ثورة ثقافية محافظة في روسيا في ظل "الحرب المقدسة" في أوكرانيا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ثورة ثقافية محافظة في روسيا في ظل "الحرب المقدسة" في أوكرانيا

    ثورة ثقافية محافظة في روسيا في ظل "الحرب المقدسة" في أوكرانيا









    نزعة قومية تجتاح عالم الفن


    أعادت الحرب الروسية - الأوكرانية اليوم إيقاظ الجدل القديم في الساحة الثقافية الروسية حول القومية الثقافية والانفتاح على العولمة، في وقت تخسر فيه الثقافات المحلية الكثير من مخزونها وتتحول إلى مواد متحفية مملة، في مقابل انتشار ثقافة موحدة يصنعها نظام عالمي ليبرالي يحاول محو الفوارق الثقافية في إطار توسعه الشامل الذي لا توقفه النزعات القومية القديمة التي جعلت من الثقافة مواد مملة، في مقابل حيوية الثقافات الجديدة رغم خطورتها.


    موسكو - يواجه المثقفون والفنانون الروس اليوم تقسيما ممنهجا بين من هم ضد سلطات بلادهم ومن هم معها، بالتضييق على الأخيرين وفتح آفاق أمام الشق الأول، في إطار صراع محتدم، بين عالمين مختلفين، عالم قومي يؤمن بالهوية الخاصة والاختلافات ويكرس النزعة المحافظة، وعالم مفتوح يمحو كل بصمة خاصة ويعد الناس بالحرية المطلقة.
    وساهمت الحرب الروسية في أوكرانيا أخيرا وكشفها للصراعات المحتدمة في الساحة الثقافية، خاصة منع الكتب الروسية والمثقفين الروس حتى من الرواد، في بلدان تدعي الليبرالية، وبين شق آخر قومي محافظ، يرى الثقافة والفنون من منظور خاص أو أيديولوجي، وكانت هذه الحرب صرخة للصحوة، وكشف حقيقة الصراعات التي كانت تدار في الخفاء، وذلك رغم مخاطر تحول هذه الصراعات إلى أداة في يد سياسي لديه أجندته الخاصة التي قد لا تكون الثقافة والفنون في أولوياتها.
    إعادة الثقة



    روسيا تشهد انفتاحا على ثقافات العالم الليبرالي ساهم في تآكل نزعتها القومية التي تكرست في أدبها وفنونها



    يرى كثر في الوسط الفني الروسي وبينهم الممثل سيرغي بيزروكوف، أن على موسكو الاستفادة من عزلتها المتزايدة بسبب غزوها لأوكرانيا، لتنقية الثقافة الروسية من التأثير الغربي وتعزيز القيم المحافظة بما في ذلك الوطنية والعقيدة الأرثوذكسية.
    ويقول خلال مقابلة معه في مسرح غوبرنسكي في موسكو “يجب أن نستفيد من العزل لإعادة الاتصال بتقاليدنا”.
    بيزروكوف (48 عاما) من أشهر الفنانين في روسيا، ويعمل مديرا فنيا في مسرح غوبرنسكي في موسكو. ويعتبر أن على روسيا تشكيل فضاء ثقافي خاص بها بدل التطلّع إلى التمثّل بهوليوود.
    ويقول بيزروكوف “عشنا في عالم أفلام ‘مارفل‘ طيلة ثلاثين عاما”، بالإشارة إلى مجموعة أفلام أميركية لأبطال خارقين. ويضيف “حان وقت أن نخلق نحن أفلامنا” الخاصة.
    ويلفت إلى أن “العودة إلى الاتحاد السوفييتي مستحيلة، لكن يمكننا محاولة إعادة الثقة بروسيا”.
    وخضع بيزروكوف مةخرا لعقوبات أوروبية على خلفية دعمه للغزو الروسي لأوكرانيا.
    ولطالما قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه على أنه وصي على القيم الروسية التقليدية من اعتناق الأرثوذكسية والزواج المغاير الجنس، مشددا على أن القيم الليبرالية الغربية أصبحت قديمة.


    المسرح الروسي سيعود إلى الكلاسيكيات وستعود السينما إلى الأفلام الكوميدية الخفيفة وستعود المتاحف إلى معارض لا تصدم



    ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ضاعفت السلطات الروسية جهودها لإبعاد شعبها عن القيم الغربية، ويقول العديد من الفنّانين إن على الفن أن يكون القناة الأساسية لمحاولات الإبعاد هذه.
    ويقول المنتج المسرحي والمخرج إدوارد بوياكوف الذي يدعم ما يسمّيه “حرب روسيا المقدّسة” في أوكرانيا “إن روسيا على مشارف ثورة مُحافظة”.
    ولكن ليست القضية بهذا الوجه الواحد فللصراع وجوه أخرى تظهر على السطح رغم محاولات حجبها، إذ نعيش في عصر وسائل التواصل الاجتماعي التي يستحيل معها الحجب والمنع، وبذلك نكتشف آراء أخرى مختلفة عما تقدمه السلطة الرسمية، آراء خاصة بمبدعين وفنانين ومثقفين إما يواجهون التضييق داخل روسيا أو يقيمون خارجها.
    ولا ينكر أحد اليوم تآكل الثقافات القومية المنغلقة في ظل واقع يفرض الانفتاح بشكل قسري أحيانا على المجتمعات الإنسانية.
    خسرت روسيا الكثير من ثقافتها القومية، وباتت كغيرها من دول العالم مخترقة بأعمال فنية ومسلسلات وأفلام وموسيقات وفنون مختلفة تكرس نزعة العولمة وتلغي الفوارق أو الاختلافات التي تدعي الهويات حمايتها.
    وتشهد روسيا انفتاحا على ثقافات العالم الليبرالي ساهم في تآكل نزعتها القومية القديمة التي تكرست في أدبها وفنونها، هذا العالم الذي ما انفك يتوسع عبر مبدأ الربح وعبر سيطرة الشركات الكبرى على الإنتاج الفني والتركيز على أن الفن والثقافة صناعة بالأساس والنجاح في ذلك.
    الفن الممل



