الجمعة 14 جمادى الاخرة 1431هـ - 28 مايو 2010م - العدد 15313
سوفت بوكس
سلافة سعد الفريح
حديقة الطيور
علم اللغات والتواصل الروحي لا زال يكتنفه الكثير من الغموض والأسرار التي لم يتمكن العقل من سبر أغوارها حتى الآن، فهناك أشكال من التواصل الحسي والروحي، وألوان متعدة من اللغات التي يتواصل بها البشر كلغة العيون ولغة القلوب ولغة الجسد (الابتسامة والإشارات واللمسات) ولغة ما بين السطور ولغة الضوء.. إلخ وتتخاطب الأرواح بهذه اللغات مع نظيرتها التي تشاركها الصفات والإحساس وتربطها بقنوات اتصال روحية مبهمة حتى لو لم يتبادلوا لغة الكلام.
ومما يزيد الحياة متعة وإثارة أن تنتقل تلك اللغات إلى الحيوانات والطيور والنباتات وسائر الطبيعة، ويحضرني شاعرنا المجنون حينما كان يخاطب الغزلان والطيور في البرية وينشدها الشعر ويشكو إليها صبابة الوجد ولوعة الفراق؛ فاتهموه بالجنون لأنهم لم يفهموا تلك اللغة. والمثير جدا أن قنوات الاتصال تربط الإنسان المرهف بالحيوان فيفهمه ويشعر به في حين انها تكون معطلة مع بعض البشر ! فهل هذا يعني أن الحيوان أفهم من بعض البشر ؟
يشدني كثيرا الربط بين طبيعة الطير وطبيعة الإنسان. فكم نظم الشعراء من قصائد الغزل والوصف والفخر بالطيور وكم ألف الكتّاب القصص التي تحكي عن أحوالها وسلوكياتها التي تشبه إلى حد كبير سلوكيات بني آدم، فالمتأمل للطيور يجد أن العصافير رمز للرقة والعذوبة، والحمام رمز للسلام، والببغاء للثرثرة، والغراب للشؤم، والبوم للتشاؤم، والخفاش للرعب، والصقر للقوة، والنسر للوحشية، والفلامنقو للرقص، والطاووس للكبرياء، والحبارى للغباء.. تماما كطبائع البشر حتى في أعمالهم؛ مثلا طائر القرقف ماهر في بناء الأعشاش ويعتمد على خيوط العنكبوت في الربط (مهندس) وفي المقابل طائر الوقواق ماهر في سرقة أعشاش الطيور ليضع بيضه ويبني سعادته على تعاسة الآخرين (مستعمر).. والأمثلة كثيرة فسبحان الله العظيم الذي يقول في سورة الأنعام "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة البصر، والحمد لله الذي وهبنا ملكة التصوير الذي ما كنا لنستمتع به لولا أن كنا مبصرين. المصور الفوتوغرافي بحسه وذائقته ودقة ملاحظته يخوض في أعماق الحياة بكل جوانبها ومصور الطيور الصبور أكثر رقة، وأحدّ دقة، وأرهف حسا، فهو يقتنص لحظات فريدة لا يراها الناس المشغولون بماديات الحياة فيرسم لحظات الحب وإغراء الرفيقة ، ولحظات الفرح والرقصات الرشيقة، ويتخاطب مع طيوره بلغة خاصة لا يفهمها غيرهم فيستمتع هو ويمتع كل من يستمع إلى زقزقة العصافير وتغريد البلابل في صوره الفنية.
الواقع الفوتوغرافي الذي يعيشه المصورون يشبه تماما حديقة الطيور تلك؛ فمنهم المصور الرقيق الحنون الذي يطرب الأذواق ويسمو بالأخلاق، ومنهم الطيب المحب الكريم الذي يتدفق عطاؤه بلا حدود، ومنهم المختال غرورا وزهوا بفنه فلا يأبه لمن هم دونه ، ومنهم المحتال الذي يسرق الأعشاش، ومنهم اللئيم الذي ينعق فوق الخرائب، ومنهم الذي لا يستمتع إلا حين يصفق بأجنحته فوق أشلاء الآخرين.
