لوحات التشكيليين في مصر أمام مسار إجباري: من جدران المعارض إلى المخازن المظلمة
القاعات لها شروطها الصعبة
لا سوق حقيقيا للفن التشكيلي اليوم في العالم العربي، حيث نادرون هم الفنانون المكرسون الذين نجحوا في تثبيت أسمائهم دوليا، وصار لأعمالهم مقتنون، أما جل الفنانين فيعانون من قلة الطلب على أعمالهم، وهذا يمكن تفسيره بعدة عوامل أبعد حتى من الأسباب الاقتصادية الواضحة.
القاهرة – يرسم البعض من التشكيليين بمصر لوحاتهم بدافع الأمل والفن فقط في ظل تراجع المبيعات بالمعارض التي تصل أحيانا إلى الصفر، ويجد بعضهم في الفرشاة والألوان سلوى يمكن أن تنسيهم غياب التقدير لأعرق الفنون، رغم تأكدهم من أن اللوحات بعد الانتهاء منها سوف تجد طريقها إلى جوار شقيقاتها في المخازن.
في حفلات افتتاح المعارض، تصدح القاعات بالضجيج وحركة الجمهور والابتسامات والإشادات وآلات التصوير التي تلتقط صور الضيوف من المشاهير، بعدها تصبح خاوية على عروشها ليسود الصمت المطبق، ويصبح طموح غالبية المنظمين في زائر أو متفرج وليس مشترٍ أو مغرم وجامع للفن.
تتعدد حلقات الشكوى في سوق الأعمال الفنية في مصر، فأصحاب المعارض يشكون مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت حركة البيع افتراضية بالتواصل المباشر بين الفنان والمغرمين بالفن من دون الحاجة إلى وسيط.
ويشكو تشكيليون من شروط القاعات واختياراتها التفضيلية التي لا تمنح الفرصة إلا لأسماء بعينها، ويظهر الطرفان استياء من غياب التركيز على فن الريشة ورموزه.
أوجاع متكررة
أصبحت مواقع التواصل نافذة أساسية يستطيع التشكيليون المصريون بيع أعمالهم من خلالها مع تراجع دور قاعات الدولة في احتضانهم، وسطوة دور العرض الخاصة التي تتعامل بفكر اقتصادي بحت وتختار أسماء محددة من جيل الرواد باعتبارهم الدجاجة التي تبيض ذهبًا ويمكن تسويق أعمالهم بسهولة داخليا وخارجيًا.
فاقم تخفيض الصحف المصرية لصفحاتها من أوجاع الفن التشكيلي ومع اختصار عدد كبير منها صفحاتها إلى ثمان تمت التضحية بالفنون المرسومة من تشكيل وكاريكاتير لصالح المضامين ذات الطبيعة الجماهيرية كأسعار العملات والخضروات والخدمات، وباتت شهرة الفنان مرهونة بقدرته على التسويق والترويج الذاتي في الأوساط الثقافية، وهو أمر لا يتقنه الكثير من التشكيليين، خاصة من جيل الوسط.
تبالغ المعارض في اشتراطاتها في نوعية الفنانين الذين تختارهم، فهي في النهاية تحصل على عائدها من بيع اللوحات، لأن المبيعات في معظم العروض لا تتجاوز 10 في المئة مقابل 90 في المئة كانت قبل عقدين.
تغيرت طبيعة الجمهور ذاته من الاهتمام بالأعمال اليدوية للصور الملونة المطبوعة من الحاسب الآلي، وهي رخيصة الثمن ولا تتجاوز في بعض الأحيان حاجز 4.5 دولار، وانتقل الشغف إلى الفنادق والمنشآت السياحية التي ظلت لعقود المشتري الأول للأعمال الفنية لكنها تضررت مع أزمات مستمرة يعاني منها القطاع الفندقي منذ ثورة يناير 2011 والفترة الانتقالية التي تلتها، ثم جائحة كورونا، وأخيرا الحرب الروسية ــ الأوكرانية التي هبطت بمعدلات السفر إلى مصر بنسبة 35 في المئة.
