مخرجة إيرانية تناولت ضحايا الاستغلال الجنسي في أوروبا تحصد جائزة «لندن السينمائي»
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
قطف فيلم “جوي” للمخرجة النمساوية الإيرانية الأصل، سودابة مرتضى، جائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن السينمائي الدولي الذي اختتم فعالياته مساء أمس الأحد بعرض فيلم “ستان وأولي” للمخرج جون أس بيرد عن الثنائي الكوميدي لوريل وهاردي في سنوات حياتهما الأخيرة.
وقد أعلنت جوائز مسابقات المهرجان الثلاث ليلة السبت أمام الجمهور في ليستر سكوير التي شهدت ثلاث من صالاتها عرض الأفلام الفائزة.
يتناول فيلم “جوي” موضوع الإتجار بالنساء وتهريبهن من أفريقيا إلى أوروبا لأغراض الاستغلال الجنسي، والأوضاع المأساوية التي يعشنها. واللافت أنه يركز على استغلال النساء لبعضهن، حيث تتولى تهريب الفتيات الجديدات واستغلالهن “قوادات” سبق لهن أن كن أنفسهنّ في حياتهن ضحايا لهذا الاستغلال الجنسي.
وعلى الرغم من انطلاق المخرجة من منظور نسوي (فيمنست) في معالجة موضوعها، إلا أنها تركز على دور النساء اللواتي كن يوما أنفسهن ضحايا الاستعباد والاستغلال الجنسي في التماهي مع جلاديهن واستغلال أبناء جلدتهن الأخريات.
وقد وصف رئيس لجنة التحكيم المخرج والكاتب الإيرلندي لَني إبراهامسن فيلم “جوي” بأنه “فيلم صنع بشكل مفعم بالحيوية والجمال”.
ثم ننتقل إلى حياة الليل في شوارع فيينا لنكتشف أن جوي (الممثلة جوي ألفونسوس) وسط عدد من النساء الأفريقيات العاملات بالدعارة، والخاضعات لسلطة (قوادة) ينادينّها بالمدام (أنغيلا إيكولمي) تقوم باستعبادهن لأنها من سهلت تهريبهن إلى أوروبا وتطالبهن بالعمل لتسديد ما صرفته عليهن من مبالغ.
ويركز الفيلم لاحقا على العلاقة بين جوي والفتاة الجديدة البالغة من العمر 17 عاما (برَشيس) “مريم السنوسي”، والتي تتعرض إلى الاغتصاب بأمر من المدام بعد رفضها العمل في الدعارة.
وعلى الرغم من أن جوي لا تستطيع مساعدة برَشيس لحظة اغتصابها خشية أن يرتد ذلك عليها فتُرحّل بدورها أو تفقد ابنتها التي أخفتها عن المدام وتدفع لامرأة لرعايتها بعيدا عنها، إلا أنها تتعاطف معها وتحاول مساعدتها لاحقا للتأقلم مع الحياة في هذا العالم القاسي سواء بتعليمها كيفية التعامل في إطار مهنتها الجديدة أو أسرار المقاومة والبقاء وسط الغاب الذي وقعن في فخه.
وعندما تتوفر فرصة لجوي للهرب والتبليغ عن المدام يقدمها لها أحد العاملين في حقوق الإنسان، لا تستطيع القيام بذلك لأنه لايضمن لها الحصول على تأشيرة الإقامة.
وتظل نساء فيلم ” جوي” عالقات في هذا العالم الكالح بين زوايا شوارع الليل المعتمة وأضواء نيونات الإعلانات والملاهي المتلألئة، وبين أجواء استغلال لا ترحم وعصا قوانين الهجرة الغليظة التي تتربص بهن على الجانب الاخر.
في هذا الفيلم عمقت سودابة نهجها الذي طرحته في فيلمها السابق (ماكاندو) 2014 في الاهتمام بشؤون الفئات المهمشة من الغرباء والمهاجرين القابعة على هوامش المجتمعات الأوروبية، وتعلق كثير منهم بين عالمين، وهو موضوع خبرته المخرجة التي عاشت حياتها موزعة بين طفولتها في إيران واستقرارها لاحقا في النمسا.
