الفنان المأساة لؤي كيالي يبث رؤياه بحواسه الموجعة
غريب ملا زلال*
رغم حياته القصيرة، إلا أنه أشعل ثورة في رحاب الفن التشكيلي السوري، نعم ثورة بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات ومعان، فكان عالماً مليئاً بالحياة و اللون، ساحراً في خلق اللوحة، متمرداً على بلادة الشارع التشكيلي وعلى صالات عرضه، متدفقاً بصخبه الداخلي و بصمته الخارجي نحو المساحات البيضاء يمدها بأنفاسه المجبولة بألوانه وهمومها الإنسانية، فهو المقبل إلى الحقيقة بروح الإنسان الفنان، باحثاً عن بقاياها، عن تفاصيلها قبل أن تنزاح تماماً عن أصداء اللحن المألوف، وتنزلق إلى كل ما هو ممجوج وممل.
أتحدث هنا عن لؤي كيالي ( 1934 – 1978 ) الفنان الملتحم بالإحساس، المعلن بكامل صراحته، الشفاف في شهيقه و زفيره، لا تغيب الانفعالات من عوالمه، فبقدر ما يكون هادئاً في حضوره، وتأملاته، بقدر ما يكون الغليان عالياً في رفضه واحتفاءاته، في رؤيته ومساراتها، فهو لا يحاكي المتخيل بل يضع لمساته على التشخيص والفضاء الإنساني بتداعيات لونية بها يخلق توازنات بين الفعل و صداه، بين الحركة التي تقتنص الضوء و بين ارتعاشات أمواجها، يبث رؤياه على ملامح أشكاله التي يسيطر عليها في أغلب اشتعالاتها، يبث رؤيا في زوايا حواسه، حتى يلد المشهد بكل علاماته، يوغل منذ البدء في الصمت وألمه، يبصر الخراب ورائحة الحريق، يفضح بهدوء ودون أية استغاثة تلك التصدعات التي تصيب الإنسان و حياته، يشير إلى تلك الانهدامات في الروح و ما تصدر منها نواحات تحتضن الألم الكبير، و أرتال من البسطاء في سبيل كسرة خبز، و جرعة هواء، و في سبيل نظام إحساساته بالإنسان وإثراءاته يخلق ثيماته بماهية الحياة و فعلها، و يزيد المثيرات في تنشيطها و تنشيط ما فيها من شظايا التنهزامات وإن بمستويات مختلفة، تاركاً الإشارات و متغيراتها و ضمن مخطط معرفي أن يزيد من احتماليات إحداث الملاءمة في اختياراته وعملياتها، فيخفض من رؤية المدى، و يصعد في صوت القلق والانتماء وإن ضمن الإطار العام لدائرته.
لم يكن الفن بالنسبة للؤي كيالي غاية في ذاته، بل هدف لفهم الحقيقة المرتبطة بدرجة كبيرة بفكرة كشف الجمال و تطهيره مع رفع معاييره ببساطة و توازن، و لهذا بدأ بتشييد عمارته بخصائص بصرية و حسية تحمل الكثير من فراسته القائمة على التبسيط في تفصيلاته الجمالية مستفيداً من معايير اجتماعية خاصة مرتبطة بالعمليات السيكولوجية لديه، و من فلسفته ذات الصِّلة الخاصة بنشاطه الإبداعي في ضوء مناحيه المعرفية كلها، و يعمل في الوقت نفسه و على نحو متزامن مع تعزيز مقولاته وإعادة اكتشافها في المعنى الانفعالي للون محاولاً فكها إلى مكوناتها المسؤولة عنها، و المفسرة لها مع الفهم الصحيح لتداخلاتها المرتبطة بعملياتها الخاصة متكئاً على أشياء موصوفة بالطريقة نفسها التي يستجيب لها حس الفنان و محركاته الأساسية فيهتم بموضوع التساؤل و الفضول، أو بالسلوك الاستكشافي بشكل عام، يزداد الأمر أكثر ظهوراً حين يكون مصحوباً بانفعالات حزينة، و هنا تكون الأصوات هادئة لكن متقطعة و هذا ما يجعله يتقبل المفاهيم التي تثير القلق و التوتر، و التي تجعله يتقبل السطوح أيضاً مهما كان اللون المنفعل عليها، و مهما كانت الوسائل الداخلة في نقل انفعالاتها، وإذا كانت السطوح بيضاء، وأصابعه بيضاء، وقلبه أبيض فكيف به أن يلوث كل هذا البياض، فإذا نجح في السطوح إلا أنه لم ينجح في الأصابع والقلب بل دفع حياته من أجل ألا يلوثها بالركض في عاصفة الغبار.
في العام الفائت ( 2019 ) احتفى محرك البحث غوغل بذكرى ميلاده الخامسة والثمانين، كتقليد جميل منها بالاحتفاء والتذكير بالقامات الإبداعية العالية في شتى مناحيها، وقال عنه: “فيما كان يمكن أن يكون عيد ميلاده الخامس والثمانين، نتذكر لؤي كيالي كفنان ذي حس عال كان يسعى لأن يرسم تماماً ما يراه ويشعر به، وله تأثير كبير على مستقبل أجيال عديدة من فناني سورية ” فهذا الاحتفاء بحد ذاته هو تقدير له ولتجربته، وتذكير لنا نحن أبناء التراب ذاته بألا نكون جاحدين بحق من يمثلنا في هذه الأرض، بحق قاماتنا التي سنفتخر بهم والتاريخ معنا إن لم يكن هم تاريخنا، هذه اللفتة العذبة من غوغل هي وخزة لذاكرتنا بألا ندفن من هم أحياء فيها، هي وخزة لقلوبنا بألا نحرمه من النبض و العزف لرسلنا في هذه الأرض.
كل الأوصاف، وكل الألقاب التي منحت له: ( فنان الحزن النبيل، رسّام الألم الصامت، مبدع الجمال الحزين الهادئ) تلخص ما في جعبته من آمال مقتولة، وبأنه كان سجين حزن كتب عليه أن يقضيه مؤبداً، هذا السجن / الحزن هو قصته التي لم تنته إلى الآن فما زلنا نعيشها و نسردها لذواتنا و لكل من يمر بنا علها تتحدث عنه و عنا وعن اللون الذي غرقنا فيه، و جولة سريعة بين أعماله سنرى إلى أي مدى كان مع البسطاء و كيف يحلهم ضيوفاً على فضاءاته فمن باعة متجولين، بائع الكعك، بائع اليانصيب، و بائع البوظة، و بائع الجوارب، إلى ماسحي الأحذية، إلى الخياطة، و الأم، و الخبّازة، و غرفة الغسيل، ومروراً بصياد السمك، وعجوز جالس، والصبي النائم
في مراحلها المختلفة، والتي تحمل خصائصه الأيكولوجية أو البيئية التي تقوم في جوهرها على أساس الواقع ومثيراته، المرتفعة منها والمنخفضة.
جميعها مؤشرات بأنهم كانوا شغله الشاغل، وبأن المسحوقين في الحياة يستحقون الحياة وهذا ما فعله كيالي حين جرهم إلى مساحاته نافخاً فيهم الروح، آخذاً بهم في منحى ينبغي عليهم تأسيس وقائعهم الخاصة، هذا الاهتمام الزائد بل الفائض الذي يظهره كيالي نحوهم نابع من انتمائه، ومن حبه الكبير لهم، و لمناخهم الاجتماعي المظلوم في كل شيء، و لهذا لا يمكن لكيالي إلا أن يكون في صفهم، يلتقط أوجاعهم و آلامهم و فقرهم و بساطتهم، يلتقط كل ذلك بحساسيته الخاصة و يكشف كل ما عليها و ما وراءها، ومن أجل فهم العلاقة بينه و بين أسلوبه، أقصد بين أسلوبه الفني و أسلوبه الشخصي لا بد من إنعاش عمليات التذوق الفني مع ملاحظة العديد من أنظمته الجمالية من خلال رؤيته الحسية البصرية العادية التي سينجم عنها حتماً تميّزا في عمله الفني و في مراحلها المختلفة، والتي تحمل خصائصه الأيكولوجية أو البيئية التي تقوم في جوهرها على أساس الواقع ومثيراته، المرتفعة منها والمنخفضة.
بدأ لؤي كيالي الرسم وهو في الحادية عشرة من عمره، و نظم أول معرض له وهو لم يتجاوز الثمانية عشرة، كان ذلك في عام 1952 في مدرسة التجهيز في حلب، تابع دراسته الفنية في روما بإيطاليا حتى تخرج من أكاديميتها للفنون الجميلة في عام 1961، عاد بعدها إلى دمشق كأستاذ للفنون الجميلة في جامعتها إلى جانب فاتح المدرس الذي مثل معه سورية في معرض بينالي في البندقية في إيطاليا عام 1960، بعد هزيمة حزيران 1967 أقام معرضه السابع في المركز الثقافي في دمشق و كان قد رسم لوحة بعنوان / ثم ماذا / و التي كانت سبباً في ولادة ما يقارب ثلاثون لوحة تدور عن المواطن في مسيرة التحرر، ثم إنتقل بعدها بهذا المعرض ليطوف في العديد من المحافظات السورية، الأمر الذي أثار سخط بعض الفنانين و بعض الكتاب، فأصيب على إثر ذلك باكتئاب شديد وتوقف عن الرسم ومزق العديد من لوحاته، عاد بعدها إلى حلب، و رغم عودته إلى الرسم فيما بعد إلا أن حالته النفسية السيئة لم تتركه حتى وفاته في عام 1978 إثر حادث حريق قيل الكثير عنه، وأكثر الآراء تتأرجح بين الانتحار عقب حالة الكآبة الشديد التي لم تتركه، و بين احتراقه بلفافة تبغ جاءت على سريره، هذه النهاية المأساوية لفنان كلؤي كيالي تجعلنا نبحث فيها بعمق أكثر علنا نصل إلى الحقائق التي لم تقال حينها، أتمنى أن يساعدنا الزمن في إنجاز ذلك.
……………….
*كاتب وناقد تشكيلي من سوريا
Share on facebookفيسبوك
Share on twitterتويتر
Share o
Share on twitterتويتر
Share o
غريب ملا زلال*
رغم حياته القصيرة، إلا أنه أشعل ثورة في رحاب الفن التشكيلي السوري، نعم ثورة بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات ومعان، فكان عالماً مليئاً بالحياة و اللون، ساحراً في خلق اللوحة، متمرداً على بلادة الشارع التشكيلي وعلى صالات عرضه، متدفقاً بصخبه الداخلي و بصمته الخارجي نحو المساحات البيضاء يمدها بأنفاسه المجبولة بألوانه وهمومها الإنسانية، فهو المقبل إلى الحقيقة بروح الإنسان الفنان، باحثاً عن بقاياها، عن تفاصيلها قبل أن تنزاح تماماً عن أصداء اللحن المألوف، وتنزلق إلى كل ما هو ممجوج وممل.
أتحدث هنا عن لؤي كيالي ( 1934 – 1978 ) الفنان الملتحم بالإحساس، المعلن بكامل صراحته، الشفاف في شهيقه و زفيره، لا تغيب الانفعالات من عوالمه، فبقدر ما يكون هادئاً في حضوره، وتأملاته، بقدر ما يكون الغليان عالياً في رفضه واحتفاءاته، في رؤيته ومساراتها، فهو لا يحاكي المتخيل بل يضع لمساته على التشخيص والفضاء الإنساني بتداعيات لونية بها يخلق توازنات بين الفعل و صداه، بين الحركة التي تقتنص الضوء و بين ارتعاشات أمواجها، يبث رؤياه على ملامح أشكاله التي يسيطر عليها في أغلب اشتعالاتها، يبث رؤيا في زوايا حواسه، حتى يلد المشهد بكل علاماته، يوغل منذ البدء في الصمت وألمه، يبصر الخراب ورائحة الحريق، يفضح بهدوء ودون أية استغاثة تلك التصدعات التي تصيب الإنسان و حياته، يشير إلى تلك الانهدامات في الروح و ما تصدر منها نواحات تحتضن الألم الكبير، و أرتال من البسطاء في سبيل كسرة خبز، و جرعة هواء، و في سبيل نظام إحساساته بالإنسان وإثراءاته يخلق ثيماته بماهية الحياة و فعلها، و يزيد المثيرات في تنشيطها و تنشيط ما فيها من شظايا التنهزامات وإن بمستويات مختلفة، تاركاً الإشارات و متغيراتها و ضمن مخطط معرفي أن يزيد من احتماليات إحداث الملاءمة في اختياراته وعملياتها، فيخفض من رؤية المدى، و يصعد في صوت القلق والانتماء وإن ضمن الإطار العام لدائرته.
لم يكن الفن بالنسبة للؤي كيالي غاية في ذاته، بل هدف لفهم الحقيقة المرتبطة بدرجة كبيرة بفكرة كشف الجمال و تطهيره مع رفع معاييره ببساطة و توازن، و لهذا بدأ بتشييد عمارته بخصائص بصرية و حسية تحمل الكثير من فراسته القائمة على التبسيط في تفصيلاته الجمالية مستفيداً من معايير اجتماعية خاصة مرتبطة بالعمليات السيكولوجية لديه، و من فلسفته ذات الصِّلة الخاصة بنشاطه الإبداعي في ضوء مناحيه المعرفية كلها، و يعمل في الوقت نفسه و على نحو متزامن مع تعزيز مقولاته وإعادة اكتشافها في المعنى الانفعالي للون محاولاً فكها إلى مكوناتها المسؤولة عنها، و المفسرة لها مع الفهم الصحيح لتداخلاتها المرتبطة بعملياتها الخاصة متكئاً على أشياء موصوفة بالطريقة نفسها التي يستجيب لها حس الفنان و محركاته الأساسية فيهتم بموضوع التساؤل و الفضول، أو بالسلوك الاستكشافي بشكل عام، يزداد الأمر أكثر ظهوراً حين يكون مصحوباً بانفعالات حزينة، و هنا تكون الأصوات هادئة لكن متقطعة و هذا ما يجعله يتقبل المفاهيم التي تثير القلق و التوتر، و التي تجعله يتقبل السطوح أيضاً مهما كان اللون المنفعل عليها، و مهما كانت الوسائل الداخلة في نقل انفعالاتها، وإذا كانت السطوح بيضاء، وأصابعه بيضاء، وقلبه أبيض فكيف به أن يلوث كل هذا البياض، فإذا نجح في السطوح إلا أنه لم ينجح في الأصابع والقلب بل دفع حياته من أجل ألا يلوثها بالركض في عاصفة الغبار.
في العام الفائت ( 2019 ) احتفى محرك البحث غوغل بذكرى ميلاده الخامسة والثمانين، كتقليد جميل منها بالاحتفاء والتذكير بالقامات الإبداعية العالية في شتى مناحيها، وقال عنه: “فيما كان يمكن أن يكون عيد ميلاده الخامس والثمانين، نتذكر لؤي كيالي كفنان ذي حس عال كان يسعى لأن يرسم تماماً ما يراه ويشعر به، وله تأثير كبير على مستقبل أجيال عديدة من فناني سورية ” فهذا الاحتفاء بحد ذاته هو تقدير له ولتجربته، وتذكير لنا نحن أبناء التراب ذاته بألا نكون جاحدين بحق من يمثلنا في هذه الأرض، بحق قاماتنا التي سنفتخر بهم والتاريخ معنا إن لم يكن هم تاريخنا، هذه اللفتة العذبة من غوغل هي وخزة لذاكرتنا بألا ندفن من هم أحياء فيها، هي وخزة لقلوبنا بألا نحرمه من النبض و العزف لرسلنا في هذه الأرض.