فن أم تجارة؟
◙ كساد في سوق الفنقال الفنان التشكيلي محمد عبدالهادي إن المعارض الخاصة تتعامل مع الفن بمنطق التجارة، فالمبيعات الهدف والغاية لذلك تركز على جيل الرواد من ذوي الأسماء الكبيرة التي لها جماهيرية على حساب المواهب الجيدة التي لا يتم توفير الفرصة لها للعرض سوى في استثناءات محدودة.
وأضاف عبدالهادي لـ “العرب” أن القاعات الرسمية المعنية بالفن التشكيلي في مصر تم تهميشها، مثل قصر عائشة فهمي، ومجمع فنون الزمالك الذي كان الحاضنة الأولى للتشكيليين حيث يرسم فيه ويبدع الفنانون ويبيعون أعمالهم عبر أروقته، وأصبحت المعارض الدولية غير متاحة لكل الفنانين، فهناك أسماء بعينها يتم اختيارها باستمرار دون فتح المجال أمام العديد من التشكيليين للمشاركة.
في عرف التشكيليين، يجب على الفنان أن يتحلى بالإرادة والإدارة، فالأولى ترتبط باستمراره في العمل مهما كانت الصعوبات والظروف ولو اضطر إلى تغيير الخامات إلى أصناف أقل، أما الإدارة فلها علاقة بالقدرة على التسويق والاتجار في لوحاته لأجل توفيرمقابل مادي جيد يستطيع العيش منه والإنفاق على حياته والاستمرار في الإبداع أيضا.
أصحاب المعارض يشكون مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت حركة البيع افتراضية بالتواصل المباشر بين الفنان والمغرمين
ويجد عدد كبير من الأعمال المعروضة طريقه إلى المخازن المنزلية، وبعضها قد يجد طريقه إلى التصريف في معارض جماعية لتحقيق نفاذية أكبر إلى الجمهور عبر إقناع أصحاب المعارض بفتح الباب أمام إعادة تقديم أعمال مجموعة من الفنانين دفعة واحدة لجذب الزوار.
وأكد عبدالهادي لـ”العرب” أن رجال الأعمال المعنيين بالفن باتوا قليلين في مصر ومن أشهرهم نجيب ساويرس وكامل أبوعلي، وكلاهما من العاملين في المجال السياحي ويقتني اللوحات التشكيلية كعنصر جمالي في طرقات وقاعات فنادقهم، ما يثير إعجاب الزائرين.
ولا زال هواة جمع اللوحات من أجل الفن في مصر يمثلون قلة، في مقدمتهم الطبيب والسياسي محمد أبوالغار الذي لديه مقتنيات هامة تظهر تطور حركة الفن التشكيلي بمصر، ويوجد عدد محدود يتخذها كوسيلة استثمار وغالبيتهم من الخليج العربي، ينتقون إبداعات مشاهير مثل آدم حنين وعصمت داوستاشي وعزالدين نجيب، ولا يفضلون الأسماء الجديدة.
تسويق غائب
◙ اللوحات لا تلقى حظها غالباتتسم عملية التسويق للأعمال الفنية في مصر بالضعف، فعدد القاعات محدود للغاية، بما لا يتناسب مع عدد السكان، كما أن الوعي بالمدارس الفنية ضعيف، والصورة الذهنية المتجذرة عن الفن لا تقدر الإبداع الذي تتضمنه اللوحات.
وتحقق بعض اللوحات المصرية في دور العرض الأجنبية عائدات بيع جيدة، لكنها مرتبطة ببعض الأسماء، مثل الراحل محمود سعيد الذي بيعت إحدى لوحاته “الجزيرة السعيدة” بنحو 1.2 مليون جنيه إسترليني منذ نحو ثلاث سنوات في مزاد بالعاصمة البريطانية لندن، ولوحة “العاطل” بلغ ثمنها حوالي 1.3 مليون إسترليني قبل عامين في مزاد بلندن أيضا.
