أخلاقيات مهنة التدريس بين التنظير والواقع / الجزء الأول / بقلم: ذ . المعانيد الشرقي
الجزء الأول.
ذ. المعانيد الشرقي
التعليم مهنة ذات قداسة خاصة، توجب على القائمين عليها أداء حق الانتماء إخلاصاً في العمل، وصدقاً مع النفس والمتعلمين، وعطاءً مستمراً لنشر العلم والفضيلة والقضاء على الجهل والتخلف بكل صنوفه، وذلك امتثالا لأداء الواجب ونكران الذات وما تحمله هذه العبارة من دلالات عميقة في مجال التربية والتكوين.
ولما كان التعليم يحمل صفة القداسة فذلك مرده بالأساس، إلى الرسالة النبيلة التي يتم تمريرها بطرق بيداغوجية للمتعلمين، من خلال أستاذات وأساتذة تشربوا قيما إنسانية رفيعة، تجد جذورها الحقيقة في نظريات التعلم وطرق التدريس الحديثة، والقيم الإنسانية النبيلة التي تشربها القائمون على إعداد النشء إعدادا يليق بتطلعاتهم وتلبية حاجاتهم وحاجات وطنهم.
إن الوضعيات التطبيقية التي من خلالها يتم تكوين الأستاذ بما يضمن له الحرفية والمهنية في الوقت المعاصر، هي التي جعلت منه ذلك الشخص المسئول الذي يمتلك المعرفة، ولديه القدرة والرغبة على إيصالها لطلابه وتنمية رغباتهم على الاستزادة والتطوير والإبداع، كما يقوم بتهذيب أخلاق طلابه وصقلها، ليس على المستوى النظري فحسب، ولكن حتى في الجانب العملي أيضا، من خلال تنظيم جماعة الصف ورصها بطرد الغرابة عن جنباتها وتعويضها بالألفة دوما.
ولرفع قلق العبارة عن العنوان، والكشف عن جدلية التنظير والواقع في علاقتهما بأخلاقيات مهنة التدريس، سيكون لزاما علينا من الناحية المنهجية وما يقتضيه منطق الخطاب طرح التساؤلات التالية:
• ما المقصود بالأخلاق بشكل عام؟
• وما علاقة الأخلاق بمهنة التدريس؟
• وما هي الأخلاق المطلوبة لمزاولة مهنة التدريس؟
• وكيف نرتقي بأخلاقيات مهنة التدريس بدءاً بالتنظير وصولا إلى التطبيق كغاية منشودة ؟
تشكل الأخلاق مبحثا نظريا معياريا يهتم بمنظومة القيم والمبادئ والمثل المنظمة والموجهة لسلوك الفرد وعلاقاته بالآخرين، لذا كانت الأخلاق في دراستها للفاعلية الإنسانية تسعى إلى البحث عن المبادئ والقيم التي تقود سلوك الفرد وتضبطه انطلاقا مما هو كائن
إلى ما ينبغي أن يكون، من هنا ارتباط الأخلاق بالأكسيولوجيا كمبحث خاص بالقيم الأخلاقية باعتبارها تتحدد من خلال نموذج أو تصور مثالي يتعارض مع المعطى ككائن واقع، ويتطلع إلى ما ينبغي أن يكون عليه الفعل الأخلاقي، خاصة وأن الإنسان لا يحيى فقط ككائن وموجود طبيعي في العالم، وإنما ينال وجوده معنى ودلالة داخل عالم القيم الأخلاقية، ترقى به من عالم الحيوانية الطبيعية إلى عالم الإنسانية، فيلتزم بواجباته ويسعى بشكل حثيث إلى تحقيق غاياته النبيلة ومنها سعادته وسعادة الآخرين.
