معرض جماعي يحتفل بالفن التشكيلي وانشغاله بلبنان الحلم والأزمات
ميموزا العراوي
أنية شاهدة على الخراب
قد تكون فترة الصيف وتوقف صالات العرض الفني عن العمل فرصة للبعض منها لتقييم المعارض المنعقدة طوال العام أو العامين الماضيين، وإعادة تقديمها للمتلقي في عرض جماعي يسلط الضوء على تجربة كل فنان على حدة مع اكتشاف الجوانب الفنية المشتركة التي قد تكون المدن والمآسي الإنسانية أولها.
جاء فصل الصيف وهو الفصل الذي ترتاح فيه الصالات الفنية من وتيرة العرض الفني المتواصل، لتستعد لموسم جديد يبدأ عادة في نهاية شهر أغسطس، فتختار بعض صالات العرض أن تقدم معارض تشكيلية تختصر نشاطها السنوي. ومن المعارض الجماعية التي تحتفي من جهة بالفن بشكل عام وببعض من قدمتهم خلال سنتين حافلتين بالأزمات السياسية والعرض الفني على هامش التوتر العام، معرض تقدمه صالة “جانين ربيز” في بيروت حتى السادس والعشرين من شهر أغسطس القادم.
وشمل المعرض بضعة أعمال فنية انتقتها الصالة من معارض قدمتها خلال هاتين السنتين. أعمال لفنانين لبنانيين مخضرمين وحاضرين جديدا على الساحة الفنية بعد أن أسهمت الصالة في إطلاق مواهبهم في عالم الفن من الباب العريض حيث أن العديد منهم قدموا معارض فردية وشاركوا في معارض جماعية خارج لبنان.
وإذا كان ثمة ما يجمع تلك الأعمال فهو انشغالها بلبنان الحلم، ولبنان الأزمات المتتالية لاسيما تلك التي تمظهرت في المباني أو المنشآت التي تعرضت للدمار أو للإهمال فشكلت رموزا بصرية تنطق بأفكار وحالات وجدانية شائكة المعالم والمضمون.
◙ لبنانيون متعبون من الأزماتمن هؤلاء الفنانين نذكر الفنان إلي بورجيلي وأعماله الفنية اللاذعة والشعرية على السواء. فنان ارتبط ارتباطا وثيقا بما تعني بيروت من عراقة وذاكرة مطلة على المستقبل. وقد عايش الفنان الحرب اللبنانية ليكون حاضرا في كل التصدعات التي تلت تلك الحرب إلى يومنا هذا.
وبعد أن اعتاد اللبنانيون على تلقّف رسوماته الساخرة الزاخرة وبالغة الحدة في تناولها لأزمات لبنان المتتابعة، واظب الفنان بورجيلي على النشر على صفحة الفيسبوك الخاصة به أعمالا فنية تشكيلية وغرافيكية تتناول حوادث سياسية وأمنية مختلفة.
ومن الفنانين المشاركين نذكر الفنان بسام جعيتاني وولعه بالطبيعة وبدقائقها تشكيلا وتجريدا على السواء وبجعلها ناطقة بأحوال نفسية متهدجة لا تستطيع السكون. ونذكر أيضا الفنان جوزيف حرب الذي قدم مؤخرا معرضا في الصالة تحت عنوان “هنا والآن”. وهو معرض ضم مجموعة من اللوحات بأحجام مختلفة مشغولة بمادة الأكريليك إضافة إلى عدة منحوتات من الطين تجسد أشكالا بشرية مجزّأة حتى في اكتمال هيئتها، وأجزاء من هذه الأشكال هي مكتملة بحد ذاتها وبحد ما أراد من خلالها الفنان التعبير عنه. أما ما أراد التعبير عنه فكان ما أكد عليه آنذاك في البيان الصحافي للمعرض “أشاهد الحياة كمسرح، أتساءل فيها عمّا هو حقيقي وما يمكن أن يكون خيالا. ثمة تعبيرات مباشرة ووحشية وأعمال تجريبية تصوّر الأجساد البشرية بعد حلول كارثة تهدد الجسد نفسه مثلما تحطم الروح، وتقدّم الواقع الخام لحالة البشر تحت الصدمة”.