أوضح الفنان المخضرم محمد عبلة لـ “العرب” أن التشكيل لم يكن يوما فنا رائجا ومن السهل تداوله في مصر، فهو منتج ثقافي مرتبط بالوضع الاقتصادي، بجانب أن الوعي بالفن ضئيل، وتؤثر الحالة الاقتصادية الضعيفة لغالبية المواطنين على فكرة اقتناء الأعمال التشكيلية، والتي يعدها البعض من قبيل الرفاهية.
يرى بعض الفنانين أن التشكيل تحول في السنوات الأخيرة إلى مجال نخبوي لا تهتم به إلا شريحة معينة، من رواد المعارض الفنية الخاصة، بسبب انسحاب الدولة من دورها في تشجيع الفنون وتربية الذائقة الفنية في مراحل التعليم المختلفة، وخضوع المعارض في أحيان كثيرة للبيروقراطية.
وأدى تراجع دور وزارة الثقافة في دعم الفن التشكيلي إلى حالة من الفوضى الفنية وصلت إلى استعانة بعض المؤسسات بمصممي غرافيك لوضع جداريات في مشروعات قومية كبرى، على الرغم من وجود قطاع من التشكيليين المتخصصين في ذلك المجال، وهناك أعمال صالحة للعرض موضوعة في المخازن.
رجال الأعمال أهم زبائن لوحات التشكيل في مصر فاقتناء الفن يحتاج إلى قدرات مالية ما يتطلب دعما من الدولة
وشهدت مصر جدلا قبل أيام مع افتتاح مرحلة جديدة من مترو الأنفاق بعد حديث الفنان التشكيلي الروسي جورجي كوراسوف عن سرقة لوحات من أعماله واستخدامها في جداريات محطة مترو “كلية البنات” في القاهرة حتى اضطرت الهيئة إلى تقديم اعتذار له ورفع اللوحات المقتبسة ثم إبعاد رئيس هيئة المترو نفسه لتهدئة الرأي العام.
وأكدت نقيبة التشكيليين صفاء القباني على صفحتها على فيسبوك أن مصممة اللوحات المسروقة (غادة والي) متخصصة في الغرافيك وليست عضوة بالنقابة التي لم يتم استطلاع رأيها في التصميم، وتجاهل عمل فنانين تابعين لها في الخطوط الأولى لمترو الأنفاق، مثل سامي رافع وأحمد نبيل وزكريا الزيني وممدوح عمار، ولا تزال أعمالهم خالدة في محطات رئيسية مثل السادات الملاصقة لميدان التحرير بوسط القاهرة.
وقال محمد عبلة لـ”العرب” إن “رجال الأعمال هم الآن من أهم زبائن لوحات التشكيل في مصر، فاقتناء الفن يحتاج إلى قدرات مالية، ما يتطلب دعما من الدولة للفنانين من خلال اقتناء أعمالهم وعرضها بشكل مناسب في مشروعاتها الجديدة”.
يعتبر الفنان المخضرم أن المخاطر لا تقتصر على عدم تصريف اللوحات لكن تشمل الاحتيال والتزييف والنصب الذي يتعرض له التشكيليون عبر سرقة أعمالهم وطباعتها وتوزيعها بمبالغ زهيدة، بجانب دخلاء المهنة الذين يسيئون إلى هذا الفن العريق، وتعزيز دور نقابة التشكيليين في حماية أعضائها.
وينشب في مصر نقاش مستمر حول تماثيل الميادين التي يتم نصبها في المحافظات من قبل السلطات المحلية، والتي في الغالب تأتي مشوهة ولا تتضمن ملامح فنية أو رؤية، مع شكوى مستمرة من نقابة التشكيليين حول عدم الاستعانة بفنانيها الذين أصبحت أعمالهم مكدسة في المخازن بسبب العراقيل التي تواجههم أو تراجع الذائقة الفنية عند الجمهور، ناهيك عن تغلغل البيروقراطية التي أفضت إلى إحباط البعض وانصرافهم عن المشاركة في المعارض العامة.
