أمينة» رمز صلابة نساء سوريا تغرق في الميلودراما
«سينماتوغراف» ـ انتصار دردير
«حكاية امرأة نبيلة اسمها أمينة… امرأة فتحت ذراعيها لحراب الزمن الصعب… أدمت الأوجاع روحها لكن قلبها ظل ينبض بالأمل… وبيدين من فضة كانت تضمد جراح أحبتها».
لا تزال السينما السورية قادرة على إدهاشنا بإصرارها على الاستمرار رغم ظروف الحرب والإرهاب، فهي تتواجد بقوة في المهرجانات الكبرى تدين الحرب وتنتصر للإنسانية وتصبح شاهدة على كل ما جرى ويجرى.
من أمام الكاميرا إلى خلفها ينتقل النجم السوري أيمن زيدان ليقدم لنا أول أفلامه كمخرج بعد أن أخرج عدة مسلسلات ناجحة آخرها كانت من خلال مسلسل “أيام لا تنسى”، وينحاز أيمن لتجربته كمخرج فلا يشغله حينها الممثل ولا يحاول أن يرضى الممثل داخله بمشهد يقف خلاله أمام الكاميرا كما اعتاده الجمهور، ولازلت أذكر ما قاله لي النجم الراحل نور الشريف حينما خاض تجربة الاخراج في فيلم “العاشقان”، وقال لي أنني أخطأت حين جمعت بين التمثيل والإخراج، وكان ينبغي أن أنسى الممثل تماماً وأتفرغ كمخرج، وهو ما فعله أيمن زيدان في فيلم “أمينة” الذى كان قد بدأ تصويره تحت عنوان “النورج”، وقبل نهاية التصوير اختار عنوان الفيلم باسم بطلته التي تحملت عبء الفيلم كاملاً، إذ دفعته مآسي ما تعيشه سوريا ليرصد تجارب إنسانية عاشها عن قرب، ويكشف من خلالها صمود ونضال المرأة السورية منطلقاً من قصة كتبتها سماح قتال وقاسمها زيدان كتابة السيناريو والحوار، وقد شارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان الاسكندرية خلال دورته ال34 التي انتهت مؤخراً.
“أمينة” في الفيلم هي رمز لصلابة النساء السوريات، فهي تتمتع بقوة الشخصية وتواجه كل الظروف القاسية من وفاة زوجها تاركاً إرثاً من الديون إلى عجز ابنها الشاب ومحاولة أحد الانتهازيين الزواج بابنتها لكنها تتصدى لذلك بقوة وصلابة (تؤدى دورها ببراعة الممثلة السورية الكبيرة نادين خورى، وإن جنحت إلى الميلوداما في بعض المشاهد بشكل يقترب من أداء الراحلة أمينة رزق).
المتوقع أن فيلم يتعرض للحرب تظهر فيه مشاهد الخراب والدمار التي لحقت بالناس والبيوت والحوانيت، لكن ذلك لا تجده في “أمينة” ولا يلجأ المخرج مثلاً إلى الفلاش باك ليذكرنا بالقذيفة التي أصابت المجند الشاب في مقتل، ولا بالحرب التي تواجهها بلاده لكنه يأخذنا إلى المرتفعات والسهول التي تكتسى بالخضرة ويختار البيت محور أحداث الفيلم في الريف تظلله الأشجار وتنطلق في أروقته الطيور، وتلعب الموسيقى التصويرية دوراً رئيسياً من المشاهد الأولى للفيلم ويحضر كعادته الموال السوري في مشاهد مهمة خلال أفراح السوريين وأحزانهم، فيوظفه المخرج خلال جنازة الأب وكذلك خلال خطوبة سهيلة الشابة الجميلة التي تضفى حيوية بحضورها وتصبح رمزاً للأمل الذى تتمسك به وتصر عليه.
يستعين المخرج أيمن زيدان باثنين من زملائه المخرجين كممثلين وهم المخرج الكبير عبد اللطيف عبد الحميد الذى يعبر عن شغفه بالسينما وإيمانه بها، وكيف يمكن أن تسهم في حلول لمشاكل البشر من خلال مشهد وحيد يجسد فيه شخصية صاحب محل لبيع شرائط الأفلام، تذهب إليه شقيقة البطل فيمنحها شريطاً يساعدها على التواصل مع شقيقها مؤكداً أن الأفلام تمنحنا مساحة من الأمل والأفكار التي يمكن أن نتغلب بها على أزماتنا، ويصور المخرج لقطات إنسانية للشاب تبدو كحلم وهو يجرى برشاقة وسط الحقول ليحتضن طفله “لكنه لا يسرف في هذه المشاهد ولا يحكى كثيراً عن ماضي الشاب أو يقترب بنا من حالته الطبية بشكل أكبر، خاصة وأنه يعي ما حوله ويتجاوب بعينيه وهو الدور الذي يؤديه المخرج جود سعيد معتمداً فيه على التعبير بالعينيين فقط بينما جسده بلا حراك.
نهاية الفيلم غرقت أيضاً في الميلودراما بموت البطل برغم الأمل الذي بثه في إمكانية شفائه بعد شفاء السيدة المقعدة التي تعمل الأم لديها بعدما منحتها الأم وهما كاذباً بشفاء ابنها ما ساهم في رفع روحها المعنوية، فهل كان من الصعب أن يمنح الفيلم الأمل للمشاهد حتى لوكان كاذباً؟
حقا لقد تجاوزت السينما السورية مشاهد الدمار لترصد تداعيات ما حدث في نفوس البشر، وكيف انعكست على أرواحهم سلباً وايجاباً، وهو ما يجسده “أمينة”