فوتو كوبي» فكرة براقة لم يخدمها الفيلم
ـ انتصار دردير
هل يكفي أن يكون لديك فكرة براقة لكي تحقق فيلماً جيداً؟، بالطبع لا، إذ لابد من أن تتحول الفكرة إلي مشاهد حية وحوارات نابضة تنقب في ماضي الشخصيات لكي تفهم حاضرها وتتوقع مستقبلها، هذا المستقبل الذي يثير بطل فيلم «فوتو كوبي» حين يباغته سؤال في اختبار وظيفي كيف يري نفسه وظيفياً بعد خمس سنوات من الآن، سؤال لا يرد علي بال أغلبنا فنحن لم نعتد التخطيط البعيد ولا القريب ونمضي مثلما تحملنا الريح، هكذا هو بطلنا محمود الذي يبدو أنه قادم من زمن يكاد ينقرض وسط تقلبات وتطورات رهيبة مثلما انقرضت الديناصورات.
السؤال الذي باغته يثير لديه مزيداً من الأسئلة تتوالي كالمطارق فوق رأسه عن المستقبل والغد الذي بدا متوحشاً بعدما أحيل إلي التقاعد وحلت أجهزة الكمبيوتر محل عمله الذي يعتمد علي جمع الموضوعات والمقالات وكتابتها علي الآلة الكاتبة ولا يملك سوي محل صغير لتصوير المستندات.
وظائف عديدة تتلاشي بحكم التطور التكنولوجي المتسارع، فهل سينقرض أصحابها كالديناصور الذي يفاجئ بطلنا في شوارع العباسية التي تدور بها أحداث العمل.
رغم البداية المشوقة للفيلم وبطلنا محمود الرجل الستيني الذي يجوب شوارع العباسية التي يحفظها عن ظهر قلب وقضي بها حياته، وتتجول الكاميرا بحرية لتذكرنا بأفلام الراحل محمد خان عاشق المدينة بزحامها وفوضويتها وظلمها لأبنائها، إلا أن الفيلم يفقد إيقاعه بعد تلك المشاهد، ويهتم بالحوار علي حساب الصورة، ولا يتفنن في لقطات فلاش باك تكشف لنا ماضي البطل، ولماذا لم يتزوج من قبل، وهل اختار الوحدة أم فرضت عليه؟، وهل كان مشغولاً مثل بتزويج شقيقاته فنتعاطف معه أم تعرض لتجربة فاشلة؟، لا شئ يكشف لك ذلك، ولا حتي يفتح كاميرته ومشاهده أمام حدث مفجع للبطلة الأرملة مريضة السرطان التي تضع ثدياً مستعاراً يسقط حينما تخلع ملابسها، فتلتقطه في حسرة واضحة عبرت عنها شيرين رضا بروعة واتقان، يحسب لشيرين إقدامها علي تقديم شخصية مغايرة عن كل ماقدمته، ويحسب اختيارها للمخرج وإن بالغت في أدائها كمصابة بالسرطان، فجاء قاتماً أكثر مما ينبغي ويدخل في دائرة الرتابة، ولا أعرف هل التقت شيرين مريضات حقيقيات لتلمس عن قرب كيف يبدين بعد تلك الجراحات، خاصة وأن الفيلم يبث الأمل لا الخوف والاحباط وينتصر للحياة لا الموت.
وهل هناك ماهو أفظع من بطل الفيلم البريطاني «تنفس» الشاب الممتلئ حيوية الذي يصيبه ميكروب خطير ويخبره الأطباء بأنه سيموت خلال ثلاثة أشهر لكنه يترك المستشفي محمولاً ويتحدي الأطباء ويعيش سنوات بعدها، وهناك حالات مرضية أصعب تتجاوز محنتها بكثير من الأمل والحيوية رغم المرض.
