الفن يدخل مرحلة مواجهة العنف العام المتزايد في تونس
حنان مبروك
الثلاثاء 2022/08/23
صبري مصباح يعتزل الفن ليمتهن صناعة الحلويات
ارتفع منسوب التعامل العنيف مع الفنانين التونسيين وبدأت ملامحه تتضح مع تواتر الإعلان عن هجرة فنانين واعتزال آخرين، مما يفرض الحديث عن سبب مثل هذه الأوضاع، خاصة وأن الجمهور التونسي لطالما كان لعقود سببا في شهرة العشرات من الفنانين العرب، ونقطة الانطلاق للتعريف بأغلب المواهب العربية الناجحة، إلا أنه اليوم صار يصب جام غضبه على أي مجهود فني يذكر.
شهدت الساحة الثقافية في تونس خلال الموسم الصيفي عددا من الهجمات غير المسبوقة التي استهدفت فنانين في قطاعات مختلفة من بينها المسرح والفن التشكيلي وكذلك الموسيقى، ودفع التضييق الأمني والهجمة الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي وحالة التنمر والسخرية الواسعة عددا من الفنانين لإعلان الهجرة نحو بلدان أوروبية في حين قرر آخرون اعتزال نشاطهم الفني.
وليست حالة العنف والهجوم والانتقادات الحادة بجديدة على الجمهور التونسي، فهو دائما ينتقد لمجرد الانتقاد، يفتي في كل أمر ويقدم آراءه وتحليلاته في كل ما هب ودب، وأحيانا يقول الرأي والرأي المخالف، فهو اليوم مع زيد وغدا قد يكون ضده، واليوم قد يعجبه فنانا أجنبيا في حين قد ينتصر غدا للفنان المحلي.
سامي نصر: العنف تجاه الفن يعكس عنفا خفيا ورفضا للوضع العام
وألف العاملون في الساحة الثقافية والفنانون مثل هذه الممارسات، لكن خلال العام الحالي، لم تكن حدة الانتقادات بالأمر الهيّن الذي يستطيع الجميع تجاهله، ففي حين عادت المهرجانات بعد غياب لعامين جراء جائحة كورونا، أظهر عدد لا بأس به من الشعب استنكارا ورفضا وهجوما على برمجة المهرجانات، واتهمها بتبديد أموال الدولة على أمور لا تسهم في تطور المجتمعات.
والمفارقة العجيبة، أن هذا الشعب هو نفسه الذي ابتهج لتخلصه من حكم الإسلاميين ومن وجود الأحزاب الإسلامية في منظومة الحكم، لكنه في المقابل يبدي أحيانا آراء ومواقف شديدة العنف والتعصّب والرجعية.
وجرّاء هذه الموجة العنيفة، أعلن الممثل التونسي لطفي العبدلي وقف تقديم عروضه المسرحية الساخرة واعتزامه الهجرة إلى فرنسا، بعد عرض كامل ممتلكاته في تونس للبيع.
وجاء قرار الممثل التونسي الشهير بعد أن قدم عرضا في السابع من أغسطس الحالي في مهرجان صفاقس الدولي، وأدّت بعض تعليقاته إلى استفزاز عناصر الشرطة الذين يؤمنون الحماية للمكان، ما دفعهم للصعود إلى خشبة المسرح محاولين إيقاف العرض، قبل أن يغادروا المكان تاركين الجمهور دون حماية أمنية، ثم وجد الممثل نفسه أمام وابل من السباب والشتائم على مواقع التواصل.
وقد نشر العبدلي فيديو تحدّث فيه باللغة الفرنسية عن التضييق الذي يتعرّض له، مؤكدا خشيته على سلامته الجسدية نتيجة التهديدات التي يتلقاها ومعبّرا عن خوفه على عائلته التي باتت مفتقدة للأمان في تونس.
بعد العبدلي، أعلنت الفنانة المسرحية ليلى طوبال اعتزالها التمثيل، وقدمت عرض “ياقوتة” في الثالث عشر من أغسطس الجاري، تزامنا مع العيد الوطني للمرأة، ليكون عملها الأخير كممثلة في مسيرة استمرت أكثر من 30 سنة.
وأعلن الفنان الشاب صبري مصباح أنه قرر اعتزال الغناء والتوجه نحو القيام بتكوين في إعداد الحلويات في فرنسا، منتقدا التعامل مع الفنان التونسي ومعبرا عن عدم رضائه على قراره لكنه سيكتفي بالفن كهواية وليس مهنة يعيش من عائداتها.