ولما كان الإنسان كائناً أخلاقياً، فليس ذلك إلا لأنه يمتلك ملكة الفهم المتمثلة في العقل الذي يميز بين قيم الخير وقيم الشر، وبفضل العقل، استطاع الإنسان أن يتعلم ويُعلم. هكذا ارتبطت الأخلاق بمهنة التدريس منذ غابر الأزمان والعصور، كما استقر الرأي على أن التعليم أو التدريس مهنة، ولا بد أن ذلك أتى بعد فهم كاف لماهيته وجوهره وما يرسخه من فضائل جمة على المتعلمين كأفراد، والجماعات الإنسانية بشكل عام.
إن المجتمعات التي تبوأت الصدارة وأخذت قصب السبق في مضمار الحضارة، لا شك أنها هي تلك التي أعطت أهمية بالغة لقطاع التعليم والتعلم، وسهرت على اختيار رجالاته والعناية بهم بشكل منقطع النظير، لأن في ذلك اهتمام حتى بالناشئة أيضا. إلا أنه ليس في قضية التعليم أن نعطي تعريفا شاملا مانعا لهذا القطاع الحيوي فقط، أو أن نقوم بحشو رؤوس المتعلمين بالأفكار والمعارف، ولكن التعليم قبل كل شيء أخلاق وقيم وفضائل تتجاوز التوصيف البسيط، وترتقي إلى جعله مهنة خاصة لها نساؤها ورجالها. و لكي نكون أكثر دقة سيكون من اللازم أن نعتبر التعليم أولا رسالة نبيلة. فماذا نعني بهذا الأمر تحديدا؟
التعليم رسالة نبيلة:
التعليم في اللغة هو من فعل عَلّم، وعَلّمه الشيء تعليماً فتعلّم، ومنه قوله تعالى: " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. " (البقرة: الآية 31).
لذلك، فالمقصود بالتعليم اصطلاحا،ً هو عبارة عن عملية تعليمية منظّمة يُمارسها المُعلّم بهدف نقل ما في ذهنه من معارف ومعلومات إلى الطلاب المتعلّمين، والذين يكونون بحاجة إلى هذه المعارف.
يَسْلُكُ المعلم في عملية بناء التعلمات طرقا كثيرة ومختلفة بغرض إيصال المعارف لطلابه، ذلك أنه يستند إلى وسائط ديداكتيكية ناجعة ومنها تحليه بمكارم الأخلاق، لكونها تيسر له الطريق لإيصال المعارف وبشكلٍ مباشر منه شخصياً، ومخاطبة وجدان المتعلمين، ضمن عمليّة منظمّة تنتج عن تلك الممارسة المهنية النتائج والغايات المنشودة، بما يتيح بدرجة عالية حصول المتعلمين على تلك المعارف، وما يمتلكه المُعلّم من خِبرات في هذا المجال، يُساعد ناشئته على الارتقاء في سلم المعرفة وتهذيب نفوسهم وتكوين مواطنين متشبثين بوطنهم ووطنيتهم، حاملين لمسؤوليات جِسام حيال مستقبلهم ومستقبل بلدهم.
ويُعرّف التعليم أيضا،ً بأنّه عملية تغيير وتعديل في السلوك الثابت نسبياً والناتج عن التدريب؛ حيث يحصل المتعلمون من التعليم على معلومات أو مهارات وقدرات من شأنها تغيير سلوكهم أو تعديله للأفضل، كما عرّفه البعض بأنه عبارة عن نشاط، الهدف منه تحقيق التعلّم، ويمارس بطريقة تَحترم النمو العقلي والوجداني السيكولوجي للطلاب وقدرتهم على الحُكم المستقل بهدف المعرفة والفهم من خلال إعمال العقل في مناحي الوجود والذات أيضا.
