الروائي الليبي عبدالله الغزال: الرأس الثالث للنص هو القارئ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الروائي الليبي عبدالله الغزال: الرأس الثالث للنص هو القارئ

    الروائي الليبي عبدالله الغزال: الرأس الثالث للنص هو القارئ




    خلود الفلاح





    عبدالله الغزال: المشهدان الأدبي والثقافي هما الخاسران في ظل الحرب في ليبيا


    سبق للروائي الليبي عبدالله الغزال كتابة القصة القصيرة، لكنه قرر من بعد أن يتوجّه لكتابة الرواية التي يرى أنها الأجدر بالتجريب، وقد تحصّل على الجائزة الأولى بمسابقة الشارقة للإبداع العربي عن روايته “التابوت”، بينما حازت روايته “أضحية الماء والطين” أخيرا المركز الأول في مسابقة راشد للإبداع. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الروائي الغزال.


    بعد مجموعته القصصية “السوأة” التي فازت بالجائزة الأولى بمسابقة الشارقة للإبداع العربي (2004)، ابتعد الروائي الليبي عبدالله الغزال عن كتابة القصة القصيرة، مبررا ذلك بأن ذلك لم يكن مقصودا.
    ويوضّح الغزال “ابتعدت حتى عن الكتابة الروائية لخمس سنوات انشغلت فيها بدراستي العالية المتخصصة في هندسة علوم التصنيع، ولكن مهما يكن الأمر فكتابة القصة ليست بالأمر السهل أو الهيّن، ومع هذا فأنا أجد نفسي في الكتابة الروائية أكثر، ربما لأنها تمنحني حرية أكثر وفضاء أوسع لأكتب ما أريد كتابته، ومن ناحية أخرى ربما ما يمر بنا من أحداث نحتاج الفن الروائي لتسجيله في الوقت الذي لا تستطيع القصة عمل ذلك”.
    حياة البشر