وغير بعيد عن هؤلاء، تعرض الممثل التونسي، الملقب بملك الكوميديا لمين النهدي أواخر الشهر الماضي إلى هجوم كبير من جمهوره بعد فشل عرضه المسرحي “نموت عليك” في مهرجان قرطاج الدولي، حيث غادر عدد منهم العرض بعد نصف ساعة على انطلاقه، وطالبه بعضهم باعتزال المسرح، بينما اتهمه آخرون بأنه يقدم أعمالا مبتذلة تكرّس التمييز الجهوي بين التونسيين. وتسببت الحادثة في إلغاء عروض الفنان في عدد من المهرجانات. وكذلك ألغيت عروض لفنانين آخرين في مهرجانات محلية ودولية، لرفض عناصر الأمن تأمينها، أو لأسباب لم توضح بعد.
وفي حادثة شهدنا أحداثا مشابهة لها طوال الأعوام الماضية، أثار مجسم تذكاري للناشط السياسي التونسي الراحل شكري بلعيد غضبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهموا الرسام والنحات سمير بن قويعة “باغتيال بلعيد مرة ثانية” بعد أن صوره في منحوتة لا تصور ملامح وجهه بدقة. ورغم أن الفنان أكد أنه لم يعد “خلق” بلعيد فنيا، وإنما “أراده مجسما وفيا لشخصية الراحل وجامعا لكل أبعادها”، إلا أنه لا يزال إلى اليوم مصدر تنمر وسخرية واسعة.
وفي هذا السياق، رأى الباحث في علم الاجتماع سامي نصر أن ما يحدث يمكن توصيفه بـ”السحل الشعبي” للفنانين، وهناك أكثر من سبب وراء هذا التوتر في العلاقة بين الفنان والجمهور، في مقدمتها “اقتحام الفنانين لمجال غير مجالهم وزعزعة الصورة التي كان يحملها الجمهور عنهم، وهنا نتحدث عن موجة دخول الفنانين عالم الإعلام، فالكثير منهم دخل عالم الكرونيك والآخر تحول إلى منشط أو منشطة، مع تخليهم عن مجالهم الأصلي وعن صورهم كفنانين، مع عدم تجاهل الدور السلبي لوظيفة الكرونيكور والرفض المجتمعي للعديد منهم”.
ويعتبر بن نصر أن ما يحدث اليوم للفنانين يجسد المقولة التالية “نجني اليوم ما زرعناه في الأمس، في الأمس غير البعيد كان دور الإعلام والنخب الفنية وغير الفنية هو التأثير على الرأي العام، وفي الأمس القريب كان دورهم توجيه الرأي العام، ثم تطور ذلك ليصبح صناعة الرأي العام وصناعة الجمهور”، لذلك نجد أن “رموز الرداءة صنعوا جمهور الرداءة القادر على الانقلاب عليها في كل وقت”.
العاملون في الساحة الثقافية والفنانون ألفوا الممارسات العنيفة، لكن خلال العام الحالي، لم تكن حدة الانتقادات بالأمر الهيّن
وفي وسط موجة الاعتزال والهجرة والآراء المهاجمة والمنتقدة للفن والفنانين في تونس، وحتى أولئك العرب والأجانب الذين يأتون لإحياء حفلات وتقديم عروض مسرحية وفنية، تكون أحيانا مجانية وبظروف صعبة، لكنهم يصطدمون بطائفة واسعة من الجمهور التونسي تنتقدهم وتهاجمهم، لا يبدي الفنانون تضامنا مع بعضهم البعض أو دفاعا عن اختياراتهم، بل ينخرط بعضهم في موجة الهجوم الشعبي، دون احترام لاختلاف التوجه الفني والمدرسة الفنية التي يشتغل وفقها أي زميل لهم، وكأنهم يشجعون على عدم الاختلاف وأن تتحول الساحة الثقافية إلى نسخ متشابهة ومكررة.
وفي هذا السياق، يعتبر بن نصر أن هناك “أزمة قيم حادة يعيشها العالم الفني، فمنذ تزايد استهداف بعض رموز الفن، غابت قيم التضامن بين أهل القطاع وشاهدنا بعض التشفي بين زملاء المهنة، هذا إن لم نقل إن ما حدث لضحايا الأمس من الفنانين كانت وراءه أياد منافسة في نفس المجال”.
وأضاف الباحث أن الجمهور يمكن اعتباره “عينة مصغرة للشعب التونسي بأكمله، وهي عينة تحمل داخلها رفضا اجتماعيا لما تعيشه البلاد وموقفا من الرموز والنجوم، وهي عبارة عن شحنة رفض مكبوتة قابلة للانفجار تجاه أي شيء، وهم يمثلون انعكاسا لمقولة هامة تقول إن المستعد للشيء تكفيه أبسط الأشياء”.
