مواجهة الهيمنة الأجنبية في ندوة «قضايا تمويل الإنتاج السينمائي الإفريقي» بخريبكة
المغرب ـ «سينماتوغراف»
“إذا لم تقم بإنتاج صور عن ذاتك وبنظرتك، فإن الآخرين سيتكفلون بذلك، ولكن تبعا لنظرتهم، ووفقا لمصالحهم”، بهذه العبارة المنسوبة إلى الفاعل السينمائي المغربي الراحل نورالدين الصايل، أطل المهرجان الدولي للسينما الأفريقية بخريبكة في الشاشة الكبيرة للمركب الثقافي للمدينة على زواره في حفل افتتاح دورته الـ22، في ما يبدو أنه تلخيص للرسالة التي يراهن عليها الحدث السينمائي، والمتمثلة أساسا في خدمة أفريقيا وقضاياها من بوابة الفن السابع.
ولعل من أبرز المعيقات التي تعترض الإنتاج السينمائي الأفريقي، مشكلة التمويل التي تحول دون تقديم أفريقيا إلى العالم بعيون مبدعيها دون الاضطرار إلى الاستفادة من تمويلات من خارج القارة، بما يجعلها تابعة للجهات القائمة عليها ومتأثرة بخلفياتها الأيديولوجية والسياسية أيضا. وهو ما يناقشه المهرجان في ندوته الرئيسية حول “قضايا تمويل الإنتاج السينمائي بأفريقيا”.
سؤال تمويل الإنتاج السينمائي الأفريقي وعلاقته بالاستقلالية عن صناديق الدعم الأجنبية من خارج القارة حضر بقوة في فعاليات هذه الدورة من المهرجان والتي تتواصل إلى غاية الرابع من يونيو، إذ تعددت الأصوات الداعية إلى ألا يرتهن السينمائيون الأفارقة لتوجهات الجهات المانحة، فيكيفوا سيناريوهات أفلامهم بالشكل الذي يراعي توجهاتها ويضمن استفادتهم من دعمها.
ولفت رئيس مؤسسة مهرجان خريبكة السينمائي الحبيب المالكي، بشكل صريح، إلى هذه القضية في كلمته خلال افتتاح هذه الدورة، وهو يتحدث عن قدرة السينما على إثراء الثقافة الأفريقية وتقديمها إلى العالم من خلال، وبواسطة، المبدعين الأفارقة من حيث السيناريو والإخراج والإنتاج، لتساهم بالتالي في التطوير السياسي وتعزيز المشاركة في الشأن العام.
واعتبر المالكي في هذا الصدد أن سؤال التمويل والإمكانيات والاحتضان للأعمال السينمائية سيكون مطروحا “خاصة إذا نحن توخينا إنتاجا سينمائيا حرا ومستقلا، برسائل متوجهة إلى المستقبل، وقادرة على مواجهة الهيمنة الثقافية الأجنبية”.
وفي ما يبدو أنها فكرة يتفق معها العديد من الفاعلين السينمائيين بالقارة، قال المخرج والناقد السينمائي عبدالإله الجوهري إن المبدعين الأفارقة يجدون فعلا الكثير من العنت لتمويل إنتاج أفلامهم على مستوى دولهم، ولذلك يلجأون إلى الصناديق الغربية التي، وبحسب قوله “لا يمكن أن تمول فيلما أفريقيا دون إملاء شروط”.
واعتبر الجوهري في تصريح له أن المطلوب اليوم هو “دعم إنتاج أفلام محلية أصيلة تمكن السينمائيين الأفارقة من إعطاء الصورة الحقيقية للقارة في أعمالهم، عوض تقديم أفلام مصنوعة برؤية غربية”، معتبرا أن الأفلام الأصيلة هي التي يمكن أن تقود إلى العالمية.
