أحلام يقظة
سعاد سليمان
عند الغروب يشعر العجوز بالضيق ... هكذا بلا سبب يذكر ... يحمل قبعته القماشية التي ذهب لونها ولم تذهب .. يحملها تارة فوق رأسه الاشيب او بين أصابعه يلفها كدخان تبغه الصديق الوحيد المستمر دون كل الاصدقاء.
يمضي بسرعته البطيئة ... يجهد في عد الخطوات والسيارات الصفراء التي له معها كل الذكريات ... والنساء الجميلات اللواتي تمر به ولا تراه ... كأنه يرتدي قبعة الإخفاء... يغير هندامه بسرعة ... يرفع القبعة عن رأسه الاشيب ويعيد لف لفافة تبغه القماشية بحزم ... ويردد في سره بحزن ... سوف اصبغ هذه الشعرات المقرفة غدا ... وكما في كل مرة ... وحين يضع رأسه على الوسادة ينسى ...
يسرع الخطى ويعد الغيمات بعد أن يئس من الذين يمضون حوله ولا يعرف منهم أحدا او يعرفوه ...
يتذكر كيف كان يجلس وسط أصدقائه في الحي هناك في مدينته الأولى وكيف كانت الضحكات تملأ الحي وهو يردد النكات ويضحك مع الضاحكين ولا يمل التكرار والضحك ...
غيمة بيضاء ناصعة وأخرى قاتمة سوداء ...
الريح تعصف والصيف حار ما هذا الجو الغريب ...
حتى الطقس تغير ... ولم يعد مهذبا...
الأطفال أشقياء ... والشباب يتجمعون حول كأس متة وابريق متسخ .او هذا المشروب الجديد لا أعرف اسمه ولا أريد أن أعرف ... يقول في سره .. وهم يشتمون بعضهم وأمهات بعضهم ويضحكون ....
لا بد انه الحشيش حتى ينتج كل هذا الصراخ والضحك .... يضيف .
سيارة التاكسي الكيا الصفراء التي سرقها المسلحون بداية الحرب كانت تحمل كل الذكريات ... واليوم راحت ...
تغيرت المدينة لضرورات الحياة ...
شاب الشعر وضاق الصدر حين غاب الأحباب .. واحد إثر واحد ... وحيد في مدينة جوفاء لا تملك ذكريات ولا أصحاب....
كل غروب ... حين تغطس الشمس في مياه البحر المتشح بأجساد مالحة وسمك كريه الرائحة... يهرب من بيته العفن من رطوبة وقدم وخراب وعند قدميه الواقفين بقوة الشمس البرتقالية وموج يصارع الأبدية يتمتم كلمات يرددها كببغاء... لم يفكر يوما بالمعنى بدقة ... كلمات حفظها بالمسطرة وهو جالس في مقعد خشبي مهترئ...
صلاة او ...
حين تغيب الشمس وراء مياه البحر ... تغطس او تنام كطفلة مدللة في حضن البحر ... تفتح نافذة مطلة على سهل اخضر في صدر امتلأ بالعشب الأبيض...
هل يحلقه كما يفعل الشباب اليوم ... لا
او ربما ... في يوم ما يصبغ شعر رأسه بالأسود الغامق كجاره زوج النساء الأربع ويحلق شعر صدره ...ويرتدي طقم عرسه الذي ما يزال يحتفظ به منذ خمسين سنة ...ويبخ من عطره الذي اشتراه من عطار عربي جمع فيه ما تعجز عنه شركات العطور اليوم إذ ما يزال ينتشر في الفضاء حوله كمصفاة حمص لو قام ببخ بخة واحدة منه .
أين النساء حينها ... يتساءل..ويقول بصوت مسموع غاضب ... سيروني حتما فلا أمر كخيال او كظل...
سعاد سليمان
عند الغروب يشعر العجوز بالضيق ... هكذا بلا سبب يذكر ... يحمل قبعته القماشية التي ذهب لونها ولم تذهب .. يحملها تارة فوق رأسه الاشيب او بين أصابعه يلفها كدخان تبغه الصديق الوحيد المستمر دون كل الاصدقاء.
يمضي بسرعته البطيئة ... يجهد في عد الخطوات والسيارات الصفراء التي له معها كل الذكريات ... والنساء الجميلات اللواتي تمر به ولا تراه ... كأنه يرتدي قبعة الإخفاء... يغير هندامه بسرعة ... يرفع القبعة عن رأسه الاشيب ويعيد لف لفافة تبغه القماشية بحزم ... ويردد في سره بحزن ... سوف اصبغ هذه الشعرات المقرفة غدا ... وكما في كل مرة ... وحين يضع رأسه على الوسادة ينسى ...
يسرع الخطى ويعد الغيمات بعد أن يئس من الذين يمضون حوله ولا يعرف منهم أحدا او يعرفوه ...
يتذكر كيف كان يجلس وسط أصدقائه في الحي هناك في مدينته الأولى وكيف كانت الضحكات تملأ الحي وهو يردد النكات ويضحك مع الضاحكين ولا يمل التكرار والضحك ...
غيمة بيضاء ناصعة وأخرى قاتمة سوداء ...
الريح تعصف والصيف حار ما هذا الجو الغريب ...
حتى الطقس تغير ... ولم يعد مهذبا...
الأطفال أشقياء ... والشباب يتجمعون حول كأس متة وابريق متسخ .او هذا المشروب الجديد لا أعرف اسمه ولا أريد أن أعرف ... يقول في سره .. وهم يشتمون بعضهم وأمهات بعضهم ويضحكون ....
لا بد انه الحشيش حتى ينتج كل هذا الصراخ والضحك .... يضيف .
سيارة التاكسي الكيا الصفراء التي سرقها المسلحون بداية الحرب كانت تحمل كل الذكريات ... واليوم راحت ...
تغيرت المدينة لضرورات الحياة ...
شاب الشعر وضاق الصدر حين غاب الأحباب .. واحد إثر واحد ... وحيد في مدينة جوفاء لا تملك ذكريات ولا أصحاب....
كل غروب ... حين تغطس الشمس في مياه البحر المتشح بأجساد مالحة وسمك كريه الرائحة... يهرب من بيته العفن من رطوبة وقدم وخراب وعند قدميه الواقفين بقوة الشمس البرتقالية وموج يصارع الأبدية يتمتم كلمات يرددها كببغاء... لم يفكر يوما بالمعنى بدقة ... كلمات حفظها بالمسطرة وهو جالس في مقعد خشبي مهترئ...
صلاة او ...
حين تغيب الشمس وراء مياه البحر ... تغطس او تنام كطفلة مدللة في حضن البحر ... تفتح نافذة مطلة على سهل اخضر في صدر امتلأ بالعشب الأبيض...
هل يحلقه كما يفعل الشباب اليوم ... لا
او ربما ... في يوم ما يصبغ شعر رأسه بالأسود الغامق كجاره زوج النساء الأربع ويحلق شعر صدره ...ويرتدي طقم عرسه الذي ما يزال يحتفظ به منذ خمسين سنة ...ويبخ من عطره الذي اشتراه من عطار عربي جمع فيه ما تعجز عنه شركات العطور اليوم إذ ما يزال ينتشر في الفضاء حوله كمصفاة حمص لو قام ببخ بخة واحدة منه .
أين النساء حينها ... يتساءل..ويقول بصوت مسموع غاضب ... سيروني حتما فلا أمر كخيال او كظل...