رشيق - معين الهويدي
استطلاع - سلافة الفريح
الطيور المهاجرة تترك آثارها في ذاكرة المصورين الضوئية
الهويدي: الصبر ودقة الملاحظة من أهم صفات مصور الطيور
التصوير الفوتوغرافي هو مرآة الفنان التي تعكس مشاعره وتعبر عن ذوقه وتفصح عن طباعه من حيث لا يشعر، وما تعكسه عدسته هو في الحقيقة نابع من إحساسه الداخلي وليس مما تراه عيناه.. وإن كان المصورون عامة يتمتعون برهافة الحس، ودقة الملاحظة، فمصور الطيور هو أشدهم حساسية، وأدقهم ملاحظة، وأكثرهم صبرا.
انتهى موسم الطيور المهاجرة وعادت إلى أعشاشها بعد سفر طويل مخلفة ذكراها في كاميرات محبيها من مصوري الطيور الذين أدخلونا عالمهم من خلال عدساتهمِ.
تعلق روحي وتشابه
الفنان معين الهويدي يقول: منذ بدء الخليقة والإنسان ينظر إلى الطيور نظرة إعجاب، فقد استطاع السباحة كالأسماك والعدو كالغزلان ولكنه لم يستطع التحليق كالطيور، إلا أنه دفع حياته ثمنا لأمنياته بالتحليق وهذه هي علاقتي بهذا العالم الرائع.
والفنان سعيد عليان علاقته بالطيور منذ الطفولة فيقول: كنت أقتنيها في البداية في أقفاص بكل أنواعها حتى إنها كانت تتكاثر لدي فارتبطت بها لأني مسالم جدا، وأحب التغيير والسفر مثلهم
أما الفنان عزام الحميضي فيضيف: علاقتي بالطيور علاقة عشق لأنها تمثل الحرية من دون التقيد بمكان ولا نظام معين ونتشابه في حب الحرية وعدم التقيد بعالم محدد، بل كسر الروتين وقتل الملل، فكم نحتاج إلى الترويح عن النفس في حال الضيق والابتعاد عن الصخب.
بدايات
الهويدي: البداية كانت غير مقصودة على الرغم من افتتاني بعالم الطيور، وحينما اشتريت أول كاميرا رقمية احترافية كنت أصور بشكل مستمر طوال الوقت لأني دخلت عالما جديدا كان حلما بالنسبة لمصور فلمي قديم مثلي، حيث كنت التقط صوري على الوضع "أوتو" معظم الوقت فوفقت في تصوير طائر من أكثر الطيور حركة لدرجة أنه لا يهدأ لثانية واحدة وهنا كانت البداية.
عليان: أعشق رؤية الطيور عن قرب وتأملها واقتناصها في الصور أعطاني نفس الإحساس، وقد بدأت بتصويرها من خلال الطيور التي كنت أمتلكها في طفولتي.
الحميضي: بدايتي كانت مصادفة وقعت في حبها، وبدأت رغبتي بتصوير طيور غير موجودة طوال السنة، مثل طيور الوسم، وبدايتي حينما كنت أنا وصديقي الرائع ماجد المنيع نبحث عن أماكن مناسبة للتصوير وقت موسم الطيور، وبالأخص "القارور" أو آكل النحل، فصورته لألوانه الجذابة، ولكني لم أرض عن النتائج، ثم بحمد الله طورت نفسي بالعزيمة، وبشراء المعدات المساعدة ومنها عدسة الزوم
المصور والقناص.
عليان: في العادة تكون رحلتي في مكان كثير الأشجار وبه ماء، وبعد نصب خيمة التخفي (بلون الأرض) يبدأ الترقب والصبر لساعات مثل القناص، ولله الحمد دائما ما أعود بصيد وفير، وللحظ دور كبير في ذلك، وفعلا نحن نشبه الصيادين ولكن من دون فزع وسفك دماء.
