موسم مولاي عبدالله أمغار موروث ثقافي يجذب المغاربة
محمد ماموني العلوي
موروث أصيل تتناقله الأجيال
يحفل المغرب بتنوع ثقافي كبير وبعراقة واختلاف يظهران من خلال الفنون الشعبية والألعاب التراثية وغيرها من عناصر فنية وثقافية تمثل إرثا حضاريا هاما يجب تثمينه وصونه والحفاظ عليه للأجيال القادمة. وهو ما تسعى العديد من التظاهرات الثقافية والتراثية والفنية لترسيخه على غرار موسم مولاي عبدالله أمغار.
يعتبر موسم مولاي عبدالله أمغار الذي يقام بإقليم الجديدة (جنوب الدار البيضاء)، أحد أهم التظاهرات الدينية والثقافية في المغرب، والذي امتدت فعاليات نسخته لهذه السنة من الجمعة الماضي إلى غاية الثاني عشر أغسطس الحالي، مستقطبا الآلاف من الجماهير المتعطشة لعروض “التبوريدة” (عروض الفروسية) وإيقاعات الموسيقى والمديح.
وبعد اعتراف منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بهذا الموسم كتراث وطني لامادي، سيبقى بتراثه المتنوع يمثل جزءا مضيئا من الذاكرة الوطنية المشتركة، ويشكل محركا لدينامية اقتصادية وسياحية في المنطقة.
تراث عريق
بعد غياب اضطراري دام سنتين متتاليتين، انتظمت دورة جديدة لموسم مولاي عبدالله أمغار هذه الأيام واستقطبت عددا غفيرا من الجماهير المتعطشة لعروضه التراثية وخاصة “التبوريدة”، حيث توافدوا بكثافة إلى المحْركين (المَحْرَك مكان مخصص للتبوريدة) اللذين يحتضنان مسابقات فن التبوريدة بمشاركة ما يقارب 2000 فارس وفارسة من مختلف قبائل المغرب، و110 سربات.
◙ الموسيقى التقليدية المغربية تحتل مكانة متميزة في هذه التظاهرة الثقافية من خلال برنامج غني ومتنوع تقدمه فرق عريقةوتواصلت الأنشطة الدينية المنظمة على هامش الموسم من خلال دروس دينية مختلفة للرجال والنساء، وليلة مولاي عبدالله أمغار التي أحياها مادحو وأئمة بلدية مولاي عبدالله أمغار بالمنصة الرسمية للموسم، بالإضافة إلى عروض الصيد بالصقور للشرفاء القواسم، الذين يقدمون عروضا للصقور على إيقاعات الموسيقى التقليدية المغربية، والتي تحتل مكانة متميزة في هذه التظاهرة الثقافية من خلال برنامج غني ومتنوع على هامش مشاركتهم في موسم مولاي عبدالله أمغار.
ويستقطب موسم مولاي عبدلله أمغار الآلاف من الزوار من المدن والقرى ومن الجالية المغربية القاطنة بالخارج، وتكون المناسبة فرصة للتخييم حيث ينصب عدد كبير من المواطنين الخيام في الهواء الطلق متحررين من بيوت الإسمنت ويجهزون طعامهم ويغسلون ثيابهم ويستقبلون ضيوفهم بكؤوس الشاي والمكسرات وبعض الحلويات، وهي فسحة ينطلق فيها الأطفال والشباب للاستمتاع بما يقدمه الموسم من صنوف الترفيه ومعارض الصناعة التقليدية والملابس وأكلات تقليدية والألعاب المختلفة التي يقبل عليها الصغار والكبار على حد سواء.
وعلى غرار العديد من الأنشطة والاحتفاليات، عرض العشرات من المولعين بتربية الصقور طيورهم الجارحة وسط خيام موسم مولاي عبدالله أمغار، حيث اختار المنظمون تخصيص حيز مهم من فضاء موسم مولاي عبدالله للاحتفاء بتربية صقور الصيد المعروفة بالبيازة، وتعرفها المنطقة منذ مئات السنين، إذ تعد تربية الصقور من التقاليد المتوارثة في قبائل دكالة، حيث يتخصص أهل منطقة “القواسم” بالحفاظ على هذه الهواية (البيازة).
وأكد المختصون في هذا النوع من الرياضة أن غالبية الصقور المتواجدة في الموسم تم صيدها في نواحي مدينة الصويرة وهي لم تتجاوز عمر الستة أشهر، حيث يتم تربيتها وتدريبها على صيد الطرائد، قبل أن يتم تحرير هذا الطيور عند تجاوزه أربع سنوات، حيث تساهم بشكل كبير في المحافظة على الصقور التي كانت في وقت قريب مهددة بالانقراض.