أما هذه الصدمة التي قصدها الفنان فهي التي جاءت إثر انفجار الرابع من أغسطس الذي هزّ مرفأ بيروت، ذاك الانفجار الذي يلازم معظم الأعمال الفنية على اختلافها منذ أن حدث في سنة 2020 إلى يومنا هذا.
وحضرت في الصالة الفنانة غادة زغبي وعمل لها من معرضها الأخير الذي حمل عنوان “أبنية مهملة”. ضمّ المعرض يومها ستة عشر عملا فنيا مشغولا بمادة الأكريليك وبضعة أعمال أخرى على ورق مشغولة بالفحم وبألوان الأكريليك. وقد تميّزت هذه الأعمال بحدّة خطوطها وسلطة تمركز مشاهدها وسط اللوحة.
المعرض شمل بضعة أعمال فنية انتقتها الصالة من معارض قدمتها خلال هاتين السنتين. أعمال لفنانين لبنانيين مخضرمين وحاضرين جديدا على الساحة الفنية
قدّمت زغبي معرضها ذاك بهذه الكلمات، لا بل قدّمت أجواءه بهذه الكلمات “كنت أمشي في شوارع المدينة، أقف مليا أمام المشاريع المبتورة، نصف المنجزة: هل هذه أحلام مجهضة؟ توقٌ مبتور أو أطفال متروكون؟ لماذا نبني هذه المشاريع ثم نتركها للدمار؟ والأهم لماذا يبدو الهجران كأنه صنوٌ للتدمير، تماما مثل الإجهاض؟”.
في المعرض أيضا أعمال للفنان جميل ملاعب منتقاة من معرضه الأخير الذي قدمه في ذات الصالة والذي شمل العديد من اللوحات معظمها بأحجام كبيرة ومشغولة على القماش والخشب المصقول، حيث تطغى عليها الألوان الترابية والرملية الناصعة وإن عمد الفنان الشغوف بالألوان إلى استخدام كل الألوان في تفاصيل لوحاته لتبدو وكأنها مواد أولية مُستقاة من الطبيعة أكثر من كونها موادا تلوينية.
وقتها حمل معرضه عنوان “لبنان الجمال والثقافة” وهو معرض مضاد لكل القهر الذي عاشه ولايزال لبنان حيث طغت أجواء تفاؤلية مرتكزة على عناصر واقعية وقادمة من حقيقة المشاهد اللبنانية اليومية التي لم تستطع الأزمات الهائلة والتدهور الاقتصادي السريع أن تمحيها، ولا أن تجعلها صورة غائمة من ماض سحيق.
وفي سياق الغوص خارج الأزمات دون الابتعاد عن ظلالها، ولكن بأسلوب مختلف تماما يعثر زائر المعرض على لوحة للفنانة عايدة سلوم والتي انتقتها الصالة من معرضها الأخير الذي جاء وبشكل جليّ نتيجة تأملات واختبارات بصرية في أصول الضوء وارتداداته الروحية وبالتالي تأثيره على كيفية رؤية العالم المحيط المحكوم بالزوال.
وفي المعرض أيضا عمل للفنانة إليسا رعد التي أطلقتها صالة جانين ربيز في عالم الفن. عمل هو من مجموعة سبق أن عرضتها الفنانة شملت 3 لوحات زيتية و12 صورة فوتوغرافية. وهي صور ذاتية تتحول وتتبدل وتبقى رمادية بالمعنى أكثر مما هي في هيئتها، هيئتها البادية في مرآة مفتوحة على بصرية واحدة وهي العدم، أو الموت بكل أشكاله.
وفي المعرض حضرت أيضا أعمال للفنان بسام جعيتاني والفنان هانيبعل سروجي والفنانة ليلى جبر جريديني والفنان راشد بحصلي.
من كل تلك الأعمال انتقت الصالة عملا للفنان بورجيلي ليكون على ملصق المعرض والمُقدم له على السواء. أما عنوان هذا العمل فهو يليق من دون شك بمعرض جمع الألم والرجاء في آن واحد “غدا، ربما، ستكون القهوة أقل مرارة”.