ففي (ماكاندو) الذي لفت الأنظار إليها عند مشاركته في مهرجان برلين، وشاهدناه لاحقا في مهرجان لندن، رصدت المخرجة عالم المهاجرين وطالبي اللجوء في مجمع مخصص لهم يضم نحو ألفين منهم في إحدى الضواحي البعيدة في فيينا، من خلال عيني صبي شيشاني بعمر 11 عاما، يغادر طفولته مبكرا ليكون رجل عائلته يرعى أمه واختيه الصغيرتين وسط الحياة الصعبة في المجمع، مع أن السلطات النمساوية تظل تعامله كطفل، ويبتدأ لاحقا علاقة معقدة مع جندي شيشاني سابق كان مع والده في الحرب، تتوزع بين حاجته إلى مساعدته وخشيته على والدته الأرملة منه.
وقد بدا الفيلم حينها أقرب إلى النهج الذي اختطه مخرجون إيرانيون، من أمثال عباس كياروستمي وأمير نادري، في التعامل مع موضوعة الطفولة في أفلامهم، منه إلى فيلم أوروبي.
وتتمسك سودابة بنهج واقعي في معالجة موضوعاتها وتصوير البيئة المحيطة التي تقع فيها أحداثها، يكاد يقترب من أسلوب الفيلم الوثائقي أحيانا، في التصوير بكاميرا محمولة أو العمل مع ممثلين غير محترفين في الغالب يؤدون أدوارا تشبه أدوارهم في الحياة، كما هي الحال في ماكاندو أو الفيلم الأخير “جوي” الذي كان الكثير من ممثلاثه ممن مررن بتجارب سابقة أقرب إلى حياة الشخصيات اللواتي قُمنَّ بأدوارهنّ.
وسبق أن حصل الفيلم على جائزة هيرست السينمائية لأفضل مخرجة على هامش عرضه في مهرجان فينيسيا هذا العام وتوج بجائزة علامة السينما الأوروبية “Europa Cinamas Label” التي تمنح لفيلم أوروبي من لجنة تشترك فيها خمس تظاهرات من خمسة مهرجانات سينمائية في أوروبا (بدءا من بانوراما برلين مرورا بنصف شهر المخرجين في كان وانتهاء بأيام فينيسيا).
وذهبت جائزة سوذرلاند التي يمنحها المهرجان للعمل الأول لمخرجه إلى المخرج البلجيكي لوكاس دونت عن فيلمه “فتاة”، وهو من ضمن سلسلة الأفلام التي تتناول قضايا المتحولين جنسيا، وسبق أن توج بجائزة الكاميرا الذهبية كأفضل عمل أول في مهرجان كان الأخير.
توج فيلم “فتاة” للوكاس دونت بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان الأخير، وحصل بطل الفيلم فيكتور بولستر على جائزة أفضل ممثل في قسم “نظرة ما” في المهرجان نفسه، فضلا عن جائزتي الاتحاد الدولي لنقاد السينما، و جائزة “Queer Palm” التي تمنح بشكل مستقل على هامش المهرجان للأفلام التي تتناول قضايا المثليين والمتحولين جنسيا وما يطلق عليه عموما بمجتمع “أل جي بي تي”.
كما رشح الفيلم لتمثيل بلجيكا للتنافس على جائزة أفضل فيلم سينمائي أجنبي في جوائز الأوسكار التي ستعلن مطلع العام المقبل.
وهو في ذلك يسير على خطى فيلم “الفتاة الدنماركية” 2015 للمخرج توم هوبر المأخوذ عن رواية تستلهم سيرة الزوجين الرسامين الدنماركيين غيردا فينه (فيغنر) وزوجها إينار الذي تحول إلى فتاة اسمها ليلي إلبه وكان من أوائل من أجروا جراحة للتحول جنسيا إلى امرأة، إذ رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل ممثل لبطله أيدي ريدمين وحصد أوسكار أفضل ممثلة مساعدة لأليسيا فيكاندر، التي أدت دور الزوجة فينه في الفيلم.