القاعات لها شروطها الصعبة
لا سوق حقيقيا للفن التشكيلي اليوم في العالم العربي، حيث نادرون هم الفنانون المكرسون الذين نجحوا في تثبيت أسمائهم دوليا، وصار لأعمالهم مقتنون، أما جل الفنانين فيعانون من قلة الطلب على أعمالهم، وهذا يمكن تفسيره بعدة عوامل أبعد حتى من الأسباب الاقتصادية الواضحة.
القاهرة – يرسم البعض من التشكيليين بمصر لوحاتهم بدافع الأمل والفن فقط في ظل تراجع المبيعات بالمعارض التي تصل أحيانا إلى الصفر، ويجد بعضهم في الفرشاة والألوان سلوى يمكن أن تنسيهم غياب التقدير لأعرق الفنون، رغم تأكدهم من أن اللوحات بعد الانتهاء منها سوف تجد طريقها إلى جوار شقيقاتها في المخازن.
في حفلات افتتاح المعارض، تصدح القاعات بالضجيج وحركة الجمهور والابتسامات والإشادات وآلات التصوير التي تلتقط صور الضيوف من المشاهير، بعدها تصبح خاوية على عروشها ليسود الصمت المطبق، ويصبح طموح غالبية المنظمين في زائر أو متفرج وليس مشترٍ أو مغرم وجامع للفن.
تتعدد حلقات الشكوى في سوق الأعمال الفنية في مصر، فأصحاب المعارض يشكون مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت حركة البيع افتراضية بالتواصل المباشر بين الفنان والمغرمين بالفن من دون الحاجة إلى وسيط.
ويشكو تشكيليون من شروط القاعات واختياراتها التفضيلية التي لا تمنح الفرصة إلا لأسماء بعينها، ويظهر الطرفان استياء من غياب التركيز على فن الريشة ورموزه.
أوجاع متكررة
أصبحت مواقع التواصل نافذة أساسية يستطيع التشكيليون المصريون بيع أعمالهم من خلالها مع تراجع دور قاعات الدولة في احتضانهم، وسطوة دور العرض الخاصة التي تتعامل بفكر اقتصادي بحت وتختار أسماء محددة من جيل الرواد باعتبارهم الدجاجة التي تبيض ذهبًا ويمكن تسويق أعمالهم بسهولة داخليا وخارجيًا.
فاقم تخفيض الصحف المصرية لصفحاتها من أوجاع الفن التشكيلي ومع اختصار عدد كبير منها صفحاتها إلى ثمان تمت التضحية بالفنون المرسومة من تشكيل وكاريكاتير لصالح المضامين ذات الطبيعة الجماهيرية كأسعار العملات والخضروات والخدمات، وباتت شهرة الفنان مرهونة بقدرته على التسويق والترويج الذاتي في الأوساط الثقافية، وهو أمر لا يتقنه الكثير من التشكيليين، خاصة من جيل الوسط.
تبالغ المعارض في اشتراطاتها في نوعية الفنانين الذين تختارهم، فهي في النهاية تحصل على عائدها من بيع اللوحات، لأن المبيعات في معظم العروض لا تتجاوز 10 في المئة مقابل 90 في المئة كانت قبل عقدين.
تغيرت طبيعة الجمهور ذاته من الاهتمام بالأعمال اليدوية للصور الملونة المطبوعة من الحاسب الآلي، وهي رخيصة الثمن ولا تتجاوز في بعض الأحيان حاجز 4.5 دولار، وانتقل الشغف إلى الفنادق والمنشآت السياحية التي ظلت لعقود المشتري الأول للأعمال الفنية لكنها تضررت مع أزمات مستمرة يعاني منها القطاع الفندقي منذ ثورة يناير 2011 والفترة الانتقالية التي تلتها، ثم جائحة كورونا، وأخيرا الحرب الروسية ــ الأوكرانية التي هبطت بمعدلات السفر إلى مصر بنسبة 35 في المئة.