وزار الموسم عدد كبير من فرق “التبوريدة” والمئات من الخيول والفرسان رفقة متاعهم ومستلزماتهم وأسرهم وأصدقائهم المولعين بهذا الموروث الأصيل، تجمعهم خيم مصطفة بانتظام على جنبات مضمار السباق ومؤثثة بالزرابي المغربية التقليدية والفراش العتيق، فحسب المنظمين، فقد زار حوالي 2 مليون شخص فضاءات الموسم إضافة إلى نصب حوالي 22000 خيمة مختلفة.
تراث لامادي
◙ الموسم يهدف إلى أن يكون رافعة للتنمية الاقتصادية المحليةخيول عربية وأمازيغية تنتظر وقت خروجها إلى ساحة التبوريدة بتسميات مختلفة تحيل إلى ألوانها في الغالب، منها “لشهب”، “لزرك”، “البركي”، “الكمري” “الصنابي” و”لدهم”، وحسب الخبراء في تربية الخيول “البركي” هو الحصان ذو اللون البني و”الكمري” ذو اللون الأبيض، لكن لونه يتغير مع تقدمه في العمر ليتحول إلى اللون “الأزرك” مع بقع بيضاء تسمى عند الخيالة (حط ريال)، ثم الحصان الأدهم أي الأسود، و”الصنابي” يعني الأصفر.
مولاي عبدلله أمغار، صاحب زاوية تيط التي تبعد عن مدينة الجديدة بحوالي أحد عشر كيلومترا على الطريق الساحلية المؤدية إلى الوليدية على الساحل الأطلسي لمنطقة دكالة، تعرف اليوم بمركز مولاي عبدلله، وهي تعتبر من المراكز العمرانية القديمة بالمغرب، اشتهر بغزارة علمه وسعة اطلاعه وكانت تتوافد عليه الوفود برباط تيط من كل حدب وصوب لاستشارته والتزود بنصائحه وأغلب الأولياء والصالحين بساحل دكالة من تلامذته أو تلامذة أولاده وأحفاده.
وهناك أنشطة مختلفة ترافق هذا الموسم السنوي، فالزوار بمختلف أعمارهم يتابعون ألعاب الفروسية والصيد بالصقور والتبضع في معارض الصناعة التقليدية، التي تعرض مختلف المنسوجات الصوفية التقليدية من جلاليب رجالية ونسائية وقفاطين وأقمشة مطرزة، وزراب، ومنتوجات زراعية محلية من عسل وزيوت طبيعية، كما تابع الزوار المهتمون بالحكي الشعبي فرقة ناس الكوميديا في عرض بعنوان “المغزل” بساحة المحرك الكبير في استرجاع ليالي الحكي والحلقة مع مجموعة من الرواد البارزين للحلقة والحكايات الشعبية.
أنشطة مختلفة ترافق هذا الموسم السنوي فالزوار بمختلف أعمارهم يتابعون ألعاب الفروسية والأنشطة الثقافية والعروض الفنية
وتم التنويه بتنظيم الموسم رغم بعض الأحداث الناتجة عن الازدحام وحركة المرور، وفي هذا السياق أبرز مهدي الفاطمي رئيس بلدية مولاي عبدالله أن اللجنة المنظمة بمعية شركائها عملوا على الرفع من مستوى الخدمات المختلفة المتعلقة بالموسم، مضيفا أنه بعد اعتراف الإيسيسكو بهذا الموسم كتراث وطني لامادي “طلبنا من اليونسكو تسجيله كتراث عالمي لامادي”، مشيرا إلى أن هذا الحدث الثقافي المتجذر بعمق في التاريخ، بتراثه اللامادي المتنوع والذي يمثل جزءا مضيئا من الذاكرة الوطنية المشتركة، يشكل محركا لدينامية اقتصادية وسياحية في المنطقة.
وبشأن البعد الثقافي لهذا الحدث الكبير، أشار رئيس المجلس الإقليمي للجديدة محمد الزاهيدي إلى أن هذا الموسم يهدف إلى أن يكون رافعة للتنمية الاقتصادية المحلية، لأنه يولد “تأثيرا لا يمكن إنكاره” على مستوى النشاط التجاري في المنطقة.
وينتظر المسؤولون زيارة لجنة رفيعة المستوى لإعداد تقرير تقييمي حول إدراج الموسم كتراث لامادي عالمي، مع العمل على رفعه إلى هيئات اليونسكو ذات الصلة، خصوصا مع الاهتمام الذي يوليه المغرب والمجالس البلدية بهذا الموروث الثقافي من أجل النهوض به وتسويقه وطنيا ودوليا من خلال إنجاز وتمويل العديد من المشاريع الهامة التي تهدف إلى تحسين البنيات التحتية للموسم وتحسين ظروف استقبال زوار ومرتادي موسم مولاي عبدالله أمغار.
محمد ماموني العلوي
موروث أصيل تتناقله الأجيال
يحفل المغرب بتنوع ثقافي كبير وبعراقة واختلاف يظهران من خلال الفنون الشعبية والألعاب التراثية وغيرها من عناصر فنية وثقافية تمثل إرثا حضاريا هاما يجب تثمينه وصونه والحفاظ عليه للأجيال القادمة. وهو ما تسعى العديد من التظاهرات الثقافية والتراثية والفنية لترسيخه على غرار موسم مولاي عبدالله أمغار.
يعتبر موسم مولاي عبدالله أمغار الذي يقام بإقليم الجديدة (جنوب الدار البيضاء)، أحد أهم التظاهرات الدينية والثقافية في المغرب، والذي امتدت فعاليات نسخته لهذه السنة من الجمعة الماضي إلى غاية الثاني عشر أغسطس الحالي، مستقطبا الآلاف من الجماهير المتعطشة لعروض “التبوريدة” (عروض الفروسية) وإيقاعات الموسيقى والمديح.
وبعد اعتراف منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) بهذا الموسم كتراث وطني لامادي، سيبقى بتراثه المتنوع يمثل جزءا مضيئا من الذاكرة الوطنية المشتركة، ويشكل محركا لدينامية اقتصادية وسياحية في المنطقة.
تراث عريق
بعد غياب اضطراري دام سنتين متتاليتين، انتظمت دورة جديدة لموسم مولاي عبدالله أمغار هذه الأيام واستقطبت عددا غفيرا من الجماهير المتعطشة لعروضه التراثية وخاصة “التبوريدة”، حيث توافدوا بكثافة إلى المحْركين (المَحْرَك مكان مخصص للتبوريدة) اللذين يحتضنان مسابقات فن التبوريدة بمشاركة ما يقارب 2000 فارس وفارسة من مختلف قبائل المغرب، و110 سربات.
◙ الموسيقى التقليدية المغربية تحتل مكانة متميزة في هذه التظاهرة الثقافية من خلال برنامج غني ومتنوع تقدمه فرق عريقةوتواصلت الأنشطة الدينية المنظمة على هامش الموسم من خلال دروس دينية مختلفة للرجال والنساء، وليلة مولاي عبدالله أمغار التي أحياها مادحو وأئمة بلدية مولاي عبدالله أمغار بالمنصة الرسمية للموسم، بالإضافة إلى عروض الصيد بالصقور للشرفاء القواسم، الذين يقدمون عروضا للصقور على إيقاعات الموسيقى التقليدية المغربية، والتي تحتل مكانة متميزة في هذه التظاهرة الثقافية من خلال برنامج غني ومتنوع على هامش مشاركتهم في موسم مولاي عبدالله أمغار.
ويستقطب موسم مولاي عبدلله أمغار الآلاف من الزوار من المدن والقرى ومن الجالية المغربية القاطنة بالخارج، وتكون المناسبة فرصة للتخييم حيث ينصب عدد كبير من المواطنين الخيام في الهواء الطلق متحررين من بيوت الإسمنت ويجهزون طعامهم ويغسلون ثيابهم ويستقبلون ضيوفهم بكؤوس الشاي والمكسرات وبعض الحلويات، وهي فسحة ينطلق فيها الأطفال والشباب للاستمتاع بما يقدمه الموسم من صنوف الترفيه ومعارض الصناعة التقليدية والملابس وأكلات تقليدية والألعاب المختلفة التي يقبل عليها الصغار والكبار على حد سواء.
وعلى غرار العديد من الأنشطة والاحتفاليات، عرض العشرات من المولعين بتربية الصقور طيورهم الجارحة وسط خيام موسم مولاي عبدالله أمغار، حيث اختار المنظمون تخصيص حيز مهم من فضاء موسم مولاي عبدالله للاحتفاء بتربية صقور الصيد المعروفة بالبيازة، وتعرفها المنطقة منذ مئات السنين، إذ تعد تربية الصقور من التقاليد المتوارثة في قبائل دكالة، حيث يتخصص أهل منطقة “القواسم” بالحفاظ على هذه الهواية (البيازة).
وأكد المختصون في هذا النوع من الرياضة أن غالبية الصقور المتواجدة في الموسم تم صيدها في نواحي مدينة الصويرة وهي لم تتجاوز عمر الستة أشهر، حيث يتم تربيتها وتدريبها على صيد الطرائد، قبل أن يتم تحرير هذا الطيور عند تجاوزه أربع سنوات، حيث تساهم بشكل كبير في المحافظة على الصقور التي كانت في وقت قريب مهددة بالانقراض.
