إنترنت على خطى السلحفاة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إنترنت على خطى السلحفاة

    إنترنت على خطى السلحفاة

    يمينة حمدي


    الخميس 2022/08/11

    العرب


    انشر
    WhatsApp
    Twitter
    Facebook





    الإنترنت قد خلقت نوعا جديدا من "الطبقية الرقمية"


    في كل مرة أجري فيها مكالمة مع أهلي عبر التطبيقات الإلكترونية، في مسعى مني لتقليل تكاليف الاتصالات الهاتفية الباهظة بين لندن وتونس، ينتهي بي الحال إلى أن أصبح أشبه بـ”الأطرش في الزفة”، فلا أنا فهمت ما قالوه، ولا هم استطاعوا فهمي، وكل ذلك بسبب شبكة الإنترنت الضعيفة في تونس، والانقطاع المتواصل للصوت ورجع الصدى.
    إجراء مكالمة عبر تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي على بساطتها في لندن، عملية مجهدة في تونس تصيبني بالتوتر وترفع من ضغط دمي، وكل محاولات أهلي لتغيير أمكنتهم داخل المنزل أو الخروج للهواء الطلق لا تجدي نفعا، فلم أعد أجد خيارا آخر غير الاتصال بهم بالهاتف، وتكبد خسارة المال بدلا من تلف أعصابي.
    عزاء أهلي الوحيد هو أنهم ليسوا وحدهم يواجهون مشكلة ضعف شبكة الإنترنت، فهي أقرب إلى الظاهرة التي تعاني منها مناطق تونس بأكملها.
    ربما لا يختلف الوضع كثيرا عما هو سائد في عدة دول عربية أخرى لم تتأثر طبيعة حياتها بالخدمة العظيمة التي تقدمها شبكة الإنترنت، ولم تطرأ فيها تغيرات جذرية على نمط الخدمات التي ينبغي أن تقدم إلى الناس، وبقي انشغالهم الأكبر بمشاكل حيوية وهموم معيشية أخرى، مثل غلاء الأسعار وشح المياه الصالحة للشرب وأزمات الكهرباء والغاز. بينما لا يبدو أن الإنترنت، كخدمة جليلة تقدم إلى البشرية، قد ساعدتهم على حل ولو معضلة واحدة من تلك المعضلات القائمة والمستمرة.
    لا ترى بعض حكومات هذه الدول أهمية للإنترنت، ولا تنظر إليها كقيمة تنموية للرخاء والازدهار والاستقرار، ويستنسخ سياسيوها تجارب بعضهم في قطع الإنترنت، وإبطاء شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل إخراس صوت الشعوب وعدم الإنصات إلى همومها، والإبقاء على سياساتهم الفاشلة في إدارة أزمات بلدانهم.
    عند ابتكار شبكة الإنترنت اعتُبرت أنها أعظم اختراعات العصر الحديث، للتواصل وتلقي المعلومات الحيوية والحصول على الخدمات الأساسية التي من شأنها أن تجعل حياة الناس أفضل، وبعد عقود من الزمن تجاوز تأثيرها النطاق الشخصي، فقد قلبت هذه التكنولوجيات طبيعة الاقتصاد، وأفضت إلى ظهور صناعات جديدة، وجعلت وتيرة الأبحاث تتسارع، وحسّنت الرعاية الصحية. مع ذلك فإن فكرة حق الناس في الحصول على فرص متكافئة في استخدام الإنترنت وزيادة سرعتها، وتوزيع مزاياها بإنصاف، لا نلمسها بشكل كبير في حياة الناس اليومية في عدة مجتمعات عربية، في ظل خدمات “الواي فاي” الشحيحة، أو المنعدمة تماما في المؤسسات والإدارات والمنازل أو المقاهي، حتى في المدن الكبرى.
    هناك مقولة شهيرة لعالم الاجتماع البريطاني ريتشارد هوغارت تقول “مع كل عقد من الزمان نقول إن الطبقية ماتت، لكن الكفن يبقى فارغاً”.
    ولعل هوغارت محق في ذلك، فالإنترنت قد خلقت نوعا جديدا من “الطبقية الرقمية” والصدام والانقسامات المتعددة الأوجه، وأصبح الناس بسببها يصطفون في خنادق تجمعهم بمن يشبهونهم، وتفصلهم عن المختلفين عنهم.












    يمينة حمدي
    صحافية تونسية مقيمة في لندن
يعمل...
X