مصادر لإعداد تقارير عن المباني التاريخية وإرشادات لجعلها "نابضة بالحياة"
بواسطةمصطفى فتحي
Sep 3, 2021
ترفض الأماكن التاريخية مغادرة عالمنا كدليل على ماضٍ لم نعشه، لكننا نؤمن أنه كان حقيقة. كل حجر منها يحمل داخله حكايات عظيمة عن أناس عاشوا في الماضي وقرروا أن يعبروا من خلال المباني عن عشقهم للفن والحضارة واحتياجهم للحماية وتأمين أنفسهم من أي أعداء محتملين.
في السطور التالية تأخذكم شبكة الصحفيين الدوليين في رحلة إلى الماضي، إلى عالم الأماكن التاريخية التي لا زالت تنبض بالعظمة على كوكبنا، لتعرفكم على أفضل مصادر إعداد التقارير النابضة بالحياة عنها، مع إرشادات عملية ستجعلكم قادرين على كتابة قصص شيقة عن الأماكن التي رحل عن عالمنا كل عامل بناء ساهم في وجودها لكنه ترك جزءاً من روحه فيها.
كتب ومواقع إنترنت وجمعيات أهلية ومصادر أكثر
في نهاية العام 2020 أطلق أستاذ علم الآثار الأردني في الجامعة الهاشمية الباحث الدكتور محمد وهيب، كتابًا بعنوان "التراث الحضاري في المثلث الأخضر/ عمان"، تناول فيه بشكل إنساني شيق تاريخ وحضارة مدينة عمان، وأهم المواقع التاريخية والأثرية فيها، وكان لافتًا أن حفل توقيع الكتاب تم على متن قاطرة قديمة كانت تسير ذات يوم على الخط الحديدي الحجازي الأردني، الذي يعد من معالم التراث المرتبطة بتاريخ الأردن.
وفي منتصف العام 2021، أصدر المؤرخ وخبير التراث المصري سامح الزهار كتابًا بعنوان "التُّحْفَةُ الزَّكِيَّةُ فِي أَخْبَارِ الْقَاهِرَةِ الْمُعزِّيَة"، تناول قصص بناة الأماكن التاريخية في القاهرة، من وجهة نظر إنسانية، وهو الكتاب الذي أهداه المؤلف إلى "كل عمال البناء المفعمين بالفن والحياة الذين بنوا القاهرة العتيقة بقلوبهم قبل أيديهم، وإلى كل المهمشين الخالدين بعملهم والذين صنعوا من الحجر أصدق الوثائق التاريخية فكان قوامها العشق وآداتها الحب الذي ظهر تأثيره في تلك التجليات القاهرية الرصينة"، وكان لافتًا أنّ الكاتب حمل كتابه بنفسه وتوجه به إلى كل الأماكن التي كتب عنها في الكتاب والتقط صور للكتاب معها، وكأنه يهديها كتابه.
ما سبق مجرد نموذجين لكتابين مهمين من بين مئات الكتب التي توثق الأماكن وتزخر بها مكتباتنا العربية، وهي كتب تتعامل مع المكان التاريخي باعتباره حياة كاملة مليئة بالتفاصيل وليس مجرد أثر تاريخي جامد، وفي الكتب التي تتناول الأماكن سنعثر على عشرات القصص الشيقة التي بالتأكيد ستضيف لقصصنا الصحفية أبعادًا مختلفة حين نتناول الأماكن، وجولة في أهم مكتباتنا العربية ستساعدنا بالعثور على كنوز بها أسرار الأماكن في دولنا، المهم أن نتأكد أن الكاتب مؤهل فعلًا وله أسلوب مميز في عرض المعلومات التاريخية، وهو أمر بات سهلًا بعد ظهور موقع "جودريدز" الذي يمتلئ بآلاف التقييمات للكتب ولأسلوب الكاتب ومدى أهمية الكتاب، وستجدون في هذا المقال الذي سبق وقدمته لكم شبكة الصحفيين الدوليين إرشادات للصحفيين لتوظيف المعلومات بالتحقيقات والقصص.
لكن الكتب ليست هي المصدر الوحيد الذي سنجد به معلومات مهمة وغير منتشرة عن الأماكن. هناك عالم الإنترنت، وعلى سبيل المثال نجد أن موقع مركز التراث العالمي لليونسكو هو أحد أفضل المصادر التي توفر لكم معلومات موثقة عن مواقع التراث العالمي في عالمنا، وهي المعالم أو المناطق التي ترشحها لجنة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) للإدراج ضمن برنامج مواقع التراث العالمية الذي تديره اليونسكو. وهذه المعالم قد تكون طبيعية، كالغابات وسلاسل الجبال، وقد تكون من صنع الإنسان، كالمباني والمدن، وقد تكون خليطًا بين ما صنعته الطبيعة وما صنعه الإنسان.
هناك كذلك مواقع الإنترنت الحكومية التي توثق الأماكن التاريخية في كل بلد، على سبيل المثال يوفر موقع وزارة السياحة والآثار في مصر معلومات قيمة عن الأماكن التاريخية والسياحية والمتاحف في جميع المحافظات المصرية، وهي نفس المهمة التي تقوم بها مواقع مثل البوابة الرسمية لدولة الكويت، وموقع وزارة الاقتصاد بدولة الإمارات، وموقع وزارة السياحة الفلسطينية.
كما توفر تطبيقات رقمية مثل تطبيق "Holy Lebanon" (غير حكومي) زاوية مختلفة عن الأماكن التاريخية في لبنان، إذ يوفر التطبيق كافة المعلومات المتعلقة بالأماكن الدينية المقدسة في لبنان مثل الكاتدرائيات والكنائس والجوامع والمعابد والأديرة والمزارات.
وإلى جانب الكتب ومواقع الإنترنت، هناك مصدر مهم قادر على أن يمدنا بمعلومات رائعة عن الأماكن التاريخية في دولنا، وهي جمعيات الحفاظ على التراث التي تتواجد في أغلب الدول العربية، والتي غالبًا ما يكون لها دور مهم في الدفاع عن الأماكن التاريخية، على سبيل المثال، قبل سنوات، أراد أحد المستثمرين شراء قطعة أرض تبلغ مساحتها أكثر من 1000 فدان تحيط بدير تاريخي مهم في مصر، وهو دير أبو مقار بمنطقة وادي النطرون، بهدف زراعتها وتصدير إنتاجها، لكن وقتها قامت جمعية مصرية غير حكومية تحمل اسم "جمعية المحافظة على التراث المصري" بإطلاق حملة لوقف تلك الخطوة في أرض تاريخية، وبالفعل استجابت الحكومة للحملة، ورفضت تسليم الأرض للمستثمر وإرجاعها للدير التاريخي.
ما سبق هو مثال جيد على دور جمعيات الحفاظ على التراث في عالمنا العربي، والتي تتعامل مع الأماكن باعتبارها مساحات تستحق الحفاظ عليها وترميمها، وغالبًا ما يكون مؤسسو هذه الجمعيات من الأشخاص العاشقين للأماكن، فمثلًا رئيس جمعية المحافظة على التراث المصري هو الاستشاري المعماري والباحث في التراث القبطي ماجد الراهب، وهناك جمعية مشابهة في الجزائر تحمل اسم "جمعية أفق التراث الثقافي في الجزائر"، ويوجد كذلك المعهد الوطني للتراث بتونس، وبعد تواصلنا مع أغلب هذه الجمعيات وجدنا أن لديهم مكتبة تضمّ كتبًا وأبحاثًا مهمة عن الأماكن التاريخية وهي متاحة للباحثين والصحفيين بشكل مجاني.
يتوفّر مصدر مهم آخر يمكنكم أن تجدوا فيه معلومات وأبحاثًا ودراسات مهمة عن الأماكن التاريخية، ويتمثّل بالمراكز المتخصصة المرفقة بأغلب الأماكن التراثية في دولنا، فحين تزورون المكان ستجدون مركزًأ متخصصًأ ملحقًا به يوفر مطبوعات مهمة بها معلومات عن الأماكن، على سبيل المثال يوفر ضريح سعد زغلول بوسط القاهرة، مركزًا به عشرات الإصدارات والصور والوثائق النادرة عن الضريح وصاحبه، وهو نفس الأمر الذي قد تجدونه في الأماكن التاريخية الأخرى.
كيف تصنع قصصًا شيقة عن الأماكن التاريخية؟
يرى المؤرخ وخبير التراث المصري سامح الزهار، صاحب كتاب "التحفة الزكية في أخبار القاهرة المعزية"، أنّ إنجاز قصص صحفية شيقة عن الأماكن التاريخية هو أمر يمكن لجميع الصحفيين القيام به إذا التزموا ببعض القواعد، على رأسها التعامل مع تلك القصص باعتبارها مشروعًأ متكاملًا، وكي ينجح هذا المشروع يجب أن يتعامل معه الصحفي بجدية، لا سيما بما يتعلق بالبحث عن مصادر موثوقة وإعادة صياغة ما سيجده من معلومات بطريقة سهلة وشيقة، وهنا تأتي أهمية مهاراة اللغة العربية القوية التي يجب أن يجيدها كل صحفي والتي ستجعله قادرًا على فهم لغة الكتب القديمة، وفي نفس الوقت سيستطيع إعادة صياغتها بشكل عصري وسلس ومناسب للعصر الحالي.
وبحسب الزهار، فإنّ الجانب التاريخي ليس هو الجانب الوحيد الذي علينا الاهتمام به حين نكتب عن الأماكن، إذ يجب الاهتمام كذلك بالجانب الجغرافي، ويشرح أكثر: "قبل الإبحار في الجانب التاريخي للمكان من المهم فهم جغرافيته، على سبيل المثال إذا كنا سنكتب قصة عن القاهرة التاريخية فيجب أن نحدد أي قاهرة سنتناول، هل هي القاهرة الفاطمية أم المملوكية أم العثمانية أم ما قبل القاهرة، وإذا كنا سنتناول مكانًا محددًا في مدينة معينة فيجب أن نفهم جيدًا ما الذي كان يمثله هذا المكان للمدينة وقتها".
وقال الزهار: "كلما كانت قصتي الصحفية مهتمة بالبشر أكثر كلما كانت أنجح"، ويكمل أنّ "قصص المهندسين والعمال الذي الذين صنعوا المكان بأيديهم هي مفتاح السر لتقديم قصص ناجحة"، ويضيف أن المعلومات الجامدة التي تتحدث عن عمر المكان قد لا تكون دائمًا هي المتعة الحقيقية التي يتوقعها القارئ، الذي غالبًا ما يبحث عن قصص أشخاص لديهم أحلام وهموم مثله".
ويرى سامح الزهار أنّ "قصص البشر الذين صنعوا الأماكن بأنفسهم موجودة في الكتب التي كتبها المؤرخون والكتاب المعاصرون لزمن المكان، وهذه الكتب موجودة في المكتبات المركزية والوطنية في دولنا العربية. لكن من المهم هنا اتقان مهاراة الربط بين المصادر وبعضها، فمثلًا كتاب مثل كتاب الأغاني لكاتبه أبي الفرج الأصفهاني يحوي معلومات عن الأغاني التي كان يرددها الناس في أزمنة معينة، ما سيساعدني كصحفي في معرفة الأغاني التي كان يغنيها العمال وقت بناء مكان معين أو يستمعون إليها حينها. كما أنّ كتب المؤرخين ستجعلني أتعرف على القصص الشهيرة التي دارت في الأماكن التي أكتب عنها، وقد تكون هذه القصص عاطفية أو سياسية أو جرائم ومؤامرات معينة. لكن الكتب القديمة ليست هي المصدر الوحيد، فمصادرنا يمكن أن تكون كذلك كتب حديثة، بشرط أن تكون مكتوبة من قبل خبراء تراث وباحثين حقيقيين".
ويذكركم الزهار بأهمية العودة إلى الخرائط التوضيحية والوثائق النادرة القديمة الموجودة في المراكز المتخصصة في بلادنا العربية، وهي قيمة مضافة يمكن الاستعانة بها لتقديم وجبة صحفية متكاملة للقارئ، لكنه يضيف أنّ بعض المؤرخين نجحوا في وصف الأماكن بشكل أفضل من أي خرائط أو رسومات توضيحية. وشدّد على أن قصص التراث الجميلة والناجحة لا تكتب أبدًا في مكاتب مغلقة، وينصح كل من يريد أن يكتب عن الأماكن التاريخية أن يذهب بنفسه لزيارتها حتى يشعر بالمكان.
مصطفى فتحي، صحفي مصري حاصل على ماجستير في الصحافة الإلكترونية من كلية الإعلام جامعة القاهرة، كتب للسفير اللبنانية وموقع رصيف٢٢ ونشرت له مجموعة كتب أحدثها "سواق توكتوك" الذي يوثق لحياة سائقي التوكتوك في مصر.
الصورة الرئيسية حاصلة على رخصة الاستخدام على أنسبلاش بواسطة هارتموت توبيس.
إقرأوا المزيد من المقالات لـ
مصطفى فتحي
مصطفى فتحي، صحفي مصري حاصل على ماجستير في الصحافة الإلكترونية من كلية الإعلام جامعة القاهرة، كتب للسفير اللبنانية وموقع رصيف٢٢ ونشرت له مجموعة كتب أحدثها "سواق توكتوك" الذي يوثق لحياة سائقي التوكتوك في مصر.