الكنز المنسي.. طريقك للاستفادة من أرشيف الإصدارات الصحفية القديمة
بواسطة: مصطفى فتحي
Feb 24, 2022
"الذين لا يعلمون ما حدث قبل أن يولدوا، محكومٌ عليهم أن يظلوا أطفالًا طول عمرهم"، هي مقولة للكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، أحد أشهر الصحفيين العرب في القرن العشرين (1923 – 2016)، تُبيّن أنّ ما حدث في الماضي هو المفتاح الذي يمكننا من فهم ما يحدث اليوم وما سيحدث غدًا، ومن أفضل الوسائل لفهم ما حدث في الماضي هو "الأرشيف الصحفي"، الذي يعد أقرب لآلة زمن قادرة على إعادتنا إلى سنوات مضت بكل قصصها المثيرة وتفاصيلها المنسية.
ربما لا يهتم الكثير من الصحفيين اليوم بالأرشيف بالشكل الكافي، وقد لا يتخيل بعضهم أنه قادر على مساعدتهم في إنجاز قصص صحفية شيقة تربط الماضي بالحاضر ويمكن أن تحقق نجاحًا كبيرًا. في هذا المقال تصحبكم شبكة الصحفيين الدوليين في رحلة إلى الماضي الجميل، إلى زمن مختلف نراه فقط في الصور القديمة ونعيشه حين نرى الأفلام بالأبيض والأسود. فهل أنتم مستعدون لمشاركتنا بهذه الرحلة؟
قصاصات الأمس طريقك للنجاح اليوم
هل يمكن للقصص الصحفية التي نشرت في الماضي أن تساعد الصحفيين على تحقيق النجاح اليوم؟ بالتأكيد نعم. في العام 2020 شارك الصحفي المصري محمد الشماع في إنجاز قصة صحفية بعنوان "رحلة البحث عن كيتي.. التاريخ المجهول لعفريتة السينما المصرية"، وهي القصة التي حققت نجاحًا واضحًا على وسائل التواصل الاجتماعي، ما جعل وسائل إعلام مصرية تستضيف الشماع للحديث عن كواليس العمل على قصته التي كان بطلها هو أرشيف الصحف المصرية القديمة.
يقول الصحفي محمد الشماع لشبكة الصحفيين الدوليين إنّ الأرشيف "هو التاريخ الحقيقي لأي وطن"، ويضيف أنه بشكل شخصي يعشق جمع الإصدارات الصحفية القديمة، ويعتبر نفسه زائرًا دائمًا لأسواق بيع الكتب القديمة من أجل هذه المهمة، ويمتلك الصحفي المصري مجلات وصحف عربية تعود إلى زمن الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، ورغم أنه يقول إنّ هواية جمع الإصدارات القديمة مكلفة ماديًا، إلا أنه يرى أن الأمر يستحق.
أيضًا، يزور الشماع قسم الأرشيف في أبرز المؤسسات المصرية بشكل متكرر بحثًا عن قصاصات قديمة تفيده في إنجاز قصص صحفية تربط الحاضر بالماضي مثل قصته عن الفنانة "كيتي" نجمة السينما المصرية في الخمسينيات، أو لإعداد كتب تعتمد بشكل كبير على الأرشيف، مثل كتابه الأخير "الشعب يبدي رأيه في كل ما حدث" الذي يضمّ حكايات روتها الصحافة المصرية قديمًا لكن بوجهة نظر معاصرة.
بفضل الأرشيف عرف الشماع أنّ المطربة المصرية الراحلة أم كلثوم وصفت العاصمة الفرنسية باريس ذات يوم بأنها "مدينة الفقر"، كما عرف أنّ مهندس إنشاء إستاد القاهرة الدولي هو نفسه مصمم إستاد ميونخ الأولمبي، وأنّ منتج "زمباكولا" كان منافسًا مصريًا حقيقيًا لمنتجات "بيبسي كولا" و"كوكاكولا" العالمية، وأنّ العديد من المشاهير وافقوا ذات يوم أن تستخدم صورهم وأسماؤهم في إعلانات الصحف والمجلات القديمة لنوع من أنواع الصابون، ليس لشيء إلا لأنه كان يحمل اسم الملك فاروق.