وبالعودة إلى الفنانين، كانت ردود أفعالهم على الهجوم لا تقل عنفا، فبعضهم نشر فيديوهات يتهكم فيها على آراء الجمهور في أعماله الفنية، بينما اتهم آخرون أحزابا سياسية بالوقوف وراء حملات ممنهجة ضدهم، كما حصل مع عائلة الفنان الأمين النهدي التي اتهمت حركة النهضة الإسلامية بشن حملة ممنهجة ضده.
ويبدي الفنانون التونسيون عامة رفضا حادا وقطعيا لأي نقد أو انتقاد موجه إليهم، فحتى الصحافي المحلل والناقد، من السهل أن يتعرض لهجوم من فنان لمجرد تحليله عملا فنيا أو توجيه نقد بناء يراد منه الإصلاح والتغيير وتطوير العمل والتجربة، وبالتالي تطوير الساحة الثقافية والوعي المجتمعي بقيمة الفن والثقافة في تطور الشعوب.
ويقول بن نصر إن هناك بالفعل “جهات سياسية قادرة على استثمار كل هذه الوضعيات السالف ذكرها لتدمير أي فنان لم يكن على مقاسها”، ولم يتبن سياساتها الثقافية ولم يروّج لأيديولوجياتها، لكنه يشدد على أن “الجمهور والشعب قوة لا يجب أن يستهان بها، فهو بوعي أو دون وعي قوة قادرة على أن تتحول إلى قوة فاعلة، فاستفاقة الشعوب ممكنة في كل لحظة، ورغم ذلك فإن النخب الفنية تراهن في نجاحها واستمرارها على الجمهور، لكن في المقابل لا أحد يستعين بأهل الاختصاص لمعرفة خصوصية هذا الجمهور”، لذلك نرى أعمالا لا ترضي الذائقة الفنية المحلية، ورغم أنها تتعرض للهجوم والرفض إلا أن أصحابها يصرون على تقديم نسخ مقاربة لها وتكرار أخطائهم نفسها.
☚ حالة العنف والهجوم والانتقادات الحادة ليست جديدة على الجمهور التونسي، فهو دائما ينتقد لمجرد الانتقاد
حنان مبروك
الثلاثاء 2022/08/23
صبري مصباح يعتزل الفن ليمتهن صناعة الحلويات
ارتفع منسوب التعامل العنيف مع الفنانين التونسيين وبدأت ملامحه تتضح مع تواتر الإعلان عن هجرة فنانين واعتزال آخرين، مما يفرض الحديث عن سبب مثل هذه الأوضاع، خاصة وأن الجمهور التونسي لطالما كان لعقود سببا في شهرة العشرات من الفنانين العرب، ونقطة الانطلاق للتعريف بأغلب المواهب العربية الناجحة، إلا أنه اليوم صار يصب جام غضبه على أي مجهود فني يذكر.
شهدت الساحة الثقافية في تونس خلال الموسم الصيفي عددا من الهجمات غير المسبوقة التي استهدفت فنانين في قطاعات مختلفة من بينها المسرح والفن التشكيلي وكذلك الموسيقى، ودفع التضييق الأمني والهجمة الشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي وحالة التنمر والسخرية الواسعة عددا من الفنانين لإعلان الهجرة نحو بلدان أوروبية في حين قرر آخرون اعتزال نشاطهم الفني.
وليست حالة العنف والهجوم والانتقادات الحادة بجديدة على الجمهور التونسي، فهو دائما ينتقد لمجرد الانتقاد، يفتي في كل أمر ويقدم آراءه وتحليلاته في كل ما هب ودب، وأحيانا يقول الرأي والرأي المخالف، فهو اليوم مع زيد وغدا قد يكون ضده، واليوم قد يعجبه فنانا أجنبيا في حين قد ينتصر غدا للفنان المحلي.
سامي نصر: العنف تجاه الفن يعكس عنفا خفيا ورفضا للوضع العام
وألف العاملون في الساحة الثقافية والفنانون مثل هذه الممارسات، لكن خلال العام الحالي، لم تكن حدة الانتقادات بالأمر الهيّن الذي يستطيع الجميع تجاهله، ففي حين عادت المهرجانات بعد غياب لعامين جراء جائحة كورونا، أظهر عدد لا بأس به من الشعب استنكارا ورفضا وهجوما على برمجة المهرجانات، واتهمها بتبديد أموال الدولة على أمور لا تسهم في تطور المجتمعات.