وزار الموسم عدد كبير من فرق “التبوريدة” والمئات من الخيول والفرسان رفقة متاعهم ومستلزماتهم وأسرهم وأصدقائهم المولعين بهذا الموروث الأصيل، تجمعهم خيم مصطفة بانتظام على جنبات مضمار السباق ومؤثثة بالزرابي المغربية التقليدية والفراش العتيق، فحسب المنظمين، فقد زار حوالي 2 مليون شخص فضاءات الموسم إضافة إلى نصب حوالي 22000 خيمة مختلفة.
تراث لامادي
◙ الموسم يهدف إلى أن يكون رافعة للتنمية الاقتصادية المحليةخيول عربية وأمازيغية تنتظر وقت خروجها إلى ساحة التبوريدة بتسميات مختلفة تحيل إلى ألوانها في الغالب، منها “لشهب”، “لزرك”، “البركي”، “الكمري” “الصنابي” و”لدهم”، وحسب الخبراء في تربية الخيول “البركي” هو الحصان ذو اللون البني و”الكمري” ذو اللون الأبيض، لكن لونه يتغير مع تقدمه في العمر ليتحول إلى اللون “الأزرك” مع بقع بيضاء تسمى عند الخيالة (حط ريال)، ثم الحصان الأدهم أي الأسود، و”الصنابي” يعني الأصفر.
مولاي عبدلله أمغار، صاحب زاوية تيط التي تبعد عن مدينة الجديدة بحوالي أحد عشر كيلومترا على الطريق الساحلية المؤدية إلى الوليدية على الساحل الأطلسي لمنطقة دكالة، تعرف اليوم بمركز مولاي عبدلله، وهي تعتبر من المراكز العمرانية القديمة بالمغرب، اشتهر بغزارة علمه وسعة اطلاعه وكانت تتوافد عليه الوفود برباط تيط من كل حدب وصوب لاستشارته والتزود بنصائحه وأغلب الأولياء والصالحين بساحل دكالة من تلامذته أو تلامذة أولاده وأحفاده.
وهناك أنشطة مختلفة ترافق هذا الموسم السنوي، فالزوار بمختلف أعمارهم يتابعون ألعاب الفروسية والصيد بالصقور والتبضع في معارض الصناعة التقليدية، التي تعرض مختلف المنسوجات الصوفية التقليدية من جلاليب رجالية ونسائية وقفاطين وأقمشة مطرزة، وزراب، ومنتوجات زراعية محلية من عسل وزيوت طبيعية، كما تابع الزوار المهتمون بالحكي الشعبي فرقة ناس الكوميديا في عرض بعنوان “المغزل” بساحة المحرك الكبير في استرجاع ليالي الحكي والحلقة مع مجموعة من الرواد البارزين للحلقة والحكايات الشعبية.
أنشطة مختلفة ترافق هذا الموسم السنوي فالزوار بمختلف أعمارهم يتابعون ألعاب الفروسية والأنشطة الثقافية والعروض الفنية
وتم التنويه بتنظيم الموسم رغم بعض الأحداث الناتجة عن الازدحام وحركة المرور، وفي هذا السياق أبرز مهدي الفاطمي رئيس بلدية مولاي عبدالله أن اللجنة المنظمة بمعية شركائها عملوا على الرفع من مستوى الخدمات المختلفة المتعلقة بالموسم، مضيفا أنه بعد اعتراف الإيسيسكو بهذا الموسم كتراث وطني لامادي “طلبنا من اليونسكو تسجيله كتراث عالمي لامادي”، مشيرا إلى أن هذا الحدث الثقافي المتجذر بعمق في التاريخ، بتراثه اللامادي المتنوع والذي يمثل جزءا مضيئا من الذاكرة الوطنية المشتركة، يشكل محركا لدينامية اقتصادية وسياحية في المنطقة.
وبشأن البعد الثقافي لهذا الحدث الكبير، أشار رئيس المجلس الإقليمي للجديدة محمد الزاهيدي إلى أن هذا الموسم يهدف إلى أن يكون رافعة للتنمية الاقتصادية المحلية، لأنه يولد “تأثيرا لا يمكن إنكاره” على مستوى النشاط التجاري في المنطقة.
وينتظر المسؤولون زيارة لجنة رفيعة المستوى لإعداد تقرير تقييمي حول إدراج الموسم كتراث لامادي عالمي، مع العمل على رفعه إلى هيئات اليونسكو ذات الصلة، خصوصا مع الاهتمام الذي يوليه المغرب والمجالس البلدية بهذا الموروث الثقافي من أجل النهوض به وتسويقه وطنيا ودوليا من خلال إنجاز وتمويل العديد من المشاريع الهامة التي تهدف إلى تحسين البنيات التحتية للموسم وتحسين ظروف استقبال زوار ومرتادي موسم مولاي عبدالله أمغار.