تدور أحداث فيلم “فتاة” حول معاناة لارا الفتاة البالغة 15 عاما من العمر التي تدرس في الأكاديمية البلجيكية للرقص وتسعى لأن تكون راقصة باليه لكنها تعاني من مشكلة تكوينها الجسدي لأنها ولدت في جسم صبي.
استلهم سيناريو الفيلم الذي كتبه المخرج نفسه بالتعاون مع انجيلو تَيسنس، من قصة حقيقية عن فتاة صغيرة أرادت أن تكون راقصة باليه، ولكنها كانت تعاني من أنها ولدت في جسم صبي.
ويقول تَيسنس إنه قرأ هذه القصة في مقالة صحفية ثم سعى للبحث عن الفتاة وإجراء مقابلة معها كما أجرى بحثا ميدانيا ومقابلات عديدة مع العديد من الشباب المتحولين جنسيا قبل البدء بكتابة نص الفيلم.
وعلى العكس من كثير من الأفلام التي تناولت قصص المتحولين جنسيا التي تنبع الدراما فيها من صراع وتحديات مع العالم الخارجي ومواجهة التمييز، ركز دونت على المعاناة الداخلية للشخصية، وصراعها النفسي، في إطار تحديد هويتها الجندرية (الجنسية الاجتماعية) وعلاقتها بجسدها.
فالعالم الخارجي بدا متعاونا معها متفهما لمشكلتها بدءا من العائلة وعلاقتها المميزة مع والدها (أدى دوره الممثل أريا ورثالتر) أو طبيب العائلة النفسي أو حتى في أكاديمية الرقص التي انخرطت للدراسة فيها.
فلم تكن هناك كثير من المشاهد المؤذية لها باستثناء بعض المماحكات من زميلاتها في الإشارة إلى أعضائها الجنسية ومشهد تصويت زميلاتها في فصل الرقص بشأن هل يشكل وجودها معهن في غرفة تبديل الملابس أي حرج لهنَّ، والذي تم برفع الأيدي وهي مغمضة العينين.
لقد اختار دونت التركيز على الدراما الداخلية وصراع الشخصية مع نفسها ومع جسدها، مفضلا الايحاء عنها بلمحات ونظرات وإشارات مرئية أكثر من التعبير المباشر عبر الحوار، وأتاح له وقوع أحداث فيلم في أجواء عالم الرقص وتدريباته فرصة للتركيز على مشكلة العلاقة مع الجسد والتعبير بشكل جمالي مرئي عنه.
فنرى كيف تعاني بطلته في إخفاء اختلاف جسدها، كأن تستخدم الشريط الأبيض الذي تستخدمة راقصات الباليه الأخريات لربط أقدامهن لربط وإخفاء عضوها التناسلي تحت بدلة رقص الباليه الملتصقة بالجسد.
وتمثل أجواء عالم الرقص وصورة الجسد البشري فيها عالما أثيرا لدى المخرج دونت، سبق له أن تناوله في اثنين من أفلامه القصيرة، وهو ينجح تماما في استثمار عناصر الكوريوغرافي (تصميم الرقص) كعناصر تعبيرية مساعدة في عكس أزمة شخصيته الداخلية في علاقتها بجسدها فضلا عن قيمتها الجمالية.
وهذا ما حاولت كاميرا مدير التصوير الهولندي، فرانك فان دين أيدن، تجسيده في تصوير أجساد الراقصات وحركتهن أو جسد بطلته مع تركيزه على النصف الأسفل منه وحركة الأقدام والسيقان، التي تبدأ كثير من لقطاته منها قبل أن تنتقل لالتقاط تعبير الوجه.
وشكل التمثيل وقدرة دونت على إدارة ممثليه واستخلاص أفضل أداء منهم أقوى عناصر الفيلم، وهذا ما يميز عادة الأفلام التي تتناول قضايا المتحولين جنسيا، التي تعطي لممثلها مساحة واسعة لتقديم مهاراته التمثيلية في عكس أزمة هذه الشخصيات وتوزعها بين أكثر من هوية جندرية.
وقد نجح دونت في قرار اختيار الممثل الشاب، فيكتور بولستر، لأداء الدور الرئيسي، مستفيدا من دربته العالية في مجال رقص الباليه، وقد نجح عبر مرونته الجسدية وقدراته التعبيرية في أن يقدم أداءً رائعا لشخصية لارا استحق عنه بجدارة جائزة التمثيل في تظاهرة “نظرة ما” في مهرجان كان، ونتوقع تتويجه بجائزة الأداء في مهرجانات أخرى.
ونجح الممثل ورثالتر في تجسيد دور الأب المتفهم والمساعد لابنته في أزمتها والمتخوف في نفس الوقت من أثر عملية التحول الجنسي عليها، وسبق أن شاهدناه في دور جو في فيلم المخرج المغربي نبيل عيوش “غزيّة”.
وإلى جانب جائزتها الرئيسية قررت لجنة التحكيم منح جائزة خاصة للفيلم الكولومبي “ممر الطيور” من إخراج كريستينا غاليغو وشيرو غيرا، الذي قدم معالجة مميزة لأثر عصابات تجارة المخدرات في تدمير التقاليد المحلية لقبائل السكان الأصليين في كولومبيا، عبر سرد يزواج بين مشاهد الحركة التي تقدمها “جنرة” افلام الاثارة التي تتناول كارتلات المخدرات والاستعارات الأسطورية المستمدة من تراث هذه القبائل وتقاليدها بالغة القدم.
وذهبت جائزة مسابقة الأفلام الوثائقية التي تحمل اسم المخرج البريطاني جريرسون إلى فيلم “ماذا نفعل إذا اشتعل العالم” للمخرج الإيطالي المقيم في الولايات المتحدة، روبرتو مينرفيني.
ويقدم الفيلم المصور شهادات تتوزع على أربعة خطوط من مجتمع الأفارقة الأمريكيين في الجنوب الأمريكي عن موجة الغضب والاحتجاجات التي وقعت في عام 2016 في اعقاب مقتل رجل أسود يبلغ من العمر 37 عاما على يد الشرطة.
الوكالات ـ «سينماتوغراف»
قطف فيلم “جوي” للمخرجة النمساوية الإيرانية الأصل، سودابة مرتضى، جائزة أفضل فيلم في مهرجان لندن السينمائي الدولي الذي اختتم فعالياته مساء أمس الأحد بعرض فيلم “ستان وأولي” للمخرج جون أس بيرد عن الثنائي الكوميدي لوريل وهاردي في سنوات حياتهما الأخيرة.
وقد أعلنت جوائز مسابقات المهرجان الثلاث ليلة السبت أمام الجمهور في ليستر سكوير التي شهدت ثلاث من صالاتها عرض الأفلام الفائزة.
يتناول فيلم “جوي” موضوع الإتجار بالنساء وتهريبهن من أفريقيا إلى أوروبا لأغراض الاستغلال الجنسي، والأوضاع المأساوية التي يعشنها. واللافت أنه يركز على استغلال النساء لبعضهن، حيث تتولى تهريب الفتيات الجديدات واستغلالهن “قوادات” سبق لهن أن كن أنفسهنّ في حياتهن ضحايا لهذا الاستغلال الجنسي.
وعلى الرغم من انطلاق المخرجة من منظور نسوي (فيمنست) في معالجة موضوعها، إلا أنها تركز على دور النساء اللواتي كن يوما أنفسهن ضحايا الاستعباد والاستغلال الجنسي في التماهي مع جلاديهن واستغلال أبناء جلدتهن الأخريات.
وقد وصف رئيس لجنة التحكيم المخرج والكاتب الإيرلندي لَني إبراهامسن فيلم “جوي” بأنه “فيلم صنع بشكل مفعم بالحيوية والجمال”.
ثم ننتقل إلى حياة الليل في شوارع فيينا لنكتشف أن جوي (الممثلة جوي ألفونسوس) وسط عدد من النساء الأفريقيات العاملات بالدعارة، والخاضعات لسلطة (قوادة) ينادينّها بالمدام (أنغيلا إيكولمي) تقوم باستعبادهن لأنها من سهلت تهريبهن إلى أوروبا وتطالبهن بالعمل لتسديد ما صرفته عليهن من مبالغ.
ويركز الفيلم لاحقا على العلاقة بين جوي والفتاة الجديدة البالغة من العمر 17 عاما (برَشيس) “مريم السنوسي”، والتي تتعرض إلى الاغتصاب بأمر من المدام بعد رفضها العمل في الدعارة.
وعلى الرغم من أن جوي لا تستطيع مساعدة برَشيس لحظة اغتصابها خشية أن يرتد ذلك عليها فتُرحّل بدورها أو تفقد ابنتها التي أخفتها عن المدام وتدفع لامرأة لرعايتها بعيدا عنها، إلا أنها تتعاطف معها وتحاول مساعدتها لاحقا للتأقلم مع الحياة في هذا العالم القاسي سواء بتعليمها كيفية التعامل في إطار مهنتها الجديدة أو أسرار المقاومة والبقاء وسط الغاب الذي وقعن في فخه.
وعندما تتوفر فرصة لجوي للهرب والتبليغ عن المدام يقدمها لها أحد العاملين في حقوق الإنسان، لا تستطيع القيام بذلك لأنه لايضمن لها الحصول على تأشيرة الإقامة.
وتظل نساء فيلم ” جوي” عالقات في هذا العالم الكالح بين زوايا شوارع الليل المعتمة وأضواء نيونات الإعلانات والملاهي المتلألئة، وبين أجواء استغلال لا ترحم وعصا قوانين الهجرة الغليظة التي تتربص بهن على الجانب الاخر.
في هذا الفيلم عمقت سودابة نهجها الذي طرحته في فيلمها السابق (ماكاندو) 2014 في الاهتمام بشؤون الفئات المهمشة من الغرباء والمهاجرين القابعة على هوامش المجتمعات الأوروبية، وتعلق كثير منهم بين عالمين، وهو موضوع خبرته المخرجة التي عاشت حياتها موزعة بين طفولتها في إيران واستقرارها لاحقا في النمسا.
ففي (ماكاندو) الذي لفت الأنظار إليها عند مشاركته في مهرجان برلين، وشاهدناه لاحقا في مهرجان لندن، رصدت المخرجة عالم المهاجرين وطالبي اللجوء في مجمع مخصص لهم يضم نحو ألفين منهم في إحدى الضواحي البعيدة في فيينا، من خلال عيني صبي شيشاني بعمر 11 عاما، يغادر طفولته مبكرا ليكون رجل عائلته يرعى أمه واختيه الصغيرتين وسط الحياة الصعبة في المجمع، مع أن السلطات النمساوية تظل تعامله كطفل، ويبتدأ لاحقا علاقة معقدة مع جندي شيشاني سابق كان مع والده في الحرب، تتوزع بين حاجته إلى مساعدته وخشيته على والدته الأرملة منه.
وقد بدا الفيلم حينها أقرب إلى النهج الذي اختطه مخرجون إيرانيون، من أمثال عباس كياروستمي وأمير نادري، في التعامل مع موضوعة الطفولة في أفلامهم، منه إلى فيلم أوروبي.
وتتمسك سودابة بنهج واقعي في معالجة موضوعاتها وتصوير البيئة المحيطة التي تقع فيها أحداثها، يكاد يقترب من أسلوب الفيلم الوثائقي أحيانا، في التصوير بكاميرا محمولة أو العمل مع ممثلين غير محترفين في الغالب يؤدون أدوارا تشبه أدوارهم في الحياة، كما هي الحال في ماكاندو أو الفيلم الأخير “جوي” الذي كان الكثير من ممثلاثه ممن مررن بتجارب سابقة أقرب إلى حياة الشخصيات اللواتي قُمنَّ بأدوارهنّ.
وسبق أن حصل الفيلم على جائزة هيرست السينمائية لأفضل مخرجة على هامش عرضه في مهرجان فينيسيا هذا العام وتوج بجائزة علامة السينما الأوروبية “Europa Cinamas Label” التي تمنح لفيلم أوروبي من لجنة تشترك فيها خمس تظاهرات من خمسة مهرجانات سينمائية في أوروبا (بدءا من بانوراما برلين مرورا بنصف شهر المخرجين في كان وانتهاء بأيام فينيسيا).
