هل يمكن اعتمادا على الحدس معرفة ما كان موجودا قبل الإنفجار العظيم ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل يمكن اعتمادا على الحدس معرفة ما كان موجودا قبل الإنفجار العظيم ؟

    هل يمكن اعتمادا على الحدس معرفة ما كان موجودا قبل الإنفجار العظيم ؟

    قد ينفع الحدس في توجيهنا في حياتنا اليومية لما هو أكثر صلاحا أو على الأقل لما هو أقل ضررا لنا بطريقة قد تكون أنجع مما قد تفعله عقولنا . لكن لسوء الحظ لا يمكن للحدس أن يوجهنا توجيها صحيحا في ميدان العلم بل قد يعمل على تضليلنا تضليلا ذريعا . و ذلك لأن الحدس غالبا ما يوجهنا لما تشتهي أنفسنا و ليس الكون بالضرورة مبنيا حسب ما يتخلل أعماقنا من الرغبات و الشهوات التي تعتبر أدوات لحفظ البقاء لدى نوعنا . لذلك يجب علينا عند البحث حول هذه الأسئلة أخذ مسافة معتبرة من الحدس و من كل العواطف التي تنتابنا و من التجارب اليومية و من المعتقدات و من كل ما قد يعتبر أفكارا مسبقة يمكن أن تؤثر على نتائج البحث سلبا . و على العقل في هذا المجال أن بستعد لقبول أغرب النتائج التي قد تصدم حسنا و تتعارض مع المنطق كما نعرفه في حياتنا .
    و السؤال حول الإنفجار العظيم من الأسئلة التي تتطلب أكبر مسافة من الحدس و أقصى تجريد من الأفكار المسبقة . ذلك لأن وضع الكون في تلك اللحظات يختلف عن الوضع الحالي و الذي لا نلمس منه إلا ما يحيط بنا و نتعامل معه في حياتنا .
    بادئ ذي بدء فإن مصطلح الإنفجار العظيم ليس دقيقا من الناحية العلمية . فما حدث لم يكن انفجارا كما نعرف الإنفجار الذي يعرف على أنه تمدد للمادة و الطاقة في حيز مكاني موجود خارج بؤرة الإنفجار. و عادة ما يصدر عند حدوثه صوتا كبيرا و ضوءا ساطعا . و هذا كله لم يحدث بالنسبة لما يسمى بهذا الإسم إذ لم يكن هناك مكان خارج الكون ليتمدد فيه و إنما حدث التمدد داخل الكون نفسه و زاد حجما دون وجود حيز يحتويه من الخارج. و لم يحدث صوتا لانعدام المادة في تلك اللحظات و لم يصدر ضوءا لأن الكون كان داكنا في البداية لا تخترقه الأشعة. و لست أدري إن كان عظيما غير أني أعتقد أن لا معنى لهذه الصفة إذ لم يكن هناك شيء آخر غيره لمقارنة عظمته به . و سبب هذه التسمية الغريبة لهذا الحدث يعود لعالم بريطاني ( فريد هويل) مناهض لهذه النظرية أطلقها عليه من باب التهكم و السخرية خلال حصة إذاعية في ( bbc ) يوم 28 مارس 1949 .
    و قد اختلف العلماء عن جدوى الكلام عما قبل الإنفجار العظيم الذي يطرح بالنسبة للأغلبية منهم مشكلا منطقيا حيث أن الزمن ( و كذلك المكان) نشأ مع بداية الكون . فلم يكن عند بداية نشأة الكون زمن يمكن التمييز خلاله بين القبل و البعد . و بالتالي فهم يرون أن لا معنى لعبارة " قبل الإنفجار العظيم " لانعدام الزمن نفسه . و يعطي العلماء مثالا توضيحيا يتمثل في عدم وجود أي نقطة أبعد على خط الإستواء شمالا من القطب الشمالي للارض . فبالنسبة لشخص واقف على خط الإستواء يتوجه شمالا بحثا عن أبعد نقطة عن هذا الخط سينتهي مساره حتما في القطب الشمالي و إن تجاوزه سيقترب مرة أخرى من خط الإستواء . و كذلك بالنسبة لملاحظ للكون ( تليسكوب جيمس ويب على سبيل المثال) فإنه لا يمكن أن يرى أبعد من نقطة الإنفجار العظيم .
    غير أن ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن العلماء يؤكدون أن نشأة الكون لم تنطلق من نقطة الصفر زمنيا بل بعد لحظة ضئيلة جدا تساوي جزءا مقداره 10 أس ناقص 43 من الثانية (ثانية واحدة مقسومة على عدد قيمته 1 على يمينه 43 صفرا) . و يطلق على هذه اللحظة اسم "حقبة بلانك" . و هي لحظة مجهولة المعالم لا تسري خلالها قوانين الفيزياء المعروفة . و من ناحية أخرى فإن تليسكوب جيمس أو غيره ويب لا يمكن أن يرصد الكون حتى بعد هذه الحقبة . و ذلك لأن الكون في بدايته كما ذكرت آنفا لم يكن شفافا بالنسبة للأشعة الكهرومناطيسية التي تشمل أشعة الضوء المرئية حيث لم تتمكن هذه الأخيرة من اختراق الكون الناشئ إلا بعد حوالي 400 ألف سنة مما نعد من سنوات الأرض . و لذلك فإن أقدم صورة في تاريخ الكون التي يمكن لأي تليسكوب مهما كانت جودة تقنياته لن تكون أقل عمرا من هذا العمر الذي يمثل جدارا داكنا يستحيل اختراقه موضوعيا .
    و يرى بعض العلماء منذ مدة وجيزة نسبيا أن كوننا يمكن أن يكون ناتجا عن انهيار كون "سابق " له انكمش حتى وصل إلى حجم ضئيل يساوي قطره طول حقبة بلانك ثم " انفجر " من جديد و ما زال في توسع إلى الآن . و حتى في هذه الحالة لا يمكن الكلام منطقيا و حتى اصطلاحا عما قبل الإنفجار العظيم . و ذلك لأن الزمن المميز للكون السابق في مرحلة انكماشه يختلف عن زمن كوننا على الأقل من ناحية الإتجاه أي ما يسميه العلماء بسهم الزمن . و بهذا قد يكون ما هو "قبل" هو "بعد" و يكون العكس صحيحا. و قد يعكس اتجاه الأنتروبي ( درجة العشوائية) كما قد يعكس اتجاه القوى الأربع المسيرة للكون . لكن هذا الكلام يتجاوز حدود العلم بسبب انعدام ظروف الملاحظة و التجربة التطبيقية و يفتح الباب على مصراعيه على الأقل إلى حين أمام الفلسفة التي قد تفتح الباب بدورها

    بقلم بلقاسم مسعودي ،
    ردا على السؤال المطروح أعلى النص .
يعمل...
X