والمفارقة العجيبة، أن هذا الشعب هو نفسه الذي ابتهج لتخلصه من حكم الإسلاميين ومن وجود الأحزاب الإسلامية في منظومة الحكم، لكنه في المقابل يبدي أحيانا آراء ومواقف شديدة العنف والتعصّب والرجعية.
وجرّاء هذه الموجة العنيفة، أعلن الممثل التونسي لطفي العبدلي وقف تقديم عروضه المسرحية الساخرة واعتزامه الهجرة إلى فرنسا، بعد عرض كامل ممتلكاته في تونس للبيع.
وجاء قرار الممثل التونسي الشهير بعد أن قدم عرضا في السابع من أغسطس الحالي في مهرجان صفاقس الدولي، وأدّت بعض تعليقاته إلى استفزاز عناصر الشرطة الذين يؤمنون الحماية للمكان، ما دفعهم للصعود إلى خشبة المسرح محاولين إيقاف العرض، قبل أن يغادروا المكان تاركين الجمهور دون حماية أمنية، ثم وجد الممثل نفسه أمام وابل من السباب والشتائم على مواقع التواصل.
وقد نشر العبدلي فيديو تحدّث فيه باللغة الفرنسية عن التضييق الذي يتعرّض له، مؤكدا خشيته على سلامته الجسدية نتيجة التهديدات التي يتلقاها ومعبّرا عن خوفه على عائلته التي باتت مفتقدة للأمان في تونس.
بعد العبدلي، أعلنت الفنانة المسرحية ليلى طوبال اعتزالها التمثيل، وقدمت عرض “ياقوتة” في الثالث عشر من أغسطس الجاري، تزامنا مع العيد الوطني للمرأة، ليكون عملها الأخير كممثلة في مسيرة استمرت أكثر من 30 سنة.
وأعلن الفنان الشاب صبري مصباح أنه قرر اعتزال الغناء والتوجه نحو القيام بتكوين في إعداد الحلويات في فرنسا، منتقدا التعامل مع الفنان التونسي ومعبرا عن عدم رضائه على قراره لكنه سيكتفي بالفن كهواية وليس مهنة يعيش من عائداتها.
وغير بعيد عن هؤلاء، تعرض الممثل التونسي، الملقب بملك الكوميديا لمين النهدي أواخر الشهر الماضي إلى هجوم كبير من جمهوره بعد فشل عرضه المسرحي “نموت عليك” في مهرجان قرطاج الدولي، حيث غادر عدد منهم العرض بعد نصف ساعة على انطلاقه، وطالبه بعضهم باعتزال المسرح، بينما اتهمه آخرون بأنه يقدم أعمالا مبتذلة تكرّس التمييز الجهوي بين التونسيين. وتسببت الحادثة في إلغاء عروض الفنان في عدد من المهرجانات. وكذلك ألغيت عروض لفنانين آخرين في مهرجانات محلية ودولية، لرفض عناصر الأمن تأمينها، أو لأسباب لم توضح بعد.
وفي حادثة شهدنا أحداثا مشابهة لها طوال الأعوام الماضية، أثار مجسم تذكاري للناشط السياسي التونسي الراحل شكري بلعيد غضبا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهموا الرسام والنحات سمير بن قويعة “باغتيال بلعيد مرة ثانية” بعد أن صوره في منحوتة لا تصور ملامح وجهه بدقة. ورغم أن الفنان أكد أنه لم يعد “خلق” بلعيد فنيا، وإنما “أراده مجسما وفيا لشخصية الراحل وجامعا لكل أبعادها”، إلا أنه لا يزال إلى اليوم مصدر تنمر وسخرية واسعة.
وفي هذا السياق، رأى الباحث في علم الاجتماع سامي نصر أن ما يحدث يمكن توصيفه بـ”السحل الشعبي” للفنانين، وهناك أكثر من سبب وراء هذا التوتر في العلاقة بين الفنان والجمهور، في مقدمتها “اقتحام الفنانين لمجال غير مجالهم وزعزعة الصورة التي كان يحملها الجمهور عنهم، وهنا نتحدث عن موجة دخول الفنانين عالم الإعلام، فالكثير منهم دخل عالم الكرونيك والآخر تحول إلى منشط أو منشطة، مع تخليهم عن مجالهم الأصلي وعن صورهم كفنانين، مع عدم تجاهل الدور السلبي لوظيفة الكرونيكور والرفض المجتمعي للعديد منهم”.