    ينطلق عبدالله الغزال في مشروعه الروائي، من رصده لحياة المهمشين والمهزومين، ويلفت إلى أن هؤلاء البشر يشكّلون الآن النسبة العظمى من مجتمعاتنا العربية المُثخنة بالجراح وربما العالم. فالإنسان أينما كان تجمعه مع جنسه قضية واحدة وهي قضية الحياة.
    نص روائي متعدد الأبعادمستطردا “في نظري أن ذلك النوع من الأعمال الروائية الذي يحتفي بسيرة الأبطال والأعلام صار فنّا كلاسيكيا وغير مرغوب فيه ولا يقدّم شيئا يذكر، يجب أن يعالج النص الروائي القضايا الكبرى التي تمس مسا مباشرا حياة الشعوب وحركة واقعها المعاش الذي تنخره آفات شتى. الحرب والسلام والحب والمرأة وأسئلة كثيرة تطرح عن الحياة والموت والوجود وسرّ الخليقة والكون. ومن ناحية أخرى، مما لا ريب فيه أن الأبعاد الخاصة لشخص الكاتب الروائي وثقافته وما يحمله من رؤى وأفكار حول نقطة ما في هذه الحياة تدور حولها فلسفة معينة من فلسفات الوجود والكون لا بد لها أن تلوح أحيانا في أعماله الروائية الأمر الذي قد يدفع إلى القول بأن معين الكاتب نفسه وركامه التجاربي عنصر مهم جدا في الكتابة الروائية”.
    يشير صاحب كتاب “التابوت” إلى أن ظهور العديد من الروايات الواقعية وكذلك الكثير من الروايات تنتهج نهجا هو أقرب إلى كتابة السيرة الذاتية أو شبه الذاتية مستفيدة من الإمكانات الهائلة التي توفرها الكتابة الروائية، ليكون الواقع نفسه هو النقطة التي يدور حولها النص الروائي، وهنا يمكن قبول هذا النوع من الكتابة ضمن الأنواع المتعددة، ولكن لا يمكن اعتبارها عاملا أساسيا في الكتابة الروائية، فالفرد وحده لا يعني شيئا إذا وقف بعيدا عن القافلة البشرية كلها وهي تقطع متاهات الوجود، أنت تعني شيئا إذا كنت سائرا في القافلة وأذكر كلمة للأستاذ كامل المقهور رحمه الله يقول فيها إن لا قيمة لحياة الفرد الواحد دون ربطها بالآخرين.
    وعلى جانب آخر يتابع الغزال “من ناحية أخرى هذا لا يعني بالضرورة أن تتحول الكتابة الروائية إلى متنفس أو وسيلة يلجأ إليها الكاتب للتعبير عن همومه ومعاناته الخاصة لإفراغ شحنة ما، وفي رأيي أن مرحلة النضج الكامل في الفعل الكتابي هي تلك التي يقترب فيها الكاتب من التخوم البعيدة التي تمكّنه من الاغتراف من المعين الإنساني كله ليصوغها من جديد وفق ما أوتي من قدرات ليقدمها فنا مكتوبا لا قصد من ورائه سوى وجود نية المحاولة للإجابة عن بعض الأسئلة الفطرية العظيمة التي تملأ ذات الإنسان”.
    بشير في رواية التابوت، وميكال في رواية القوقعة شخصيتان تجمعهما تساؤلات الوجود والحياة والموت. وهنا نسأل الغزال من أين يستمد شخصيات رواياته حيويتها وحضورها المؤثر؟ فيجيبنا “أنا أبتعد قدر الإمكان عن اللجوء للمعجم الواقعي لاستمداد مكوّنات نصوصي منه، سواء كانت هذه المكونات شخوصا أو أمكنة أو حتى أحداثا. رواية ‘التابوت‘ ورواية ‘القوقعة‘ وأيضا رواية ‘كناش الخوف‘ هي وقفات متواضعة أمام ذلك السر الكبير الذي يسري في عروق الكون كله، وهو سر الموت والحياة، وهي محاولة لرصد وتحديد نوع تلك العلاقة الغامضة بين هذين الكائنين”.
    زمن الحرب

