جارة الريجيم... لماذا ندفع أكثر إذا كنّا سنأكل أقل؟
صابرين طه
صراع المقلوبة والنادي الرياضي
أنا أعشق الكنافة، وآكل نصف أوقية أو حتى أوقية بمناسبة أو بدون مناسبة، ما جعلني أكسب الكثير من الوزن. بعد فترة وجدت نفسي ألهث لدى صعود درج بناية أو قطع مسافة طويلة مشياً.
لكن في صيف العام 2019، قررت أنا التي تحاول منذ أعوام طويلة خسارة الوزن الزائد، أن أحقق هذا الحلم بتجويع نفسي عدّة أسابيع بهدف 20 كيلوغراماً خلال أقل من شهرين، أو هكذا قلت لنفسي حينها.
تحتاج النساء لاستهلاك بين 1600 و 2400 سعرة حرارية يومياً، مقارنة بالرجال الذين يراوح استهلاكهم بين 2000 و 3000، وهي أرقام متغيرة ونسبية بحسب عمر الشخص وممارسته للرياضة وغيرها من المحددات.
المهم أنني زرت النادي الرياضي ثلاث مرات قبل أن أنسى الخطة برمتها. أحضرت قلماً وورقةً، ورحت أحسب السعرات الحرارية التي يمكنني استهلاكها في اليوم الواحد لأخسر الدهون التي تحيط بخصري مع نهاية الشهرين. بدا الطرح منطقياً، خاصةً أنني سجّلت في نادٍ رياضي سيُلزمني بالحفاظ على النتيجة التي ظننت أني سألحظها منذ اليوم الأول، وطبعا لم أصل لغايتي.
هل الغذاء الصحّي للأغنياء فقط؟
لكن شيئاً مختلفاً حدث في العام 2020، حين اصطحبتني صديقة إلى أحد مراكز التغذية للتسجيل لديهم، أقنعتني بأن الحل الوحيد لإنزال الوزن هو تغيير نوعية الطعام وليس كميته فقط، فوافقت على مضض ورافقتها إلى هناك.
بحسب دراسة لجامعة هارفرد فإن بعض الأطعمة التي تحفز مراكز معينة في الدماغ تؤثر على خياراتنا في الأكل، وهي الأطعمة المرتبطة بمذاق الحلو أو المالح في الغالب. مراكز التحفيز في الدماغ ستجعلنا نتذكر التجربة التي مررنا بها خلال الأكل وستعيدنا إلى نفس التجربة في كل مرة.
شرحت لي خبيرة التغذية أهمية التقليل من الأطعمة السريعة الحلوة والمالحة التي يسهل هضمها، واستبدالها بالأطعمة التي تساعد على تقليل الشعور بالجوع وتلك الغنية بالفيتامينات والألياف والبروتينات.
خرجت إلى سوق رام الله للخضار واشتريت من كل صنف ما يكفي لصنع وجبة متكاملة أرشدتني إليها خبيرة التغذية، وبدأت رحلتي في استبدال الأكل السهل الهضم بالأطعمة التي ستشعرني بالشبع دون أن أخاف من زيادة الوزن، لكنني لم أحسب زيادة الإنفاق.
لاحظت مع بداية التغيير للنظام الغذائي الصحي أن فاتورة الطعام صارت أعلى بكثير على الرغم من استهلاكي كميات طعام أقل بكثير، وبتّ ألاحظ أنني مثلاً حين أشتري الشوفان وحليب اللوز واللوز غير المحمص والعسل لصنع وجبة صحية، أنفق أكثر مما كانت ستكلّفني وجبة غنية بالسكر والزيوت يمكن أخذها من الرف، ما استدعى أن أفكر قليلاً في هذه البدائل.
لماذا هو مكلف إلى هذا الحد اختيار نمط حياة صحي؟
حاولت الالتزام بالتكلفة، لكنني في كل مرة كنت أتبضع لصنع وجبات منزلية متوازنة من الطعام الصحي كنت أعود بأقل من أسبوعين لأشتري المزيد من البقول والدجاج والكينوا، حتى أصبحت الكلفة المالية أعلى من أن أتحملها، وصرت أشعر أن وراء النظام الصحي ما هو أكثر من كونه نظاماً غذائياً فحسب.