ميموزا العراوي
أنية شاهدة على الخراب
قد تكون فترة الصيف وتوقف صالات العرض الفني عن العمل فرصة للبعض منها لتقييم المعارض المنعقدة طوال العام أو العامين الماضيين، وإعادة تقديمها للمتلقي في عرض جماعي يسلط الضوء على تجربة كل فنان على حدة مع اكتشاف الجوانب الفنية المشتركة التي قد تكون المدن والمآسي الإنسانية أولها.
جاء فصل الصيف وهو الفصل الذي ترتاح فيه الصالات الفنية من وتيرة العرض الفني المتواصل، لتستعد لموسم جديد يبدأ عادة في نهاية شهر أغسطس، فتختار بعض صالات العرض أن تقدم معارض تشكيلية تختصر نشاطها السنوي. ومن المعارض الجماعية التي تحتفي من جهة بالفن بشكل عام وببعض من قدمتهم خلال سنتين حافلتين بالأزمات السياسية والعرض الفني على هامش التوتر العام، معرض تقدمه صالة “جانين ربيز” في بيروت حتى السادس والعشرين من شهر أغسطس القادم.
وشمل المعرض بضعة أعمال فنية انتقتها الصالة من معارض قدمتها خلال هاتين السنتين. أعمال لفنانين لبنانيين مخضرمين وحاضرين جديدا على الساحة الفنية بعد أن أسهمت الصالة في إطلاق مواهبهم في عالم الفن من الباب العريض حيث أن العديد منهم قدموا معارض فردية وشاركوا في معارض جماعية خارج لبنان.
وإذا كان ثمة ما يجمع تلك الأعمال فهو انشغالها بلبنان الحلم، ولبنان الأزمات المتتالية لاسيما تلك التي تمظهرت في المباني أو المنشآت التي تعرضت للدمار أو للإهمال فشكلت رموزا بصرية تنطق بأفكار وحالات وجدانية شائكة المعالم والمضمون.
◙ لبنانيون متعبون من الأزماتمن هؤلاء الفنانين نذكر الفنان إلي بورجيلي وأعماله الفنية اللاذعة والشعرية على السواء. فنان ارتبط ارتباطا وثيقا بما تعني بيروت من عراقة وذاكرة مطلة على المستقبل. وقد عايش الفنان الحرب اللبنانية ليكون حاضرا في كل التصدعات التي تلت تلك الحرب إلى يومنا هذا.
وبعد أن اعتاد اللبنانيون على تلقّف رسوماته الساخرة الزاخرة وبالغة الحدة في تناولها لأزمات لبنان المتتابعة، واظب الفنان بورجيلي على النشر على صفحة الفيسبوك الخاصة به أعمالا فنية تشكيلية وغرافيكية تتناول حوادث سياسية وأمنية مختلفة.
ومن الفنانين المشاركين نذكر الفنان بسام جعيتاني وولعه بالطبيعة وبدقائقها تشكيلا وتجريدا على السواء وبجعلها ناطقة بأحوال نفسية متهدجة لا تستطيع السكون. ونذكر أيضا الفنان جوزيف حرب الذي قدم مؤخرا معرضا في الصالة تحت عنوان “هنا والآن”. وهو معرض ضم مجموعة من اللوحات بأحجام مختلفة مشغولة بمادة الأكريليك إضافة إلى عدة منحوتات من الطين تجسد أشكالا بشرية مجزّأة حتى في اكتمال هيئتها، وأجزاء من هذه الأشكال هي مكتملة بحد ذاتها وبحد ما أراد من خلالها الفنان التعبير عنه. أما ما أراد التعبير عنه فكان ما أكد عليه آنذاك في البيان الصحافي للمعرض “أشاهد الحياة كمسرح، أتساءل فيها عمّا هو حقيقي وما يمكن أن يكون خيالا. ثمة تعبيرات مباشرة ووحشية وأعمال تجريبية تصوّر الأجساد البشرية بعد حلول كارثة تهدد الجسد نفسه مثلما تحطم الروح، وتقدّم الواقع الخام لحالة البشر تحت الصدمة”.
