انبثاق حر يتوالد في لوحات الفنانة التشكيلية اللبنانية ندى متى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • انبثاق حر يتوالد في لوحات الفنانة التشكيلية اللبنانية ندى متى

    انبثاق حر يتوالد في لوحات الفنانة التشكيلية اللبنانية ندى متى




    ميموزا العراوي




    ألوان تتماهى مع الطبيعة


    تستخدم الفنانة التشكيلية اللبنانية ندى متى مواد مختلفة، لتخلق منها مشاهد وكائنات متحررة من الحياة الهشة، لتعكس الطاقات المتناغمة في الكون واتحاد الطبيعة مع الإنسان ورحلته في الحياة الممتدة منذ ولادته حتى مماته.


    على هامش الفنون التشكيلية المنهمكة من ناحية في مواجهة ومُساءلة واقع معاصر أليم واستفزاز نظر المُشاهد، ومن ناحية أخرى على هامش تلك المنغمسة في تهشيم كل ما طالته من معايير أخلاقية بهدف الظهور ولفت الانتباه إليها، ينمو فن مختلف تماما لا هو بعيد عن هموم الواقع المعاصر ولا هو فن يستسيغ التجريح ببعض ما تبقى من قيم أخلاقية وروحية شكلت إنسانية الإنسان قبل أن تقع تحت وابل الاعتداء وذلك منذ أكثر من عشرات السنين.
    نصّ الفنانة التشكيلية ندى متى يقع من دون شك على هامش تلك الفنون المذكورة آنفا. وهي من الفنانين الذين استنطقوا جمال وبلاغة الطبيعة الظاهرين للعيان حينا والمجهريين والكامنين في روعة دقائق الخلق حينا آخر.
    ونصّ الفنانة فن رغم الواقع الصدئ ورغم معايشته للأزمات صمد في وجه صرير الرياح المدمرة للبشرية والإنسانية على حد السواء – وشتان ما بين الإثنين – ليبقى “ولاؤه” إذا صح التعبير إلى الخفيّ/النديّ/الروحيّ الذي يقرّ بأن الإنسان ليس سوى تفصيل مضيء في عظمة أنوار الكون. وكانت صالة "جانين ربيز" و"أرت سكوب" قد أعلنت عن إطلاقها لمعرض للفنانة اللبنانية ندى متى وذلك بداية بـ30 شهر يونيو الماضي حتى 14 من شهر يوليو الحالي.
    يحمل المعرض عنوان "انبثاق حرّ" ويضم 14 لوحة بحجم كبير هي جزء صغير من رصيد كبير للفنانة أنتجته احتفالا بالطبيعة اللبنانية لاسيّما بطبيعة منطقة المتن الجبلية حيث ولدت وتعيش وتقيم مرسمها الخاص بعد إكمال دراستها في الفنون وعودتها من باريس. وهي منطقة ذكرت الفنانة في أكثر من مناسبة أنها كانت تلجأ إلى أشجارها وعطورها التماسا للسلام والفرح بعيدا عن أجواء الحرب اللبنانية التي عايشتها.

    ◙ "انبثاق حرّ" يضم أربع عشرة لوحة بحجم كبير هي جزء صغير من رصيد كبير للفنانة أنتجته احتفالا بالطبيعة اللبنانية


