يوم للستات عن الفقر والحب والقهر
انتصار دردير
أغنيات عبد الحليم فى خلفية المشاهد وأحداث الفيلم التى تبدأ بذكرى رحيله فى الربيع، والبطلة التى تفوز بمنديله وتحتفظ به كذكرى غالية، تشكل حنينا الى زمن ذهب ولن يعود، ثم تكفر بكل ماقاله مطرب الحب الأول حين تجد نفسها وحيدة وقد سرقها الزمن، وكاميرا تدور داخل منطقة عشوائية تتشابه مع كثير من احياء مصر الفقيرة التى تضج بساكنيها، حيث المجارى الطافحة، والوجوه التى تقاوم اليأس والفقر فيضعون الحجارة للعبور فوقها، ولا يهم اذا ابتلت ملابسهم، وثلاث نساء يبحثن عن لحظة سعادة غابت تحت وطأة الظروف القاسية، ومثلهن أغلب النساء فى العشوائيات، انها مفردات تشكل عالم يطل منه فيلم «يوم للستات» عن المعذبين بالحب والفقر، والذى عرض أمس فى افتتاح مهرجان القاهرة السينمائى.
رغم كل مظاهر الاحباط التى تسكن الوجوه الا أن ثمة رغبة فى الامساك بأى لحظة فرح تراود البطلات الثلاث، شامية (الهام شاهين) الموديل التى جاوزت الخمسين وعاشت عذراء رغم تودد الرسامين لها وكما تقول فى لحظة بوح لصديقتها: (مكنتش عايزة أعمل زى أمى واجيب عيال ما اعرفش مين أابوها)، عاشت تحب جارها (محمود حميدة) الذى تزوج غيرها وسافر وعاد وهى وحيدة تجد سلواها فى أغنيات العندليب، وليلى (نيللى كريم) الساكنة، الحزينة على فقد طفلها وزوجها الذين غرقا فى حادث العبارة، وعزة (ناهد السباعى) التى تعانى من تأخر عقلى وتعيش مع جدتها المريضة المقعدة.
لحظة ساحرة تتبدل فيها أحوالهن، تلتقطها المؤلفة هناء عطية حين تقرر الحكومة اقامة حمام سباحة داخل مركز الشباب بالمنطقة، فيهرع الرجال والشباب والأطفال وتطالعهن النساء بحسرة، فتقرر الحكومة تخصيص يوم للسيدات، الفكرة تجد مقاومة من الرجال وعدم اهتمام من النساء فيما عدا عزة التى تبدو كطفلة، تهرع لتلقى نفسها فى المياه حتى كادت تغرق، تسارع بشراء مايوه وتعبر عن ذلك فى فرحة وسعادة، ويبدأ زحف النساء واحدة تلو الأخرى للذهاب الى حمام السباحة والمدربة (هالة صدقى) تقوم بتدريبهن وتحذرهن من تناول الطعام فى الحمام فتفاجأ بهن وقد حملن حلل «المحشى»، تصرخ فيهن بينما يشعرن بيوم يعشن ويتخلصن فيه من كل الاعباء التى تكبلهن، من الكبت والاحباط الذى يواجههن، فيصبح حمام السباحة هو لحظة التحرر الحقيقية التى تجلب لهن السعادة، بل ان حمام السباحة يكاد يكون هو البطل الاهم الذى يفتح نافذة للحياة لنساء الحى العشوائى.
وتبرع مديرة التصوير نانسى عبد الفتاح فى لقطات رائعة للبطلات الثلاث وجيرانهن تحت الماء وهن بجلابيبهن أو بالمايوه لا يهم، الاهم هو ان يستمتعن ويتخلصن من حالة الكبت والضياع وسط ظروف ظالمة، وتأتى مشاهد الحمام واضحة مشرقة موحية بالأمل عكس المشاهد المظلمة داخل الحارة.
وفى الفيلم يبرز الأداء الناضج لإلهام شاهين وهى تعبر عن حالة الضياع التى تشعر بها والزمن يمضى سارقا حياتها وشبابها، ونيللى كريم التى أدمنت الأدوار البائسة الحزينة، ويمنح الفيلم مساحة رحبة تبرع فيها ناهد السباعى تؤكد انها تمتلك موهبة تتوقف ظهورها على عين تلتقطها، ولم يكن هناك أفضل من كاملة أبو ذكرى لتفعل ذلك، الى جوار النساء الثلاث تبرز رجاء حسين بعدة مشاهد تبقى عالقة فى الذاكرة، ويتنافس محمود حميدة وفاروق الفيشاوى بأداء واثق لدوريهما ويجتمع الفيشاوى وابنه فى مشهد مؤثر بين أب مدمن وابن متطرف، بينما يبدو اياد نصار بأدائه وشخصيته وكأنه يغرد خارج السرب العشوائى بأسلوبه الراقى الذى لم يتلوث وحبه لليلى، وهالة صدقى تشارك مجاملة لصديقتها
لصديقتها الهام بمشاهد محددة تبدو ملائمة لها تماما فهى مدربة السباحة التى تؤمن بضرورة اتاحة الفرصة للنساء للترويح عن انفسهن، وكذلك يتألق أحمد داوود بدور الميكانيكى الشاب الذى يقع فى حب عزة بعدما شاهدها تسبح لتتغير نظرته لها ويسعى لتحقيق أحلامها البسيطة.
«يوم للستات» هو ثانى فيلم يجمع الهام شاهين ونيللى كريم والمخرجة كاملة أبو ذكرى بعد فيلم «واحد صفر» 2009 الذى شارك فى مهرجان فينيسيا وفاز بجوائز فى عدة مهرجانات وهو للمؤلفة مريم نعوم بينما يوم للستات كتبته هناء عطية وقد جاء الاأول أكثر تماسكا عن الثانى.
«يوم للستات» ليس فيلما عن المرأة ولكنه عن الظلم الذى تتعرض له النساء فى مواجهة الرجال سواء كان الحبيب كما هو الحال مع شامية، أو الشقيق الذى يدعى التدين كما هو مع «ليلى» ويمارس تسلطه على سيدات الحى «ويؤدى دوره احمد الفيشاوى» ثم لا يتورع عن محاولة الاعتداء على احداهن، أو شباب الحى الشعبى الذين يخفون ملابس النساء حتى يمنعهن من الذهاب الى حمام السباحة فيلقنونهم درسا قاسيا ويرددن القلم قلمين.
مشهد النهاية جاء متوافقا مع ما يرمى اليه الفيلم فإذا كانت بطلاته الثلاث قد عرفن طريقهن، فإن الأهم هو ان النساء جميعهن قد عدن من جديد الى حمام السباحة بعد محاولات الرجال إبعادهن، هذا الحق الذى جعلهن فى حالة تحرر للجسد والروح معا وكأنها دعوة لكل النساء لكى يتحررن مما يكبلهن ويعيقهن عن الانطلاق.
الفيلم هو صرخة النساء فى مجتمع لايرحم، وقد انحاز الى الطبقة الفقيرة المعدمة التى تكاد تحرم من أبسط حقوقها، وقد تحمست بطلته الهام شاهين لانتاجه، ورغم أنه تعطل كثيرا خلال التصوير على مدى ثلاث سنوات الا أن ذلك لم ينعكس على تدفق الفيلم وايقاعه بإدارة كاملة ابو ذكرى، وبالفعل تستحق الهام شاهين التحية لاستمرارها كمنتجة واختيارها أن تنحاز لبنات جنسها من كل الطبقات وتطالب بيوم للستات بينما كل الأيام للرجال.