فيلم "يوميات جاسوسة" مهمّات سرية قد تفشلها العاطفة
طاهر علوان
ذات مأزومة رغم قدراتها الكثيرة
تتشابه أفلام الجواسيس تلك التي تصنع شخصيات غالبا ما تكون بمميزات خارقة أو ذكاء استثنائي، شخصيات تعيش مآزق قاتلة تخرج منها بسلاسة، فيما تنكشف بعيدا عن جانب تفوقها هشاشاتها، هي مفارقة برعت الأفلام في تصويرها، ولم يشذ عنها فيلم “يوميات جاسوسة”.
مزيج متنافر ذلك الذي يمكن أن تظهر عليه صورة الجاسوس وهو يتنقل في مهام عمله بين أماكن ودول شتى ومهام خطيرة، وفي ذلك تتسع تلك المهمة لتظهر لنا سينمائيا على أنها مما يستدعي فضول المشاهد على الدوام وأن لدى أولئك الجواسيس قدرات استثنائية وخاصة الذكاء المفرط وسرعة الحركة، فضلا عن الاستعدادات للقتل وارتكاب الجرائم، مع أنه لا تصنف جرائم، بل هي أعمال في خدمة الوطن.
كل ذلك ينطبق على فيلم “يوميات جاسوسة” للمخرج آدم كلارك الذي يقدم سردية هي في حد ذاتها بمثابة مذكرات ويوميات جاسوسة سابقة هي آنا (الممثلة تامارا تايلور).
عوالم متداخلة
للجواسيس قدرات استثنائية وخاصة الذكاء المفرط وسرعة الحركة فضلا عن الاستعدادات للقتل وارتكاب الجرائم
الجاسوسة هي الناجية الوحيدة من خلية تابعة للمخابرات الأميركية كانت تعمل في مدينة جدة بالسعودية، بينما الباقون من أعضاء الخلية من الجواسيس فقد تمت تصفيتهم على يد مجهولين، ثم يتّضح فيما بعد أن المخابرات الروسية كانت هي الفاعل.
وفق هذه الخلفية سوف نتابع يوميات آنا، مهندسة البترول السابقة والجاسوسة المحبطة التي تواجه مصيرها أمام رؤسائها، وببساطة شديدة فقد فشلت في المهمة الموكلة إليها.
هذه الشخصية المثقلة بأعباء الحياة، لم تخرج من وظيفتها بشيء يذكر، فهي تسكن في غرفة في فندق بسيط وتشعر أن العمر يتقدم بها، وهي تتوقع أن تصل إلى سن التقاعد بلا مال يكفيها لسد حاجاتها الأساسية.
هاهي في مشهد فيه الكثير من التذلل أمام مديرتها المكنّاة رمزا بالحرف أس (الممثلة سوزان سوليفان) التي تتواصل معها عن بعد من خلال شاشة، ها هي تتودد إليها أن ترحمها من شبه الطرد من العمل بسبب الفشل بإعطائها فرصة أخرى وتكليفها بعمل آخر.
سوف تجد آنا نفسها في مهمة لم تتقبّلها نفسيا ولم تتوقعها قط وهي التقرّب من كامدين (الممثل ريس نوى) الذي يعمل معلّما ومشرفا على بعض أعمال الأميرة السعودية فهدة (الممثلة بولينا ليجا)، ومن خلال التقرّب منه سوف تتمكن من الوصول إلى الأميرة السعودية المقربة من العائلة المالكة وتاليا اغتيالها.
تنمو تلك العلاقة تدريجيا بين آنا وكامدين الذي برع بشكل ملفت للنظر في أداء دور الحذر المتذبذب الذي لا يرتاح في التفاعل مع الآخرين، وفي المقابل تجد فيه آنا شخصا عفويا صادقا مع نفسه لم يتلوّث قط.
مفترق وجودي
لو رسمنا مسارا لهذه الدراما الفيلمية لوجدنا أن هنالك سلسلة من الوقفات الجديرة بالتأمل لجهة العفوية التي بدت عليها آنا هي الأخرى في التعبير عن ذاتها وظروف تجنيدها للعمل في المخابرات، وصولا إلى شعورها بأنها بالرغم من كفاءتها إلا أن هنالك شيئا غير مكتمل وبمثابة حلقة مفقودة في حياتها.
اللقاءات المتكررة، وتقرّب آنا، لم تكن إلا مسار اغتراب إنساني وحيرة وخوفا من تسلّط “المؤسسة” واستلابها قيمة الذات. في ما يخص آنا فهي إما أن تقبل بما تسنده الرئيسة إليها أو أنها تضيع وتبقى بلا مصدر مال يغطي أبسط احتياجاتها الشخصية.
آدم كلارك يقدم سردية هي في حد ذاتها بمثابة مذكرات ويوميات جاسوسة سابقة هي آنا
وأما كامدين فهو يجد نفسه في مواجهة فهدة غريبة الأطوار، والتي لا تتردد في تعاطي المخدّرات، ومع ذلك يجب أن يمتص نزعاتها الغريبة وعبثها بالمال ووقوعها في مطبات عليه تخليصها منها.
