,
الكتابة الروائية والنضال المزدوج
في ذكرى رحيل الطاهر وطار 1936 / 2010
الطاهر وطار:
قلولي بن ساعد*من الصعب، بل من غير الممكن، الحديث عن المرحوم الطاهر وطار الذي تحل الذكرى الثانية عشر لرحيله ( توفي يوم 12 اوت 2010) أو عمي الطاهر مثلما كنا نلقبه حين تقودنا بعض الصدف إلى “بيته الأليف” بتعبير باشلار “الجاحظية” أو نصادفه في مناسبة من المناسبات الثقافية، في بضع كلمات قد لا تفي الرجل حقه.ولا تمكننا من الإحاطة نسبيا بمساره الحياتي المتشعب، نظرا لتشعب حياة الرجل وغناها والثراء التي هي عليه . هو القاص والصحفي والروائي والمناضل على الصعيدين الثقافي والسياسي.لقد قدم الطاهر وطار، للقارئ العربي، والمكتبة العربية والعالمية، العديد من الأعمال القصصية والروائية منذ أن بدأ يكتب القصة القصيرة والمقال الصحفي في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم بالصحافة التونسية،ثم ما فتئ أن إقتحم الكتابة الروائية فأجادها والتي دشنها بعمله الروائي الذائع الصيت ” اللاز” الذي ظل لسنوات العمل الأكثر تأثيرا على أعمال روائية أخرى لروائيين آخرين من جيل السبعينيات.وفي هذا العمل وفي غيره من أعمال الطاهر وطار يلمس القارئ هموم الكاتب الاجتماعية والروح الشعبية التي تنبض بها أعماله الروائية، الأمر الذي دفع الدكتور عبد المالك مرتاض إلى تأليف كِتاب في هذا السياق سماه “عناصر التراث الشعبي في رواية اللاز” .ولعل القارئ لهذه الرواية لا زال يذكر لازمة ” اللاز” الشهيرة: “ما يبقى في الواد غير حجارو”هو أول روائي جزائري يدين محنة تصفية بعض المثقفين الثوريين، ولو اقتصر ذلك من وجهة نظره على لفيف من المناضلين ذوي التوجه اليساري الذين مثل لهم بالنهاية المأساوية لشخصية المناضل الشيوعي “زيدان” حين أعدمته جبهة التحرير بقرار جائر من بعض قادتها،ورغم وفائه لنهج تجربة الكتابة الواقعية الملتبسة بالمحمول الإيديولوجي االماركسي التي كان الطاهر وطار أحد ممثليهفقد قدم نصوصا على غرار ” تجربة في العشق”” والحوات والقصر” مارس فيها نوعا معقولا من التجريب على الصعيدين الشكلي والرؤيوي من دون أن يتنازل عن قراءته الطبقية للتاريخ تاريخ الجزائر المعاصر من خلال الرواية والقراءة الطبقية كما هو معلوم هي قراءة ماركسية أساساوحتى عندما دخل البلد في حرب أهلية بعد أحداث أكتوبر 1988 لم يغادر الطاهر وطار الجزائر كغيره من المثقفين الذين غادروا البلد هروبا من الموت والغدر الذي كان يترصدهم وبقيَّ معتكفا في “بيته الأليف” الجاحظيةفأصدر في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الجزائر “الشمعة والدهاليز” و”الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي” و”الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء” مقتربا قليلا مما أصبح يسمى في العالم العربي تيار اليسار الإسلامي.وهي أعمال تستحق مزيدا من الدراسة من الزاوية السوسيو/ نقدية تحديدا لتوفرها على مادة خصبة من الرؤية الاجتماعية أو “الرؤيا للعالم” بتعبير الناقد السوسيولوجي والمفكر الماركسي لوسيان غولدمان. تساعد الناقد السوسيولوجي على مده بالإفرازات الاجتماعية التي تمتلئ بها أعمال الطاهر وطار المنسجمة مع المعنى الدقيق “للرؤيا للعالم” التي كان يرى غولدمان أنه من المستحيل استخراجها من عمل إبداعي واحد، بل من مجموعة من الأعمال والنماذج الإبداعية لمبدع يرى في المجتمع الذي شكله مرآته، و”المجتمع” المعني بذلك هو المجتمع التخييلي للرواية في تقاطعه وتماسه مع المجتمع الواقعي.