- محمد شمس الدين كيف نحمي عبثنا من بعده؟!
سهى صبّاغ*
أن تكتب عن فنّان، فهذا أمر ليس بصعب ربّما. لكن أن تكتب عن صديق، وفنّان، وحالة في مدينة، فمن أين تبدأ وماذا تقول وكل فوضى بلادك لا ترحم رأسك الصّغير.
بعد أن كان جزءاً من الشارع الأشهر في لبنان – شارع الحمرا- ملاذ الفنّانين والمبدعين، الباحثين عن ركن لدردشة، أو عن ركن للتأمّل، أو عن العبث أو عن نقاشات حرّة بلا تحفّظ بأي موضوع كان، سياسي أو أدبي أو فنّي أو أو..
تَعِب محمّد من البحث عمّن يشتري عملاً من أعماله، لكي يستمر بالعيش، وبعد أن أصبح أستاذاً جامعيّاً، وما أدراك ما عاناه كي يحصل على الوظيفة، وبعض أصدقائه الذين استضافهم في بيته الباريسي (حسب أصدقاء مقرّبين) حين كان طالباً للفنّ، عادوا إلى الوطن واستلموا وظائفهم في كليّة الفنون الجميلة، ناسين أن يُسَهّلوا له أموره بدلاً من عرقلتها في دخوله إلى الصّرح التعليمي، للاستفادة من خبرته الفنيّة غير المتوفّرة وبكل صراحة، عند الكثيرين من الأساتذة الذين كانت ظروفهم أفضل، بسبب التدبيرات والمحسوبيّات المعروفة في بلد يعاني من ظاهرة «الشخص المناسب ليس في المكان المناسب». لاحقاً وبسبب معاناته مع المرض، إنسحب إلى قريته البازوريّة في جنوب لبنان. بنى بعد جهد محترفه المحاط بالطّبيعة، وأصبح الأصدقاء يلحقون به من فترة إلى فترة، ليأنسوا بجلساته ويشاهدونه في المحترف وبين أعماله. بعض البعيدين يتابعونه على مواقع التواصل، فتجدهم يتّصلون ببعضهم متسائلين: هل أحد يعرف أخباراً عن «شمس» (التسمية المختصرة المحبّبة عند الأصدقاء) ما القصّة، ما الخبر؟! والكل يخاف أن يسمع خبراً سيّئاً عنه، فحضرة الفنّان يلعب على الفايسبوك، كأن يكتب «شمس حاول الانتحار، شمس نُقِلَ في حالة خطرة إلى المستشفى، مرفق الخبر مع صورة لشمس ممدّد يبدو عليه التعب. فيما بعد يتبيّن لك أنها من دعابات شمس المزعجة والمضحكة بآن (ولو أنه كان فعلاً يعاني من المرض)..
هو محمد شمس الدين، الفنان الذي يعيش فنّه، فلا يأبه لدولة لا تسعى بحفظ أعمال فنّانيها، التي ستكون جزء من مرحلة تاريخيّة من عمر الوطن. لا يندم على اختياره الفن لأنه يريد اللعب، يريد التعبير، يريد ترجمة أحاسيسه. قال لي مرّة: «أريد أن أستمتع أنا أولاً، والفن هو متعتي». أنا شخصيّاً لا أعرف في البلد فنّان، لم يتكلّم بحرقة عن آداء حكومات بلاده، المستهترة بكل ما هو فنّ وثقافة وإبداع. قال لي مرّة شمس في إحدى المقابلات معه، بأن سياسيينا (وذكر الرئيس رفيق الحريري) يشترون أعمالاً من كل أنحاء العالم إلا من الفنانين اللبنانيين والعرب.
كلّما رحل أحد الفنّانين، تكون الحرقة حرقتين، خسارته، ومصير أعماله، وقد اندثرت أعمال لفنانين كثر في لبنان، بسبب عدم وجود متاحف وطنيّة تحفظها. وكلَّ لساننا وجفّ حِبرنا ونحن نطالب ونتكلّم.
أقرب الأصدقاء
في دردشة هاتفيّة مع علي مغنيّة، الصّديق المقرّب لمحمد شمس الدّين، يقول بنبرة فيها الكثير من الأسى والفقدان: في عصر الحجر «الكوروني» (وباء الكورونا) لا أعرف أن أتحدّث عن شمس، أنا ضائع ، كنّا نلتقي بشكل شبه يومي. لا ملل مع شمس، كل جلسة هناك جديد. كنّا نجلس تحت الشّجر ونحكي، ونتشاجر، ونحكي.. في إحدى المرّات عملت بعض البرك الصّغيرة في البستان ووضعت فيها الأسماك، كان يأت ويجلس بجانبها ويتأمّلها مبتسماً في هدوء ودهشة طفل. أقول له إذهب إلى بيتك أريد الذّهاب لزوجتي، فيقول لي إذهب أنت واتركني هنا، أنا بخير وسعيد، وأنا أعرف بأنه آت وفي قلبه حزن كبير، لم يقتله السّرطان، بل سكتة دماغيّة..
جنازة في زمن كورونا
في صباح نقل الفنّان التشكيلي محمّد شمس الدّين إلى مثواه الأخير، كان الجوّ حجراً صحيّاً في المنازل، ومنع للتجوّل بسبب خطورة الوباء، تتّصل بي صديقة مشتركة لشمس «فاطمة رسلان» وهي صاحبة مكتبة صغيرة في -شارع الحمرا- تتكلّم مربكة: ماذا نفعل وهناك ثلاثة أشخاص فقط في وداع شمس، ومن بينهم صديقه الذي هو كظلّه الشّاعر شبيب الأمين، قالت شبيب يا سهى، يبكي شمس وحيداً، ماذا نفعل والطرق مقفلة والبيوت؟! هكذا كان رحيل شمس الذي ولِد وتربّى أيضاً باليتم والوحدة.
في اليوم نفسه لوداع شمس، يتّصل الكاتب والشّاعر سيف الرّحبي، ومعرفته قديمة لمحمّد من الفترة الفرنسيّة في الثمانينات، يقول: في هذا الجوّ المكفهر كم أنا حزين على محمّد، كم كانت جلساتنا جميلة وحميمة، في أجواء -الحمرا- الثّقافيّة، وفي مقهى «جدل بيزنطي» المكان الذي فتحه صديقنا المشترك شبيب الأمين، على أساس مشروع تجاري، فتحوّل إلى مكان أدبي ثقافي، يستضيف به الأصدقاء، متجاهلاً الربح المادي. يردّد: كم أنا حزين في هذا الجوّ المقفهرّ العالمي..
من كتابات محمّد الّذي لم يطرح نفسه بيوم كشاعر أو ككاتب:
كنّا سوية نحلم بالبحر وسماء لا تخرقها الطّائرات
كنّا نحبّ فلسطين وبلاد الشّام
ونلهو قليلاً بفرح كبير
ورسمنا قلبينا كقلب واحد يتّسع لكل حبّ العالم
وحلّقنا بين الكواكب
بعيداً عن الضّوء
كانت عتمة خفيفة تشبه الخمرة المُعَتّقة
والآن أبكي تحت قصيدة وفي لوحة رسمتها كي أدفن فيها روحي
مواد مختلفة استخدمها الفنّان شمس الدّين
محمد شمس الدين، رسم العشرات من الأعمال مستخدماً تقنيّات مختلفة. زيت على قماش، أكريليك، وأكثر أعماله الأخيرة كانت بالألوان المائيّة، تميّز بها وكان له بصمة خاصّة في مادّة لا يجرؤ على استخدامها الكثير من الفنّانين لصعوبتها ودقّتها، رغم أن ليس هناك من مادّة يستهان بها. عالم المائيّات عند شمس الدّين عالم خاص يجب التوقّف عنده، ليكون بصمة تعلّم بالفن اللبناني، متجاوزاً التجارب التي سبقته، على سبيل المثال، الفنّان مصطفى فرّوخ الذي تميّز بمائيّات شفّافة بأسلوبه الإنطباعي، والفنّان الرّاحل أمين الباشا الذي عاصره محمّد وكان تلميذه اشتهر أيضاً بمائيّاته المأخوذة بالإجمال من مشاهداته في المدينة وفي جلسات المقاهي، ليأتي محمد شمس الدّين، فينقل مائيّاته للحداثة، بإحساسه المكثّف، فنّان صوفي الهوى، كشخصيّته، وثقافته. فهو آت من بيت أدبي، وعلماء دين. أدخل الكتابة بخطّ يده إلى لوحته لشغفه بها. لم يطرح نفسه كشاعر أو ككاتب. كان يكتب في لوحاته أو إلى جانب اللوحة على صفحته. لكنّه شاعر حديث وخاص بكل ما للكلمة من معنى، زاوج ما بين الكتابة العفوية واللون. يجدر التركيز على أعمال شمس الدّين المائيّة، فهي بصمته الخاصّة في الفن التشكيلي، مستفيداً من خبرته بالرّسم الزيتي. وعلى دولتنا العتيدة «العليلة» أن تُنشئ المتاحف وتحتفظ بأعمال مبدعيها كالفنّان محمد شمس الدين وغيره.
من كتابات شمس الدين السرياليّة:
سقطت شفتي في كوب ماء
فكّرت بأن العالم صار أحمراً
ولم أدرك بأني قد جرحت قلبي
وروحي هامت فوق مقابر الذين أحبّ
أين حبّي الجليل ؟
وأين فرحي في عتمة العالم ؟
أصبحت وحيداً إلاّ من دمع يعبر خدّي نحو فراغ
طأطأت العصافير تحت حزني حتى تلاشت من الصّمت
وأنا أطفأت روحي كي لا أعبر الطّريق إلى مكان
لأني كائن حقير لايعرف الحبّ
(من إحدى التعليقات على صفحة الفايسبوك، لصديق الفنّان، يكتب الشاعر «علي العبدالله» : جارح.. وشفّاف.. بردك المتدلّي من فضاء المرارات)
يقول عنه الحسين البوكيلي، مراسل وكالة الأنباء المغربيّة في بيروت بين عامي 2006- 2010 : تعرّفت على شمس في -شارع الحمرا- من بعيد، بمحفظته على كتفه وبها أدوات عمله وما يحتاجه لخرجته مع رفاقه، وسيجارته التي تكاد لا تفارق شفتيه في مقاهي الحمرا التي كانت ملتقى الكتّاب والفنّانين اللبنانيين، قبل إغلاق بعضها في السّنوات الأخيرة. حين تعرّفت عليه اكتشفت أنني ضيّعت سنتين في بيروت دون أن أتعرّف على أحد أعلامها وهو شمس. عرفته إنساناً متواضعاً وفناناً منفتحاً محبّاً للجميع، كان يحدّثني عن مغاربة فنانين وغير فنّانين عاشرهم خلال إقامته بباريس. كان إنساناً مرحاً بشوشاً دوماً. أتذكّر كم كنّا نضحك مع «البارمان» ناجي، في الريغوستو، ونطلب منه أشياء ليست في متناوله، ممّا يُضفي على الأمسية أجواء حميمة وجميلة لا يمكن إلا أن تبقى في الذّاكرة. كنت أصادفه كثيراً في أكثر من مكان، وهو الإنسان الاجتماعي الكاره للوحدة والباحث عن الجماعة، أو في اللقاء الشعري الأسبوعي في «دينامو» عند الموسيقي والكاتب علي نصّار. في أحد معارضه عرفت كم أن هذا الرجل هو فنّان حقيقي، من مستوى الحضور النّوعي من نقّاد وفنّانين وعارفين بالميدان. كان شمس متألّقاً.
من كتابات الفنّان شمس:
كان لينين يحاول أن يجعل من الكوكب سجناً للبروليتاريا
قلت له سأمنع عنك الهواء والماء وكل الأشياء
سكت وتنحّى جانباً بحزن
فقلت، سأجعل من العالم مطرحاً للّعب
جاءت المرأة وقالت، من أين لي سراويلي الدّاخليّة وأدوات مكياجي
سقطت في حفرة الحيرة
وخسرت صداقتي مع لينين العظيم
كنت عاشقاً
وأصبحت الآن بلا حلم يُغَطّي سوءتي
تقول الفنّانة التشكيليّة والأستاذة الجامعيّة فاطمة الحاج:
صامت في حياته
صامت في وجه القهر القدري
صامت في وجه خذلانه من زملائه . صامت في وجه من لم يُقدّر إمكاناته الفنيّة التجريبّية ولونيّته الجميلة، ورحل بصمت.
عرفته في باريس ودرسنا سويّة. هناك تعرّفت إلى صمته. كنّا نشرب القهوة سويّة في الكافيتيريا، ونتبادل شؤوننا الأكاديميّة. هذه الزّمالة امتدّت من الجامعة اللبنانيّة حيث كنّا ندرس سويّة.
إن سألته يُجيب. إن طلبت رأيه بلوحة يُعطيه. ربّما كان يُدَخّر زخم طاقته لوضعها في تجريبيّة لوحته وشحنها، فمحمد كان أميناً لفكره ومبادئه رغم تغيّر الأحداث من حوله وتفرّق رفاق الدّرب.
العارف بظروف نشأته، لا يتفاجأ بالاغتراب الذي عاشه هذا الفنّان، فغربته امتدّت من المهد إلى اللّحد. لكن لوحاته تبقى المتكلّم باسم الحاضر والغائب، وهي ستبقى حاضرة أبداً.
رحيل شمس يُشعل صفحات التّواصل
عند انتشار خبر رحيل محمد، اشتعلت صفحات التّواصل الاجتماعي، من قِبَل الأصدقاء الذين كتبوا حزناً وحرقة على رحيله، والمؤلم أن الكرة الأرضيّة بكاملها كانت صامتة ومتألمة مع محنة الجائحة التي انتشرت في العالم. بقيت صفحات التواصل هي المنفذ الذي نطق بحزن غياب شمس.
يقول المخرج اللبناني والأستاذ الجامعي الدكتور مشهور مصطفى: إنه سوريالي العيش على بساطته، كما هو سوريالي التعبير فنيّاً في لوحاته. مدخله إلى التعبير حكاية من صنيعه لتبسيط الأمور المعقّدة. لقد كان إذا غضب، عتب عتاباً يُخفي زعله الحائر عن الأصدقاء. ولطالما تأبّط الحياة ببساطة الحلم ونقاء المتفائل، تلك البساطة المعقودة على تأمّل صوفي وتفكير فيلسوف. لقد كان لديه سلوك فلسفة. تبسيط الحياة التي تنادي عليك من تعب آدمي، لترتاح في واحة وارفة الظلال مسيّجة بالتلقائيّة وبالشغف المتخفّي في مسافة تفصل بين سيجارة ورشفة قهوة، أو بين تعليق ساخر وجرعة من كأس.
إنه الصّديق الذي تركنا دون وداع
نتخبّط في شعاب الزّمن الأغبر.
محمد مكّي شمس الدين، لن ينساك من عرفك عن قرب. ومن عرف فنّك سيتذكّره محفوراً في ذاكرة الإبداع، لإنسان فنّان مرّ خفيفاً كنسمة تاركاً ظلّه مدوياً نظراً لارتطامه بعد سقوطه على الحقيقة التي طالما كان نشواناً يرنو إليها.
الرّقص تشكيليّاً
أتعلمون كيف يكون الرّقص تشكيليّاً؟ حين يكون المرء منتشياً مع الموسيقى ولا ألوان بين يديه إلا أصدقاء وسهر وموسيقى، يربط عصبة على رأسه، وينزل مستجيباً لدعوة إلى الرّقص التعبيري، الذي يخبر قصصاً لا تقال إلا بالإيماء الجسدي، هكذا تدروش في إحدى المرّات شمس، وكنت شاهدة.
يقول الفنّان التشكيلي والأستاذ الجامعي عادل قديح: التقيته في مطبعة يوم كنّا نعمل في مجال الإخراج الطّباعي. علّمته المهنة ليسدّ الرّمق وطلبت منه مساعدتي، فإذا بموهبته الطّريّة تُفصح عن نفسها. سألته عن رغبته في استكمال دراسته، فوجدته لاحقاً متقدّماً لدخوله إلى كليّة الفنون الجميلة، ثمّ التقينا في باريس واستكملنا تعاوننا في مجال الإخراج الطّباعي حيث انتشرت الصّحافة المهاجرة. كتبت عن تجربة محمد في المهجر. كان يعشق التّجريد وصولاً إلى «الحروفيّة». كانت تستهويه شقوق الأرض، فجعل من مساحاته اللونيّة كأنّها تغور إلى أعماق سريّة لا نعرف كنهها. سيطرت عليه ضبابيّة المساحات المتّشحة بالرّذاذ، ثم انساق إلى البحث عن هويّته الفنيّة الخاصّة. فوجدها بآليّة التوليف بين المساحات والكتابة التي بدت ذات خصوصيّة فريدة، كأنّها تحتضن الجنوب الرّازح يومها تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، وبدت فيها هضاب الجنوب السّمحة تعانق الحروف كأنّها تعلن عن نفسها وكينونتها بانتمائها العربي. بنفس الرّوحيّة أنجز جداريّته الفسيفسائيّة بمعهد الفنون الزخرفيّة في باريس. عاد إلى العلى وترك أثره يدبّ في كل أرض.
كل مراقب وفنّان وصديق لديه رأي في محمد شمس الدين وفنّه، فماذا قال عنه صديقه وزميله الفنان التشكيلي علي شمس الدين:
كانت لوحاته امتداداً لنمط حياته. متمرّدة وصريحة وشديدة الوضوح. رغم رمزيّتها الشكلانيّة أحياناً. لم تخضع لشروط السّوق، ولا لمزاج السّلطة الثّقافيّة أو معاييرها. كان يرتجل حياته، بلا تخطيط مسبق، ولا رهبة من القماشة البيضاء، التي تلقي الرّعب عادة في قلوب الرسّامين. فتأتي طازجة وعفويّة ولا مبالية لنقد متوقّع، واثقاً من نجاحها، كثقته بمحبّة الأصدقاء المحيطين به والأوفياء له. فمحمد شمس الدين، لم يكن له أخصام. أمّا محبّيه على المستوى الشّخصي، فكانوا أكثر من أن يتمّ إحصاءهم. عاش هذا الفنّان حياته حتى الثّمالة، لوناً وخمراً وعشقاً. غاص حتى العمق في شوارع المدينة وتبنّى مقاهيها كما تبنّته، ولكن روحه بقيت صافية كصفاء البحر في شواطئ صور.
صور
كنت في مهمّة عمل في ميناء صور، فوجدته أمامي. تعالي ندعوكِ وفريق العمل إلى الغداء، وكان شبيب الأمين صديقنا المشترك، واتّصلا بباقي أصدقائهما، علي مغنيّة والشّاعر اسكندر حبش وزوجته شيرين وآخرين. وكان لديهم من الجلد أن انتظرونا كي ننتهي من عملنا ويصبح الغداء عشاء. ربّما شهادة المحبّ والصديق مجروحة، كما يُقال، لكن الزملاء الثلاثة الذين تعرّفوا على شمس لأوّل مرّة، لم يتوقّفوا عن الضّحك والاسترسال في الكلام معه. سحرهم. ظلّوا لأيام يتحدّثون عن الفنّان شمس. أجمعوا بأنه هكذا يكون الفنّان الحقيقي. كان يرمي الفكرة ويستمتع بسماع الأحاديث والقصص التي يرووها على مسمعه، ويضحك بهدوئه المعتاد. حين يلفته ظُرف أحدهم، يقول له وكأنه وجد كنز: لا داعي لكي تذهب إلى عملك، إبقى هنا، ويبتسم. ألا يُسمّى كل هذا حالة فنيّة؟! كيف لا تفتقده الألوان والقماش والكرتون الأبيض؟! كيف لا يفتقده الأصدقاء والأحبّاء والأرض؟!
وكما عبّر الفنّان علي شمس الدّين الذي قال: الدّولاب دوّار سيّدتي، إلى أن نحظى بعشبة الخلود..