فن أم تجارة؟
◙ كساد في سوق الفنقال الفنان التشكيلي محمد عبدالهادي إن المعارض الخاصة تتعامل مع الفن بمنطق التجارة، فالمبيعات الهدف والغاية لذلك تركز على جيل الرواد من ذوي الأسماء الكبيرة التي لها جماهيرية على حساب المواهب الجيدة التي لا يتم توفير الفرصة لها للعرض سوى في استثناءات محدودة.
وأضاف عبدالهادي لـ “العرب” أن القاعات الرسمية المعنية بالفن التشكيلي في مصر تم تهميشها، مثل قصر عائشة فهمي، ومجمع فنون الزمالك الذي كان الحاضنة الأولى للتشكيليين حيث يرسم فيه ويبدع الفنانون ويبيعون أعمالهم عبر أروقته، وأصبحت المعارض الدولية غير متاحة لكل الفنانين، فهناك أسماء بعينها يتم اختيارها باستمرار دون فتح المجال أمام العديد من التشكيليين للمشاركة.
في عرف التشكيليين، يجب على الفنان أن يتحلى بالإرادة والإدارة، فالأولى ترتبط باستمراره في العمل مهما كانت الصعوبات والظروف ولو اضطر إلى تغيير الخامات إلى أصناف أقل، أما الإدارة فلها علاقة بالقدرة على التسويق والاتجار في لوحاته لأجل توفيرمقابل مادي جيد يستطيع العيش منه والإنفاق على حياته والاستمرار في الإبداع أيضا.
أصحاب المعارض يشكون مواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت حركة البيع افتراضية بالتواصل المباشر بين الفنان والمغرمين
ويجد عدد كبير من الأعمال المعروضة طريقه إلى المخازن المنزلية، وبعضها قد يجد طريقه إلى التصريف في معارض جماعية لتحقيق نفاذية أكبر إلى الجمهور عبر إقناع أصحاب المعارض بفتح الباب أمام إعادة تقديم أعمال مجموعة من الفنانين دفعة واحدة لجذب الزوار.
وأكد عبدالهادي لـ”العرب” أن رجال الأعمال المعنيين بالفن باتوا قليلين في مصر ومن أشهرهم نجيب ساويرس وكامل أبوعلي، وكلاهما من العاملين في المجال السياحي ويقتني اللوحات التشكيلية كعنصر جمالي في طرقات وقاعات فنادقهم، ما يثير إعجاب الزائرين.
ولا زال هواة جمع اللوحات من أجل الفن في مصر يمثلون قلة، في مقدمتهم الطبيب والسياسي محمد أبوالغار الذي لديه مقتنيات هامة تظهر تطور حركة الفن التشكيلي بمصر، ويوجد عدد محدود يتخذها كوسيلة استثمار وغالبيتهم من الخليج العربي، ينتقون إبداعات مشاهير مثل آدم حنين وعصمت داوستاشي وعزالدين نجيب، ولا يفضلون الأسماء الجديدة.
تسويق غائب
◙ اللوحات لا تلقى حظها غالباتتسم عملية التسويق للأعمال الفنية في مصر بالضعف، فعدد القاعات محدود للغاية، بما لا يتناسب مع عدد السكان، كما أن الوعي بالمدارس الفنية ضعيف، والصورة الذهنية المتجذرة عن الفن لا تقدر الإبداع الذي تتضمنه اللوحات.
وتحقق بعض اللوحات المصرية في دور العرض الأجنبية عائدات بيع جيدة، لكنها مرتبطة ببعض الأسماء، مثل الراحل محمود سعيد الذي بيعت إحدى لوحاته “الجزيرة السعيدة” بنحو 1.2 مليون جنيه إسترليني منذ نحو ثلاث سنوات في مزاد بالعاصمة البريطانية لندن، ولوحة “العاطل” بلغ ثمنها حوالي 1.3 مليون إسترليني قبل عامين في مزاد بلندن أيضا.
