قصيدة النثر: معوقاتها، وخصائصها الشعرية المشروعة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قصيدة النثر: معوقاتها، وخصائصها الشعرية المشروعة

    { مقالة نقدية }
    [ قصيدة النثر: معوقاتها، وخصائصها الشعرية المشروعة ]
    الأديب الناقد والشاعر المصري الأستاذ هشام شوقي أمين.

    تواجه "قصيدة النثر" صعوبات في وسط النقد الأكاديمي لتمرير مشروعيتها، لكنها تكتسب مشروعيتها عند جمهرة ليست قليلة في الحراك الأدبي العربي
    بعد تجربة الرواد أدونيس ومحمد الماغوط وغيرهم بعد تأثرهم بقصيدة النثر الغربية ورسالة "سوزان برنار" الأكاديمية عن قصيدة النثر.
    ونستطيع القول إن هذه الصعوبات والإشكاليات ترجع لما يلي:
    1- إن قصيدة النثر تطور للنثر الشعري، وليست تطوراً للقصيدة الموزونة عروضاَ كما يزعم شعراء النثر.
    2- "قصيدة النثر" مصطلح جدلي يجمع بين الشعر الموزون والنثر معاً.
    3- استغناء قصيدة النثر عن الوزن الشعري (العروض الخليلي) ومن ثم فقدت عصب القصيدة الشعرية الموزونة.
    4-انحراف كثير من الكتاب العرب بقصيدة النثر عن مسارها فكتبوا تنظيراً لها، وكتبوا شعراً مغايراً له، أو الكتابة النثرية دون الإلمام بالخصائص التي سنوضحها، أي عشوائية الإبداع.
    5- محاولة التخلص من جماليات العربية برفض المحسنات البلاغية واتخاذ تسكين الكلمات وأواخر الأسطر مخرجاً لضعف الوعي بقواعد النحو.
    إذن إشكالية المصطلح والوزن قائمتان عالمياً، باقي الإشكاليات إشكاليات أضافها شعراء قصيدة النثر من العرب.
    نستطيع أن نغض الطرف عما سبق لنعرف مكونات قصيدة النثر أكاديمياً وإبداعياً على المستوى الحقيقي لها عالمياً،
    ونكتبها ونقرأها وننقدها بشكل صحيح.
    * ما قصيدة النثر ؟
    قامت الناقدة الفرنسية "سوزان برنار" بتعريف قصيدة النثر في رسالة دكتوراه (قصيدة النثر من بودلير حتى عام1959)، وتعريفها هو العمدة والمرجع في الشرق والغرب لقصيدة النثر.
    — التعريف: (قصيدة النثر قطعة نثر موجزة، بما فيه الكفاية، موحدة، ومضغوطة كقطعة بلّور، خلق حر ليس له من ضرورة غير إبداع المؤلف في البناء خارج كل تحديد وشيء مضطرب - إيحاءات لا نهائية).
    هذا التعريف نتيجة بحث رسالة دكتوراه تزيد عن 800 صفحة.
    — شرح التعريف واستخلاص أركان قصيدة النثر:

    1 - الإيجاز (التكثيف)... (قطعة نثر موجزة بمافيه الكفاية).
    — تعريف الإيجاز الشعري:
    التعريف: الإيجار لغة: اختصار الكلام، وتقليل ألفاظه مع بلاغته،
    يقال لغة: (أوجز) الكلام إذا جعله قصيراً ينتهي من نطقه بسرعة.
    ويقال: (كلام وجيز)، أي: خفيف قصير... وأوجز في صلاته إذا خففها ولم يطل فيها.
    فالمادة تدور حول التخفيف والتقصير، وفي الحديث أن رجلاً قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (عظني وأوجز)، أي: قل لي كلاماً خفيفاً قصيراً أحفظه عنك فيه موعظة لي.
    — الإيجاز في اصطلاح البلاغيين: هو التعبير عن المراد بكلام قصير ناقص عن الألفاظ التي يؤدى بها عادة في متعارف الناس، مع وفائه بالدلالة على المقصود.
    — أو نقول: هو صياغة كلام قصير يدل على معنى كثير واف بالمقصود، عن طريق اختيار التعبيرات ذات الدلالات الكثيرات، كالأمثال والاستغناء - بدلالة القرائن - على ما حذف، أو عن طريق استخدام ما بني على الإيجاز في كلام العرب، كالحصر، والعطف، والضمير ، والتثنية، والجمع، وأدوات الاستفهام، وأدوات الشرط، وغير ذلك.
    فإذا لم يكن الكلام وفياً بالدلالة على المقصود، كان الإيجاز فيه إيجازاً مخلاً، إذ رافق التقصير في الألفاظ تقصير في المعنى الذي أراد المتكلم التعبير عنه.

