شخصيات مؤثرة
«تاريخ لاظوغلي» الجانب غير المروي من قصة رجل الباشا الوفي معنى الصداقة يكاد يكون مستحيلاً في العلاقات السياسية، لكنه ينطبق حرفيًا على العلاقة التي جمعت الكتخدا محمد لاظوغلي والوالي محمد علي باشا، والتي تعد بمثابة العلاقة التي حطمت أحد المستحيلات السبعة وهي «الخل الوفي». يبدأ تاريخ لاظوغلي حين جاء إلى مصر في ظروف متشابهة لـ «محمد علي باشا»، حيث كان أحد الجنود العثمانيين الذين سيشرفون على خروج الحملة الفرنسية من مصر سنة 1801 م، ومثل الباشا لم يغادر الكتخدا لاظ أوغلي مصر، فقد كان صديقاً لهكانت ملامح الاثنين «الكتخدا لاظوغلي والباشا محمد علي» تتشابه، النظرات الحادة واحدة والشدة الظاهرة في ملامحهما واضحة، ورغم تشابه الملامح لكن المصير كان مختلفاً رغم أنهما على نفس الطريق السياسي، وكان هذا الاختلاف هو شهرة محمد علي التي فاقت لاظ أوغلي.
بعد فشل حملة فريزر في رشيد، كان محمد لاظ أوغلي قد سطع نجمه حين تولى منصب «أمين الوالي»، ثم ترقى في المناصب حتى أمسك زمام المالية المصرية سنة 1808 م. كان الرعب يدب في مصر بمجرد ذكر اسم «محمد لاظ أوغلي»، بسبب مذبحة القلعة التي كان هو صاحب فكرتها، وتمكن محمد علي باشا من خلالها أن يقضي نهائياً على المماليك سنة 1811 م، وبعدها احتفظ محمد لاظ أوغلي بمنصب «ناظر الجهادية» طيلة 15 سنة حتى مات. رغم أهمية تاريخ لاظوغلي في تأسيس مصر الحديثة، لكنه بقي الوحيد من رجال الباشا الذي لا يعرف عنه مؤرخ أي شيء متعلق بحياته، فمن الصعب الوصول إلى تاريخ ميلاده أو وفاته، بل حتى تمثاله لم يكن له بالتفصيل.
لم يعثر النحات الفرنسي جاك مار على أي صورة مرسومة لـ «محمد لاظوغلي» حتى يشيد له التمثال والذي جاء بعد وفته بسنوات طويلة، فاستعان جاك مار برجل كان يعمل سقا وله شكل شبيه بملامح محمد لاظ أوغلي، فأسس التمثال على هذا الأساس.يثبت تاريخ لاظوغلي أنه هو الوحيد بلا منازع الذي اتسم بوفاء شديد، حيث كان يتولى قيادة أمن مصر وأيضاً حكم الدولة في غياب محمد علي باشا وقت سفره للحجاز في حرب الوهابية، وبمجرد رحيل الباشا إلى الحجاز وقعت مؤامرة باشتراك فلول المماليك وفرقة ألبانية منشقة عن محمد علي وبتمويل ودعم عثماني لإزاحة الباشا عن حكم مصر والذي كان منشغلاً في الحرب ضد الوهابية. كانت تقضي المؤامرة بأن يتم التحرك إلى القلعة لقتل عائلة محمد علي باشا وبعدهم رجاله، فدبر لاظوغلي حيلة أمنية حيث هيأ عساكره إلى بيوت حريم الباشا على هيئة استنفار بهدف جعل المنقلبين على الباشا يشعرون أن لاظوغلي سينهي أمر عائلة محمد علي ليعلن نفسه حاكمًا، فتم تغيير خطة المنقلبين ليكون هدفهم لاظوغلي نفسه وهو ما كان يريده رجل الباشا الوفي.كان قائد المؤامرة لطيف باشا أحد المقربين من محمد علي لدرجة أنه طلب الزواج من ابنة الباشا، لكن لم يكن لاظوغلي مرتاحًا له نظرًا لصلاته مع العثمانيين الذين يكرهون والي مصر، ونجح لاظوغلي في مراقبته والتي مهدت له معرفة الخطة مبكرًا فتعامل على هذا الأساس ونجح لاظوغلي في سحق عناصر هذه المؤامرة بلا رحمة وأولهم لطيف باشا الذي قُدِّمَت رأسه إلى محمد علي بمجرد وصوله للقاهرة.رغم شهرة تاريخ لاظوغلي لكن الغريب عدم أي ترجمة تاريخية لحياته، فالجبرتي ذكره 4 مرات في سياق الأحداث خلال كتابه عجائب الآثارفي التراجم والأخبار،لعل السبب الوحيد في عدم وجود سيرة ذاتية في تاريخ لاظوغلي أنه أحب الباشا أكثر من نفسه، ولم يهتم بالتوثيق لحياته مثل حبه لعمله، لكن تبقى حقيقة واحدة وهي أنه لولا محمد لاظ أوغلي ما كان الباشا، وبدون محمد علي باشا ما كان لـ لاظوغلي أن ينجح، وبدونهما ما كان لمصر الحديثة أن تظهر.
****************************
القاص علي السباعي، وMaged Nabil Ishak