مبادئ التعليم:
توجد مبادئ أساسيّة يجب أن يتضمّنها أيّ برنامج تعليمي حتى يكون التعليم فعّالاً، وهذه المبادئ هي:
مبدأ المشاركة: ويُقصد بهذا المبدأ، ضرورة إتاحة الفرصة للأشخاص المتعلّمين المشاركة في التعليم مباشرة، وبشكل ديمقراطي، وذلك بواسِطة تبادُل المعلومات والمهارات أو العمل على مهام مُعيّنة ضمن البرنامج التعليمي؛ حيث إنّ مبدأ المشاركة يعكس عمليّة التفاعل والمشاركة في طرح الأفكار بين المعلم والمتعلمين، مع مراعاة عدم التركيز على دور المُعلم بشكل كبير في تلقينهم المعلومات، بحيث يضحى المتعلم مستمع سلبي لا يشارك في بناء الدرس، بل أكثر من ذلك، يلتزم الصمت ويكون مُستقبلا للمعارف فقط. كما قيل عن العقل العربي في الوقت المعاصر: " صار العقل قربة تُحشى لا نارًا تُذكى. "
مبدأ المناقلة: والمقصود به، تطبيق ما يتعلّمه المتعلّمين ونقله إلى الواقع الفعلي؛ حيث إنّ التطبيق العملي يُساهم في تقليل الأخطاء، وبذلك يتم تطبيقه إما تدريجياً أو كلياً وبشكل شامل، فقد يكتسب المتعلّمون أكثر من مهارة من خلال البرنامج التعليمي، لذلك تُنقل هذه المَهارات والقُدرات في شكل كفايات متعددة ومختلفة إما بشكل كامل، أو من خلال تطبيق كل مهارة في وقت مختلف ومناسب لنوع المهارة .
مبدأ التعزيز: هو عبارة عن تحفيز السلوك الجيد والمرغوب فيه، والحدّ من السلوكيّات غير المرغوب فيها، عن طريق تهيئة الحوافز سواءً الإيجابية أو السلبية أمام المتعلّمين من خلال البرنامج التعليمي.
مبدأ التغذية العكسية أو الراجعة: تُعتبر التّغذية العكسية حول أداء الأشخاص المُتعلّمين ذات أهميّة كبيرة في كلّ مرحلة من مراحل التعليم والتعلم، حيث تساهم بشكل كبير في تصحيح أخطاء المتعلمين.
مبدأ الاهتمام بالفروق الفردية ما بين المتعلمين: إذا لاحظ المدرس أن هناك فروقا في التعلم بين المتعلمين - و غالبا ما تتسم جماعة الصف بهذه الصفة – فإن عليه العمل بطريقة المجموعات، بحيث يُدمج التلاميذ الضعاف في التحصيل، مع التلاميذ النجباء، ليضمن التعلم البيني الأفقي بشكل فعال. كما أن التحفيز الوجداني من طرف المدرس اتجاه تلامذته يمنحهم الاهتمام أكثر فأكثر للإقبال على التعلم والتحصيل الدراسي، خصوصا وأن تركيز المدرسين على تثبيت منظومة القيم داخل جماعة الصف، من خلال تناول مواضيع تندرج في هذا الباب، يُساعد على الارتقاء بالمتعلمين في السلم المعرفي بشكل سريع وفعال.
طرق الارتقاء بمنظومة التعليم ببلادنا:
إن المنظومة التعليمية لا يمكن أن ينفصل فيها التعليم عن التربية على القيم، ذلك أن المنظور الشامل للرسالة التعليمية يقصد به تكوين شخصية المتعلم في مختلف أبعادها، والمتعلم اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى - إضافة إلى المعارف والمهارات - إلى منظومة قيم تمكنه من استيعاب ثقافته وحضارته والانفتاح الواعي على الثقافات والحضارات الأخرى. كما أنه يحتاج إلى معايير يزن بها ما تفد عليه من مبادئ وسلوكيات وأفكار جاهزة ليميز المفيد منها من غير المفيد، وبما يضمن الانفتاح على الغير المختلف، وتبادل الاحترام معه كيفما كان لونه ثقافته موطنه أو جنسه. يقول الحكيم الهندي المهاتما غاندي في هذا الصدد: "علي أن أفتح نوافذ بيتي كي تهب عليه رياح كل الثقافات شريطة أن لا تقتلعني من جذوري."
