شخصيات مؤثرة
صورة من حى المعادي عام 1940م
حى المعادي
المعادي أحد المناطق الشهيرة في جنوب القاهرة على الضفة الشرقية من نهر النيل.
يعتبر حي “المعادي القديمة” من أرقى المناطق السكنية في العاصمة المصرية وأكثرها كلفة.
لم يدر بخلد الضابط الكندي الكابتن ألكسندر آدامز مؤسس المعادي ومهندس التخطيط لإنشائها، أن مدينته الصغيرة الهادئة ستصبح الاستثناء الفريد في العاصمة الأكثر ازدحاما في الشرق…ففي خضم الصخب والضجيج اليومي الملازم لشوارع وأحياء القاهرة، تبدو «المعادي» وشوارعها غارقة في صمت يثير الدهشة والعجب كونها لا تبعد عن وسط العاصمة بأكثر من عشرة كيلومترات جنوبا، إلا أنها لا تزال تحتفظ برونقها وخصوصيتها في إطار تلك الأصوات التي دعت قبل مائة عام تقريبا لإنشاء حي سكني مميز وخاص لطبقة الارستقراط المصريين، التي كانت تضم الباشاوات والنخبة الحاكمة وبعض المثقفين بالإضافة إلى الجالية الإنجليزية، وذلك للهروب من زحام القاهرة واكتظاظها في بداية القرن العشرين. تدين المعادي بالفضل في نشأتها إلى الخديوي إسماعيل ـ 1830ـ1895ـ الذي قرر في نهاية القرن التاسع عشر استثمار منطقة حلوان التي تبعد 25 كيلومترا جنوب القاهرة بإقامة منتجع سياحي استشفائي في المدينة الصغيرة ذات الحدائق الغناء وعيون المياه الكبريتية، فضلا عن قربها من مناطق الآثار الفرعونية مثل سقارة والجيزة مما يجعلها هدفا للبرامج السياحية الغربية.
وفي عام 1868 أرسل إسماعيل مجموعة من الخبراء من بينهم طبيبه الخاص إلى حلوان لبحث طبيعة الآبار وإمكانية تنمية المكان واستثماره.
وأشار الخبراء إلى الخصائص الطبية الهامة الموجودة في آبار حلوان، فقرر الخديوي إسماعيل بناء قصر بها عام 1877 ووهبه لأمه وسمي «بقصر الوالدة».
شجع تشييد القصر أبناء الأسرة المالكة والأثرياء والأجانب إلى إنشاء القصور والفيلات الفخمة في ذات المنطقة، وهو ما استدعى ربط حلوان بالقاهرة بخط سكة حديدي لتسهيل الوصول إليها، وكان ذلك في عام 1880.
ومع افتتاح خط السكك الحديدية الجديد عام 1889 بدأ المستثمرون في شراء الأراضي بجوار الطريق، وأسفرت عملية البيع في بداية القرن العشرين عن حصول أسرة موصيري أحد زعماء الجالية اليهودية في ذلك الوقت على مساحات كبيرة من تقسيم المعادي بعد شرائها من شركة أراضي الدلتا التي أسستها الطبقة الأرستقراطية البريطانية في مصر.
وقام الضابط الكندي آدامز بالتخطيط لإنشاء المدينة كحي سكني ذي نسق واحد على الطراز البريطاني من خلال الشوارع المستقيمة وبناء الفيلات ذات الطابقين والحديقة الأمامية المليئة بأشجار الزينة النادرة.
وتولت الشركة الترويج للسكن في الحي الهادئ، وفي عام 1910 قامت الشركة المشرفة على تطوير المعادي بإنشاء ناد رياضي أطلقت عليه اسم «المعادي سبورتنج» وأقامت فيه ملاعب الجولف والكروكيت والهوكي والفروسية وحماما للسباحة إضافة إلى المساحات الخضراء والحدائق وعدة مبان للمطاعم والضيافة.
ومن محطة قطار المعادي، كانت تتفرع شوارع المنطقة بشكل مستقيم نحو الميادين الرئيسية في نواحي الحي المختلفة، وحمل الشارعان الرئيسيان اسمي ملوك مصر آنذاك، فؤاد الأول والأمير فاروق، بينما سميت الشوارع الأخرى بأسماء مؤسسيها من اليهود والبريطانيين. فكانت تسمى قطاوي وموصيري وآدامز ووليامسون، إلا أنها تغيرت في الأعوام الأخيرة لتحل محلها الأرقام مثل شارع 9 الرئيسي والموازي لخط المترو وشارع 105 وغيرها.
ومع تزايد هجرة القاهريين إلى المعادي أنشأت الأقلية اليهودية معبدا في عام 1934 بناه الثري مائير بيتون وأسماه مائير عينايم، وأسس بعدها الحي اليهودي في المعادي وأصبح الحي مركز جذب لليهود المصريين، حيث شيدت فيه الفيلات الفاخرة لأثرياء الطائفة أمثال عائلة شيكوريل ومزراحي إلى جوار منازل اليهود الاشكناز من عائلات التمان وولف وليفشيش وروتشيلد.
وبلغ عددهم في منتصف الأربعينيات ما يقرب من 20 ألف شخص شكلوا ثلث سكان الحي. بعدها أنشأ المسيحيون كنيسة كاثوليكية، كما شيد المسلمون أول مسجد في المعادي عام 1939 افتتحه الملك فاروق الأول ملك مصر في ذلك الوقت وأطلق عليه اسمه «مسجد الفاروق».
وكانت المعادي على موعد مع الحرب العالمية الثانية إذ وصل إليها في عام 1940 ما يقرب من 76 ألف جندي من نيوزيلندا، استقروا في معسكر ضخم في منطقة يطلق عليها «وادي دجلة» جنوب المعادي. وتعايش الجنود مع أهل المعادي واختلطوا مع سكان الحي بل إن بعضهم قرر الاستقرار في مصر بعد نهاية الحرب، حتى بعد أن غادرت الفرقة إلى نيوزيلندا عام 1946 وقدموا قبل رحيلهم نصبا تذكاريا يشكرون فيه سكان الحي على كرم الضيافة طيلة المدة التي قضتها القوة هناك.
وعلى الرغم من مرور السنوات ورحيل الأجانب عن مصر، إلا أن حي المعادي ما زال مفضلاً من قبل الجاليات الأجنبية، إذ لا تزال أعداد كبيرة منهم تعيش فيه نظرا لطابعه الغربي، الذي يبدو جليا في مؤسسات التعليم الأجنبية المنتشرة فضلا عن النوادي الرياضية والمؤسسات الاجتماعية والدينية والأماكن الترفيهية والمطاعم التي تساهم في دفع مشاعر الغربة عن الأجنبي المقيم في مصر. كما فضلت دول كثيرة تشييد سفاراتها هناك إذ تحوي المعادي اليوم 26 سفارة أجنبية.
ومع التزايد السكاني اتسعت رقعة الحي الهادئ وبات يحدها من الغرب شارع كورنيش النيل، بينما يحدها طريق الأوتوستراد الممتد من حلوان إلى مدينة نصر من الشرق، حيث أنشئت ضاحية المعادي الجديدة ومنطقة زهراء المعادي القريبة من سفح المقطم.
سميت بالمعادى لوجود “معدية” لعبور النيل. كانت المعادي حتى نهاية الأربعينات تخضع إداريا لمحافظة الجيزة ناحية البساتين.