سلوى الديب
الرجل الأسطورة الذي تحدى المستحيل، تحدى المرض وعود نفسه أن يبني فكره وثقافته بجهده وتعبه، فهو الأديب الروائي الناقد سامر أنور الشمالي الذي طرق كل فنون الأدب، ليثبت أن الموهبة والإرادة لا تحتاج لشهادة تثبت ذلك، الذي حول مكتبه لصالون أدبي يستقطب المثقفين في حمص في أحلك سنين الحرب على سورية، فكان لنا وقفة معه من خلال لقاء في منزله المتواضع العابق بسحر الثقافة والفكر هذا نصه:
لا يبحر في عالم الأدب إلا من غرق في بحور القراءة، هل تحدثنا عن بداية انطلاقتك في هذا الاتجاه؟
بالتأكيد.. الكتابة دون قراءة جهد ضائع، لأنها ستكون سطحية ولا جديد فيها، فالكتابة نتاج قراءات واسعة الطيف، إضافة إلى التجارب الشخصية، وهذا الجانب أولاه النقد الأدبي الحديث اهتماماً كبيراً بافتراض أن أي نص جديد هو بناء على نصوص سابقة، وقد بدأت رحلتي مع القراءة في سنوات مبكرة، ولاشك في أن تلك الهواية كانت وراء اتجاهي إلى الكتابة، وهي رحلة مستمرة مادام هناك فسحة للحياة.
عرفت كقاص وكروائي. هل كانت البداية مع القصة ثم اتجهت إلى الرواية أم العكس؟
أغلب كتابّ الرواية بدأوا بكتابة القصة القصيرة، ومنهم من استمر في كتابتها إلى جانب الرواية، وهذا كان خياري لأنني مازلت مولع بالقصة، ولكنني لم أنتقل إلى الرواية مباشرة، بل إلى الكتابة في مجال النقد الأدبي، فقد كنت أسعى إلى كتابة قصه جيده متميزة، وهذا ما دعاني إلى الإقبال على القراءة المكثفة والموسعة في مجالات النقد لعلي أكشف أسرار السرد وتقنياته، وتلك القراءات ساعدتني على كتابة الرواية فيما بعد، مع العلم أننا نجد قلة من يكتبون النقد إلى جانب القصة والرواية.
هل يوجد نقد حقيقي في الساحة الثقافية السورية؟
بالتأكيد، ولكن للأسف أغلب من يكتب النقد يقتصر على تناول أعمال الأصدقاء والصديقات، وهذا يفضي إلى الإفراط في مديح لا مبرر له، وقلة من يكتب بموضوعية، ولكن حتى هؤلاء غير متابعين بشكل جيد للمشهد الأدبي المحلي، لهذا نجد النقد يتراجع عن مواكبة النتاج الإبداعي، وبذلك لم يستفد الأدباء من النقد، والنتيجة أن النقد فقد دوره المؤثر والحيوي في المشهد الأدبي الراهن.
من أصعب الفنون الأدبية أدب الأطفال، ما سبب توجهك إلى هذا النوع من الأدب؟
هناك قصه طريفة حول قراري بالكتابة للأطفال، وخلاصتها أن الأديبة الصديقة (ابتسام نصر الصالح) أخبرتني أن دار الإرشاد في حمص يعمل على إصدار مجموعات من كتب الأطفال، ويبحث عمن يكتب للأطفال، فقلت لها على الفور إنني مستعد لخوض هذه التجربة وفي تلك الفترة لم تكن الكتابة للأطفال شائعة كما الآن. وأول قصصي قدمتها إلى صاحب الدار الأستاذ (عبد الجبار الجندلي) ونالت إعجابه، ونشرت بعنوان (الكاتب الصغير) عام 2005. ووجدت الكتابة للأطفال ممتعة بالفعل، وتابعت إصداراتي في هذا المجال ضمن منشورات وزاره الثقافة واتحاد الكتاب العرب، وحاليا أنشر قصصي في بعض دور النشر العربية المتخصصة في هذا المجال.
نرى في الساحة الأدبية حركة من الغليان وإعداد لا تحصى من القاصين والشعراء، هل ترى فيه أدباً حقيقياً كناقد؟ أم مجرد فوضى دون مضمون؟
أي نشاط ثقافي هو عمل جيد، ولا أجد فيه فوضى مجانية، أما كثرة الأعداد التي تزاوله فيعود إلى انتشار المنتديات الأدبية، والمواقع الالكترونية، والصفحات الخاصة على الفيس بوك، فقد بات من السهولة الصعود على المنابر أو النشر الالكتروني، ليعبر كل إنسان عما يشعر فيه ويفكر، ولا ضرورة لأن يكون كاتباً، فإذا لم تكون نصوص أدبية بالفعل لنقيمها كنشاط اجتماعي راقي وهواية مفيدة.
