العادلون" من نص لألبير كامو إلى تمثل لأزمة لبنان السياسية وأبعادها
الثلاثاء 2022/08/23
العدل حلم لا يتحقق
بعلبك (لبنان) – قدم تحالف التشبيك للتواصل الثقافي على مدرجات معبد “باخوس” في قلعة بعلبك الأثرية مسرحية “العادلون” لألبير كامو، من إخراج كارولين حاتم.
المسرحية تستمر طوال خمسين دقيقة ويشترك في الأداء الممثّلون جوزيف عقيقي، سارة عبدو، ريان نيحاوي، ماريا دويهي، حمزة أبيض يزبك وربيع عبدو، وسبق عرضُه على خشبة مسرح “مونو” ببيروت في يونيو الماضي.
وتوزع رواد المسرح داخل معبد “باخوس” ما بين مفترشين للأرض، ضمن حلقات عائلية على الأغلب، وجالسين على الكراسي التي فرضت توزيعها العشوائي في خلفية المعبد طبيعة الصخور على أرضية المكان الذي مازالت اللوحة التي تؤرخ لأعمال تنقيب البعثة الألمانية في زمن الإمبراطور غليوم الثاني إبان العهد العثماني تتصدر جدرانها.
وأتقن الممثلون المطلون على عالم المسرح من مقاعد الدراسة الجامعية الأداء، وأثبتوا جدارة لم تحد منها رهبة المكان الذي تحلم كبريات الفرق العالمية في نيل شرف المشاركة بمهرجاناته. ولكن للأسف غيّب أداءهم، عدم إيلاء القيمين على العمل الاهتمام المطلوب للصوتيات، فكانت حناجرهم هي الوسيلة لإيصال ما أمكن من الأفكار في رحاب مكان ضمن الهواء الطلق، منفتح على السماء ومطل على الموقع الأثري المتجذر في التاريخ والحضارات.
ومسرحية “العادلون” مستوحاة من عمل الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي الأصل، والجزائري المولد ألبير كامو، والحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1957، قبل ثلاث سنوات من رحيله، وهي مسرحية تنبض بروحه المتمردة بوجه الطغاة، كيف لا وهو المشارك في صفوف المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي.
المخرجة لم تكتف بإعادة تجسيد نص كامو وإنما جعلت المسرحية تتطرق إلى زمنين أحدهما مقتبس من الواقع اللبناني
وقدمت مسرحية «العادلون» بنسختها الفرنسية لأول مرة يوم الخامس عشر من ديسمبر 1949 على خشبة مسرح هيبيرتو، بإخراج بول إيتلي. وهي أحد أهم الأعمال المسرحية الخالدة.
ولا تبتعد النسخة اللبنانية من المسرحية عن معالجة مسائل وجودية تتلخص في مجملها في موضوع الإرهاب والقتل المجاني الذي ينخرط فيه شباب كل العصور دون وعي بما يفعلون، كما تتخلل الحديث عن حياة الحالمين بالتغيير والعدل، واستعدادهم المثالي للتّضحية بأنفسهم في مواجهة فساد السياسيين الذي يبدو فسادا مزمنا.
وتدور قصة المسرحية حول تخطيط خلية من الثوار لاغتيال الزعيم المستبد الدوق الأكبر سيرجي ألكساندروفيتش في عام 1905 بتفجير عبوتين ناسفتين أثناء مرور موكبه، ولم ينجح الإعداد المكثف للعملية في المرة الأولى في تنفيذ الهجوم على الموكب، إلا أن إرادة الانتقام من الطغاة تغلبت على مشاعر الحب، فإنقاذ شعب من طاغية وتحقيق العدالة أولى من الانصراف إلى رغد العيش والتمتع برفقة الحبيبة، حتى ولو كان الثمن السجن والحكم المبرم بالإعدام شنقا، فكل شيء يرخص في سبيل الشعب وقضاياه.
لكن مخرجة العمل لم تكتف بإعادة تجسيد نص كامو وإنما جعلت المسرحية تتطرق إلى زمنين أحدهما مقتبس من العمل الروائي والآخر مقتبس من الواقع اللبناني، حيث تعيد المسرحية تمثيل الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان منذ انتفاضة 2019، مستعينة بحمولة من الإشارات التي تتخلّى عن دورها الغامض من أجل أن تقول الأشياء مباشرة، ولتضعَ المُشاهِد أمام نوع من المُعضِلات الإنسانية التي درجَ وجوديّو القرن الماضي على الوقوف عندها.
ويبدو إقدام كارولين حاتم على خوض تجربة مسرحية ثقافية في الزمن الصعب الذي يعيشه بلدها، دليل على إرادة الحياة ورفض الاستسلام لدى اللبنانيين، وللتذكير بالأسطورة التي تبعث طائر الفينيق من رماده في هذا الوطن الجريح التواق إلى نبض الحياة.
ويذكر أن التشبيك للتواصل الثقافي هو اتحاد يضم ثلاث مؤسسات ثقافية هي “كلاون مي إن” و”يرقة” و”يزن”، ويسعى لخلق وتنفيذ شبكة مستدامة لفنون الأداء في لبنان، متاحة للجميع، بهدف تحقيق لامركزيّة ثقافيّة، وتوفير فرص عمل للفنّانين والتقنيّين على مدار السنة، وتهيئة الظروف الملائمة لإنتاج أعمال تتجوّل في القرى وتصل إلى جميع فئات المجتمع والجماهير.
الثلاثاء 2022/08/23
العدل حلم لا يتحقق
بعلبك (لبنان) – قدم تحالف التشبيك للتواصل الثقافي على مدرجات معبد “باخوس” في قلعة بعلبك الأثرية مسرحية “العادلون” لألبير كامو، من إخراج كارولين حاتم.
المسرحية تستمر طوال خمسين دقيقة ويشترك في الأداء الممثّلون جوزيف عقيقي، سارة عبدو، ريان نيحاوي، ماريا دويهي، حمزة أبيض يزبك وربيع عبدو، وسبق عرضُه على خشبة مسرح “مونو” ببيروت في يونيو الماضي.
وتوزع رواد المسرح داخل معبد “باخوس” ما بين مفترشين للأرض، ضمن حلقات عائلية على الأغلب، وجالسين على الكراسي التي فرضت توزيعها العشوائي في خلفية المعبد طبيعة الصخور على أرضية المكان الذي مازالت اللوحة التي تؤرخ لأعمال تنقيب البعثة الألمانية في زمن الإمبراطور غليوم الثاني إبان العهد العثماني تتصدر جدرانها.
وأتقن الممثلون المطلون على عالم المسرح من مقاعد الدراسة الجامعية الأداء، وأثبتوا جدارة لم تحد منها رهبة المكان الذي تحلم كبريات الفرق العالمية في نيل شرف المشاركة بمهرجاناته. ولكن للأسف غيّب أداءهم، عدم إيلاء القيمين على العمل الاهتمام المطلوب للصوتيات، فكانت حناجرهم هي الوسيلة لإيصال ما أمكن من الأفكار في رحاب مكان ضمن الهواء الطلق، منفتح على السماء ومطل على الموقع الأثري المتجذر في التاريخ والحضارات.
ومسرحية “العادلون” مستوحاة من عمل الروائي والكاتب المسرحي الفرنسي الأصل، والجزائري المولد ألبير كامو، والحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1957، قبل ثلاث سنوات من رحيله، وهي مسرحية تنبض بروحه المتمردة بوجه الطغاة، كيف لا وهو المشارك في صفوف المقاومة الفرنسية للاحتلال النازي.
المخرجة لم تكتف بإعادة تجسيد نص كامو وإنما جعلت المسرحية تتطرق إلى زمنين أحدهما مقتبس من الواقع اللبناني
وقدمت مسرحية «العادلون» بنسختها الفرنسية لأول مرة يوم الخامس عشر من ديسمبر 1949 على خشبة مسرح هيبيرتو، بإخراج بول إيتلي. وهي أحد أهم الأعمال المسرحية الخالدة.
ولا تبتعد النسخة اللبنانية من المسرحية عن معالجة مسائل وجودية تتلخص في مجملها في موضوع الإرهاب والقتل المجاني الذي ينخرط فيه شباب كل العصور دون وعي بما يفعلون، كما تتخلل الحديث عن حياة الحالمين بالتغيير والعدل، واستعدادهم المثالي للتّضحية بأنفسهم في مواجهة فساد السياسيين الذي يبدو فسادا مزمنا.
وتدور قصة المسرحية حول تخطيط خلية من الثوار لاغتيال الزعيم المستبد الدوق الأكبر سيرجي ألكساندروفيتش في عام 1905 بتفجير عبوتين ناسفتين أثناء مرور موكبه، ولم ينجح الإعداد المكثف للعملية في المرة الأولى في تنفيذ الهجوم على الموكب، إلا أن إرادة الانتقام من الطغاة تغلبت على مشاعر الحب، فإنقاذ شعب من طاغية وتحقيق العدالة أولى من الانصراف إلى رغد العيش والتمتع برفقة الحبيبة، حتى ولو كان الثمن السجن والحكم المبرم بالإعدام شنقا، فكل شيء يرخص في سبيل الشعب وقضاياه.
لكن مخرجة العمل لم تكتف بإعادة تجسيد نص كامو وإنما جعلت المسرحية تتطرق إلى زمنين أحدهما مقتبس من العمل الروائي والآخر مقتبس من الواقع اللبناني، حيث تعيد المسرحية تمثيل الأزمة السياسية التي يعيشها لبنان منذ انتفاضة 2019، مستعينة بحمولة من الإشارات التي تتخلّى عن دورها الغامض من أجل أن تقول الأشياء مباشرة، ولتضعَ المُشاهِد أمام نوع من المُعضِلات الإنسانية التي درجَ وجوديّو القرن الماضي على الوقوف عندها.
ويبدو إقدام كارولين حاتم على خوض تجربة مسرحية ثقافية في الزمن الصعب الذي يعيشه بلدها، دليل على إرادة الحياة ورفض الاستسلام لدى اللبنانيين، وللتذكير بالأسطورة التي تبعث طائر الفينيق من رماده في هذا الوطن الجريح التواق إلى نبض الحياة.
ويذكر أن التشبيك للتواصل الثقافي هو اتحاد يضم ثلاث مؤسسات ثقافية هي “كلاون مي إن” و”يرقة” و”يزن”، ويسعى لخلق وتنفيذ شبكة مستدامة لفنون الأداء في لبنان، متاحة للجميع، بهدف تحقيق لامركزيّة ثقافيّة، وتوفير فرص عمل للفنّانين والتقنيّين على مدار السنة، وتهيئة الظروف الملائمة لإنتاج أعمال تتجوّل في القرى وتصل إلى جميع فئات المجتمع والجماهير.