رسامو الشوارع يسعون إلى التقاط روح طهران القديمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رسامو الشوارع يسعون إلى التقاط روح طهران القديمة

    رسامو الشوارع يسعون إلى التقاط روح طهران القديمة






    نحاول تخليد معالم بلادنا المهددة بالاندثار


    تحولت شوارع طهران إلى مرسم كبير، يجمع عددا يتزايد يوميا من الرسامين، يتتبعون جميعهم تفاصيل البلاد ويحاولون التقاط روحها القديمة وتخليدها في أعمالهم الفنية، في مواجهة المحافظين والمتشددين وعمليات هدم المنشآت التاريخية وكذلك عمليات الإغلاق جراء كورونا والتي حرمتهم من ارتياد المعارض.


    طهران - قد يفاجأ سكان طهران الذين اعتادوا على حركة المرور البطيئة وحرارة الصيف الشديدة والاختناق بالضباب الدخاني برؤية عدد متزايد من الرسامين في الهواء الطلق يستمتعون بالسحر التاريخي للعاصمة الإيرانية.
    ورغم أن المدينة الكبيرة متربة وتبدو بحاجة إلى تجميل، إلا أن الأزقة التي تشكل طهران القديمة صارت تجذب حشودا من الفنانين من أستوديوهاتهم الضيّقة إلى الشوارع المفتوحة ضمن اتجاه تسارع خلال عمليات الإغلاق التي هدفت إلى الحد من انتشار فايروس كورونا المستجد.
    ملامح غائبة


    الرسم في الهواء الطلق في طهران ازدهر خلال الوباء، حيث وجد الكثيرون الإلهام في الهواء الطلق عندما أُغلِقت صالات العرض


    تشتهر إيران منذ زمن بعيد بفنّ العمارة والتصوير التشكيلي والشعر، حيث شيّد المهندسون المعماريون الأولون في البلاد مساجد وقصورا رائعة، وزينوا الجدران والقباب بالفسيفساء زاهية الألوان والتصميمات الآجريّة الفنية. ويبرز التصوير التشكيلي الفارسي التقليدي تفاصيل دقيقة وألوانا مميزة.
    ولا يسعى الرسامون إلى مجرد التقاط روح طهران القديمة، بل إلى الحفاظ على الأحياء القديمة المتلاشية في العاصمة الإيرانية. ومع تواصل تجريف العديد من المناطق، تبرز الرافعات في الأفق لتمحو ما بقي من الأحياء القديمة التي تعود إلى القرن التاسع عشر وتفسح مساحة للمباني الشاهقة الحديثة.
    وقال مرتضى رحيمي، وهو نجّار يبلغ من العمر 32 عاما، يقيم في وسط مدينة طهران ويعتبر نفسه من عشاق الفن: “تربطنا اللوحات بالتصاميم السابقة والمشاعر التي بدأت تختفي. وتساعدنا على التذكر… انظر كم عدد المباني القديمة الجميلة التي تحولت إلى أنقاض”.
    وبجانبه، استخدم الرسام حسن نادر ضربات فرشاة فضفاضة وألوانا زاهية لالتقاط تلاعب الضوء ووميض الحركة بأسلوب انطباعي. ويسعى إلى اعتماد شغفه بالرسم في الهواء الطلق لتصوير الجمال في محيطه المتداعي.
    وتحولت طهران إلى مدينة مزدحمة يزيد عدد سكانها عن 10 ملايين نسمة بعد أن كانوا 4.5 مليون فقط عند قيام الثورة الإسلامية سنة 1979. وتزامنت الزيادة السكانية للشباب الثيوقراطي مع الهجرة الجماعية إلى طهران بعد غزو الرئيس العراقي صدام حسين في الثمانينيات. ونظرا إلى أن فرص العمل والتعليم جذبت المزيد من الناس إلى العاصمة، استجابت الحكومة لتحديات أزمة الإسكان الناشئة من خلال تطويرات عقارية ضخمة.
    وفقدت المدينة بعض معالمها التي تعود إلى القرن التاسع عشر والتي بناها ملوك القاجار بعد فترة وجيزة من نقلهم العاصمة الإيرانية إلى طهران سنة 1796. وأصبحت تسودها أبراج سكنية جديدة شُيّدت خلال العقود القليلة الماضية.
    وسعى الفنانون والمؤرخون، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مواجهة فقدان الذاكرة الثقافي وسط تصاعد عمليات الهدم. وقال الخبير الفني مصطفى ميرزايان إن “وسائل التواصل الاجتماعي أثارت وعيا بين الناس بالمخاطر التي تهدد المباني التاريخية والقديمة”، مشيرا إلى قصور القاجار المتداعية، التي اشتهرت بفسيفسائها المتقنة. وأكّد أن “الناس يتعرفون على قيمة الأماكن القديمة ويهتمون بأبعادها الثقافية والفنية”.
    جذور وتاريخ