صحيح أن الكينوا التي تعرفت إليها مؤخراً أصبحت طعاماً مفضلاً لدي، لكن هذا لا يعني أنّ مطابخنا الشامية والعربية تفتقر لما يكفي من العناصر التي يمكن اعتمادها لاتباع نظام صحي مع إضافة بعض التعديلات على طرق الطبخ والزيوت وغيرها.
أي أن خلق نظام يساعد في الحفاظ على عملية إنتاج ونقل وتخزين الأطعمة الصحية بنفس الطريقة، سيزيد وفرة هذه السلعة وبالتالي سينقص سعرها وستصبح بمتناول كل الناس.
يعيش المطبخ العربي
قررت أن أقلل من اعتمادي على البدائل الصحية الغربية، وأن أعود إلى المطبخ العربي مع إضافة بعض التعديلات لضمان الوصول إلى نتائج مطابقة، وللتقليل من الأعباء المالية المصاحبة للنظام الصحي.
صرت آكل السلطة قبل وجبة الدجاج والأرز كي لا أحتاج لأكل كأس أرز كاملة، وأضفت الأفوكادو إلى غذائي لكن بفترات متباعدة، ثم قللت من تناول الأغذية الحيوانية واستبدلتها بالبقول المعروفة في مطبخنا كالعدس والورقيات على شاكلة الخبيزة والملوخية، وطبعاً قللت من كمية الخبز اليومية.
الدراسة تقول الكثير حول الأسباب المرتبطة بخسارة الوزن والتي لا نتحكم ببعضها. لكن العامل الجيني أيضاً له كلمتهُ في جعل بعض الأشخاص أكثر قابلية لكسب الوزن، إضافة إلى المحددات الأخرى التي يمكن القول إنها ليست مكلفة جداً، كممارسة الرياضة، والنوم لساعات كافية.
أشير إلى هذه الأسباب لأنها مجتمعة جعلتني أفشل في خسارة الوزن لسنوات طويلة، إذ لم أكن أهتم بطبيعة أكلي أو نوعه، وأجلس إلى المكتب ساعات طويلة، تتبعها عودة إلى المنزل مع نمط حياة يفتر للحركة وللنوم الكافي.
خسرت العشرين كيلوغراماً، لكن ليس خلال شهرين بل خلال عام ونصف، والأهم أنني لم استرد هذا الوزن مجدداً على الرغم من الكنافة التي التهمتها منذ ذلك الوقت، والأكل السريع الذي لم أحرم نفسي منه، وإهمالي ممارسة الرياضة لأسابيع.
خلقُ البدائل ساعدني على فهم جسمي بشكل أفضل، وجعلني أدرك أن تجويع الجسد وحرمانه من السعرات الحرارية ودفع فاتورة من ثلاثة أرقام لا يضمن الوصول إلى الوزن المثالي، وإنما التركيز على ما يحتاجه هذا الجسد، وهو توازن حقيقي بين ما نعرفه في مطابخنا ونزرعه في أرضنا وما يمكن أن نكسر به هذا النظام حين نتعب دون ندم أو جوع.
صابرين طه
صراع المقلوبة والنادي الرياضي
أنا أعشق الكنافة، وآكل نصف أوقية أو حتى أوقية بمناسبة أو بدون مناسبة، ما جعلني أكسب الكثير من الوزن. بعد فترة وجدت نفسي ألهث لدى صعود درج بناية أو قطع مسافة طويلة مشياً.
لكن في صيف العام 2019، قررت أنا التي تحاول منذ أعوام طويلة خسارة الوزن الزائد، أن أحقق هذا الحلم بتجويع نفسي عدّة أسابيع بهدف 20 كيلوغراماً خلال أقل من شهرين، أو هكذا قلت لنفسي حينها.