الحميضي: يشترك المصور والقناص في البحث عن الطير والجهد في متابعته ومعرفة مواسمه وأماكن تواجده، مع اختلاف الهدف من الطيور، فالمصور هدفه الخروج بصورة فنية مميزة، وهذا ما يزيد عبئه لصعوبة التحكم بوضعية الطير فيحتاج المصور الاقتراب للحصول على دقة عالية.
أما القناص فيسهل الأمر عليه لأن اعتماده على البندقية التي تصيب الطير من مسافة بعيدة بأي وضعية وفي أي مكان.
الهويدي: المصور هو فعلا قناص مسالم حتى في اللغة الانجليزية اللقطة والاقتناصة كلمة واحدة "Shot".
سعيد عليان: نحن نشبه الصيادين ولكن من دون فزع وسفك دماء
صفات مصور الطيور
عليان: هناك صفة ضرورية لتصوير الطيور وهي الصبر، ثم الصبر، ودقة الملاحظة، والصفة الأهم حب هذه المخلوقات، فأنا أحبها جدا.
الهويدي: الصفتان الأكثر أهمية لمصور الطيور هي الصبر ودقة الملاحظة، وأما الرقة والإحساس فهما الجزء الثاني من المعادلة، وأعتقد ان أي مصور لابد من توافر هذه الصفات فيه.
الحميضي: أنا حساس في التقاط الصور، ومدقق لدرجة كبيرة فأحرص على أن تكون معبرة، وأيضا صبور في تصوير الطيور ولا مانع لدي أن أجلس حتى ٦ ساعات في سبيل الخروج بصوره ترضي طموحي، وأذكر صورة أخذت من وقتي ٥ ساعات وأسميتها "انتهينا وما عاد ينفعنا الحكي"، فالتميز بوضعية غريبة لابد وأن ينعكس على العمل.
تخطيط أم مصادفة
الهويدي: الاثنان معا وعلى المصور عدم الاعتماد على المصادفة، ولكنها تفرض نفسها في أوقات كثيرة ولاشك أن تصوير الطيور من أصعب مجالات التصوير؛ لأن اختيار الزاوية غالبا لا تكون متاحة بل يكون الخيار إلزاميا.
عليان: تصوير الطيور وليد اللحظة ولكن للأفكار والزوايا والخبرة دور كبير في نجاح اللقطة.
الحميضي: تجمع بين التخطيط والفرص فتجد أحيانا فرصة ووضعية يستحيل تكرارها، مثلا حينما كنت أصور طير القارور (آكل النحل) وهو يجتر الطعام، فكانت لقطة يصعب تكرارها، كما يمكنني التفكير في فكرة وتنفيذها ولكنها تحتاج لوقت طويل جدا؛ لحدوثها وقد لا تأتي كما أتمنى لأنه لا يمكن التحكم في وضعيه الطير.
احتياطات
عليان: الوقت المبكر وخيمة التخفي (بلون البيئة المحيطة)، وكذلك الملابس المناسبة، وتوفر الماء للشرب والطعام للمصور، وكذلك الحبوب للطيور، وبالتأكيد عدسات الزوم والبعد البؤري الطويل، وأيضا وجود مقرب لمراقبة الطيور.
الحميضي: لابد للمصور أخذ الحيطة والحذر مثلا التأكد من شحن البطارية الأصلية والاحتياطية، فمن المحبط أن تكون في قمة الاستمتاع بالتصوير وفجأة تنتهي البطارية كذلك لابد من تجهيز ملابس غير ملفته للنظر، والطعام ضروري لجذب الطيور وللمصور أيضا فالجوع ربما يكدر صفوه بخاصة في الرحلات الطويلة.
شروق وغروب
الهويدي: تصوير الطيور محدود الأوقات وليس كمجالات التصوير الأخرى فأفضل الأوقات، هي ساعتين ذهبيتين فقط تقريبا وهي بعد الشروق مباشرة وقبل الغروب حيث تكون الطيور فيها مشغولة بممارسة حركات وأفعال لا تحدث إلا في هذه الأوقات.
