فراس حمية
الخميس 24 مارس 201602:04 م
لا يمكن الحديث عن تاريخ فن الكاريكاتير الصحافي في الأردن دون الأخذ بعين الاعتبار مسيرة الصحف الأردنية وتطورها. ففي بدايات ظهور هذا الفن في ستينيات القرن الماضي، لم يكن يوجد سوى صحيفتين داعمتين للسلطة الحاكمة. ولذلك، كان هامش ظهور فنانين جدد ضئيلاً بسبب عدم توافر فرص كثيرة للنشر.
والرسم الساخر في سنوات التأسيس كان مقيّداً كمعظم أشكال التعبير عن الرأي في الأردن في تلك المرحلة، إذ وقعت الحياة العامة تحت وطأة قوانين الطوارئ والأحكام العرفية والسيطرة شبه التامة على الصحف.
وكان على أيّ رسم كاريكاتيري سياسي أن يتماشى مع المواقف الرسمية للحكومة الأردنية، فإما أن ينتقد إسرائيل والسياسة الأميركية أو ينتقد الدول العربية بحسب المواقف الرسمية. لكن معالجة القضايا المحلية بحرية لم تكن متاحة.
تطورات بطيئة
وقد بدأ فنّ الكاريكاتير مع عدد من الفنانين منهم رباح صغير وجلال الرفاعي وسميح حسني، وشكّل ثلاثتهم ملامح هذا الفن في الأردن لعقد كامل تقريباً.
ومرّ هذا الفنّ بمرحلة النقل عن الصحف العربية قبل الستينيات، في ظل عدم وجود رسامين محليين. وتأخرت مرحلة البدايات حتى الستينيات حين ظهر الرسم يدوياً على الورق بالحبر الصيني، وبدون ألوان. وظهرت رسوم الفنان رباح الصغير في جريدة الدفاع وتميّزت بالمحتوى السياسي الموجّه.
وفي السبعينيات، بدأت مرحلة ثالثة تطوّر خلالها الكاريكاتير في الأردن على صعيد الشكل والمضمون مع تطور الطباعة، واحتل مساحات أوسع على الصفحات الأخيرة للصحف. وظهرت منافسة بين الرسامين وتم التطرق للقضايا المحلية ولو بخجل كما بدأت تقنيات الفنون الطباعية كالزيباتون والكاريكاتير الملون بالظهور.
وقد توسّع فنّ الكاريكاتير في الصحف الأردنية في فترة حساسة واكبت "فك الارتباط" القانوني والإداري والمالي بالضفة الغربية والقدس الشرقية، عام 1988. فحينذاك، رُفعت الأحكام العرفية وانطلقت مسيرة الديمقراطية والانتخابات وظهرت الصحف الحزبية الجديدة والأسبوعيات المنوّعة، ومعها ظهر الرسامون الشباب الجدد.
ومنذ فترة التسعينيات حتى اليوم برز العديد من الرسامين في الأردن، وقاموا بخلق حركة جديدة عبر رسوم تعبّر عن صوت المواطن الأردني وهمومه. وقال الرسام ناصر الجعفري لرصيف22: "ساهم انتشار مواقع التواصل الاجتماعي منذ عام 2001 بنشر وإيصال الرسوم الكاريكاتيرية إلى فئات أوسع من الجماهير وزادت شهرة رسامي الفن الساخر ومتابعيهم".
وقال أسامة حجاج إن "الأسلوب القديم أساسي في عملنا، لكن بعد التطور التكنولوجي، تطوّر الكاريكاتير وأصبحنا بحاجة إلى مواكبة الحدث لحظة بلحظة، وخصوصاً النشر على مواقع التواصل الاجتماعي".
استفاد فنانو الرسم الساخر من ارتفاع سقف الحرية وتعدد المنابر. وأصبح التنافس على استقطاب رسامي الكاريكاتير مهمة رئيسة للصحف. وصار هامش التطرّق إلى شؤون السياسة المحلية والتصدي لظواهر مجتمعية أمراً متاحاً، ولكن ارتفاع منسوب التعبير الحرّ أدّى أيضاً إلى سجن بعض الرسامين.
وعام 2008، أُنشئت "رابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين" بعد التقاء بعض فناني الكاريكاتير كعماد حجاج ونضال هاشم وجلال الرفاعي وأمجد رسمي وناصر الجعفري.
بقيت الرابطة فاعلة لعدة أعوام لكنها لم تحظَ بالدعم المناسب خاصة بعد وفاة الفنان جلال الرفاعي. وقام المجتمعون بوضع نظام تأسيسي وبالعديد من النشاطات كالمعارض وتعزيز التواصل الاجتماعي بين الأعضاء وإصدار بيانات صحافية، كما أصدرت الرابطة العديد من الكتب والألبومات التي تضم رسوماً ساخرة.
وقال الفنان أسامة حجاج إن "الشارع الأردني يهوى التفاصيل في الكاريكاتير لأنها قريبة منه وواقعية وتحاكي محيطه وحياته اليومية".