    بالنسبة إلى محبي الرسم في الهواء الطلق مثل سمية عابديني، وهي موظفة حكومية ومقيمة في حي عودلاجان التاريخي بطهران، فإن للتوجه البيئي دوافع شخصيّة. وقالت إن الأقواس والأزقة المورقة والفيلات المحاطة بأسوار في الحي هي مصدر إلهامها وتجعلها تستحضر روح والدها الذي قضى حياته كلها في حيّ عودلاجان وتوفي فيه.
    وتابعت: “تعتبر الأماكن القديمة في الحي جذورنا وتراثنا، ومن المؤسف أن العديد منهما دُمّر”.
    ويقول الفنانون إن الرسم في الهواء الطلق في طهران ازدهر خلال الوباء، حيث وجد الكثيرون الإلهام في الهواء الطلق عندما أُغلِقت صالات العرض والمتاحف لأشهر وتوقفت مشاريع البناء. وسببت الأزمة الصحية خسائر فادحة في إيران، حيث أصابت أكثر من 7.2 مليون شخص وقتلت أكثر من 141 ألف إيراني، وهي أسوأ حصيلة وفيات في الشرق الأوسط.
    ومع هدوء الفوضى في شوارع طهران، أسس الرسام حسن نادر البالغ من العمر 58 سنة أستوديو في الخارج. وغامر بالخروج بالفرش، وأقلام الرصاص، والطلاء، والأوراق، وحلّق بعيدا حيث شعر أنه على قيد الحياة تحت أشعة الشمس والنسيم.

    الفنانون والمؤرخون، سعوا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى مواجهة فقدان الذاكرة الثقافي وسط تصاعد عمليات الهدم


    وقال عن تجربته مع الوباء: “كنت أخرج كل يوم. لم تكن الأماكن في الهواء الطلق مزدحمة للغاية ووجدت إمكانية وصول أكبر إلى الأماكن التي أحببتها”.
    ويبيع الرسام العشرات من لوحاته، التي يصوّر كثير منها القصور الفارسية القديمة والمنازل التقليدية في طهران، للمشترين المحليين والأجانب. وقال إن التوق إلى العصور الماضية يؤدي إلى ارتفاع الطلب بين المشترين الإيرانيين في الخارج الذين يريدون لوحات عن نقوش جدران برسيبوليس التي نحتها الأخمينيون في 500 قبل الميلاد، ورسوما عن ازدهار أصفهان كجوهرة زرقاء في الثقافة الإسلامية في القرن السابع عشر.
    وقد اشتد هذا الحنين إلى الماضي في الوقت الذي تواجه فيه إيران، التي دمرتها العقوبات وانقطعت عن الاقتصاد العالمي، غضبا شعبيا من ارتفاع الأسعار وتدهور مستويات المعيشة.
    ولم تحرز محادثات إحياء اتفاق طهران النووي، الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب قبل أربع سنوات، أي تقدم في العام الماضي. وبينما تعمق الفقر في البلاد، ازدهر المشهد الفني المعاصر رغم التحديات.
    وحظر المتشددون الفن الحديث وسعوا إلى حظر الرسم لسنوات بعد أن أطاحت الثورة الإسلامية الإيرانية في 1979 بالنظام الملكي الذي كان يدعمه الغرب ونصّبت رجال الدين الشيعة في السلطة. ووُضعت المجموعة الواسعة التابعة لمتحف طهران للفن المعاصر، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، في خزائنه.
    لكن المؤسسة الدينية رأت أهمية الفن خلال الحرب المروّعة بين إيران والعراق في 1980. وظهرت اللوحات التي تشيد بقتلى الحرب وتحتفل بقادة الثورة الإسلامية على جدران المدينة.












    وتقرر عرض العديد من أعمال متحف الفن المعاصر في العقود الأخيرة مع تخفيف القيود الثقافية، بما في ذلك لوحات كلود مونيه وبابلو بيكاسو وجاكسون بولوك التي اقتنتها البلاد خلال طفرة النفط في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.
    وفي الصيف الماضي، قبل أيام فقط من انتخاب رجل الدين المتشدد المعادي للتأثير الثقافي الغربي إبراهيم رئيسي، أعيد افتتاح المتحف مع عرض لوحات رسّام الفن الشعبي ​​الأميركي آندي وارهول.
    ويساعد الفنانون الإيرانيون الناجحون اليوم، بما في ذلك الذين يعرضون أعمالهم في الخارج، في تحريك سوق الفن في طهران الذي كان راكدا. وتجلب بيوت المزادات في جميع أنحاء المدينة أسعارا مرتفعة للرسامين المحليين. وسجل مزاد يوم الجمعة الماضي مبيعات تجاوزت 2.2 مليون دولار مقابل 120 عملا.
    ويبث التلفزيون الحكومي الإيراني بانتظام دروس الرسم، بما في ذلك عرض سلسلة “متعة الرسم” للرسام الأميركي الراحل بوب روس، الذي ألهم الهواة حمل الفرشاة.
    وتزدهر مدارس الفنون الإيرانية مع تشكيل الطالبات أغلبية فيها. ورغم أن المعروضات تتطلب تراخيص حكومية، إلا أن صالات العرض الفاخرة في طهران التي تقدم أعمالا جديدة لرسامين إيرانيين تعج بالحشود الشابة.
    وذكر نادرالي: ” قال لي أحد المارة ذات مرة إن الفن يولد في فقر ويموت في الثروة”.



يعمل...
X