وذهبت جائزة سوذرلاند التي يمنحها المهرجان للعمل الأول لمخرجه إلى المخرج البلجيكي لوكاس دونت عن فيلمه “فتاة”، وهو من ضمن سلسلة الأفلام التي تتناول قضايا المتحولين جنسيا، وسبق أن توج بجائزة الكاميرا الذهبية كأفضل عمل أول في مهرجان كان الأخير.
توج فيلم “فتاة” للوكاس دونت بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان الأخير، وحصل بطل الفيلم فيكتور بولستر على جائزة أفضل ممثل في قسم “نظرة ما” في المهرجان نفسه، فضلا عن جائزتي الاتحاد الدولي لنقاد السينما، و جائزة “Queer Palm” التي تمنح بشكل مستقل على هامش المهرجان للأفلام التي تتناول قضايا المثليين والمتحولين جنسيا وما يطلق عليه عموما بمجتمع “أل جي بي تي”.
كما رشح الفيلم لتمثيل بلجيكا للتنافس على جائزة أفضل فيلم سينمائي أجنبي في جوائز الأوسكار التي ستعلن مطلع العام المقبل.
وهو في ذلك يسير على خطى فيلم “الفتاة الدنماركية” 2015 للمخرج توم هوبر المأخوذ عن رواية تستلهم سيرة الزوجين الرسامين الدنماركيين غيردا فينه (فيغنر) وزوجها إينار الذي تحول إلى فتاة اسمها ليلي إلبه وكان من أوائل من أجروا جراحة للتحول جنسيا إلى امرأة، إذ رشح الفيلم لأربع جوائز أوسكار من بينها جائزة أفضل ممثل لبطله أيدي ريدمين وحصد أوسكار أفضل ممثلة مساعدة لأليسيا فيكاندر، التي أدت دور الزوجة فينه في الفيلم.
تدور أحداث فيلم “فتاة” حول معاناة لارا الفتاة البالغة 15 عاما من العمر التي تدرس في الأكاديمية البلجيكية للرقص وتسعى لأن تكون راقصة باليه لكنها تعاني من مشكلة تكوينها الجسدي لأنها ولدت في جسم صبي.
استلهم سيناريو الفيلم الذي كتبه المخرج نفسه بالتعاون مع انجيلو تَيسنس، من قصة حقيقية عن فتاة صغيرة أرادت أن تكون راقصة باليه، ولكنها كانت تعاني من أنها ولدت في جسم صبي.
ويقول تَيسنس إنه قرأ هذه القصة في مقالة صحفية ثم سعى للبحث عن الفتاة وإجراء مقابلة معها كما أجرى بحثا ميدانيا ومقابلات عديدة مع العديد من الشباب المتحولين جنسيا قبل البدء بكتابة نص الفيلم.
وعلى العكس من كثير من الأفلام التي تناولت قصص المتحولين جنسيا التي تنبع الدراما فيها من صراع وتحديات مع العالم الخارجي ومواجهة التمييز، ركز دونت على المعاناة الداخلية للشخصية، وصراعها النفسي، في إطار تحديد هويتها الجندرية (الجنسية الاجتماعية) وعلاقتها بجسدها.
فالعالم الخارجي بدا متعاونا معها متفهما لمشكلتها بدءا من العائلة وعلاقتها المميزة مع والدها (أدى دوره الممثل أريا ورثالتر) أو طبيب العائلة النفسي أو حتى في أكاديمية الرقص التي انخرطت للدراسة فيها.
فلم تكن هناك كثير من المشاهد المؤذية لها باستثناء بعض المماحكات من زميلاتها في الإشارة إلى أعضائها الجنسية ومشهد تصويت زميلاتها في فصل الرقص بشأن هل يشكل وجودها معهن في غرفة تبديل الملابس أي حرج لهنَّ، والذي تم برفع الأيدي وهي مغمضة العينين.