حصلت على العديد من الجوائز المحلية والعربية على أعمالك الأدبية، هل يمكن أن تحدثنا عن أبرز المفاصل الهامة في مسيرتك؟
نستطيع القول إن الجوائز من أبرز تلك المفاصل في مسيرتي الأدبية، فهي تعزز الحضور الأدبي، وأيضا تحسن الوضع المادي للكاتب، ويجب أن نتحدث عن ضرورة تحسين الوضع المادي للكاتب، فالأوضاع الجيدة تجعل المبدع يكتب بشكل أفضل بحسب تعبير الرائع (ماركيز).
بخطوة جريئة قمت بتوزيع قسم كبير من مقتنياتك من الكتب على الراغبين بالقراءة، ما الذي دفعك لذلك؟
وجدت أنه من المناسب أن أعطي الكتب التي لم أعد أحتاجها لمن يريد القراءة بدل أن تظل في الصناديق، وقد نشرت إعلانا على صفحتي على الفيس بوك لأنني لم أكتف بتوزيع الكتب على الأصدقاء، بل وزعت الكتب على كل شخص يرغب بالقراءة.
كنت من خلال مكتبك الخاص من أوائل من أدار صالون أدبي ، هل كان له دور خلال الأزمة؟ وأين هو الآن؟
قبل الأحداث كان عندي صالون أدبي اجتمع فيه مع الأدباء بشكل دوري، ولم تكن الملتقيات الأدبية شائعة في حمص كما يحدث الآن، ولكن توقفت الاجتماعات بسبب الظروف الأمنية السيئة آنذاك، فقد كان الرواد من مناطق مختلفة علي أن أتواصل حالياً مع الأدباء للعودة إلى الاجتماع من جديد.
ما انعكاس الأزمة على نتاجك الأدبي وكيف ظهر في أعمالك؟
كل الأزمات تنعكس على صفحة الأدب، وعلى الأدب معالجتها ثم تقديمها إلى القارئ، وليس تسجيلها كما تبدو للجميع والقيام بدور المرآة، ومن هنا تأتي أهمية الأدب ودوره، وأهمية الأديب وعمق نظرته، ومنطقتنا مشتعلة بالحروب قبل الوصول إلى بلدنا، وقد تناولت مساءلة الحروب والنزعات في مجمل كتبي، لاسيما في كتابي (تصفيق حتى الموت) الصادر عام 2001 ولولا الإشارة إلى عام الإصدار لظن القارئ أنني أتحدث عما يجري اليوم.
هل للحب وقع في أعمالك؟ وهل كان للاثنى حضور فيها؟
مادام الكاتب يكتب عن الحياة بكل ما فيها فسوف يكتب عن الحب والمرأة، وقد حاولت النظر إلى الأمر من زوايا جديدة، فالأدب منذ أول قصيدة وحتى أخر رواية يكتب عن الحب والمرأة، ومن قصصي التي أجدها نجحت في الخروج عن النمطية السائدة: (وقائع الفطور الأخير- عارية بين الكتب- زمن مصلح الساعات القديم).
بطاقة:
سامر أنور الشمالي
- كاتب سوري من مواليد مدينة حمص 1971.
- عضو اتحاد الكتاب العرب- عضو جمعية النقد الأدبي.
- كتب في مجالات: النقد الأدبي، الرواية، القصة القصيرة، المسرح، أدب الأطفال منها: القصة القصيرة: في البحث عن الضياء و تصفيق حتى الموت وماء دماء والساعة الآن سيكون في جديد ..،في النقد الأدبي: الزاوية والمحور ووجوه ومواجهات وصراعات في المرايا البيض..،الرواية: سيرة ذاتية للجميع وخلف الجدران تحت الشمس..،أما في المسرح: يوميات مواطن سابق، أدب الأطفال : مجموعة من الكتب واحتوت على 70قصة..
- نشر نتاجه في المجلات والصحف الأدبية والثقافية العربية منذ مطلع التسعينيات.
- من الجوائز التي نالها:
جائزة (يوسف إدريس) في مجال القصة القصيرة- مرتبة واحدة- مصر 2009.
جائزة (راشد بن حمد الشرقي) في مجال الروية- المرتبة الثالثة- الإمارات 2019.: