كتاب "حياة الكتابة: مقالات مترجمة عن الكتابة".دروس موجهه في الأساس للصحفيين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كتاب "حياة الكتابة: مقالات مترجمة عن الكتابة".دروس موجهه في الأساس للصحفيين



    دروس مهمة للصحفيين من كتاب "حياة الكتابة"
    بواسطة مصطفى فتحي
    Jul 1, 2022
    قد لا يكون كتاب "حياة الكتابة: مقالات مترجمة عن الكتابة"، موجهًا في الأساس للصحفيين، إذ أنه يحمل تجارب وخبرات مجموعة من أهم الروائيين في عالمنا مع كتابة القصص والروايات بشكل خاص، لكن نظرة أكثر عمقًا للكتاب الذي ترجمه للعربية الكاتب والمترجم السعودي عبد الله الزماي، ستجعلنا نكتشف كمًا كبيرًا من الدروس الإنسانية التي يمكن أن تفيد كل صحفي مهتم بفهم عالم الكتابة وإيجاد طرق إبداعية لتطوير لغته وإنجاز قصص صحفية إنسانية أكثر تأثيرًا مطعمة بأسلوب كتابة مميز.

    ترجم الزماي عبر صفحات الكتاب الصادر عن دار مسكيلياني التونسية مقالات كتبها تسعة من أشهر الكتاب الروائيين العالميين، ومنهم كازو إيشيغورو، إيزابيل الليندي، هاروكي موراكامي وغيرهم.

    لماذا نكتب؟

    سواء كنتم تعملون لحساب موقع إلكتروني أو إصدار مطبوع فأنتم مطالبون بتقديم مواد للنشر، وبعد سنوات من التعود على الكتابة قد يصبح ما نقوم به أقرب لوظيفة روتينية مملة، لكن هل هذا الأمر صحيًا؟ بالتأكيد لا، فالكتابة عمل إبداعي، وكي نتذكر ذلك دائمًا علينا أن نسأل أنفسنا بشكل مستمر: لماذا نكتب؟



    الإجابة المقصودة ليست عن أهمية ما نكتبه للناس، بل لنا نحن أيضًا كصحفيين. وقد تكون الإجابة الأجمل في صفحات الكتاب هي للكاتبة التشيلية إيزابيل الليند، المولودة في العام 1942، والحاصلة على العديد من الجوائز الأدبية المهمة، والتي تقول إنّ "الأمر المؤكد الوحيد، هو أن لا شيء أكثر من الكتابة يجعل روحي تغني"، وتضيف: "الكتابة تجعلني أشعر بأنني شابة، قوية، جبارة، وسعيدة"، وتذكرنا بأن "الكتابة هي ما تجعل الحياة حقيقية"، وأن "ما لن نكتبه ستمحوه رياح النسيان".

    وتصف الليندي الكتابة بأنها "عمل طويل مضن، كتطريز نسيج بخيوط وألوان متعددة" وتلفت نظرنا إلى أنه "يوجد دائمًا المزيد ليروى". وعن الكتابة التي ستسبب لنا السعادة تقول الكاتبة إنها تلك التي تحتاج "شغفًا وصبرًا وإخلاصًا فهي التزام تام، مثل الوقوع في الحب".

    كم من الوقت نحتاجه يوميًا للكتابة؟

    "أنا غير قادر على الكتابة الآن، سأتوقف"، "لا أجد الإلهام الكافي للكتابة اليوم". جمل كغيرها نرددها حين نشعر بعدم وجود رغبة في كتابة قصص صحفية، لكن هل يمكن للممارسة أن تغير هذا الأمر وتجعلنا أكثر التزامًا بالكتابة؟