    نمط جديد من أنماط الكتابة السرديةيرى صاحب كتاب “السوأة” أن المشهد الأدبي والثقافي خسر كثيرا في ظل الحرب المشتعلة منذ عشر سنوات في ليبيا، فهذه السنوات العجاف، كما يسمّيها، كانت ثقيلة وخلخلت كل شيء، وهذا ليس أمرا خاصا بليبيا فقط بل في كل البلدان العربية التي شهدت انتفاضات وتغييرات سياسية هائلة لم تتوج حتى الآن بأي نوع من أنواع النجاح.
    ويتابع الروائي “ما نتج عن هذه الحروب هو أمر كارثي، ففي هذه البلدان هناك أكثر من 12 مليون نازح ومهجّر، وقُتل من العرب منذ 2011 أكثر من نصف مليون إنسان أغلبهم دون سن الثلاثين، وأكثر من 5 مليون طفل حرموا من مدارسهم ومدن تاريخية كاملة سويت بالأرض، وأكثر من 70 في المئة من طالبي اللجوء السياسي في العالم هم عرب، كما أن ثمة شروخا مميتة ظهرت في النسيج الاجتماعي، واختل الميزان الاقتصادي وضاقت حياة الناس، الكثير من الناس الآن يحيون حياة مريرة، وهذا كله أثّر تأثيرا مباشرا على المشهد الأدبي والثقافي، فانخفض الإنتاج إلى حد مخيف، وانشغلت الكثير من الأوساط بما يجري في الساحة السياسية وتتبع أخبار الحروب، عدد المجلات والصحف انخفض، وما تنتجه دور النشر العربية انخفض أيضا مقارنة بما كان عليه قبل نشوب تلك الثورات. الأمر محزن فعلا”.
    نسأل الروائي إلى أي حد يمكن للرواية أن تحتضن تاريخنا المعاصر وما يحدث فيه من اختراقات وفوضى ودمار؟ وهنا يوضّح الغزال أن عالم كتابة الرواية هو عالم مذهل ورحب جدا، وفي رأيه أن هذا الفن هو وحده الجدير بأن يكون أرشيفا عظيما للتاريخ وحركته، وخاصة في هذا الزمن الشرس.
    ويضيف “نحن نفيق كل صباح على أخبار القتل وهدير القنابل، هي مرحلة مهمة وحرجة جدا من تاريخنا ويتوجّب الاهتمام بها وتأريخها. فسماء ليبيا تمتلئ بأسماء روائيين كبار، كما أن هناك فصيلا من الشباب والشابات هم رائعون حقا، ولكن تهشمت رؤيتهم واختلت نتيجة هذا الواقع المؤلم، ومن خلال كتاباتهم التي ينشرونها عادة في أوساط الميديا أرى أن كل صاحب روح من أولئك الشبان يعيش في عالم غير حقيقي في الواقع ومحاطا بالأشباح وبالأماني الخائبة، ويمضي أيامه ضحية فراغه الداخلي مجترا عقم عذاباته وإحباطاته. وفيما يتركز هذا الألم شيئا فشيئا يكتشف هؤلاء الشباب بحسرة نبع الحياة المفقود، تلك الوليمة القديمة، لكنهم يعجزون مع هذا عن استعادة شهيتهم بينما يراقبون أرواحهم تمر عبر اللهب غير عابئين بشيء”.
    عالم كتابة الرواية.. عالم مذهلمتابعا “هذا الشكل الجديد من الاحتجاج والعزلة في الحقيقة لا يقدم شيئا يذكر، ومع هذا فإن آلامهم لا تنضب ويظلون مقادين بالقوة التي تؤدي إلى عزلة أكبر، حيث كل شيء يسير في الاتجاه الخطأ في الوقت الذي يستشعرون فيه عمق اللعنة باعتبارهم لا يزالون يرون أنهم وحدهم من يتلمس الاتجاه الصحيح، لكنهم في الواقع أخصوا أنفسهم بتنازلهم عن الدور المختار. هو الاستسلام السيء إذن. لكن القوة الحقيقية المدمرة لا تكمن في هذا الاستسلام الذي يسمح للمرء أن يكرّس حياته من خلال الإخلاص لشيء أبعد منه ولا يمس عميق وجدانه ليتطور إلى فعل، وإنما بسبب استسلامهم للرياح السود المحبطة التي تعصف خارجهم وفي بواطنهم أيضا. الأحلام والهلوسات ترتطم مع بعضها وتتصادم في بحر لا ينتهي من العجز وفقد الإيمان. لكن مع هذا تاريخنا يجب أن يكتب ويجب أن تقرأه الأجيال القادمة ويجب أن يكون منجما نافعا مليئا بالتجارب التي قد تفيدهم”.
    ويشير صاحب “القوقعة” إلى أن أكثر ما يشغله لحظة الكتابة هو القارئ ولا يشغله أيّ شيء آخر بقدر ما يشغله ذلك الإنسان الذي يعرفه وربما لا يعرفه وهو يمر بعينيه على الكلمات ويقرأها.
    وبحسب عبدالله الغزال “هذا الهاجس ربما هو أكبر الهواجس إخافة وإثارة للرعب عندي وخصوصا وأنا على يقين بأن هناك ربما الآلاف من القراء الذين يختص كل واحد منهم بنظرة معيّنة وهم يقرؤون النص نفسه. لهذا فإن الوصول إلى حس عميق متوازن يجلب الرضا في نفسي هو أمر بالغ الصعوبة. القارئ هو الرأس الثالث للنص المكتوب، فما نفع النص دون قارئ، وإذا لم يصل الكاتب إلى رضا القارئ ويصل إلى نقطة أسره فإن الكتابة تفقد معناها الجوهري”.











يعمل...
X