    والناظر إلى لوحات الفنانة ندى متى، ليس فقط ما قدمته في الصالة، ولكن أيضا ما واظبت على إنتاجه خلال سنوات عديدة، يُدرك أن عالم الفنانة لا يقتصر على رسم المشاهد الطبيعية كأشجار الصنوبر واليراعات المضيئة والنباتات البرية المنتشرة في سفوح الجبال وأعاليها بقدر ما يرسم الطاقة الحيوية التي تنبض في تلك المساحات المتعرجة والمتداخلة في صعودها وانحدارها.
    ومما لا شك فيه أن قدرتها على النفاذ فالوصول إلى هذا النوع من القراءة العميقة فيما تقدمه هذه المشاهد مكّن الفنانة من ترجمة ما رأته إلى نص بصري فني لا يتوقف فقط عند بساطة حضور الأشجار والأزهار في الطبيعة، بل ينفذ إلى نسغ تلك المشاهد ونبضها وسحرها المرتبط ارتباطا وثيقا بما تعني الحياة الهشة على هذه الأرض من ناحية وما تنبئ، لا بل ما تبشّر به، من انبعاث لحياة لا حدود أرضية/فانية لها.
    واللافت أن لوحات الفنانة هي لوحات تشكيلية بكل ما تعنيه الكلمة. أي أن الناظر إليها يستطيع أن يرى ويصنف أنواع النباتات والتلال والأشجار، ويستطيع أيضا، إن تمعن قليلا فيها، أن يرى أشكالا بشرية متعانقة أو مستسلمة لجمال المكان الموجودة فيه والموشومة به على السواء.
    لكن اللوحات هي أيضا تجريدية باهرة سواء من حيث أسلوب الرسم المُتآخي مع ضروب الصدفة وسيلان اللون فاتحاد الخطوط المرسومة مع بعضها البعض حتى انبثاق فروع وشرايين جديدة منها تحت حرص ولحظ الفنانة وإباحتها لتدخّل عامل الصدفة الذي ساهم في بناء النص الفني لأنه، وربما في عرف الفنانة، له الحق في التدخل لأن مفهوم الوعي واللاوعي ملتبسان عند الفنانة وهو التباس يخدم ومن دون شك الإبداع الفني المتصل بعوالم ليست هي مفهومة تماما وليست نهائية، بل قابلة للتحول والانبثاق من بعضها البعض في أي لحظة.

    لوحات تصور جمال لبنان

    ويظهر في أعمال الفنانة ندى متى ولعها الواضح بالحبر الصيني والرسم على الورق. ولعلّ كل من أتيحت له فرصة الرسم بتلك المادة المائية التي نوّد أن نسميها “فيّاضة” يعلم تماما ماذا يعني الرسم بمادة مائية وهوائية في نفس الوقت إذ أن وضع قطرة واحدة من الحبر على ورقة مُعدة للرسم شبيه بنحت هوائي: تتكور القطرة/النقطة وحولها الفراغ ويصبح لها سريعا حجم تعكس طبقته الملساء نور المكان الذي من حولها. نقطة متماسكة، ولكن مُرتجّة قد تسيل كقطرة دمع في سرعة أو بطء وبأي لحظة.
    غير أن الفنانة لم تنفذ أعمالها هذه بالحبر الصيني فقط، ولكن أيضا بمادة الأكريليك الملونة وبأوراق الذهب. أكثر ما يمكن وصف استخدام هذه المواد المختلفة في لوحة واحدة هو أنه شديد الانسجام والتكامل حتى يكاد يصعب على الناظر إلى الأعمال أن يقول إنها أعمال مشغولة بمواد مختلفة حتى مع علمه بذلك.
    واللافت أن الفنانة لا تستخدم أوراق الذهب بمنطق تزيني، بل تضعها حيث ترفع من نبرة المعنى المرجو التعبير عنه. ونذكر على سبيل المثال اللوحة التي تحمل عنوان "آثار خطوات".
    كما تجيء الخلفية الُمشبعة باللون الذهبي/النوراني في لوحة أخرى تحمل عنوان "ما نحن" وليس "من نحن" لتضع اللوحة في تساؤل فلسفي ليس فقط حول الوجود وما بعده المتمثل في سماء "تورف" على شجرة غزيرة الأغصان ووارفة بدورها على من رسمت المشهد، ولكن أيضا حول "خامة" الاتحاد ما بين الطبيعة وخلايا الإنسان، نبضه وتنفسه وأنسجته، ولادته، حياته، موته، فانبعاثه.
    غابات هائلة ومتشابكة، ولكن غير مختنقة. غابات يدخلها النور وتعبر خلالها النسمات. غابات وحقول تضيء غموضها، حين تخفت نبرات النهار، اليراعات المضيئة. وتنطلق عيدان النباتات الرقيقة في فضاء الغابات المكتظة وغير المكتظة لتشبه أسهما نارية تدب حياة مُضاعفة وتُشابك وتُضافر ما بين باقي عناصر الغابة.
    يذكر أن الفنانة ندى متى من مواليد 1968 لها مشاركات في معارض جماعية داخل لبنان وخارجه ولها معارض فردية في باريس. ونذكر من معارضها في بيروت معرض في صالة "رميل 292" ومعرض في صالة "ميسيون دي زار". وإلى جانب كون ندى متى فنانة تشكيلية هي أيضا كاتبة لروايات مخصصة للأطفال ومطعمة بالرسوم. وحصدت إحدى هذه الروايات الجائزة الفرنسية "بري سورسيار" سنة 2017.
    الطبيعة في أبهى تجلياتها








يعمل...
X