أوضح الفنان المخضرم محمد عبلة لـ “العرب” أن التشكيل لم يكن يوما فنا رائجا ومن السهل تداوله في مصر، فهو منتج ثقافي مرتبط بالوضع الاقتصادي، بجانب أن الوعي بالفن ضئيل، وتؤثر الحالة الاقتصادية الضعيفة لغالبية المواطنين على فكرة اقتناء الأعمال التشكيلية، والتي يعدها البعض من قبيل الرفاهية.
يرى بعض الفنانين أن التشكيل تحول في السنوات الأخيرة إلى مجال نخبوي لا تهتم به إلا شريحة معينة، من رواد المعارض الفنية الخاصة، بسبب انسحاب الدولة من دورها في تشجيع الفنون وتربية الذائقة الفنية في مراحل التعليم المختلفة، وخضوع المعارض في أحيان كثيرة للبيروقراطية.
وأدى تراجع دور وزارة الثقافة في دعم الفن التشكيلي إلى حالة من الفوضى الفنية وصلت إلى استعانة بعض المؤسسات بمصممي غرافيك لوضع جداريات في مشروعات قومية كبرى، على الرغم من وجود قطاع من التشكيليين المتخصصين في ذلك المجال، وهناك أعمال صالحة للعرض موضوعة في المخازن.
رجال الأعمال أهم زبائن لوحات التشكيل في مصر فاقتناء الفن يحتاج إلى قدرات مالية ما يتطلب دعما من الدولة
وشهدت مصر جدلا قبل أيام مع افتتاح مرحلة جديدة من مترو الأنفاق بعد حديث الفنان التشكيلي الروسي جورجي كوراسوف عن سرقة لوحات من أعماله واستخدامها في جداريات محطة مترو “كلية البنات” في القاهرة حتى اضطرت الهيئة إلى تقديم اعتذار له ورفع اللوحات المقتبسة ثم إبعاد رئيس هيئة المترو نفسه لتهدئة الرأي العام.
وأكدت نقيبة التشكيليين صفاء القباني على صفحتها على فيسبوك أن مصممة اللوحات المسروقة (غادة والي) متخصصة في الغرافيك وليست عضوة بالنقابة التي لم يتم استطلاع رأيها في التصميم، وتجاهل عمل فنانين تابعين لها في الخطوط الأولى لمترو الأنفاق، مثل سامي رافع وأحمد نبيل وزكريا الزيني وممدوح عمار، ولا تزال أعمالهم خالدة في محطات رئيسية مثل السادات الملاصقة لميدان التحرير بوسط القاهرة.
وقال محمد عبلة لـ”العرب” إن “رجال الأعمال هم الآن من أهم زبائن لوحات التشكيل في مصر، فاقتناء الفن يحتاج إلى قدرات مالية، ما يتطلب دعما من الدولة للفنانين من خلال اقتناء أعمالهم وعرضها بشكل مناسب في مشروعاتها الجديدة”.
يعتبر الفنان المخضرم أن المخاطر لا تقتصر على عدم تصريف اللوحات لكن تشمل الاحتيال والتزييف والنصب الذي يتعرض له التشكيليون عبر سرقة أعمالهم وطباعتها وتوزيعها بمبالغ زهيدة، بجانب دخلاء المهنة الذين يسيئون إلى هذا الفن العريق، وتعزيز دور نقابة التشكيليين في حماية أعضائها.
وينشب في مصر نقاش مستمر حول تماثيل الميادين التي يتم نصبها في المحافظات من قبل السلطات المحلية، والتي في الغالب تأتي مشوهة ولا تتضمن ملامح فنية أو رؤية، مع شكوى مستمرة من نقابة التشكيليين حول عدم الاستعانة بفنانيها الذين أصبحت أعمالهم مكدسة في المخازن بسبب العراقيل التي تواجههم أو تراجع الذائقة الفنية عند الجمهور، ناهيك عن تغلغل البيروقراطية التي أفضت إلى إحباط البعض وانصرافهم عن المشاركة في المعارض العامة.