وغولدمان كنا هو معلوم استخرج “الرؤيا للعالم” من أعمال باسكال وراسين،ولم يقتصر جهد الرجل على الكتابة الروائية والقصصية فقط، فقد مارس أيضا العمل الصحفي حين أنشأ في بداية السيعينيات من القرن المنصرم الملحق الثقافي لجريدة “الشعب” وهو الملحق الذي قدم للقارئ أصوات واعدة، هي الآن من الروائيين الطليعيين على غرار محمد مفلاح والحبيب السائح، والراحل مصطفى نطور، وأمين الزاوي ومحمد ساري وغيرهم.وغداة الانفتاح الديمقراطي الذي عرفته الجزائر ولو في شكله الواجهاتي أعلن استقالته من إتحاد الكتاب وأسس جمعية الجاحظية واضعا لها شعاره المعروف “لا إكراه في الرأي “” .وهي الجمعية التي أخذت على عاتقها في عهده تثمين الكتابة الشعرية وتحفيز الشعراء الشباب وإصدار مجلات فصلية ودورية كمجلة “التبيين” ومجلة “القصيدة” ومجلة القصةمثلما أنه فتح الأبواب مشرعة أمام الكُتاب لنشر مخطوطاتهم وأعمالهم الإبداعية في الوقت الذي حُلت فيه المؤسسة الوطنية للكِتاب وتعقدت مشكلة النشر،قبل أن تهتدي الدولة إلى إنشاء ما كان يُسمى بصندوق دعم الإبداع. .لقد كان الرجل في تصوري يمثل مؤسسة قائمة بذاتها ولا يمكن القفز أبدا على جوهر النضال الثقافي المدني الذي خاضه الرجل،وكان أول من دشنه وأسس له بعد الانفتاح الديمقراطي وإقرار حق التعددية الإعلامية والسياسية في أحلك الظروف وأصعبها بالنظر لظروف البلد السياسية والاقتصادية في تلك الفترة، وهو من هذه الزاوية لم يكن رائدا في الكتابة الروائية ذات اللسان العربي فقط بل كان رائدا أيضا في النضال الثقافي المدني . .كاتب وناقد جزائري
الكتابة الروائية والنضال المزدوج
في ذكرى رحيل الطاهر وطار 1936 / 2010
الطاهر وطار:
قلولي بن ساعد*من الصعب، بل من غير الممكن، الحديث عن المرحوم الطاهر وطار الذي تحل الذكرى الثانية عشر لرحيله ( توفي يوم 12 اوت 2010) أو عمي الطاهر مثلما كنا نلقبه حين تقودنا بعض الصدف إلى “بيته الأليف” بتعبير باشلار “الجاحظية” أو نصادفه في مناسبة من المناسبات الثقافية، في بضع كلمات قد لا تفي الرجل حقه.ولا تمكننا من الإحاطة نسبيا بمساره الحياتي المتشعب، نظرا لتشعب حياة الرجل وغناها والثراء التي هي عليه . هو القاص والصحفي والروائي والمناضل على الصعيدين الثقافي والسياسي.لقد قدم الطاهر وطار، للقارئ العربي، والمكتبة العربية والعالمية، العديد من الأعمال القصصية والروائية منذ أن بدأ يكتب القصة القصيرة والمقال الصحفي في مطلع الخمسينيات من القرن المنصرم بالصحافة التونسية،ثم ما فتئ أن إقتحم الكتابة الروائية فأجادها والتي دشنها بعمله الروائي الذائع الصيت ” اللاز” الذي ظل لسنوات العمل الأكثر تأثيرا على أعمال روائية أخرى لروائيين آخرين من جيل السبعينيات.وفي هذا العمل وفي غيره من أعمال الطاهر وطار يلمس القارئ هموم الكاتب الاجتماعية والروح الشعبية التي تنبض بها أعماله الروائية، الأمر الذي دفع الدكتور عبد المالك مرتاض إلى تأليف كِتاب في هذا السياق سماه “عناصر التراث الشعبي في رواية اللاز” .