محمد قرانيا
.أسفاً عليك أيها السوري النبيل
(سوري + فلافل)
آخر محاضرة لأستاذ ﺭﻳﺎﺿﻴﺎﺕ سوري في إحدى الجامعات الخليجية..
ﺩﺧﻞ إلى قاعة المحاضرات وتفاجأ بعبارة مكتوبة ﻋﻠﻰ السبورة :
سوري + ﻓﻼﻓﻞ = ؟؟؟؟؟
فتوقف الأستاذ أمام السبورة ونظر إليها بحزن..
ثم ﻧﻬﺾ أﺣﺪ ﺍﻟﻄﻼﺏ وكان يقهقه عاليا ﻭﻗﺎﻝ باستهزاء:
ﻳﺎ أﺳﺘﺎﺫ ﺟﺎﻭﺑﻨﺎ على هاﻟﺴﺆﺍﻝ ﺑﺎﻟﻠﻪ عليك..!!
تنفس الأستاذ بعمق وكتم غيظه.. وتحسر على سورية، وكيف أصبحت مهزلة يسخر منها الجهلاء من دول العالم..
سورية التي بدأت منها طلائع الجامعات العظيمه والمؤسسات العلمية والأكاديمية والثقافية في الشرق الأوسط، والتي ذخرت بالكتاب والشعراء والفنانين والعلماء الذين أبهروا العالم، أيام كان آباء هؤلاء الطلاب و أجدادهم حفاة وعراة، ولم يكونوا يعلمون ماذا تعني الجامعة، وماذا يعني العلم والثقافة والفن والتطور والحضارة.
كتم الأستاذ غيظه، وتمالك نفسه، وﺑﻜﻞ ﻫﺪﻭﺀ أﻣﺴﻚ بالقلم وقال لهم:
سأكتب لكم الجواب، وسجلوه في دفاتركم كي لاتنسوا الحل...
ثم كتب:
السوري هو ﻃﺒﻴﺐ، ﻟﻴﻌﺎﻟﺠﻜﻢ ﻣﻦ أﻣﺮﺍﺿﻜﻢ المستعصية.
السوري هو ﻣﻬﻨﺪﺱ، ﻟﻴﺒﻨﻲ ﻟﻜﻢ بيوتاً ﻭمدناً حديثة ﺑﺪﻝ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ التي سكنها أباؤكم.
السوري هو ﻣﻌﻠﻢ، لينقذكم ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺘﻢ تغوصون فيه حتى أرنبة أنوفكم.
السوري هو صيدلي ﻟﻴﻀﻤﺪ ﺟﺮﺍﺣﻜﻢ ﺑﺪﻝ أن يملأها القيح وتشققها الشمس ﻭﻳﺴﺘﻮﻃﻨﻬﺎ ﺍﻟﺬﺑﺎﺏ والحشرات.
السوري هو ﻋﺎﻟﻢ، ﻟﻴﻌﻠﻤﻜﻢ تكنلوجيا المعلومات وينقل لكم آخر ما توصل إليه العلم الحديث.
السوري هو ﺣﺮﻓﻲ مهني، ﻟﻴﺼﻠﺢ ﻟﻜﻢ ﻣﺎ تعبثون به من الأشياء التي ﻻ ﺗﻌﺮﻓﻮﻥ كيفية استخدامها.
السوري هو ضابط ﻟﻴﻌﻠﻤﻜﻢ ﻣﻌﻨﻰ الأﻣﻦ وكيفية الدفاع عن الوطن، وحمايته ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺎﻣﻌﻴﻦ والغزاة.
السوري هو إعلامي، ﻟﻴﻤﺤﻮ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ البشعة ﺍﻟﺘﻲ أﺧﺬﻫﺎ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻋﻨﻜﻢ وعن تخلفكم.
السوري هو ﺧﺒﻴﺮ أستراتيجي، ليرسم ﻟﻜﻢ الحياة ﺍﻟﺴﻴﺎسية والاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية والإدارية.
السوري هو أستاذ جامعي، ليعلمكم معنى التربية والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها الطالب الجامعي تجاه أساتذته.
ثم استدار الأستاذ نحو الطلاب وقال:
لكن مع الأسف لم تتعلموا شيئاً مما درستموه.
وصمت لحظات ثم استدار نحو السبورة وﻛﺘﺐ بخط عريض والطلاب في ذهول تام:
ﺧﻠﻴﺠـــﻲ - ﺑﺘــــﺮﻭﻝ = ؟؟؟؟؟
والتفت إليهم ﻭﻗﺎﻝ:
ﻣﻦ منكم ﻳﻤﻠﻚ المعرفة ﻟﻴﺠﻴﺐ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ السؤال....؟؟
طبعاً كانت هذه المحاضرة الأخيرة للأستاذ (رشيد مصطفى) رحمه الله، لأن الجامعة فسخت عقدها معه.. فعاد إلى بلده القامشلي في سورية ليستمر في عمله النبيل إلى أن وافته المنية 8 تموز 2019، لروحه السلام.
محمد مصطفى مصري
رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناته وانا لله وانا اليه راجعون