التفاصيل مهمة في أي تجربة إنسانية، وغابت بعضها عن الفيلم مثل مشهد طرد ابن صفية الوحيد أمه من الشقة بعد أن علم برغبة محمود في الزواج بها، المشهد يأتي سردياً علي لسان صفية وهى تجلس علي الرصيف وتروي لمحمود جارها الواقعة رغم أهمية ذلك وقدرته علي اكتساب تعاطف المشاهد مع البطلة التي سافر ابنها وتركها وحيدة مريضة، ولا يجد وقتاً للرد علي اتصالها ويتبرم أنها أيقظته من النوم.
ينتصر الفيلم للحب والحياة، ويؤكد أنه من حق الإنسان بل ومن واجبه أن يعيش حياته في أي مرحلة، فالبطل الذي عاش وحيداً حتي تجاوز الستين لا يتواني عن مطاردة جارته صفية لإقناعها بالزواج.
يأتي مشهد النهاية وقد جلسا الاثنان يتناولان الإفطار معاً في الشرفة، وقد عاد لها إاشراقها وأضفت السعادة ابتسامة علي وجهيهما، ليؤكد الفيلم أن علينا أن نتمسك بالحب مهما عصفت بنا الأزمات.
يعبر محمود حميدة عن شخصية البطل بسلاسة وبساطة مدهشة، بينما جاءت شخصية صاحب العمارة التي أداها بيومي فؤاد تقليدية بأداء يناسبها، ويحقق الموهوب الصغير أحمد داش حضوراً لافتاً يضفي حيوية علي أحداث الفيلم الذي يخوض به مؤلفه هيثم دبور تجربته الأولي وكذلك المخرج تامر عزت، ولأن التجربة الأولي لها تداعياتها فلابد وأن نشجعها، ومن منطلق ذلك حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم عربي طويل في مهرجان الجونة السينمائي، والذي كان ينافسه عليها الفيلم المغربي «وليلي» الذي حصلت بطلته ناديا كوندا علي جائزة أفضل ممثلة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.
من بين عناصر الفيلم الفنية المتميزة موسيقاه التصويرية التي صاغتها ليال وطفة ببراعة تناسب هذه الشحنة الإنفعالية التي حملتها أحداثه.
ـ انتصار دردير
هل يكفي أن يكون لديك فكرة براقة لكي تحقق فيلماً جيداً؟، بالطبع لا، إذ لابد من أن تتحول الفكرة إلي مشاهد حية وحوارات نابضة تنقب في ماضي الشخصيات لكي تفهم حاضرها وتتوقع مستقبلها، هذا المستقبل الذي يثير بطل فيلم «فوتو كوبي» حين يباغته سؤال في اختبار وظيفي كيف يري نفسه وظيفياً بعد خمس سنوات من الآن، سؤال لا يرد علي بال أغلبنا فنحن لم نعتد التخطيط البعيد ولا القريب ونمضي مثلما تحملنا الريح، هكذا هو بطلنا محمود الذي يبدو أنه قادم من زمن يكاد ينقرض وسط تقلبات وتطورات رهيبة مثلما انقرضت الديناصورات.
السؤال الذي باغته يثير لديه مزيداً من الأسئلة تتوالي كالمطارق فوق رأسه عن المستقبل والغد الذي بدا متوحشاً بعدما أحيل إلي التقاعد وحلت أجهزة الكمبيوتر محل عمله الذي يعتمد علي جمع الموضوعات والمقالات وكتابتها علي الآلة الكاتبة ولا يملك سوي محل صغير لتصوير المستندات.
وظائف عديدة تتلاشي بحكم التطور التكنولوجي المتسارع، فهل سينقرض أصحابها كالديناصور الذي يفاجئ بطلنا في شوارع العباسية التي تدور بها أحداث العمل.