ولعل القارئ لهذه الرواية لا زال يذكر لازمة ” اللاز” الشهيرة: “ما يبقى في الواد غير حجارو”هو أول روائي جزائري يدين محنة تصفية بعض المثقفين الثوريين، ولو اقتصر ذلك من وجهة نظره على لفيف من المناضلين ذوي التوجه اليساري الذين مثل لهم بالنهاية المأساوية لشخصية المناضل الشيوعي “زيدان” حين أعدمته جبهة التحرير بقرار جائر من بعض قادتها،ورغم وفائه لنهج تجربة الكتابة الواقعية الملتبسة بالمحمول الإيديولوجي االماركسي التي كان الطاهر وطار أحد ممثليهفقد قدم نصوصا على غرار ” تجربة في العشق”” والحوات والقصر” مارس فيها نوعا معقولا من التجريب على الصعيدين الشكلي والرؤيوي من دون أن يتنازل عن قراءته الطبقية للتاريخ تاريخ الجزائر المعاصر من خلال الرواية والقراءة الطبقية كما هو معلوم هي قراءة ماركسية أساساوحتى عندما دخل البلد في حرب أهلية بعد أحداث أكتوبر 1988 لم يغادر الطاهر وطار الجزائر كغيره من المثقفين الذين غادروا البلد هروبا من الموت والغدر الذي كان يترصدهم وبقيَّ معتكفا في “بيته الأليف” الجاحظيةفأصدر في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الجزائر “الشمعة والدهاليز” و”الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي” و”الولي الطاهر يرفع يديه بالدعاء” مقتربا قليلا مما أصبح يسمى في العالم العربي تيار اليسار الإسلامي.وهي أعمال تستحق مزيدا من الدراسة من الزاوية السوسيو/ نقدية تحديدا لتوفرها على مادة خصبة من الرؤية الاجتماعية أو “الرؤيا للعالم” بتعبير الناقد السوسيولوجي والمفكر الماركسي لوسيان غولدمان. تساعد الناقد السوسيولوجي على مده بالإفرازات الاجتماعية التي تمتلئ بها أعمال الطاهر وطار المنسجمة مع المعنى الدقيق “للرؤيا للعالم” التي كان يرى غولدمان أنه من المستحيل استخراجها من عمل إبداعي واحد، بل من مجموعة من الأعمال والنماذج الإبداعية لمبدع يرى في المجتمع الذي شكله مرآته، و”المجتمع” المعني بذلك هو المجتمع التخييلي للرواية في تقاطعه وتماسه مع المجتمع الواقعي.وغولدمان كنا هو معلوم استخرج “الرؤيا للعالم” من أعمال باسكال وراسين،ولم يقتصر جهد الرجل على الكتابة الروائية والقصصية فقط، فقد مارس أيضا العمل الصحفي حين أنشأ في بداية السيعينيات من القرن المنصرم الملحق الثقافي لجريدة “الشعب” وهو الملحق الذي قدم للقارئ أصوات واعدة، هي الآن من الروائيين الطليعيين على غرار محمد مفلاح والحبيب السائح، والراحل مصطفى نطور، وأمين الزاوي ومحمد ساري وغيرهم.وغداة الانفتاح الديمقراطي الذي عرفته الجزائر ولو في شكله الواجهاتي أعلن استقالته من إتحاد الكتاب وأسس جمعية الجاحظية واضعا لها شعاره المعروف “لا إكراه في الرأي “” .وهي الجمعية التي أخذت على عاتقها في عهده تثمين الكتابة الشعرية وتحفيز الشعراء الشباب وإصدار مجلات فصلية ودورية كمجلة “التبيين” ومجلة “القصيدة” ومجلة القصةمثلما أنه فتح الأبواب مشرعة أمام الكُتاب لنشر مخطوطاتهم وأعمالهم الإبداعية في الوقت الذي حُلت فيه المؤسسة الوطنية للكِتاب وتعقدت مشكلة النشر،قبل أن تهتدي الدولة إلى إنشاء ما كان يُسمى بصندوق دعم الإبداع. .لقد كان الرجل في تصوري يمثل مؤسسة قائمة بذاتها ولا يمكن القفز أبدا على جوهر النضال الثقافي المدني الذي خاضه الرجل،وكان أول من دشنه وأسس له بعد الانفتاح الديمقراطي وإقرار حق التعددية الإعلامية والسياسية في أحلك الظروف وأصعبها بالنظر لظروف البلد السياسية والاقتصادية في تلك الفترة، وهو من هذه الزاوية لم يكن رائدا في الكتابة الروائية ذات اللسان العربي فقط بل كان رائدا أيضا في النضال الثقافي المدني . .كاتب وناقد جزائري