سوفت بوكس
سلافة سعد الفريح
حديقة الطيور
علم اللغات والتواصل الروحي لا زال يكتنفه الكثير من الغموض والأسرار التي لم يتمكن العقل من سبر أغوارها حتى الآن، فهناك أشكال من التواصل الحسي والروحي، وألوان متعدة من اللغات التي يتواصل بها البشر كلغة العيون ولغة القلوب ولغة الجسد (الابتسامة والإشارات واللمسات) ولغة ما بين السطور ولغة الضوء.. إلخ وتتخاطب الأرواح بهذه اللغات مع نظيرتها التي تشاركها الصفات والإحساس وتربطها بقنوات اتصال روحية مبهمة حتى لو لم يتبادلوا لغة الكلام.
ومما يزيد الحياة متعة وإثارة أن تنتقل تلك اللغات إلى الحيوانات والطيور والنباتات وسائر الطبيعة، ويحضرني شاعرنا المجنون حينما كان يخاطب الغزلان والطيور في البرية وينشدها الشعر ويشكو إليها صبابة الوجد ولوعة الفراق؛ فاتهموه بالجنون لأنهم لم يفهموا تلك اللغة. والمثير جدا أن قنوات الاتصال تربط الإنسان المرهف بالحيوان فيفهمه ويشعر به في حين انها تكون معطلة مع بعض البشر ! فهل هذا يعني أن الحيوان أفهم من بعض البشر ؟
يشدني كثيرا الربط بين طبيعة الطير وطبيعة الإنسان. فكم نظم الشعراء من قصائد الغزل والوصف والفخر بالطيور وكم ألف الكتّاب القصص التي تحكي عن أحوالها وسلوكياتها التي تشبه إلى حد كبير سلوكيات بني آدم، فالمتأمل للطيور يجد أن العصافير رمز للرقة والعذوبة، والحمام رمز للسلام، والببغاء للثرثرة، والغراب للشؤم، والبوم للتشاؤم، والخفاش للرعب، والصقر للقوة، والنسر للوحشية، والفلامنقو للرقص، والطاووس للكبرياء، والحبارى للغباء.. تماما كطبائع البشر حتى في أعمالهم؛ مثلا طائر القرقف ماهر في بناء الأعشاش ويعتمد على خيوط العنكبوت في الربط (مهندس) وفي المقابل طائر الوقواق ماهر في سرقة أعشاش الطيور ليضع بيضه ويبني سعادته على تعاسة الآخرين (مستعمر).. والأمثلة كثيرة فسبحان الله العظيم الذي يقول في سورة الأنعام "وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة البصر، والحمد لله الذي وهبنا ملكة التصوير الذي ما كنا لنستمتع به لولا أن كنا مبصرين. المصور الفوتوغرافي بحسه وذائقته ودقة ملاحظته يخوض في أعماق الحياة بكل جوانبها ومصور الطيور الصبور أكثر رقة، وأحدّ دقة، وأرهف حسا، فهو يقتنص لحظات فريدة لا يراها الناس المشغولون بماديات الحياة فيرسم لحظات الحب وإغراء الرفيقة ، ولحظات الفرح والرقصات الرشيقة، ويتخاطب مع طيوره بلغة خاصة لا يفهمها غيرهم فيستمتع هو ويمتع كل من يستمع إلى زقزقة العصافير وتغريد البلابل في صوره الفنية.
الواقع الفوتوغرافي الذي يعيشه المصورون يشبه تماما حديقة الطيور تلك؛ فمنهم المصور الرقيق الحنون الذي يطرب الأذواق ويسمو بالأخلاق، ومنهم الطيب المحب الكريم الذي يتدفق عطاؤه بلا حدود، ومنهم المختال غرورا وزهوا بفنه فلا يأبه لمن هم دونه ، ومنهم المحتال الذي يسرق الأعشاش، ومنهم اللئيم الذي ينعق فوق الخرائب، ومنهم الذي لا يستمتع إلا حين يصفق بأجنحته فوق أشلاء الآخرين.