رغم البداية المشوقة للفيلم وبطلنا محمود الرجل الستيني الذي يجوب شوارع العباسية التي يحفظها عن ظهر قلب وقضي بها حياته، وتتجول الكاميرا بحرية لتذكرنا بأفلام الراحل محمد خان عاشق المدينة بزحامها وفوضويتها وظلمها لأبنائها، إلا أن الفيلم يفقد إيقاعه بعد تلك المشاهد، ويهتم بالحوار علي حساب الصورة، ولا يتفنن في لقطات فلاش باك تكشف لنا ماضي البطل، ولماذا لم يتزوج من قبل، وهل اختار الوحدة أم فرضت عليه؟، وهل كان مشغولاً مثل بتزويج شقيقاته فنتعاطف معه أم تعرض لتجربة فاشلة؟، لا شئ يكشف لك ذلك، ولا حتي يفتح كاميرته ومشاهده أمام حدث مفجع للبطلة الأرملة مريضة السرطان التي تضع ثدياً مستعاراً يسقط حينما تخلع ملابسها، فتلتقطه في حسرة واضحة عبرت عنها شيرين رضا بروعة واتقان، يحسب لشيرين إقدامها علي تقديم شخصية مغايرة عن كل ماقدمته، ويحسب اختيارها للمخرج وإن بالغت في أدائها كمصابة بالسرطان، فجاء قاتماً أكثر مما ينبغي ويدخل في دائرة الرتابة، ولا أعرف هل التقت شيرين مريضات حقيقيات لتلمس عن قرب كيف يبدين بعد تلك الجراحات، خاصة وأن الفيلم يبث الأمل لا الخوف والاحباط وينتصر للحياة لا الموت.
وهل هناك ماهو أفظع من بطل الفيلم البريطاني «تنفس» الشاب الممتلئ حيوية الذي يصيبه ميكروب خطير ويخبره الأطباء بأنه سيموت خلال ثلاثة أشهر لكنه يترك المستشفي محمولاً ويتحدي الأطباء ويعيش سنوات بعدها، وهناك حالات مرضية أصعب تتجاوز محنتها بكثير من الأمل والحيوية رغم المرض.
التفاصيل مهمة في أي تجربة إنسانية، وغابت بعضها عن الفيلم مثل مشهد طرد ابن صفية الوحيد أمه من الشقة بعد أن علم برغبة محمود في الزواج بها، المشهد يأتي سردياً علي لسان صفية وهى تجلس علي الرصيف وتروي لمحمود جارها الواقعة رغم أهمية ذلك وقدرته علي اكتساب تعاطف المشاهد مع البطلة التي سافر ابنها وتركها وحيدة مريضة، ولا يجد وقتاً للرد علي اتصالها ويتبرم أنها أيقظته من النوم.
ينتصر الفيلم للحب والحياة، ويؤكد أنه من حق الإنسان بل ومن واجبه أن يعيش حياته في أي مرحلة، فالبطل الذي عاش وحيداً حتي تجاوز الستين لا يتواني عن مطاردة جارته صفية لإقناعها بالزواج.
يأتي مشهد النهاية وقد جلسا الاثنان يتناولان الإفطار معاً في الشرفة، وقد عاد لها إاشراقها وأضفت السعادة ابتسامة علي وجهيهما، ليؤكد الفيلم أن علينا أن نتمسك بالحب مهما عصفت بنا الأزمات.
يعبر محمود حميدة عن شخصية البطل بسلاسة وبساطة مدهشة، بينما جاءت شخصية صاحب العمارة التي أداها بيومي فؤاد تقليدية بأداء يناسبها، ويحقق الموهوب الصغير أحمد داش حضوراً لافتاً يضفي حيوية علي أحداث الفيلم الذي يخوض به مؤلفه هيثم دبور تجربته الأولي وكذلك المخرج تامر عزت، ولأن التجربة الأولي لها تداعياتها فلابد وأن نشجعها، ومن منطلق ذلك حصد الفيلم جائزة أفضل فيلم عربي طويل في مهرجان الجونة السينمائي، والذي كان ينافسه عليها الفيلم المغربي «وليلي» الذي حصلت بطلته ناديا كوندا علي جائزة أفضل ممثلة في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.
من بين عناصر الفيلم الفنية المتميزة موسيقاه التصويرية التي صاغتها ليال وطفة ببراعة تناسب هذه الشحنة الإنفعالية التي حملتها أحداثه.