    الحرب الروسية في أوكرانيا ساهمت أخيرا وكشفها للصراعات المحتدمة في الساحة الثقافية، وكشفت حقيقة الصراعات التي كانت تدار في الخفاء



    مذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، غادر العديد من الفنانين روسيا، منهم المخرج كيريل سيريبرينيكوف والممثلة شولبان خاماتوفا.
    أمّا الذين لا يزالون في روسيا، فيخضعون لضغط متزايد ليدعموا غزو أوكرانيا.
    وأطلق عدد من الشخصيات المؤيدة للكرملين بشدة، مثل سيرغي ميرونوف وزخار بريليبين اللذين يرأسان حزب “روسيا العادلة”، ما وصفوه بـ”الموقف المناهض للدولة” للنخب الثقافية في روسيا.
    وطالبوا بأن يطرد رئيس مسرح البولشوي فلاديمير أورين المدير ألكسندر مولوشنيكوف (30 عاما) على خلفية موقفه غير الوطني المُفترض، أو أن يستقيل هذا الأخير بنفسه.
    ولا تستطيع العديد من الشخصيات المعارضة للكرملين تأدية عروض في روسيا.
    ويقول أليكسي كوزين، وهو مدير شركة إنتاج موسيقى الروك الروسية “نافيغاتور ريكوردز” “تمّ إلغاء أكثر من مئة عرض موسيقي منذ فبراير”.
    ويشير كوزين، المُقيم في روسيا، إلى أن “القائمة السوداء” غير الرسمية تضمّ حاليا 40 اسما تقريبا، منهم يوري شيفشوك وهو مغنّي روك شهير اتّهم الكرملين بـ”قتل” شباب روس وأوكرانيين خلال حفلة موسيقية في مايو.
    وفي يونيو أعلنت السلطات الروسية تغيير المدراء والرؤساء في ثلاثة من أهمّ المسارح في العاصمة موسكو. وأغلق بذلك مسرح “مركز غوغول” (غوغول سنتر) الذي كان سيريبرينيكوف قد حوله إلى مساحة فن حر.
    ويقول الكاتب المسرحي في مسرح “غوغول سنتر” فاليري بيشيكين، الذي لا يزال مقيما في روسيا “لم تعد السلطات تريد فنا مستفزا. باتت تفضّل الفنّ الهادئ والموثوق وحتى المملّ”.
    ويضيف “نتيجة لذلك، سيعود المسرح إلى الكلاسيكيات وستعود السينما إلى الأفلام الكوميدية الخفيفة وستعود المتاحف إلى المعارض التي لا تصدم”.
    صراع أبدي

    عودة إلى الفن المحافظبدأت المعارض الفنية تتأثر أيضا بما يحدث ففي أبريل أوقف غاليري تريتياكوف عرض الفنان الروسي الأميركي غريشا بروسكين الذي كان مكرّسا لـ”الأيديولوجيات وأساطيرها”. وقال المعرض حينها إن وقف العرض، الذي كان استمراره مقررا حتى يوليو، حصل “لأسباب تقنية”.
    وتحدّثت أولغا أندريفا، وهي كاتبة في مجلة “اكسبرت” الأسبوعية الروسية المحافظة عن “صراع أبدي” بين القوميين السلافيين والموالين للغرب، وهما مدرستان فكريتان في روسيا في القرن التاسع عشر. وتقول “نشهد الآن جولة جديدة من هذه المعركة. المجتمع يتغيّر بشكل جذري”.
    وبوتين نفسه هو من يحدد إيقاع التغيير. ففي خطاب ألقاه في مارس، دعا الرئيس الروسي إلى “تطهير ذاتي” للمجتمع، قائلا إن الروس سيرفضون “الحثالة والخونة” الذين يكسبون المال في روسيا لكنهم يفضلون العيش في الغرب.
    وفي يوليو وافق على ترؤس حركة وطنية جديدة تُذكر بالحركات الشبابية التي كانت قائمة خلال الحقبة السوفييتية.
    وفي أواخر يونيو كشفت روسيا عن ورقة مئة روبل نقدية جديدة استبدل فيها رسم إله الموسيقى والشعر اليوناني أبولو على عربة أمام مسرح البولشوي، بصورة برج سباسكايا في الكرملين من جهة ونصب رزيف التذكاري للجندي الروسي من الجهة الثانية.
    وتُشبه مارينا دافيدوفا رئيسة تحرير مجلة المسرح الروسي “تياتر” التي تم تعليق نشرها، الشخصيات الموالية للكرملين بالموالين لماو تسي تونغ الذين ساعدوه في قمع الميول البرجوازية خلال الثورة الثقافية الصينية بين 1966 و1967.
    وكتبت دافيدوفا، التي تعيش في المنفى الآن، عبر فيسبوك “لن يكون من الصعب التكهّن بأن عملية التنظيف ستكون كاملة، لكن السرعة التي تحدث بها مذهلة”.
    وتابعت “حتى الرفيق جوزيف ستالين انتظر سنوات لهزيمة الطليعيين الروس”.



    العرب

يعمل...
X