم بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب، كما بلغ عدد النساء المسجونات بموجب قرارات حالة الطوارئ 17 ألف امرأة، وتجاوز مجموع المعتقلين بعد الانقلاب 50 ألفا، وفق الإحصائيات الرسمية.
وفي نفس السياق تقول شفق باوي “لا يتم تحديد أعراض المرض من قبل الطبيب وإنما من قبل وزارة العدل، ولكي يذهب السجناء لزيارة الطبيب، يتم شحن المرضى بأعداد كبيرة لمدة ساعات مضغوطين داخل شاحنة تقلهم إلى الطبيب، وهم مكتوفي الأيدي وراء ظهورهم”. وفي عام 2015، انتحر 43 سجينا داخل السجون التركية؛ وارتفع العدد في العام 2016 ليصل إلى 66 سجينا وفقا لبيانات الحكومة.
ولا يتمتع السجناء بأي خصوصية حتى في استخدام دورة المياه حيث تم تثبيت كاميرات مراقبة مكبرة على أبواب الزنزانات والنوافذ والأسرّة؛ وتتم مراقبة السجناء حتى أثناء نومهم. ولا يُسمح بتغطية النوافذ بأوراق الصحف أو حتى بوضع ستار.
وعلى الرغم من الاعتقالات التعسفية ذات الأجل الطويل، التي قد يصل بعضها إلى 10 أشهر، لا يتم تجهيز قائمة الاتهامات لبدء المحاكمة. ويُسمح للسجناء بمقابلة محاميهم لمدة ساعة واحدة في الأسبوع، ولا يستطيع الكثير منهم تحمل تكاليف محام.