تحتاج النساء لاستهلاك بين 1600 و 2400 سعرة حرارية يومياً، مقارنة بالرجال الذين يراوح استهلاكهم بين 2000 و 3000، وهي أرقام متغيرة ونسبية بحسب عمر الشخص وممارسته للرياضة وغيرها من المحددات.
المهم أنني زرت النادي الرياضي ثلاث مرات قبل أن أنسى الخطة برمتها. أحضرت قلماً وورقةً، ورحت أحسب السعرات الحرارية التي يمكنني استهلاكها في اليوم الواحد لأخسر الدهون التي تحيط بخصري مع نهاية الشهرين. بدا الطرح منطقياً، خاصةً أنني سجّلت في نادٍ رياضي سيُلزمني بالحفاظ على النتيجة التي ظننت أني سألحظها منذ اليوم الأول، وطبعا لم أصل لغايتي.
في تاريخي العديد من محاولات الريجيم الفاشلة التي بدأت وانتهت بزيارتي للنادي الرياضي عدة مرات ونزول وزني بضعة كيلوغرامات كنت أحرص على أن أكسبها مجدداً مع أول طنجرة مقلوبة تصنعها أمي
هل الغذاء الصحّي للأغنياء فقط؟
لكن شيئاً مختلفاً حدث في العام 2020، حين اصطحبتني صديقة إلى أحد مراكز التغذية للتسجيل لديهم، أقنعتني بأن الحل الوحيد لإنزال الوزن هو تغيير نوعية الطعام وليس كميته فقط، فوافقت على مضض ورافقتها إلى هناك.
بحسب دراسة لجامعة هارفرد فإن بعض الأطعمة التي تحفز مراكز معينة في الدماغ تؤثر على خياراتنا في الأكل، وهي الأطعمة المرتبطة بمذاق الحلو أو المالح في الغالب. مراكز التحفيز في الدماغ ستجعلنا نتذكر التجربة التي مررنا بها خلال الأكل وستعيدنا إلى نفس التجربة في كل مرة.
شرحت لي خبيرة التغذية أهمية التقليل من الأطعمة السريعة الحلوة والمالحة التي يسهل هضمها، واستبدالها بالأطعمة التي تساعد على تقليل الشعور بالجوع وتلك الغنية بالفيتامينات والألياف والبروتينات.
خرجت إلى سوق رام الله للخضار واشتريت من كل صنف ما يكفي لصنع وجبة متكاملة أرشدتني إليها خبيرة التغذية، وبدأت رحلتي في استبدال الأكل السهل الهضم بالأطعمة التي ستشعرني بالشبع دون أن أخاف من زيادة الوزن، لكنني لم أحسب زيادة الإنفاق.
لاحظت مع بداية التغيير للنظام الغذائي الصحي أن فاتورة الطعام صارت أعلى بكثير على الرغم من استهلاكي كميات طعام أقل بكثير، وبتّ ألاحظ أنني مثلاً حين أشتري الشوفان وحليب اللوز واللوز غير المحمص والعسل لصنع وجبة صحية، أنفق أكثر مما كانت ستكلّفني وجبة غنية بالسكر والزيوت يمكن أخذها من الرف، ما استدعى أن أفكر قليلاً في هذه البدائل.
لماذا هو مكلف إلى هذا الحد اختيار نمط حياة صحي؟
حاولت الالتزام بالتكلفة، لكنني في كل مرة كنت أتبضع لصنع وجبات منزلية متوازنة من الطعام الصحي كنت أعود بأقل من أسبوعين لأشتري المزيد من البقول والدجاج والكينوا، حتى أصبحت الكلفة المالية أعلى من أن أتحملها، وصرت أشعر أن وراء النظام الصحي ما هو أكثر من كونه نظاماً غذائياً فحسب.