ويعتبر بن نصر أن ما يحدث اليوم للفنانين يجسد المقولة التالية “نجني اليوم ما زرعناه في الأمس، في الأمس غير البعيد كان دور الإعلام والنخب الفنية وغير الفنية هو التأثير على الرأي العام، وفي الأمس القريب كان دورهم توجيه الرأي العام، ثم تطور ذلك ليصبح صناعة الرأي العام وصناعة الجمهور”، لذلك نجد أن “رموز الرداءة صنعوا جمهور الرداءة القادر على الانقلاب عليها في كل وقت”.
العاملون في الساحة الثقافية والفنانون ألفوا الممارسات العنيفة، لكن خلال العام الحالي، لم تكن حدة الانتقادات بالأمر الهيّن
وفي وسط موجة الاعتزال والهجرة والآراء المهاجمة والمنتقدة للفن والفنانين في تونس، وحتى أولئك العرب والأجانب الذين يأتون لإحياء حفلات وتقديم عروض مسرحية وفنية، تكون أحيانا مجانية وبظروف صعبة، لكنهم يصطدمون بطائفة واسعة من الجمهور التونسي تنتقدهم وتهاجمهم، لا يبدي الفنانون تضامنا مع بعضهم البعض أو دفاعا عن اختياراتهم، بل ينخرط بعضهم في موجة الهجوم الشعبي، دون احترام لاختلاف التوجه الفني والمدرسة الفنية التي يشتغل وفقها أي زميل لهم، وكأنهم يشجعون على عدم الاختلاف وأن تتحول الساحة الثقافية إلى نسخ متشابهة ومكررة.
وفي هذا السياق، يعتبر بن نصر أن هناك “أزمة قيم حادة يعيشها العالم الفني، فمنذ تزايد استهداف بعض رموز الفن، غابت قيم التضامن بين أهل القطاع وشاهدنا بعض التشفي بين زملاء المهنة، هذا إن لم نقل إن ما حدث لضحايا الأمس من الفنانين كانت وراءه أياد منافسة في نفس المجال”.
وأضاف الباحث أن الجمهور يمكن اعتباره “عينة مصغرة للشعب التونسي بأكمله، وهي عينة تحمل داخلها رفضا اجتماعيا لما تعيشه البلاد وموقفا من الرموز والنجوم، وهي عبارة عن شحنة رفض مكبوتة قابلة للانفجار تجاه أي شيء، وهم يمثلون انعكاسا لمقولة هامة تقول إن المستعد للشيء تكفيه أبسط الأشياء”.
وبالعودة إلى الفنانين، كانت ردود أفعالهم على الهجوم لا تقل عنفا، فبعضهم نشر فيديوهات يتهكم فيها على آراء الجمهور في أعماله الفنية، بينما اتهم آخرون أحزابا سياسية بالوقوف وراء حملات ممنهجة ضدهم، كما حصل مع عائلة الفنان الأمين النهدي التي اتهمت حركة النهضة الإسلامية بشن حملة ممنهجة ضده.
ويبدي الفنانون التونسيون عامة رفضا حادا وقطعيا لأي نقد أو انتقاد موجه إليهم، فحتى الصحافي المحلل والناقد، من السهل أن يتعرض لهجوم من فنان لمجرد تحليله عملا فنيا أو توجيه نقد بناء يراد منه الإصلاح والتغيير وتطوير العمل والتجربة، وبالتالي تطوير الساحة الثقافية والوعي المجتمعي بقيمة الفن والثقافة في تطور الشعوب.
ويقول بن نصر إن هناك بالفعل “جهات سياسية قادرة على استثمار كل هذه الوضعيات السالف ذكرها لتدمير أي فنان لم يكن على مقاسها”، ولم يتبن سياساتها الثقافية ولم يروّج لأيديولوجياتها، لكنه يشدد على أن “الجمهور والشعب قوة لا يجب أن يستهان بها، فهو بوعي أو دون وعي قوة قادرة على أن تتحول إلى قوة فاعلة، فاستفاقة الشعوب ممكنة في كل لحظة، ورغم ذلك فإن النخب الفنية تراهن في نجاحها واستمرارها على الجمهور، لكن في المقابل لا أحد يستعين بأهل الاختصاص لمعرفة خصوصية هذا الجمهور”، لذلك نرى أعمالا لا ترضي الذائقة الفنية المحلية، ورغم أنها تتعرض للهجوم والرفض إلا أن أصحابها يصرون على تقديم نسخ مقاربة لها وتكرار أخطائهم نفسها.
☚ حالة العنف والهجوم والانتقادات الحادة ليست جديدة على الجمهور التونسي، فهو دائما ينتقد لمجرد الانتقاد