الفنانة سلافة سعد الفريح..تكتب..«اقعد مكاني»

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفنانة سلافة سعد الفريح..تكتب..«اقعد مكاني»

    الجمعة 30 جمادى الأولى 1431هـ - 14 مايو 2010م - العدد 15299
    سوفت بوكس

    سلافة سعد الفريح
    «اقعد مكاني»

    تلوم الزوجة زوجها إذا نسي موعد ذكرى زواجهما ؛ ويغضب منها بدوره إن تمردت أنوثتها يوما ولم تطبخ ، ويغضب الآباء من أبنائهم المراهقين حين يمتنعون عن مرافقتهم في المناسبات العائلية ، ويتذمر الموظف من رئيسه لمحاسبته في تفاصيل تافهة " من وجهة نظره " ، ويتألم الصديق من خذلان صديقه له وقت حاجته إليه ( أو هكذا يظن) . وكثير من المواقف الصغيرة وردود الفعل المؤلمة تحدث في علاقاتنا مع الآخرين وتترك ندباتها على قلوب من نحب .. ومن لا نحب ! برأيي أول وأهم أسبابها سوء تقدير لظروف الطرف الآخر ووضعه النفسي والاجتماعي والمالي أحيانا .. فهل فكر هؤلاء وغيرهم أن يشعروا بشعور الآخرين فيما لو انقلب الوضع وأخذ كل منهما موقع الآخر ؟ ترى هل سيستمر لومنا وغضبنا وامتعاضنا ؟ وهل ستملأ المرارة حلق المصور إذا منعه رجل الأمن من التصوير في مكان عام ؟ وهنا بيت القصيد ..

    تعالوا لنتبادل الأماكن ، ويرتدي المصور البدلة العسكرية بما تحمل من معاني المسؤولية ورمز الوطنية ، فأنت حين ترتدي الزي العسكري وتحمل سلاحك وتتجه لمقر عملك كالصقر مستلا أجنحته ، مطلقا بصره في الأجواء ، فلا مجال لارتكاب الهفوات الصغيرة فضلا عن التجاوزات الكبيرة . أنت مسؤول عن نفسك وعن سلاحك وعن سلامة المواطن وأمن الوطن ؛ في ظل نظام عسكري صارم ومنظومة مُحْكَمة لا تتهاون بالصغائر .. ثم قف في العراء تحت أي ظرف وفي أي وضع ؛ في الشتاء القارس والرطوبة الخانقة وتحت أشعة الشمس الحارقة وذرات الغبار التي تملأ العيون وتسد شعب الهواء ، في خطوة ثابتة ونظرة ثاقبة . وكل يوم تتعامل مع المجرمين والمفسدين والحاقدين على أنفسهم وأوطانهم وفجأة ترى شخصا يحمل آلة تصوير ضخمة في مكان عليه رقابة ويوجه الشخص المجهول آلته لهدف أنت تجهله .. في وضع تجهله .. لسبب تجهله .. ماذا ستكون ردة فعلك ؟

    وأنت يا صديقي رجل الأمن ارتدِ رداء المصور الفنان الذي يرى كل شيء بعينه لوحة فنية يطمح أن يؤطرها في صورة فوتوغرافية ثم املأ نفسك بالخيال والجمال والحب والتفاؤل واخرج من بيتك في نهار جميل لترصد تفاصيل الحياة بواقعها وجمالياتها وترسمها في صورة ؛ تحكي قصص الناس وتعبر عن قضاياهم وتوثق نهضة وطنك وتراثه وثقافته ، تتنقل بين المدن والقرى والشوارع ؛ تستوقفك حركة الغيوم المنعكسة على أحد المباني الزجاجية ، وتجذبك أشعة الشمس الهاربة من بين أغصان الشجر .. أنت ترى الحياة جميلة والناس كلهم بخير لأنك لم تلتق بمجرم يوما ولم تتعامل مع مهرب أو خارج عن القانون بل تراهم في الأفلام وتقرأ عنهم في القصص ونشرات الأخبار . وكأن الشر محبوس في الجزر النائية وكل ما يشغل تفكيرك وإحساسك هو كيف تخرج بصورة مميزة ترضي بها فنك وتسعد بها الآخرين ؛ وفيما أنت كذلك يأتي إليك من يمنعك عن التصوير لهدف تجهله .. في وضع تجهله .. لسبب تجهله ؟ ماذا ستكون ردة فعلك ؟
يعمل...
X