يرى الشماع أنّ الأرشيف هو المرجع الرئيس لفهم كل ما حدث في الماضي لإعادة تقديمه بشكل عصري شيق، فإنّ رائحة الورق القديم والحبر الذي خرج من المطابع منذ عشرات السنين من الأمور القادرة على إلهام الصحفيين اليوم بقصص رائعة من الماضي بشرط أن نحدد جيدًا من الذي نبحث عنه، لأنّ الأرشيف أشبه بالبحر الواسع، ويذكرنا بأهمية أن نذكر مصدر أي معلومة نستعين بها في قصصنا الصحفية من التي عثرنا عليها خلال رحلتنا في الأرشيف القديم.
ويشدد الشماع على أهمية التحقق من صحة أي معلومات نجدها في الأرشيف، سواء عن طريق الأرشيف نفسه، أو بالتواصل مع شخصيات عاشت الأحداث القديمة أو كانت قريبة منها أو شاهدة عليها.
[إقرأوا المزيد: مصادر لإعداد تقارير عن المباني التاريخية وإرشادات لجعلها "نابضة بالحياة"]
حكايات من الأرشيف
اسمه طاهر عبد الرحمن، صحفي مصري يصف نفسه بعاشق الصحف والمجلات القديمة، منذ أن التحق بدراسة الصحافة بإحدى الجامعات المصرية في العام 2000 وهو يبحث بجنون عن الإصدارات القديمة، أدرك عبد الرحمن مبكرًا أنّ الأرشيف الصحفي هو الكنز الذي لم يأخذ الحق الذي يستحقه حتى اليوم، ومؤخرًا ترجم عبد الرحمن عشقه للأرشيف بشكل عملي من خلال إصداره كتابًا حقق نجاحًا معقولًا في المكتبات المصرية، وهو "حكايات من الأرشيف"، الذي يرصد شكلًا آخر من أشكال التاريخ في مصر، وهو شكل يقول طاهر عبد الرحمن إنه لم يكن مخفيًا أو محجوبًا، وإنما كان فقط منزويًا في صفحات الصحف القديمة.
في حواره مع شبكة الصحفيين الدوليين يصف طاهر عبد الرحمن متعة الإبحار في أرشيف الصحف القديمة بأنها المتعة التي لا تضاهيها متعة، ويقول: "يجعلك الأرشيف تعيش في أزمنة أخرى، وتتعرف على أحداث غيرت العالم قبل حتى أن تولد، أنا مثلًا كنت طفلًا صغيرًا حين حدثت حرب الخليج، لكن بالعودة للأرشيف تعرفت على قصص الناس حينذاك، وعلمت ما حدث وكأنني كنت هناك".
وفق عبد الرحمن فإنّ أرشيف الصحف والمجلات القديمة سيجعلكم تتعرفون على واقع الصحافة العربية في الماضي، كيف كانت وكيف تغيرت بمرور الزمن، وتتعرفون كذلك على جذور أي قضية سياسية أو اجتماعية نعيشها اليوم، وتتمكنون من مقارنة اليوم بالأمس. يتذكر عبد الرحمن قصة المواطن المصري "أكسم" الذي عاش عدة أيام من دون مياه أو طعام تحت الأنقاض خلال الزلزال الذي عاشته مصر خلال العام 1992، ويضيف أن الأرشيف هو ما ساعد الصحفي أحمد الشمسي الذي كتب قصة صحفية حققت نجاحًا كبيرًا عن "أكسم" ونشرها موقع مصراوي، تناولت تفاصيل القصة الإنسانية وجعلت القارئ اليوم يتعرف إلى ما حدث في الماضي وكأنه انتقل إليه بآلة زمن.
يؤمن عبد الرحمن أنّ القصص الصحفية التي تعتمد في صناعتها على الأرشيف، قادرة على جذب نوعين مهمين من الجمهور، النوع الأول هو من عاش بنفسه الأحداث لكن الزمن جعله ينسى تفاصيلها، والنوع الثاني هو الجمهور الجديد الذي لم يعش تلك الأحداث لكنه يشعر برغبة في معرفة ما حدث في الماضي، "إذًا فالصحفي الذي يصنع قصصًا تعتمد على الأرشيف سينجح في إعطاء القارئ الذي عاش الأحداث جرعة كافية من النوستالجيا التي يفتقدها، كما سيجعل القارئ الصغير بالسن يتعرف على حكايات لم يعشها"، يقول عبد الرحمن.
الأرشيف أيضًا –بحسب طاهر عبد الرحمن- قادر على جعل الصحفي يتحقق من صحة بعض القصص المفبركة المنتشرة اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي، لأنّ العودة للأرشيف ستجعلنا نعرف مدى دقة أي قصص منتشرة عن أحداث قديمة، وبالتالي سنقدم للقارئ خدمه مهمة يحتاجها وهي تصحيح القصص المفبركة.
"افهم عالم الأرشيف قبل أن تُبحر فيه"
يقدم لكم طاهر عبد الرحمن بعض النصائح لفهم عالم الأرشيف بشكل أوسع، منها التعرف عن قرب على المصادر التي تهوى جمع الإصدارات الصحفية والوثائق القديمة، ويشرح لكم أنّ هناك أشخاصًا من هواة جمع الإصدارات الصحفية القديمة، ومكتباتهم الشخصية أقرب لمُتحف، وحين تتعرفون على هؤلاء الناس عن قرب سيتاح لكم التعرف على الكنوز التي يقتنونها.
ينصحكم عبد الرحمن كذلك بزيارة أسواق الكتب القديمة في بلدانكم، كي تستطيعوا شراء إصدارات نادرة بأسعار رخيصة، وأن تزوروا أقسام الأرشيف الموجودة في أغلب المؤسسات الصحفية العريقة، مثل أرشيف مؤسسات دار الهلال وأخبار اليوم والأهرام في مصر على سبيل المثال.
"لكن إذا تركتم أنفسكم للأرشيف بدون تحديد الهدف فقد تتوهون"، هكذا يقول عبد الرحمن، ويضيف أن الصحفي الناجح يجب أن يحدد بشكل واضح ما الذي يبحث عنه في الأرشيف، فالتحديد سيساعدكم على توفير الوقت والنجاح في مهمتكم، فقد تجدون قصصًا شيقة ومثيرة لكن قد لا تستطيعون الاستفادة منها لأنكم لم تحددوا من البداية ما هو هدفكم من البحث.
مصادر رقمية مهمة ستفيدكم
نرشح لكم زيارة موقع أرشيف دوت أورج، وهو منظمة غير ربحية تحتوي على مكتبة غنية من الإصدارات القديمة، ويقدم الموقع خدمة مثيرة تحمل اسم آلة الزمن "Wayback Machine"، وكل ما عليكم هو تحديد ما تبحثون عنه وكتابته في خانة البحث بأي لغة والموقع سيوفر لكم المادة المطلوبة بشكل مجاني.
المصدر الثاني هو أرشيف الصحافة التابع لمكتبة الإسكندرية المصرية، والذي يحوي نحو ثمانمئة ألف مقالٍ باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، يرجع تاريخها إلى السبعينيات وتمتد حتى عام 2010، مأخوذة من أربع وعشرين صحيفة يومية وأسبوعية مصرية وعربية.
ولا تفوتكم زيارة أرشيف الصحف العربية والأجنبية التابع لمكتبة الجامعة الأردنية، والذي يوفر لكم مجموعة غنية من الصحف العربية والأجنبية منذ العام 1860 إضافة إلى مجموعة من الوثائق والمخطوطات النادرة.
الصورة الرئيسية من تصميم شبكة الصحفيين الدوليين.
إقرأوا المزيد من المقالات لـ
مصطفى فتحي
مصطفى فتحي، صحفي مصري حاصل على ماجستير في الصحافة الإلكترونية من كلية الإعلام جامعة القاهرة، كتب للسفير اللبنانية وموقع رصيف٢٢ ونشرت له مجموعة كتب أحدثها "سواق توكتوك" الذي يوثق لحياة سائقي التوكتوك في مصر.