الفكرة التي يتبناها الجوهري، طرحتها أيضا المخرجة المغربية مريم أيت بلحوسين، التي اعتبرت في مداخلة في إطار الندوة الرئيسية للمهرجان حول “تمويل الإنتاج السينمائي في أفريقيا” أن الاعتماد على دعم الصناديق الدولية لإنتاج أعمال سينمائية تعترضه إشكالية رئيسية تتمثل في ارتباط أغلب عمليات الدعم بالخلفيات الأيديولوجية للجهة الداعمة، وهو ما يطرح سؤال استقلالية صاحب العمل السينمائي عن توجهات الجهة الداعمة.
ويتشاطر الناقد السينمائي ورئيس الملتقيات السينمائية الدولية لدكار بالسنغال كاسي ماغيي هذه الفكرة إذ يرى أنه إذا كان أصحاب مشاريع الأفلام الوثائقية يتمتعون بحرية أكبر في علاقتهم بصناديق تمويل الإنتاجات السينمائية الأجنبية، فإن مشاريع الأفلام الطويلة، على العكس من ذلك، يعترضها إشكال حقيقي باعتبار “الحمولة الأيديولوجية والتأثير السياسي” اللذين يميزانها.
وأضاف ماغيي بالمناسبة ذاتها أن مخرجي الأفلام الأفارقة يجدون أنفسهم في هذه الحال أمام سؤال جوهري مفاده “أي فيلم سننجز ولمن سننجزه؟” و”كيف سأجعل سينماي تعرض لواقع القارة والإشكاليات التي تطورها؟”.
على أن كسب رهان التمويل لا يعد كافيا في نظر ماغيي الذي يرى أن مشكلة أخرى تعترض الأفلام الأفريقية تتمثل في التوزيع والتسويق والوصول إلى الجمهور، على اعتبار أن أغلب شركات التوزيع في القارة هي من خارجها.
وعن مشكلة التوزيع هذا، قال المخرج السينمائي إدريس اشويكة، في تصريح له إن الموزعين باتوا الطرف الأقوى في سلسلة إنتاج وتسويق الأعمال السينمائية، ولذلك فالأفلام الأجنبية لها الحظوظ الأوفر للقاء الجمهور.
واستحضر اشويكة أيضا التحديات التي تطرحها منصات البث التدفقي من قبيل نتفليكس، التي تسعى للهيمنة على الإنتاج وتتوفر على إمكانيات هائلة تفوق بكثير مجموع ما توفره صناديق الدعم التقليدية بالقارة.
وأمام مختلف التحديات التي تواجهها السينما الأفريقية على مستوى التمويل والتوزيع، يبدو واضحا أن الحل لا يمكن أن يأتي سوى من أفريقيا ذاتها، وذلك من خلال ما طالب به المالكي في افتتاح المهرجان، إذ دعا المؤسسات الإنتاجية الكبرى والمؤسسات المالية الأفريقية إلى الانخراط في تمويل المشاريع السينمائية الجادة والكبرى، وإلى أن تعتبر الاستثمار في الثقافة استثمارا استراتيجيا بمردوديته المجتمعية والحضارية.
وبخصوص مواجهة اجتياح منصات البث التدفقي، يرى المالكي أن بإمكان القارة كسب الرهان من خلال التركيز على الجودة، وعلى محتويات هي من صميم تطلعات الشعوب الأفريقية، وخاصة فئات الشباب، وبالتكتل في إطار اتحادات إنتاج.
يتعلق الأمر إذن برهان كبير يستوجب على الفاعلين بالقارة من مختلف المسؤوليات النهوض لرفعه بلوغ سينما أفريقية تقدم للعالم صورة أفريقيا بعيون أفريقية، وتواجه الصور النمطية السلبية التي ظلت لصيقة بها.
ولعل المهرجان الدولي للسينما الأفريقية بخريبكة يشكل خير منصة لبلورة وإبلاغ هذا المطلب، وخير ناطق بمشاكل الفن السابع بالقارة، مكرسا بذلك الخدمات التي يقدمها له ومتناغما مع هدف هذه الدورة التي رفعت شعار “السينما الأفريقية.. حلم قارة بأكملها