أما هذه الصدمة التي قصدها الفنان فهي التي جاءت إثر انفجار الرابع من أغسطس الذي هزّ مرفأ بيروت، ذاك الانفجار الذي يلازم معظم الأعمال الفنية على اختلافها منذ أن حدث في سنة 2020 إلى يومنا هذا.
وحضرت في الصالة الفنانة غادة زغبي وعمل لها من معرضها الأخير الذي حمل عنوان “أبنية مهملة”. ضمّ المعرض يومها ستة عشر عملا فنيا مشغولا بمادة الأكريليك وبضعة أعمال أخرى على ورق مشغولة بالفحم وبألوان الأكريليك. وقد تميّزت هذه الأعمال بحدّة خطوطها وسلطة تمركز مشاهدها وسط اللوحة.
المعرض شمل بضعة أعمال فنية انتقتها الصالة من معارض قدمتها خلال هاتين السنتين. أعمال لفنانين لبنانيين مخضرمين وحاضرين جديدا على الساحة الفنية
قدّمت زغبي معرضها ذاك بهذه الكلمات، لا بل قدّمت أجواءه بهذه الكلمات “كنت أمشي في شوارع المدينة، أقف مليا أمام المشاريع المبتورة، نصف المنجزة: هل هذه أحلام مجهضة؟ توقٌ مبتور أو أطفال متروكون؟ لماذا نبني هذه المشاريع ثم نتركها للدمار؟ والأهم لماذا يبدو الهجران كأنه صنوٌ للتدمير، تماما مثل الإجهاض؟”.
في المعرض أيضا أعمال للفنان جميل ملاعب منتقاة من معرضه الأخير الذي قدمه في ذات الصالة والذي شمل العديد من اللوحات معظمها بأحجام كبيرة ومشغولة على القماش والخشب المصقول، حيث تطغى عليها الألوان الترابية والرملية الناصعة وإن عمد الفنان الشغوف بالألوان إلى استخدام كل الألوان في تفاصيل لوحاته لتبدو وكأنها مواد أولية مُستقاة من الطبيعة أكثر من كونها موادا تلوينية.
وقتها حمل معرضه عنوان “لبنان الجمال والثقافة” وهو معرض مضاد لكل القهر الذي عاشه ولايزال لبنان حيث طغت أجواء تفاؤلية مرتكزة على عناصر واقعية وقادمة من حقيقة المشاهد اللبنانية اليومية التي لم تستطع الأزمات الهائلة والتدهور الاقتصادي السريع أن تمحيها، ولا أن تجعلها صورة غائمة من ماض سحيق.
وفي سياق الغوص خارج الأزمات دون الابتعاد عن ظلالها، ولكن بأسلوب مختلف تماما يعثر زائر المعرض على لوحة للفنانة عايدة سلوم والتي انتقتها الصالة من معرضها الأخير الذي جاء وبشكل جليّ نتيجة تأملات واختبارات بصرية في أصول الضوء وارتداداته الروحية وبالتالي تأثيره على كيفية رؤية العالم المحيط المحكوم بالزوال.
وفي المعرض أيضا عمل للفنانة إليسا رعد التي أطلقتها صالة جانين ربيز في عالم الفن. عمل هو من مجموعة سبق أن عرضتها الفنانة شملت 3 لوحات زيتية و12 صورة فوتوغرافية. وهي صور ذاتية تتحول وتتبدل وتبقى رمادية بالمعنى أكثر مما هي في هيئتها، هيئتها البادية في مرآة مفتوحة على بصرية واحدة وهي العدم، أو الموت بكل أشكاله.
وفي المعرض حضرت أيضا أعمال للفنان بسام جعيتاني والفنان هانيبعل سروجي والفنانة ليلى جبر جريديني والفنان راشد بحصلي.
من كل تلك الأعمال انتقت الصالة عملا للفنان بورجيلي ليكون على ملصق المعرض والمُقدم له على السواء. أما عنوان هذا العمل فهو يليق من دون شك بمعرض جمع الألم والرجاء في آن واحد “غدا، ربما، ستكون القهوة أقل مرارة”.