لقد اختار دونت التركيز على الدراما الداخلية وصراع الشخصية مع نفسها ومع جسدها، مفضلا الايحاء عنها بلمحات ونظرات وإشارات مرئية أكثر من التعبير المباشر عبر الحوار، وأتاح له وقوع أحداث فيلم في أجواء عالم الرقص وتدريباته فرصة للتركيز على مشكلة العلاقة مع الجسد والتعبير بشكل جمالي مرئي عنه.
فنرى كيف تعاني بطلته في إخفاء اختلاف جسدها، كأن تستخدم الشريط الأبيض الذي تستخدمة راقصات الباليه الأخريات لربط أقدامهن لربط وإخفاء عضوها التناسلي تحت بدلة رقص الباليه الملتصقة بالجسد.
وتمثل أجواء عالم الرقص وصورة الجسد البشري فيها عالما أثيرا لدى المخرج دونت، سبق له أن تناوله في اثنين من أفلامه القصيرة، وهو ينجح تماما في استثمار عناصر الكوريوغرافي (تصميم الرقص) كعناصر تعبيرية مساعدة في عكس أزمة شخصيته الداخلية في علاقتها بجسدها فضلا عن قيمتها الجمالية.
وهذا ما حاولت كاميرا مدير التصوير الهولندي، فرانك فان دين أيدن، تجسيده في تصوير أجساد الراقصات وحركتهن أو جسد بطلته مع تركيزه على النصف الأسفل منه وحركة الأقدام والسيقان، التي تبدأ كثير من لقطاته منها قبل أن تنتقل لالتقاط تعبير الوجه.
وشكل التمثيل وقدرة دونت على إدارة ممثليه واستخلاص أفضل أداء منهم أقوى عناصر الفيلم، وهذا ما يميز عادة الأفلام التي تتناول قضايا المتحولين جنسيا، التي تعطي لممثلها مساحة واسعة لتقديم مهاراته التمثيلية في عكس أزمة هذه الشخصيات وتوزعها بين أكثر من هوية جندرية.
وقد نجح دونت في قرار اختيار الممثل الشاب، فيكتور بولستر، لأداء الدور الرئيسي، مستفيدا من دربته العالية في مجال رقص الباليه، وقد نجح عبر مرونته الجسدية وقدراته التعبيرية في أن يقدم أداءً رائعا لشخصية لارا استحق عنه بجدارة جائزة التمثيل في تظاهرة “نظرة ما” في مهرجان كان، ونتوقع تتويجه بجائزة الأداء في مهرجانات أخرى.
ونجح الممثل ورثالتر في تجسيد دور الأب المتفهم والمساعد لابنته في أزمتها والمتخوف في نفس الوقت من أثر عملية التحول الجنسي عليها، وسبق أن شاهدناه في دور جو في فيلم المخرج المغربي نبيل عيوش “غزيّة”.
وإلى جانب جائزتها الرئيسية قررت لجنة التحكيم منح جائزة خاصة للفيلم الكولومبي “ممر الطيور” من إخراج كريستينا غاليغو وشيرو غيرا، الذي قدم معالجة مميزة لأثر عصابات تجارة المخدرات في تدمير التقاليد المحلية لقبائل السكان الأصليين في كولومبيا، عبر سرد يزواج بين مشاهد الحركة التي تقدمها “جنرة” افلام الاثارة التي تتناول كارتلات المخدرات والاستعارات الأسطورية المستمدة من تراث هذه القبائل وتقاليدها بالغة القدم.
وذهبت جائزة مسابقة الأفلام الوثائقية التي تحمل اسم المخرج البريطاني جريرسون إلى فيلم “ماذا نفعل إذا اشتعل العالم” للمخرج الإيطالي المقيم في الولايات المتحدة، روبرتو مينرفيني.
ويقدم الفيلم المصور شهادات تتوزع على أربعة خطوط من مجتمع الأفارقة الأمريكيين في الجنوب الأمريكي عن موجة الغضب والاحتجاجات التي وقعت في عام 2016 في اعقاب مقتل رجل أسود يبلغ من العمر 37 عاما على يد الشرطة.