وكان الفنان سميح حسني أول من نشر رسوماً سياسية، وذلك في صحيفة صوت الشعب أواخر السبعينيات ولكن رسومه لم تستمر كثيراً بسبب إغلاق الصحيفة بقرار عرفي مما اضطره إلى الهجرة إلى أميركا.
أبرز الرسوم العالقة في الذاكرة
تحدث الرسام عماد حجاج لرصيف22 عن بعض الرسوم العالقة في الذاكرة وقال: "رسم رباح الصغير في السبعينيات رسماً عن شاه زاده الإيراني، فوضع رجلاً عربياً يقول "الشاه زادها". وهنالك أيضاً رسم للفنان جلال الرفاعي ضد كامب ديفيد فكرته أن عربياً سأل آخر يرتدي ربطة عنق عليها حرفا سين ودال C&D: كريستيان ديور؟ فأجابه صاحب ربطة العنق "لا، كامب ديفيد". كذلك رسم الفنان زكي شقفة رجلاً عربياً بساق واحدة وعكاز يقول في أحد مؤتمرات القمة العربية في الثمانينيات: بشرفي إذا العربان اتفقوا غير أرقص عالوحدة ونص".
ولكن المشكلة أنه من الصعب الوصول إلى هذه الرسوم بسبب ضعف التوثيق لهذا الفنّ في الأردن. وأشار عماد حجاج إلى أن مشكلة الكاريكاتير هي أنه غير موثق ولا مؤرشف خاصة في بداياته، لافتاً إلى غياب الدراسات والأبحاث التي تتناسب مع أهمية هذا الفنّ ودوره في تشكيل هوية الشعوب الثقافية.
وقال أسامة حجاج إن "لكل رسام رسوماً يحبها الجمهور، وألاحظ ذلك عندما أزور المقاهي وأشاهد رسومي مطبوعة ومعلقة على الجدران والبعض يقوم بطباعتها على تي شيرت T-Shirt أو على سيارته أو يعلّقها في منزله لأنها تعني له شيئاً ما".
واعتبر عمر عدنان العبد اللات، رسام كاريكاتير ومنتج رسوم متحركة ومبتكر عدة شخصيات كرتونية، أن "الرسالة الرئيسية التي يجب أن يحملها فنّ الكاريكاتير هي أن لكل إنسان قيمة والحق في أن يعيش حياة كريمة بحرية" وأضاف لرصيف22: "لأجل ذلك قمت برسم صورة الطفل إيلان ووضعتها على جواز السفر السوري لأنني أؤمن بالأطفال. فموت إيلان هو موت لإنسانيتنا".
وفي الآتي نستذكّر روّاد فنّ الكاريكاتير في الأردن:
رباح الصغير (1938-1989)
هو فنان كاريكاتير وناقد أدبي. سافر إلى مصر والتحق بالكلية الإيطالية للفنون الجميلة وحصل على شهادة في هندسة الديكور عام 1964. بدأ العمل في مجال الرسم الكاريكاتيري في ستينيات القرن الماضي في العديد من الصحف الأردنية.
تميّز بانتقاده اللاذع للأنظمة العربية وللهيمنة الأميركية، ومُنع بسبب ذلك من دخول العديد من الدول العربية.
حمل رباح الصغير هموم شعبه والقضية الفلسطينية وأظهر التقاعس العربي عن نجدة هذه القضية. ونال جائزة الدولة التقديرية من العاهل الأردني الملك حسين بن طلال ووسام القدس الفلسطيني من الرئيس ياسر عرفات.
عائلة الصغير شاركت رصيف22 بعضاً من رسوماته الكاريكاتيرية:
يتناول الكاريكاتير أعلاه موضوع الضغوط الأمريكية على إسرائيل للقبول بخطة روجرز للسلام، عام 1969. وتظهر رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينذاك غولدا مائير وخلفها يظهر وزير الدفاع الإسرائيلي موشي دايان. كما تظهر في الصورة صبيّة تحمل غصن زيتون وترمز إلى الشعب الفلسطيني.
أما هذا الرسم فيعرض صورة المتنافسين في الانتخابات الرئاسية في إسرائيل عام 1984 إسحق شامير وشيمون بيريز.
جلال الرفاعي (1946-2012)
هو فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير. ولد في الضفة الغربية في فلسطين، ويُعتبر من أوائل رسامي الكاريكاتير في الأردن، وكانت بداية مشواره في عام 1971. عمل في جريدة الدستور الأردنية (أول جريدة في الأردن) وكانت تنشر رسوماته على صفحتها الأخيرة.
درس الرسوم المتحركة في لندن وعمل مديراً للقسم الفني في مؤسسة البيان الصحافية في دبي. يمتاز أسلوبه بالنقد البنّاء وتشريح الموضوع بطريقة ساخرة وتسليط الضوء على قضايا تهم المجتمع وتوجيه النقد للمظاهر الاجتماعية.
كان يقرأ رسائل القراء المرسلة إلى جريدة الدستور ليعرف معاناة الناس ويرسم على أساسها. طبعت له العديد من المجموعات الكاريكاتيرية، واتهمه مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بمعاداة السامية لنشره رسومات ضد العنف الذي تمارسه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. وفاز بجائزة أفضل رسام كاريكاتير عربي لعام 1995، وانتخب رئيساً لرابطة رسامي الكاريكاتير الأردنيين.