    قد تكون الإجابة عند الكاتب الياباني البريطاني كازو إيشيغورو المولود في العام 1954، والذي نال جائزة بوكر الأدبية في العام 1989 وفي عام 2017 تم منحه جائزة نوبل في الآداب، إذ يقول إنه لطالما اتفق بشكل كبير مع الرأي الذي يرى أنه "بعد أربع ساعات أو ما شابه من الكتابة المستمرة تتناقص مردودية العمل"، في إشارة إلى أن مستوى اللغة نفسها يقل بعد أكثر من أربع ساعات من الكتابة المتواصلة، لكن بعد فترة من الزمن غيّر إيشيغورو وجهة نظره في الأمر، وقرر التعامل مع الكتابة بشكل مختلف، إذ يقول إنّ جدوله اليومي كان مليئًا بأشياء لم تكن مهمة، كأن يذهب مثلًا إلى عشاء عمل مضطرًا أو ما شابه، وهو ما يطلق عليه الأشياء التي تسبب لنا الإلهاء، فقرر –بمساعدة زوجته- أن يصنع لنفسه روتينًا مختلفًا، يطبقه فقط حين يرغب في الانتهاء من كتابة مشروع ما في وقت محدد. ويضيف أنه بالممارسة نجح، إلى حد معقول، في الحفاظ على إيقاع ثابت للعمل والإنتاجية.

    اكتشف إيشيغورو أنه كان يضيع وقتًا طويلًا في أشياء ليست مهمة من وجهة نظره مثل الحديث في الهاتف، والرد على رسائل بريدية غير مهمة، والخروج بدون هدف، فقرر أن يكتب بشكل يومي من التاسعة صباحًا وحتى العاشرة والنصف مساء، من الإثنين للخميس، وأن يتوقف فقط لمدة ساعة لتناول الغداء، وساعتين لتناول العشاء، فوجد أنه ينتج بشكل أفضل ويدخل عالم "تطفو فيه الأفكار وتنمو" كما يصفه، ما جعله ينجح في كتابة رواية كاملة حصلت على جوائز عديدة في أربعة أسابيع فقط.

    قد تكون وصفة إيشيغورو غير مناسبة للبعض، خاصةً من يؤمنون بأهمية التواصل الاجتماعي حتى أثناء العمل على مشروع معين مرتبط بموعد تسليم، لكنها على الأقل تلفت انتباهنا إلى أهمية وجود خطة يجعلنا التعود عليها نتغلب على حالة الرغبة في عدم الكتابة التي تصيب بعضنا وتكون سببًا رئيسيًا في تقليل إنتاجيتنا، وبالتأكيد جميعنا قادر على صناعة خطته الخاصة المناسبة له ولشخصيته.

    كيف يمكننا محاربة مخاوفنا الصحفية؟

    هل فكرتم يومًا في إنجاز قصة صحفية عن المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية لكن خوفكم من العدوى ــ وهو خوف لا أساس علمي له - عطلكم عن ذلك الأمر؟ إذًا عليكم تجربة وصفة الكاتب ماريو برغاس يوسا الذي يعد واحدًا من أهم روائيي أميركا اللاتينية وصحفييها لمحاربة الخوف.

    يحكي يوسا أنه كان يعاني من خوف مرضي من الطيران، وفشلت كل نصائح المقربين منه في علاج هذا الخوف، ومنها تناول علاجات القلق وغيرها. يقول الكاتب الشهير: "يظن البعض أنّ الخوف من الطيران هو خوف من الموت - أو يمكن تفسيره بذلك - إنهم مخطئون، فالخوف من الطيران هو خوف من الطيران وحسب، لا من الموت".

    قرر يوسا محاربة خوفه من الطيران بالقراءة، فاشترى بالصدفة رواية من المطار، وأثناء الرحلة بدأ في قراءتها فاستمتع بها، كانت رواية ضخمة، ظل يقرأها لنحو عشر ساعات. ويقول: "امتصتني الرواية جسدًا وروحًا وحملتني بعيدًا عما يحيط بي لعشر ساعات أو نحو ذلك"، ويصف التجربة بأنها "العلاج الذي لم يخيبني قط منذ ذلك الوقت، علي فقط أن أختار لكل رحلة التحفة التي تستغرق المدة كلها".