وأما اليوميات التي تكتبها آنا فقد أفصحت عن تلك الذات المأزومة، فهي غير مضطرة إلى أن تتقرب وتحب إنسانا تدّعي وتمثل أنها منجذبة إليه بكل ما تعنيه من امتهان وذل، ولكن لا خيارات يمكن أن تخرجها من ذلك المأزق.
بالطبع هنالك قصدية لغرض التشويه وإظهار الصورة النمطية في ما يخص الأميرة السعودية، وهو ما سوف يتطور لاحقا بطريقة مفبركة وغير مقنعة، بل بنوع من الإسفاف بربط الأحداث بمحاولة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي والانتهاء باغتياله في سفارة بلاده في تركيا.
أما التحول الجذري في كل المسارات فهو المطلب المصيري والأخير، أن تقوم آنا بقتل الأميرة السعودية وحتى صديقها بمادة شديدة الخطورة والسمّية تتسرب إلى الجلد من خلال الملامسة، تباشر آنا المهمة، وتستعد لها لكونها تضمن لها عائدا ماليا ضخما ومنزلا ثمينا في موسكو مع الاختفاء نهائيا عن الواجهة بعيدا عن أميركا.
أما وهي تجد نفسها للمرّة الأولى أمام تحد ذاتي مصيري وخطير، وهو أن تتحرّر من سطوة المؤسسة واستعبادها وتنفيذ أوامرها بطاعة تامة أو أن يتم اغتيالها بأبسط الوسائل، في مقابل عرض من كامدين بالهرب إلى قرية بحرية نائية في إيطاليا بعد تغيير الاسم والهوية والاختفاء نهائيا.
تجد آنا نفسها في وسط ذلك المفترق الوجودي والإنساني المرعب، المؤسسة التي لا ترحم وتنتقم تضرب بلا رحمة، حب نشأ بالصدفة فوجدت فيه ذاتها، مهام سمجة ولا إنسانية حتى أنها سوف تتساءل، وما الذي سوف يتغير إن أنا قتلت الأميرة السعودية؟ لا شيء سوى أنها ستغرق أكثر وأكثر في ذلك المستنقع المظلم، ولهذا تفضل الحرية على تلك العبودية الدائمة للمؤسسة وسطوتها، فتقرر الانضمام الى كامدين الذي يقرر هو الآخر البحث عن حريته في مكان آخر.
طاهر علوان
ذات مأزومة رغم قدراتها الكثيرة
تتشابه أفلام الجواسيس تلك التي تصنع شخصيات غالبا ما تكون بمميزات خارقة أو ذكاء استثنائي، شخصيات تعيش مآزق قاتلة تخرج منها بسلاسة، فيما تنكشف بعيدا عن جانب تفوقها هشاشاتها، هي مفارقة برعت الأفلام في تصويرها، ولم يشذ عنها فيلم “يوميات جاسوسة”.
مزيج متنافر ذلك الذي يمكن أن تظهر عليه صورة الجاسوس وهو يتنقل في مهام عمله بين أماكن ودول شتى ومهام خطيرة، وفي ذلك تتسع تلك المهمة لتظهر لنا سينمائيا على أنها مما يستدعي فضول المشاهد على الدوام وأن لدى أولئك الجواسيس قدرات استثنائية وخاصة الذكاء المفرط وسرعة الحركة، فضلا عن الاستعدادات للقتل وارتكاب الجرائم، مع أنه لا تصنف جرائم، بل هي أعمال في خدمة الوطن.
كل ذلك ينطبق على فيلم “يوميات جاسوسة” للمخرج آدم كلارك الذي يقدم سردية هي في حد ذاتها بمثابة مذكرات ويوميات جاسوسة سابقة هي آنا (الممثلة تامارا تايلور).
عوالم متداخلة
للجواسيس قدرات استثنائية وخاصة الذكاء المفرط وسرعة الحركة فضلا عن الاستعدادات للقتل وارتكاب الجرائم
الجاسوسة هي الناجية الوحيدة من خلية تابعة للمخابرات الأميركية كانت تعمل في مدينة جدة بالسعودية، بينما الباقون من أعضاء الخلية من الجواسيس فقد تمت تصفيتهم على يد مجهولين، ثم يتّضح فيما بعد أن المخابرات الروسية كانت هي الفاعل.
وفق هذه الخلفية سوف نتابع يوميات آنا، مهندسة البترول السابقة والجاسوسة المحبطة التي تواجه مصيرها أمام رؤسائها، وببساطة شديدة فقد فشلت في المهمة الموكلة إليها.
هذه الشخصية المثقلة بأعباء الحياة، لم تخرج من وظيفتها بشيء يذكر، فهي تسكن في غرفة في فندق بسيط وتشعر أن العمر يتقدم بها، وهي تتوقع أن تصل إلى سن التقاعد بلا مال يكفيها لسد حاجاتها الأساسية.