آخر رسم نشره جلال الرفاعي كان عبر صفحته على فيسبوك قبل وفاته بيوم واحد. وفيه، نعى الفنانة وردة الجزائرية برسم وجهها مع جملة "كنّا غنوة وانتهت، كنا صفحة وانطوت".
محمود صادق
واكب الرسم الكاريكاتيري منذ منتصف الستينيات حتى عام 1998. ولد محمود صادق عام 1945 في مدينة المجدل الفلسطينية، وحاز بكالوريوس في الفنون التشكيلية من جامعة بغداد وماجستير في الفنون التشكيلية من أميركا ودكتوراه في فلسفة الفن.
له ما يزيد عن خمسة عشر معرضاً فنياً، ومؤلفات في الفن التشكيلي والفنون الجميلة وحاصل على جوائز عدة منها "جائزة الدولة التقديرية عام 1992 وجائزة ترينالي مصر الدولي لفن الجرافيك لعام 1993 وجائزة الملك عبدالله الثاني.
عمل في مؤسسات صحافية عدة منها صوت الشعب والدستور وصحيفة الراية القطرية. وقال محمود صادق لرصيف22: "عندما زار الرئيس المصري أنور السادات القدس سنة 1977 قمت برسم كاريكاتير لمصريين صعايدة (من محافظة الصعيد) كانوا يتحدثون عن هذا الحدث وأحدهم قال: الله، الرئيس لسه بيتكلم عربي".
نُشر هذا الرسم في جريدة الدستور وفي اليوم التالي نشرته الواشنطن بوست مما أدى إلى تقديم السفارة المصرية شكوى للمسؤولين الأردنيين. وللأسف، فَقَدَ صادق هذا الرسم ولم يعد يمتلك نسخة منه.
وتحدث صادق عن رسم آخر له يتناول اجتماعاً للقمة العربية. رسم المؤتمرين القادة وهم يجلسون إلى الطاولة المستديرة، وراعي المؤتمر يلقي كلمته على منصة مقدمتها معاكسة لطاولة الحضور، لكأنه يريد القول أن لا تواصل بين القادة وكلٌّ منهم يغنّي على ليلاه.
وفي رسم آخر انتقد تقاعس العرب عن نصرة المظلومين منهم. وشبّه الأمة العربية بكهل يواظب على تناول حبوب منع الجهاد.
زكي شقفة
هو فنان تشكيلي ورسام كاريكاتير من جيل السبعينيات. اشتغل بالرسم الكاريكاتيري اليومي على مدار ربع قرن في العديد من الصحف والمجلات المحلية والعربية والدولية منها جرائدة الدستور والشعب والرأي والمحرر الدولية والعرب العالمية والسجل الأسبوعية، وذلك منذ عام 1980 وحتى 2009.
ولد عام 1945 في مدينة عاقر في فلسطين وأنهى دراسته الجامعية في كلية الفنون الجميلة في القاهرة عام 1969. كان عضواً مؤسساً لرابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين التي تأسست عام 1976 ومثّل الأردن في العديد من المعارض العربية والدولية، وشارك في معظم معارض رسامي الكاريكاتير العرب، وأقام عدة معارض كاريكاتورية في أميركا، وصمم العديد من أغلفة الكتب ورسوم الروايات وقصص الأطفال ورسومات تشكيلية كاريكاتورية لبعض المسلسلات التلفزيونية الأردنية.
يعتبر شقفة أن رسام الكاريكاتير عليه أن يكون مطّلعاً على قضايا المجتمع ومراقباً لمشاكله بعين ثالثة تمكّنه من رصد المفارقات الناقدة والساخرة. ويشبّه الرسم الكاريكاتيري بالمقال المختصر أو النكتة الحادة. الفنان زكي شقفة شارك رصيف22 رسماً من أرشيفه:
ينتقد الرسم أعلاه الاستهتار الإسرائيلي بقرارات الأمم المتحدة في زمن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، عام 1987. إذ يظهر ارتياح الإسرائيلي وسيطرته على المسجد الأقصى بينما يقف العرب في حالة من التساؤل والتعجب.
سميح حسني
يأسف الفنّان عماد حجاج لغياب أيّ أثر للفنان سميح حسني، ولعدم توثيق رسوماته. ويشير إلى أن هنالك انعداماً تاماً للمعلومات عن هذا الفنان، علماً أنه اشتهر في أواسط السبعينيات مع ظهور رسوماته في صحيفة صوت الشعب الأردنية اليومية.
ويُعتبر حسني من أوائل الرسامين الذين تطرقوا إلى موضوعات الشارع الأردني وقضايا الحياة اليومية. ولكن تجربته انتهت بعد إغلاق صحيفة صوت الشعب بقرار عرفي. وقال حجاج: "عمل حسني لفترة قصيرة في صحيفة الدستور باسم مستعار وبعدها هاجر إلى أمريكا ولم يُعلم عنه شيء منذ ذلك الحين".