عزام الحميضي: الأوضاع الغريبة واللحظات النادرة هي ما يميز تصوير الطيور
ويضيف عليان: أفضّل وقت الشروق لأن الإضاءة تكون مناسبة وكذلك الطيور تكون في حالة من النشوة والتغريد والبحث عن الطعام وإطعام صغارها.
ويعلل الحميضي اختيار الشروق والغروب: الطيور في وقت الحر مثل الظهر أو الضحى ومع زيادة حرارة الجو تحجم عن الطيران، وتختبئ في الظل.. أما عند الشروق فتكون جميعها في قمة نشاطها إضافة إلى برودة الجو، ودرجة حرارة الألوان.
طرق جذب الطيور
الهويدي: الماء والحبوب أكبر الجاذبين للطيور خصوصا عند الرغبة في الاقتراب كثيرا فيمكن وضعها بالقرب من باب الخيمة أو المخبأ والاستمتاع بلقطات رائعة حتى بعدسة عادية.
الحميضي: نعم هناك طرائق لجذب الطيور، ومنها وضع أكل خاص في مكان معين، والابتعاد لفترة حتى تأمن الطيور المكان وبالتالي تأتي لتأكل، ويتهيأ الجو للتصوير ويضيف: رأيت أحد المصورين العالميين يضع أكل الطيور في مكان ما ويشغل مسجل لأصوات الطيور بجودة عالية، ثم يختبئ في خيمة بألوان الشجر لكي لا تشتت الطيور ويخرج العدسة من نافذة صغيرة؛ وقد طبقت هذه الطريقة ونجحت.
أجمل أوضاع الطيور
ويتفق الهويدي وعليان في حب تصوير الطيور بالأوضاع غير المعتادة كمحاولة الطيران، أو الهبوط، أو عند الأكل والشرب وتنظيف الريش واللعب، وإطعام الصغار، والصراعات فيما بينها، وعلاقاتها العاطفية.
أما الحميضي فيقول: هي اللقطات غير المعتاد عليها كالتقاط الطير لحشرة، أو تواجد مجموعة كبيرة من الطيور في وضعية مميزة، ولا يفوتني أن أشكر صديقي المصور ياسر الجماز، حينما أطلعني على مفتاح التميز بقوله: (الجميع يملك كاميرا والطيور في كل مكان ولكن كيف تجعل صورك تلفت الانتباه؟ ميّزها بأوضاع غريبة ونادرة يصعب تكرارها) مثل صورة صورتها لعصفور واقف على غصن وملتقطا من عسيب النخل ومنزلا رأسه بميلان للأسفل فالتقطته بسرعة قبل أن تفوتني اللقطه واسميتها، (حينما تقف الحياه في وجه مناظلا يسعى لتأمين مستقبله).
أساسيات فنية
يتفق الجميع على أهمية توفر كاميرا ذات سرعة عالية، وعدد لقطات كثيرة في الثانية، وكذلك عدسات مقربة (زوم) وبالتأكيد بطاريات إضافية، لأن رحلات تصوير الطيور تستغرق وقتا طويلا، وفي أماكن نائية غالبا وعدسات زوم إضافة إلى الترايبود، وخصوصا في ساعات الفجر الاولى.
ويضيف الحميضي: برأيي أن العدسة أهم من الكاميرا فما فائدة كاميرا ذات جودة خرافية مع عدسة ليست زوم؟ وأيضا الأمر يعود للمصور وخبرته في التعامل مع الكاميرا والعدسات بخاصة فئة البرايم حيث تكون فتحة العدسة 2.8 لتحقق أمر مهم جدا وهو العزل.