الجزء الأول.
ذ. المعانيد الشرقي
التعليم مهنة ذات قداسة خاصة، توجب على القائمين عليها أداء حق الانتماء إخلاصاً في العمل، وصدقاً مع النفس والمتعلمين، وعطاءً مستمراً لنشر العلم والفضيلة والقضاء على الجهل والتخلف بكل صنوفه، وذلك امتثالا لأداء الواجب ونكران الذات وما تحمله هذه العبارة من دلالات عميقة في مجال التربية والتكوين.
ولما كان التعليم يحمل صفة القداسة فذلك مرده بالأساس، إلى الرسالة النبيلة التي يتم تمريرها بطرق بيداغوجية للمتعلمين، من خلال أستاذات وأساتذة تشربوا قيما إنسانية رفيعة، تجد جذورها الحقيقة في نظريات التعلم وطرق التدريس الحديثة، والقيم الإنسانية النبيلة التي تشربها القائمون على إعداد النشء إعدادا يليق بتطلعاتهم وتلبية حاجاتهم وحاجات وطنهم.
إن الوضعيات التطبيقية التي من خلالها يتم تكوين الأستاذ بما يضمن له الحرفية والمهنية في الوقت المعاصر، هي التي جعلت منه ذلك الشخص المسئول الذي يمتلك المعرفة، ولديه القدرة والرغبة على إيصالها لطلابه وتنمية رغباتهم على الاستزادة والتطوير والإبداع، كما يقوم بتهذيب أخلاق طلابه وصقلها، ليس على المستوى النظري فحسب، ولكن حتى في الجانب العملي أيضا، من خلال تنظيم جماعة الصف ورصها بطرد الغرابة عن جنباتها وتعويضها بالألفة دوما.
ولرفع قلق العبارة عن العنوان، والكشف عن جدلية التنظير والواقع في علاقتهما بأخلاقيات مهنة التدريس، سيكون لزاما علينا من الناحية المنهجية وما يقتضيه منطق الخطاب طرح التساؤلات التالية:
• ما المقصود بالأخلاق بشكل عام؟
• وما علاقة الأخلاق بمهنة التدريس؟
• وما هي الأخلاق المطلوبة لمزاولة مهنة التدريس؟
• وكيف نرتقي بأخلاقيات مهنة التدريس بدءاً بالتنظير وصولا إلى التطبيق كغاية منشودة ؟
تشكل الأخلاق مبحثا نظريا معياريا يهتم بمنظومة القيم والمبادئ والمثل المنظمة والموجهة لسلوك الفرد وعلاقاته بالآخرين، لذا كانت الأخلاق في دراستها للفاعلية الإنسانية تسعى إلى البحث عن المبادئ والقيم التي تقود سلوك الفرد وتضبطه انطلاقا مما هو كائن
إلى ما ينبغي أن يكون، من هنا ارتباط الأخلاق بالأكسيولوجيا كمبحث خاص بالقيم الأخلاقية باعتبارها تتحدد من خلال نموذج أو تصور مثالي يتعارض مع المعطى ككائن واقع، ويتطلع إلى ما ينبغي أن يكون عليه الفعل الأخلاقي، خاصة وأن الإنسان لا يحيى فقط ككائن وموجود طبيعي في العالم، وإنما ينال وجوده معنى ودلالة داخل عالم القيم الأخلاقية، ترقى به من عالم الحيوانية الطبيعية إلى عالم الإنسانية، فيلتزم بواجباته ويسعى بشكل حثيث إلى تحقيق غاياته النبيلة ومنها سعادته وسعادة الآخرين.
