حكايات من حلب
أمس الساعة ١١:١٧ ص ·
مغر الثلج في قارلق
دورية زمن الانتداب تتجه نحو قارلق نزولا من ثكنة هنانو ،وكانت تلك الدوريات روتينية لتفقد محيط الثكنة .
وتعني قارلق بالتركية مغر الثلج ،وهي جزء من سفح الجبل الاحمر .
تشكلت هذه المغر طبيعيا بفعل رشح المياه الجوفية ،حيث تقوم هذه المياه بحل الكالسيوم واخراجه مع مياه الينابيع والآبار ،ويتشكل خلال ملايين السنين ( قبل وجود الانسان )تجاويف في الصخور الطباشيرية الهشة .
وينطبق هذا على تلة الكلتيوية ،فهي الاخرى كانت تحتوي على مغر ،لكن البناء قضى على تلك المغر .
كانت بيئة حلب قبل 200 سنة مثلجة ،وتستخدم كهوف الجبل الاحمر لتخزين الثلج كما سنشرح لكم في الفيديو الذي وضعناه في التعليق .
وسبب اختيار قارلق لتخزين الثلج هو :
1- كون الثلج على الجبل الاحمر يكون نظيفا ،لانها منطقة غير مطروقة .
2 - كونها ارض مشاع وجبل يأخذ الملكية العامة ،فلا احد يطمع فيه لكي يستملكه ،لذلك عمد الفقراء الذين لايملكون مهن او تجارة الى تخزين الثلج وبيعه .
والثلج في الكهوف يصمد اكثر من سنة اذا احسن تخزينه ووضعه على شكل الواح يتم رصها وطرقها لكي يتحول الثلج الى جليد بفعل الضغط .
لم تكن قارلق مسكونة بالناس على نطاق واسع قبل القرن السابع عشر ،فهي احدث من قاضي عسكر ،لكن مهنة الثلج قديمة جدا ( بآلاف السنين ).
بدأ البناء في قارلق في القرن السابع عشر ،وكان اول من سكنها الحلليون ،وهم صناع الحلل ( جمع حله ) ،حيث ضاقت سوق النحاسين بهم فتوسعوا جهة قارلق .
وسكن صناع البرغل قريبا منهم في جبل الصفا وضهر القناية ،وذلك لحاجتهم للحلل ،فقد كانت تؤجر خلال الموسم لقاء جزء من محصول البرغل .
والقليل من صناع البرغل كان يملك حلة خاصة به .
وربما كان آل الحللي هم اول من سكن قارلق .
الفئة الثالثة التي سكنت قارلق هم القصابون وتجار الغنم ،حيث كانوا يخزنون الللحم المقدد ( الحميس او الأورمة) في مغر الثلج في قارلق ،فيصمد عدة اعوام ،ولعل مغر الثلج تفسر لنا وجود القصابين وتجار اللحوم في قارلق .
انقرض الحميس من حلب المدينة ،لكنه بقي في ولاية حلب التاريخية ،ولو ذهبت الى اورفة الآن لوجدتهم يصنعون الحميس على اصوله ،ولايحتاجون للبراد او القصاب طيلة العام .
وقد شاهدت حكايات من حلب صناعة الحميس في الرقة والحسكة واورفة .هذه الطريقة الرائعة مازالت مستمرة حتى اليوم وبخاصة في سنوات المحل ،حيث يضطر الراعي لذبح الخراف ويصنع منها الحميس .
الحميس انقرض من حلب في القرن التاسع عشر وحل مكانه القديد ( الصاصيجو والبسطرمة ) ثم ضعف الطلب على القديد مع ظهور البرادات المنزليه وارتفاع اسعار اللحوم .
واما مغر الثلج المشاع فقد ردمت تحت المقابر ،وبقي منها بعض المغر تحت المنازل ،وساهم التبدل المناخي وظهور البرادات في جعلها غير ذات فائدة .
عدنان جمعة الاحمد
*****************************
وYasar Salloum