مواسم وأماكن
الهويدي: كل موقع له تأثيره فمثلا نجد بأن الجزر يكون التواجد فيها في أثناء موسم الهجرة من نصف الأرض الشمالي، إلى النصف الجنوبي، قبل بداية الشتاء، والعكس قبل الصيف، أو ما نسميه برحلة العودة، وهناك مواسم خاصة ببعض الطيور نستطيع تصويرها بسهولة لكثافة وجودها في هذا الوقت من العام، وفي المنطقة الجنوبية، من بلادنا لتنوع التضاريس وكثافة الغطاء النباتي، وتوجد كذلك في مسارات الهجرة، التي غالبا تكون الجزر، أو أطراف الصحاري والواحات، ويضيف: لم أسافر خارج منطقة جازان لتصوير الطيور إلى الآن، واكتفي بالتنقل بين الجزر والمناطق الجبلية، مرورا بالسهول التي يعدها كثيرون من محبي تصوير الطيور كنزا يندر وجوده في الجزيرة العربية.
عليان: أحب تصوير الطيور في منطقتي عسير، حيث نراها في المناطق الجبلية والغابات المحيطة بنا، وبخاصة في الربيع والصيف، وهي مواسم التكاثر، أما في سواحل عسير تكثر في موسم الشتاء وهو موسم هجرة الطيور وأحمد الله اني أعيش في هذه المنطقة.
التصوير المتتابع
الهويدي: أجمل اللحظات حين يقوم الطير بحركات مميزة والتصوير، المتتابع مهم جدا في بعض اللقطات، وبالنسبة لي أستخدمه ولا أرى عيبا في ذلك، فهو مما أتاحته لنا التقنية الحديثة، وقد كان عندي محرك تتابع منذ أن كنت أصور بكاميرا الفيلم.
الحميضي: برأيي تصوير الطيور لا يمكن التحكم فيه ١٠٠٪ مهما كان مستوى المصور وأدواته وخبرته في اقتناص اللحظات، والحمد لله وفقني الله في كثير من اللقطات، ثم بدعاء والدتي حفظها الله. ويضيف: أنا لا أعتمد على التصوير المتتابع إلا قليلا لسببين الأول استهلاك للكاميرا وقد لا تخرج بنتيجه والثاني اعتمادي على الشتر العالي لتجميد اللقطة.
موقف طريف
ويتابع الحميضي: من المواقف الطريفة حين كنت أصور أحد الطيور واضعا سماعات الجوال بأذني وفجأة رن الجوال فتكلمت لأمر ضروري بهمس شديد جدا فوجدت طير البلبل الذي كنت أبحث عنه وأنا أتكلم فسكت فجأة وصرت أقول بهمس كلمات أخاطب فيها البلبل (اصبر اصبر لا تروح شوي بس ما هوب ضارك) وحينها انفجر صديقي على الخط الآخر ضاحكا وبتعليقات ساخرة، وأنا ثابت في مكاني لا أستطيع إزاحة السماعة حتى لا يطير البلبل ولكن مع ضحكاته وتعليقاته لم أتمالك نفسي فضحكت بصوت عال وطار البلبل،
ثقافة فنية وفطرية
أجمع مصورو الطيور على حبهم القراءة الفنية للفنانين العالميين، أمثال آرثر موريس وديفد هيمنج ومشاهدة الصور والتقارير بالفيديو عن الحياة الفطرية للطيور بأنواعها وأشكالها وطبيعتها وسلوكياتها وكيفيه تصويرها.
ويقول سعيد عليان: لدي مكتبة ضخمة جدا في هذا المجال وانا بصدد طباعة كتاب لكل الطيور التي صورتها مع تصنيفها بالتعاون مع أحد الدكاترة المتخصصين في علم الطيور في جامعة الملك خالد.
نجاح تصوير الطيور
ونختم لقاءنا معهم بأهم عوامل نجاح تصوير الطيور، فاتفقوا على أهمها وهي: حب الطيور، الصبر التخفي، اختيارالتوقيت المبكر، الموقع المناسب، الهدوء، استعداد المصور وجاهزيته بالمعدات وعدسات الزوم، وجود بيئة خصبة وغابات كثيفة، العلاقة النفسية بينك وبين الطائر، ثم الحظ، وبالتأكيد قبلها عامل التوفيق من الله سبحانه وتعالى.
مع بعض - الحميضي
حياتنا - سعيد عليان