الكربلائي رحيم السيلاوي في التقاطات له متفردة في مناسبة ذكرى العاشر من عاشوراء لهذه السنة
سعدي الرحال
ما استهواني في صور المصور رحيم السيلاوي ، لهذا العام في التقاطاته في مواكب المعزّين وجموع الزوار لمقام ابا عبد الله في كربلاء المقدسة انه ابتعد عن اقرانه المصورين الاخرين انه حاول ان تكون له فرادة في "طريقة العرض " وصياغة المشهد التصويري الذي يلتقطه ، وينأى نوعا ما بعيدا عن توظيف الرموز المستهلكه كثيرا في موضوعة فاجعة كربلاء..فهو هذه المرة يميل لاختيار دقيق لشكل الجموع المتظاهرة والثائرة في شعيرة عاشوراء ،فيما يتعلق بطريقة اخراج اللقطة ،في عاشورائية هذه السنة انه قدم هذه المجموعة الصغيرة من الاعمال التي تميزت بالتالي :
- اتخاذه المنظور العلوي للتحكم في تكوين المشهد التصويري مستفيدا من فضاء الضوء الذي ينبعث من فتحات السقوف في مسرح الشعيرة ( من الاعلى )والتي تلتحق مع ذرات التراب المنبعث نتيجة الزحام (من الاسفل ) ..فهو يوظف هذا الاشتباك بينهما (فوتونات الضوء مع ذرات التراب المتطايرة ) والذي يتحول الى موجات تشبه الابخرة او الكثبان الدخانية من الناحية الشكليه بحيث تبدو وكأنها تتموج بانسايبة لتشكل غيمة تحوم حول المشهد وتحيله الى عالم (سماوي ) اكثر منه (ارضي ).
هذا التلاعب الذكي بهذه الغيمة المقدسة الشفافة التي تساير حركات الجموع ، تدخل عنصرا مهما في تأثيث نوع الانارة الجامعة لجو اللقطة ،.
- انه زامن احتجاجية زوار الحسين مع جو مشاهد موقعة الطف في حينها (تلك رؤية يتفرد بها السيلاوي ) في مجموعته لهذه السنة مقايسة باعماله الاخرى ،بمعنى انه استحضر فكرة ً ذات ( مفهوم )ودلالة بدلا من الاعتماد على عفوية اللقطة التي احيانا تتحكم فيها "ز-مكانية" الالتقاط . كصور شاعر .
- الاعتماد على هذه التقنية في توظيف التراب والضوء يهيء للسيلاوي ارضية فنية تمنح الفعل التصويري طاقة في التعامل مع مفردات بسيطة فهي لا تجعل التكوين مزدحما بل ياتي مريحا ومتوافقا واختزاليا مع التكوين الذي يريده ان لا يكون مشبعا بالتفاصيل .
-جاءت صوره ملحميه بوحدانية لونية وبوجدانية تعبيرية باسلوب يقترب من اخراج لوحات رامبرانت ورسامي عصر النهضة في تشكيل المشهد الذي يحصر الاسئلة ضمن نطاق الفعل الديناميكي المتحرك فيجعل القاريء متفاعلا ليس بصريا بل حركيا مع الموقف الدرامي للفعالية .
-في هذه اللقطة استطاع رحيم اختيار لحظة مسير الجموع وهم بحالة اصغاء لما يردده (الرادود ) من خطاب يؤجج العاطفة ، لهذا ابرز ايماءة الرادود ليخلق تخاطبا منضبط بين افراد الموكب الذين يشكلون ممثلي المشهد . اي بمعنى اخر ،اختار اللحظة التي يجعل منها صورته منضبطة من خلال التحكم بايقاع المجموعة فتشعر ببطيء الحركة التي هي بالاساس سريعة وحماسية .
- شكلت الهالة الضوئية بفضاء الصورة فعلا سحريا عندما توزع الضوء من مصدره العلوي على الرؤوس ما احال رؤوس الجموع الى اقمار في مجرة سماوية مضيئة بفعل سواد الثياب التي شكلت الخلفية للصورة كتكوين ثنائي الابعاد .
- لقد بعث المصور رحيم السيلاوي في هذه المجموعة برسالة جديدة لاقرانه المصورين مفادها ضرورة التركيز على احترام الشعيرة بعرض قضية الامام الحسين عليه السلام ك(مفهوم) وليس ك(وثيقة ) وهذا ما نريده في ابتكار وابتداع وسائل اخراج جديدة تدعو الى فلترة واعادة تدوير اشكاليات التقاط تصوير المشاهد المصوَّرة بما يليق للشعيرة من تقديم راقٍ يليق ببطل هذه الحكاية الكربلائية وعظمة الحادثة وقيمها الفكرية .
انها مجموعة اقتحمت حدود المحلية الى عالمية الحدث الذي غدى ممارسة تصل الى ابعد الحدود الانسانية.