ولما كان الإنسان كائناً أخلاقياً، فليس ذلك إلا لأنه يمتلك ملكة الفهم المتمثلة في العقل الذي يميز بين قيم الخير وقيم الشر، وبفضل العقل، استطاع الإنسان أن يتعلم ويُعلم. هكذا ارتبطت الأخلاق بمهنة التدريس منذ غابر الأزمان والعصور، كما استقر الرأي على أن التعليم أو التدريس مهنة، ولا بد أن ذلك أتى بعد فهم كاف لماهيته وجوهره وما يرسخه من فضائل جمة على المتعلمين كأفراد، والجماعات الإنسانية بشكل عام.
إن المجتمعات التي تبوأت الصدارة وأخذت قصب السبق في مضمار الحضارة، لا شك أنها هي تلك التي أعطت أهمية بالغة لقطاع التعليم والتعلم، وسهرت على اختيار رجالاته والعناية بهم بشكل منقطع النظير، لأن في ذلك اهتمام حتى بالناشئة أيضا. إلا أنه ليس في قضية التعليم أن نعطي تعريفا شاملا مانعا لهذا القطاع الحيوي فقط، أو أن نقوم بحشو رؤوس المتعلمين بالأفكار والمعارف، ولكن التعليم قبل كل شيء أخلاق وقيم وفضائل تتجاوز التوصيف البسيط، وترتقي إلى جعله مهنة خاصة لها نساؤها ورجالها. و لكي نكون أكثر دقة سيكون من اللازم أن نعتبر التعليم أولا رسالة نبيلة. فماذا نعني بهذا الأمر تحديدا؟
التعليم رسالة نبيلة:
التعليم في اللغة هو من فعل عَلّم، وعَلّمه الشيء تعليماً فتعلّم، ومنه قوله تعالى: " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. " (البقرة: الآية 31).
لذلك، فالمقصود بالتعليم اصطلاحا،ً هو عبارة عن عملية تعليمية منظّمة يُمارسها المُعلّم بهدف نقل ما في ذهنه من معارف ومعلومات إلى الطلاب المتعلّمين، والذين يكونون بحاجة إلى هذه المعارف.
يَسْلُكُ المعلم في عملية بناء التعلمات طرقا كثيرة ومختلفة بغرض إيصال المعارف لطلابه، ذلك أنه يستند إلى وسائط ديداكتيكية ناجعة ومنها تحليه بمكارم الأخلاق، لكونها تيسر له الطريق لإيصال المعارف وبشكلٍ مباشر منه شخصياً، ومخاطبة وجدان المتعلمين، ضمن عمليّة منظمّة تنتج عن تلك الممارسة المهنية النتائج والغايات المنشودة، بما يتيح بدرجة عالية حصول المتعلمين على تلك المعارف، وما يمتلكه المُعلّم من خِبرات في هذا المجال، يُساعد ناشئته على الارتقاء في سلم المعرفة وتهذيب نفوسهم وتكوين مواطنين متشبثين بوطنهم ووطنيتهم، حاملين لمسؤوليات جِسام حيال مستقبلهم ومستقبل بلدهم.
ويُعرّف التعليم أيضا،ً بأنّه عملية تغيير وتعديل في السلوك الثابت نسبياً والناتج عن التدريب؛ حيث يحصل المتعلمون من التعليم على معلومات أو مهارات وقدرات من شأنها تغيير سلوكهم أو تعديله للأفضل، كما عرّفه البعض بأنه عبارة عن نشاط، الهدف منه تحقيق التعلّم، ويمارس بطريقة تَحترم النمو العقلي والوجداني السيكولوجي للطلاب وقدرتهم على الحُكم المستقل بهدف المعرفة والفهم من خلال إعمال العقل في مناحي الوجود والذات أيضا.