كل الأوصاف، وكل الألقاب التي منحت له: ( فنان الحزن النبيل، رسّام الألم الصامت، مبدع الجمال الحزين الهادئ) تلخص ما في جعبته من آمال مقتولة، وبأنه كان سجين حزن كتب عليه أن يقضيه مؤبداً، هذا السجن / الحزن هو قصته التي لم تنته إلى الآن فما زلنا نعيشها و نسردها لذواتنا و لكل من يمر بنا علها تتحدث عنه و عنا وعن اللون الذي غرقنا فيه، و جولة سريعة بين أعماله سنرى إلى أي مدى كان مع البسطاء و كيف يحلهم ضيوفاً على فضاءاته فمن باعة متجولين، بائع الكعك، بائع اليانصيب، و بائع البوظة، و بائع الجوارب، إلى ماسحي الأحذية، إلى الخياطة، و الأم، و الخبّازة، و غرفة الغسيل، ومروراً بصياد السمك، وعجوز جالس، والصبي النائم
في مراحلها المختلفة، والتي تحمل خصائصه الأيكولوجية أو البيئية التي تقوم في جوهرها على أساس الواقع ومثيراته، المرتفعة منها والمنخفضة.
جميعها مؤشرات بأنهم كانوا شغله الشاغل، وبأن المسحوقين في الحياة يستحقون الحياة وهذا ما فعله كيالي حين جرهم إلى مساحاته نافخاً فيهم الروح، آخذاً بهم في منحى ينبغي عليهم تأسيس وقائعهم الخاصة، هذا الاهتمام الزائد بل الفائض الذي يظهره كيالي نحوهم نابع من انتمائه، ومن حبه الكبير لهم، و لمناخهم الاجتماعي المظلوم في كل شيء، و لهذا لا يمكن لكيالي إلا أن يكون في صفهم، يلتقط أوجاعهم و آلامهم و فقرهم و بساطتهم، يلتقط كل ذلك بحساسيته الخاصة و يكشف كل ما عليها و ما وراءها، ومن أجل فهم العلاقة بينه و بين أسلوبه، أقصد بين أسلوبه الفني و أسلوبه الشخصي لا بد من إنعاش عمليات التذوق الفني مع ملاحظة العديد من أنظمته الجمالية من خلال رؤيته الحسية البصرية العادية التي سينجم عنها حتماً تميّزا في عمله الفني و في مراحلها المختلفة، والتي تحمل خصائصه الأيكولوجية أو البيئية التي تقوم في جوهرها على أساس الواقع ومثيراته، المرتفعة منها والمنخفضة.
بدأ لؤي كيالي الرسم وهو في الحادية عشرة من عمره، و نظم أول معرض له وهو لم يتجاوز الثمانية عشرة، كان ذلك في عام 1952 في مدرسة التجهيز في حلب، تابع دراسته الفنية في روما بإيطاليا حتى تخرج من أكاديميتها للفنون الجميلة في عام 1961، عاد بعدها إلى دمشق كأستاذ للفنون الجميلة في جامعتها إلى جانب فاتح المدرس الذي مثل معه سورية في معرض بينالي في البندقية في إيطاليا عام 1960، بعد هزيمة حزيران 1967 أقام معرضه السابع في المركز الثقافي في دمشق و كان قد رسم لوحة بعنوان / ثم ماذا / و التي كانت سبباً في ولادة ما يقارب ثلاثون لوحة تدور عن المواطن في مسيرة التحرر، ثم إنتقل بعدها بهذا المعرض ليطوف في العديد من المحافظات السورية، الأمر الذي أثار سخط بعض الفنانين و بعض الكتاب، فأصيب على إثر ذلك باكتئاب شديد وتوقف عن الرسم ومزق العديد من لوحاته، عاد بعدها إلى حلب، و رغم عودته إلى الرسم فيما بعد إلا أن حالته النفسية السيئة لم تتركه حتى وفاته في عام 1978 إثر حادث حريق قيل الكثير عنه، وأكثر الآراء تتأرجح بين الانتحار عقب حالة الكآبة الشديد التي لم تتركه، و بين احتراقه بلفافة تبغ جاءت على سريره، هذه النهاية المأساوية لفنان كلؤي كيالي تجعلنا نبحث فيها بعمق أكثر علنا نصل إلى الحقائق التي لم تقال حينها، أتمنى أن يساعدنا الزمن في إنجاز ذلك.
……………….
*كاتب وناقد تشكيلي من سوريا