    2 - الوحدة العضوية... (موحدة).
    — تعريف الوحدة العضوية: هي ترابط أجزاء القصيدة، وسيرها في تجاه واحد فكراً وشعوراً، كلّ بيت (سطر) يرتبط بما قبله، وبما بعده، ولا يجوز تقديم البيت أو تأخيره.
    وقد سميت بالوحدة العضويَّة لأنَّ ترابط أجزاء القصيدة يشبه ترابط أعضاء جسد الكائن الحي، ونحكم على توفّر الوحدة العضويَّة في القصيدة من خلال توفُّر العنصرين الآتيين:
    أ - وحدة الموضوع: أي موضوع النص يكون واحداً.
    ب - وحدة الجو النفسيّ: أي عاطفة الشاعر تكون واحدة متناسبة مع الموضوع.

    3 - التكثيف... (مضغوطة).
    — تعريف التكثيف الشعري:
    خلو النص من الشروح والإيضاحات والجمل الاعتراضية والتفسيرية والتعليمية... الخ.

    4 - التوهج... (الإشراق) / (قطعة بلّور مشعة).
    — تعريف التوهج الإشراقي الشعري:أي تكون العاطفة والمشاعر والأحاسيس قوية مرهفة جياشة مؤثرة ساطعة،
    ويكون النص مشرقاً فكرياً مدهشاً متوهجاً شعورياً، والتوهج للنجوم وميضها، والنار زيادة اشتعال ها، والنص شدة وقوة مكوناته وحرارتها.

    5 - رؤية الكاتب... غير محددة بالأغراض الشعرية.
    — تعريف الأغراض الشعرية:
    هي أغراض الشعر الموزون، وبدلاً منها تكون رؤية الشاعر والنظر للنص كوحدة فكرية مغلقة بناء على توجه الشاعر أي رؤيته.

    6 - التوتر الشعري... (شيء مضرب).
    — تعريف التوتر الشعري: التوتر ينتج بسبب انفتاح الشاعر على ما وراء الطبيعة، كالحلم والغياب والمطلق واللا متناهي والصراعات المتجاذبة والمتنافرة في تحقيق الرؤية الشعرية.

    7 - الشفافية.
    — تعريف الشفافية الشعرية:
    الشفافية منها ما هو دلالي، ومنها ما هو فكري، ومنها ما هو شعوري، ومنها ما هو لغوي، والمراد أن يكون النص شفافاً بكل جوانبه، يستطيع القارئ تذوقه وتفسيره بشكل متعدد الأوجه، غير مظلم أو مستغلق.

    8 - دائرية النص... (النص دائري لا يمكن أن يكون مستقيماً).
    — كيف يكون النص دائرياً؟
    النص مغلق على رؤية الشاعر، دائري التشكيل، مثل:
    1/ تكرار آخر كلمة في السطر تكون أول كلمة بالسطر الشعري التالي له حتى نهاية النص.
    أو 2/ الختام بالمطلع والاستهلال.
    أو 3/ اعتماد نظام المقطوعات، ونهاية كل مقطوعة أو قطعة بجملة أو كلمة أو جملتين يكون التكرار لهما آخر جميع المقطوعات،
    وكلها أساليب تعويضية عن الوزن، ومحاولة خلق نص مترابط دائري لا متناهٍ.

    9 - المجانية.
    وهي التخلص من عنصر الزمان، فالزمان والمكان بطلان في السرد القصصي والروائي، لذا في البناء الشعري النثري يجب تجاوزهما، وبالأخص الزمان.

    10 - اللغة.
    يرى آرثر رامبو: (ينبغي أن نبحث عن لغة شعرية جديدة، وأن نطالب الشعراء بأن يأتوا بشيء جديد شكلاً وموضوعاً، إن اختراع المجاهيل يتطلب أشكالاً لغوية جديدة، أي لا مضمون جديد بدون شكل جديد).

    * الختام:
    نستطيع في ضوء المفاهيم السابقة إبداع قصيدة النثر وقراءتها ونقدها بوصفها امتداداً شعرياً للنثر الشعري وليس لقصيدة الشعر الموزون بأوزان الخيل بن أحمد الفراهيدي، ونؤكد أن "جماعة شعر" الناقلة لقصيدة النثر بمجلة شعر بيروت لم تلتزم بالمفاهيم والأسس التي وضعتها، وانقسمت اتجاهات، فالماغوط بعد عن السريالية كثيراً، وأدونيس أسرف فيها، وظلت تنظيراتهم جميعاً راكعة امام آراء "سوزان برنار".
    لذا قدمنا حقيقة الخصائص من أقوال "رامبو"
    ومرجع" سوزان برنار" دون الحاجة لشواهد عربية، فكلهم يدورون ويقتبسون ويطبقون في تنظير "سوزان برنار" مع إصباغ رؤى خاصة بترجمة المفاهيم والأسس، ونحن أوضحنا عصب مكونات قصيدة النثر من مصادرها الشرعية.
    وأرى أنها امتداد لتطور النثر، وليست تطوراً للشعر الموزون، ولتكن قصيدة النثر وفق ذلك نثراً شعرياً.
    الآن نستطيع إبداع قصيدة النثر وقراءتها ونقدها بعيداً عن نفي الآخر وفق ما سبق إيضاحه من تفصيل خصائصها.
    ونحن على بصيرة ووعي تامين بقصيدة النثر وأركان بنائها وطرق قراءتها.

    هشام شوقي أمين.
    الكويت:هشام شوقي
يعمل...
X