    بالتأكيد القراءة هي أفضل سلاح يمكن أن نحارب به الخوف. حين نقرأ عن المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية قبل أن "نطير" معهم في رحلة صحفية سندرك أن مقابلتهم وجهًا لوجه والحديث معهم وحتى السلام باليد وتناول الطعام والمشروبات بصحبتهم لن تؤدي أبدًا لإصابتنا.

    وصفة يوسا ناجحة جدًا، فقط اختاروا لكل رحلة "التحفة التي تستغرق المدة كلها"، وكما قالت إليف شافاق الروائية التركية التي ترجمت أعمالها إلى ما يزيد على ثلاثين لغة في الكتاب نفسه: "إنّ الكتب هي التي غيرتني وأنقذتني، وأنا أعلم في قرارة نفسي أنها ستنقذكم أيضًا".

    هل يكفي حبنا للكتابة؟

    في أحد الأيام، وفي شبابه، كان هاروكي موراكامي، الكاتب الياباني الذي لاقت أعماله نجاحًا باهرًا وتصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعًا وترجمت إلى أكثر من 50 لغة يحضر مباراة رياضية في أحد ملاعب بلده، وأثناء التشجيع ووسط صراخ وحماس الناس من حوله نظر للسماء واكتشف لأول مرة أنه يحب الكتابة ويمكنه كتابة رواية. يقول في كتاب "حياة الكتابة: مقالات مترجمة عن الكتابة": "ما زلت أتذكر ذاك الشعور تحديدًا، لكأن شيئًا قد نزل يرفرف من السماء فأطبقت عليه يدي بشدة، هو شيء مثل الوحي".

    بعد انتهاء المباراة مباشرة ذهب موراكامي ليشتري لنفسه رزمة من الأوراق وقلم حبر، إذ أن الكتابة الرقمية لم تكن منتشرة حينها، وفي هذا اليوم بدأ في كتابة أول صفحة من روايته الأولى "أسمع الريح تغني"، واستمر في الكتابة لعدة أشهر، من دون أن يتعلم كتابة الرواية بشكل محترف، أو حتى يقرأ روايات كثيرة ليكتسب منها الحرفية اللازمة، لذا كانت النتيجة النهائية غير مرضية له وشعر بخيبة أمل.

    لكن لم يترك الكاتب شغفه، بل تعلم حينها أول درس في مجال الكتابة، وهو أن الحب وحده لا يكفي، يقول: "بالرجوع إلى أحداث الماضي أجد أنّ ما واجهته من مصاعب في تأليف رواية جيدة كان طبيعيًا، وأنني أخطأت خطأ كبيرًا حين افترضت أن رجلًا مثلي لم يكتب أي شيء طوال حياته يستطيع أن يخرج من جعبته فجأة عملًا رائعًا متكاملًا. لقد كنت بذلك أحاول تحقيق المستحيل".

    بدأ موراكامي رحلته للتعلم، وقرأ روايات عديدة حتى يفهم عالم الرواية. وبمرور الوقت أصبح واحدًا من أهم الكتاب في عالمنا، ونحن مثله نحتاج دائمًا للتعلم وحضور ورش العمل والبحث عن طرق لتنمية المهارات، فهذه هي الوصفة التي يمكن لنا كصحفيين أن نتعلمها من هاروكي موراكامي، فالحب وحده لا يكفي.

    الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة ستيف جونسون، والصورة الثانية من تصميم الكاتب.
    إقرأوا المزيد من المقالات لـ

    مصطفى فتحي
    مصطفى فتحي، صحفي مصري حاصل على ماجستير في الصحافة الإلكترونية من كلية الإعلام جامعة القاهرة، كتب للسفير اللبنانية وموقع رصيف٢٢ ونشرت له مجموعة كتب أحدثها "سواق توكتوك" الذي يوثق لحياة سائقي التوكتوك في مصر.
يعمل...
X