مبادئ التعليم:
توجد مبادئ أساسيّة يجب أن يتضمّنها أيّ برنامج تعليمي حتى يكون التعليم فعّالاً، وهذه المبادئ هي:
مبدأ المشاركة: ويُقصد بهذا المبدأ، ضرورة إتاحة الفرصة للأشخاص المتعلّمين المشاركة في التعليم مباشرة، وبشكل ديمقراطي، وذلك بواسِطة تبادُل المعلومات والمهارات أو العمل على مهام مُعيّنة ضمن البرنامج التعليمي؛ حيث إنّ مبدأ المشاركة يعكس عمليّة التفاعل والمشاركة في طرح الأفكار بين المعلم والمتعلمين، مع مراعاة عدم التركيز على دور المُعلم بشكل كبير في تلقينهم المعلومات، بحيث يضحى المتعلم مستمع سلبي لا يشارك في بناء الدرس، بل أكثر من ذلك، يلتزم الصمت ويكون مُستقبلا للمعارف فقط. كما قيل عن العقل العربي في الوقت المعاصر: " صار العقل قربة تُحشى لا نارًا تُذكى. "
مبدأ المناقلة: والمقصود به، تطبيق ما يتعلّمه المتعلّمين ونقله إلى الواقع الفعلي؛ حيث إنّ التطبيق العملي يُساهم في تقليل الأخطاء، وبذلك يتم تطبيقه إما تدريجياً أو كلياً وبشكل شامل، فقد يكتسب المتعلّمون أكثر من مهارة من خلال البرنامج التعليمي، لذلك تُنقل هذه المَهارات والقُدرات في شكل كفايات متعددة ومختلفة إما بشكل كامل، أو من خلال تطبيق كل مهارة في وقت مختلف ومناسب لنوع المهارة .
مبدأ التعزيز: هو عبارة عن تحفيز السلوك الجيد والمرغوب فيه، والحدّ من السلوكيّات غير المرغوب فيها، عن طريق تهيئة الحوافز سواءً الإيجابية أو السلبية أمام المتعلّمين من خلال البرنامج التعليمي.
مبدأ التغذية العكسية أو الراجعة: تُعتبر التّغذية العكسية حول أداء الأشخاص المُتعلّمين ذات أهميّة كبيرة في كلّ مرحلة من مراحل التعليم والتعلم، حيث تساهم بشكل كبير في تصحيح أخطاء المتعلمين.
مبدأ الاهتمام بالفروق الفردية ما بين المتعلمين: إذا لاحظ المدرس أن هناك فروقا في التعلم بين المتعلمين - و غالبا ما تتسم جماعة الصف بهذه الصفة – فإن عليه العمل بطريقة المجموعات، بحيث يُدمج التلاميذ الضعاف في التحصيل، مع التلاميذ النجباء، ليضمن التعلم البيني الأفقي بشكل فعال. كما أن التحفيز الوجداني من طرف المدرس اتجاه تلامذته يمنحهم الاهتمام أكثر فأكثر للإقبال على التعلم والتحصيل الدراسي، خصوصا وأن تركيز المدرسين على تثبيت منظومة القيم داخل جماعة الصف، من خلال تناول مواضيع تندرج في هذا الباب، يُساعد على الارتقاء بالمتعلمين في السلم المعرفي بشكل سريع وفعال.
طرق الارتقاء بمنظومة التعليم ببلادنا:
إن المنظومة التعليمية لا يمكن أن ينفصل فيها التعليم عن التربية على القيم، ذلك أن المنظور الشامل للرسالة التعليمية يقصد به تكوين شخصية المتعلم في مختلف أبعادها، والمتعلم اليوم يحتاج أكثر من أي وقت مضى - إضافة إلى المعارف والمهارات - إلى منظومة قيم تمكنه من استيعاب ثقافته وحضارته والانفتاح الواعي على الثقافات والحضارات الأخرى. كما أنه يحتاج إلى معايير يزن بها ما تفد عليه من مبادئ وسلوكيات وأفكار جاهزة ليميز المفيد منها من غير المفيد، وبما يضمن الانفتاح على الغير المختلف، وتبادل الاحترام معه كيفما كان لونه ثقافته موطنه أو جنسه. يقول الحكيم الهندي المهاتما غاندي في هذا الصدد: "علي أن أفتح نوافذ بيتي كي تهب عليه رياح كل الثقافات شريطة أن لا تقتلعني من جذوري."