السوري إحسان حمو وافتراضية التوكيد في الفعل المتغير
غريب ملا زلال
السبت 2022/08/0
ألوان متمردة على الماضي
يرسم الفنان السوري إحسان حمو لنفسه عالما تشكيليا خاصا به، فهو يستحضر في لوحاته وجوهاً من الذاكرة البعيدة، تلفها القسوة والوحدة، وتمتد زمانيا ومكانيا في أفق لانهائي لكنها تحافظ على انتمائها فيجعل منها الفنان أشكالا جديدة متحررة من الماضي وقيوده.
لا أعرف بالضبط ما الذي يجعلني أحس بأن الفنان إحسان حمو كان مسلوباً للحقوق فنياً، فلم يأخذ حيّزه الكافي في المشهد التشكيلي السوري، الحيّز الذي يليق به وبموهبته التشكيلية، وإن كانت له مشاركات هنا وحضور هناك، فلا الشمس كانت تركض إليه ولا هو كان قادرا على الذهاب إليها، فالأمر يحتاج إلى نوع من المهادنة وإلى خلق نوع من التوازنات العقلانية بينهما، لإعتاق الحالة بحفاوة عاشق مع بث تلك اللحظات المحتدمة بينهما.
وتتميز أعمال إحسان حمو، في تحوله الشرطي الأولي المقترن بوعي ديناميكي، بسيرورة سد فراغات كل مساحات العمل الفني على أساس من الحرص المكرس للبحث عن علاقات الجوار في مساحاته بأبعادها الجمالية.
ويدخل حمو، بسرد لوني يكاد يترافق مع كل آليات تكريس متابعاته المحكومة بغزارة معرفته، إلى مغامرة قد تقوده إلى ارتياد الأقاصي عبر المستويات الفرعية قبل الرئيسية، على نحو ما خلق من تفاصيل توصله إلى حالات من المقاربات التوافقية باستخدام الكثير من الإحالات القيمية، كتقاطع فضاءات أعماله مع رؤى وحكايا مسارات افتراضية تذهب به إلى توكيد تأثيره في الفعل المتغير، الموحي بالتداول المعتاد بين الفن كظاهرة ذوقية وبين كونه ظاهرة قيمية.
وقد تكون هذه إحدى الإشارات التي يذهب بها حمو بعيداً حتى يتقاطع بحوارية إيجابية مع الثقافة الفنية المتداولة، الأمر الذي يجعل حمو يهيمن على عمله بحضور متصاعد، وبتأثير متزايد من مناخ يلامس عمق ذاكرته، وذلك في سعيه إلى إحياء تلك التطلعات الغارقة في برموداه. وهي تطلعات نائمة كأهل الكهف في دواخله، يوقظها جميعاً وبالكثير من استعادة تلك اللحظات اللاحقة التي قد تساعده كثيراً في تحرير وعيه على سبيل تأكيد التبسيط لعناصره المتخذة دون اختزالها.
وبعيداً عن النزوع التعميمي، يؤكد الفنان إحسان حمو حركية الواقع الموصول بأصداء الأسئلة التي تلخص تطلعاته، مع إطلاق عناصر متسربة من بين أنامله كالعنصر التكويني الذي يوجه تقاليد خطواته الإبداعية، وفقاً لآليات محددة ومتزامنة مع انفتاحه على العالم الخارجي، مع الاقتران بمبادئ الاستنارة المفترض وجودها في صياغاته الجمالية، تلك الصياغات المتكئة على تقنيات نوعية بها يستطيع حمو أن ينطق المسكوت عنه، مع السعي لهيمنة صوته الخاص.
◙ وجوه تعكس دواخل الفنان ومحيطهولنتذكر أن القيمة الجمالية هي الوجه الآخر للقيمة الدلالية، والأمر الذي يؤكد عليه حمو هو أن طرفي العلاقة في مدى تطويع العمل الفني (التباين والتعدد) وفي بعد من التعارض يقترنان بلحظات من التحول دون انقطاع في فصل زمنيهما ودون التلاعب بتراتب لغته الفنية.
وأحسب أن هذا سر من أسرار عملية الخلق عند حمو مع خلق تباين إلى حد التصادم في مشاهده الوصفية التي قد تكون موازية لدلالاته في التحول، وهذا يشير إلى وفرة المعرفة المذهلة لديه والتي تمنعه من الهبوط في صياغات هامشية. كل ذلك من منظور رؤية متفتحة لإعادة النظر في محركات عملية، خاصة ما يجافي استهلال الزمن، بمرونة تميزه وذلك عند اختيار السياق من داخل الوعي بمعطيات نوعية.
على هذا الأساس يبتدع حمو أشكالا جديدة أو هي محاولات لإبداع أشكال جمالية جديدة. فعمله ليس مجرد إمكانات متحررة من القيود، بل هو تحولات فنية ومعرفية تغدو المجاورة بينهما كفضاء افتراضي جديد فيه يحدث حمو، وبانحياز، ما يسمى استعادة مناطق كانت على التماس، فيجمعها دون السعي إلى الفكاك منها. وهذا ما يترتب عليه جهد إضافي ليفضي إلى تحولات حاسمة غير قابلة للجدل، فالمعادل التعبيري عنده غير مقصور على طموح يفرض به السير في طريق الإنجاز.