خرجت إلى سوق رام الله للخضار واشتريت من كل صنف ما يكفي لصنع وجبة متكاملة أرشدتني إليها خبيرة التغذية، وبدأت رحلتي في استبدال الأكل السهل الهضم بالأطعمة التي ستشعرني بالشبع دون أن أخاف من زيادة الوزن، لكنني لم أحسب زيادة الإنفاق
صحيح أن الكينوا التي تعرفت إليها مؤخراً أصبحت طعاماً مفضلاً لدي، لكن هذا لا يعني أنّ مطابخنا الشامية والعربية تفتقر لما يكفي من العناصر التي يمكن اعتمادها لاتباع نظام صحي مع إضافة بعض التعديلات على طرق الطبخ والزيوت وغيرها.
أي أن خلق نظام يساعد في الحفاظ على عملية إنتاج ونقل وتخزين الأطعمة الصحية بنفس الطريقة، سيزيد وفرة هذه السلعة وبالتالي سينقص سعرها وستصبح بمتناول كل الناس.
يعيش المطبخ العربي
قررت أن أقلل من اعتمادي على البدائل الصحية الغربية، وأن أعود إلى المطبخ العربي مع إضافة بعض التعديلات لضمان الوصول إلى نتائج مطابقة، وللتقليل من الأعباء المالية المصاحبة للنظام الصحي.
صرت آكل السلطة قبل وجبة الدجاج والأرز كي لا أحتاج لأكل كأس أرز كاملة، وأضفت الأفوكادو إلى غذائي لكن بفترات متباعدة، ثم قللت من تناول الأغذية الحيوانية واستبدلتها بالبقول المعروفة في مطبخنا كالعدس والورقيات على شاكلة الخبيزة والملوخية، وطبعاً قللت من كمية الخبز اليومية.
بالاستعانة بخبيرة التغذية، والكثير من الأبحاث، تمكنت من تغيير النظام الصحي الغذائي من الغربي إلى الشرقي
في دراسة لكلية هارفرد للصحة العامة، وجد الباحثون أن الأغذية غير الصحية أرخص ثمناً لأن الحاجة للوفرة في الإنتاج وتدنّي السعر يجعلها سلعاً في متناول الجميع ويساعد على عمليات إنتاج ونقل وتخزين الأطعمة بشكل أسهل لضمان الاستفادة من أكبر عائد للتصنيعالدراسة تقول الكثير حول الأسباب المرتبطة بخسارة الوزن والتي لا نتحكم ببعضها. لكن العامل الجيني أيضاً له كلمتهُ في جعل بعض الأشخاص أكثر قابلية لكسب الوزن، إضافة إلى المحددات الأخرى التي يمكن القول إنها ليست مكلفة جداً، كممارسة الرياضة، والنوم لساعات كافية.
أشير إلى هذه الأسباب لأنها مجتمعة جعلتني أفشل في خسارة الوزن لسنوات طويلة، إذ لم أكن أهتم بطبيعة أكلي أو نوعه، وأجلس إلى المكتب ساعات طويلة، تتبعها عودة إلى المنزل مع نمط حياة يفتر للحركة وللنوم الكافي.
وجد الباحثون في هارفارد أن الأغذية غير الصحية أرخص ثمناً لأن الحاجة للوفرة في الإنتاج وتدنّي السعر يجعلها سلعاً في متناول الجميع ويساعد على عمليات إنتاج ونقل وتخزين الأطعمة بشكل أسهل لضمان الاستفادة من أكبر عائد للتصنيع
خسرت العشرين كيلوغراماً، لكن ليس خلال شهرين بل خلال عام ونصف، والأهم أنني لم استرد هذا الوزن مجدداً على الرغم من الكنافة التي التهمتها منذ ذلك الوقت، والأكل السريع الذي لم أحرم نفسي منه، وإهمالي ممارسة الرياضة لأسابيع.
خلقُ البدائل ساعدني على فهم جسمي بشكل أفضل، وجعلني أدرك أن تجويع الجسد وحرمانه من السعرات الحرارية ودفع فاتورة من ثلاثة أرقام لا يضمن الوصول إلى الوزن المثالي، وإنما التركيز على ما يحتاجه هذا الجسد، وهو توازن حقيقي بين ما نعرفه في مطابخنا ونزرعه في أرضنا وما يمكن أن نكسر به هذا النظام حين نتعب دون ندم أو جوع.