هاهي في مشهد فيه الكثير من التذلل أمام مديرتها المكنّاة رمزا بالحرف أس (الممثلة سوزان سوليفان) التي تتواصل معها عن بعد من خلال شاشة، ها هي تتودد إليها أن ترحمها من شبه الطرد من العمل بسبب الفشل بإعطائها فرصة أخرى وتكليفها بعمل آخر.
سوف تجد آنا نفسها في مهمة لم تتقبّلها نفسيا ولم تتوقعها قط وهي التقرّب من كامدين (الممثل ريس نوى) الذي يعمل معلّما ومشرفا على بعض أعمال الأميرة السعودية فهدة (الممثلة بولينا ليجا)، ومن خلال التقرّب منه سوف تتمكن من الوصول إلى الأميرة السعودية المقربة من العائلة المالكة وتاليا اغتيالها.
تنمو تلك العلاقة تدريجيا بين آنا وكامدين الذي برع بشكل ملفت للنظر في أداء دور الحذر المتذبذب الذي لا يرتاح في التفاعل مع الآخرين، وفي المقابل تجد فيه آنا شخصا عفويا صادقا مع نفسه لم يتلوّث قط.
مفترق وجودي
لو رسمنا مسارا لهذه الدراما الفيلمية لوجدنا أن هنالك سلسلة من الوقفات الجديرة بالتأمل لجهة العفوية التي بدت عليها آنا هي الأخرى في التعبير عن ذاتها وظروف تجنيدها للعمل في المخابرات، وصولا إلى شعورها بأنها بالرغم من كفاءتها إلا أن هنالك شيئا غير مكتمل وبمثابة حلقة مفقودة في حياتها.
اللقاءات المتكررة، وتقرّب آنا، لم تكن إلا مسار اغتراب إنساني وحيرة وخوفا من تسلّط “المؤسسة” واستلابها قيمة الذات. في ما يخص آنا فهي إما أن تقبل بما تسنده الرئيسة إليها أو أنها تضيع وتبقى بلا مصدر مال يغطي أبسط احتياجاتها الشخصية.
آدم كلارك يقدم سردية هي في حد ذاتها بمثابة مذكرات ويوميات جاسوسة سابقة هي آنا
وأما كامدين فهو يجد نفسه في مواجهة فهدة غريبة الأطوار، والتي لا تتردد في تعاطي المخدّرات، ومع ذلك يجب أن يمتص نزعاتها الغريبة وعبثها بالمال ووقوعها في مطبات عليه تخليصها منها.
وأما اليوميات التي تكتبها آنا فقد أفصحت عن تلك الذات المأزومة، فهي غير مضطرة إلى أن تتقرب وتحب إنسانا تدّعي وتمثل أنها منجذبة إليه بكل ما تعنيه من امتهان وذل، ولكن لا خيارات يمكن أن تخرجها من ذلك المأزق.
بالطبع هنالك قصدية لغرض التشويه وإظهار الصورة النمطية في ما يخص الأميرة السعودية، وهو ما سوف يتطور لاحقا بطريقة مفبركة وغير مقنعة، بل بنوع من الإسفاف بربط الأحداث بمحاولة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي والانتهاء باغتياله في سفارة بلاده في تركيا.
أما التحول الجذري في كل المسارات فهو المطلب المصيري والأخير، أن تقوم آنا بقتل الأميرة السعودية وحتى صديقها بمادة شديدة الخطورة والسمّية تتسرب إلى الجلد من خلال الملامسة، تباشر آنا المهمة، وتستعد لها لكونها تضمن لها عائدا ماليا ضخما ومنزلا ثمينا في موسكو مع الاختفاء نهائيا عن الواجهة بعيدا عن أميركا.
أما وهي تجد نفسها للمرّة الأولى أمام تحد ذاتي مصيري وخطير، وهو أن تتحرّر من سطوة المؤسسة واستعبادها وتنفيذ أوامرها بطاعة تامة أو أن يتم اغتيالها بأبسط الوسائل، في مقابل عرض من كامدين بالهرب إلى قرية بحرية نائية في إيطاليا بعد تغيير الاسم والهوية والاختفاء نهائيا.
تجد آنا نفسها في وسط ذلك المفترق الوجودي والإنساني المرعب، المؤسسة التي لا ترحم وتنتقم تضرب بلا رحمة، حب نشأ بالصدفة فوجدت فيه ذاتها، مهام سمجة ولا إنسانية حتى أنها سوف تتساءل، وما الذي سوف يتغير إن أنا قتلت الأميرة السعودية؟ لا شيء سوى أنها ستغرق أكثر وأكثر في ذلك المستنقع المظلم، ولهذا تفضل الحرية على تلك العبودية الدائمة للمؤسسة وسطوتها، فتقرر الانضمام الى كامدين الذي يقرر هو الآخر البحث عن حريته في مكان آخر.