الأدب في سنوات مجده –

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأدب في سنوات مجده –

    - الأدب في سنوات مجده –

    في تلك الحقبة – حقبة الخمسينات والستينيات من القرن الماضي – كان للأدب قدحه المعلى وفي سنوات مجده .
    كنا في طور الشباب يدفعنا طموح شديد لكسب المعرفة ، نقرأ الكتاب سيما الأدبي منه ، نتفاعل معه ونتذوقه ، ويدور بيننا نقاش حامي الوطيس حول هذا الكتاب أو ذاك ، وتلك هي علامة فارقة لما كنا نتمتع به من حس أدبي.
    وقد شاء حسن الحظ أن نكون في تلك الفترة تلاميذ في الجامعة في العاصمة بغداد نتلقى العلم من منابعه ومن أساتذة موهوبين ومثقفين حقا .
    ولعل أحلى ما كنا نستمتع به هو الذهاب الى سوق السراي بين الحين والحين ، وما أدراك ما سوق السراي , انه سوق رائجة وعامرة بأنواع وصنوف الكتب .
    وكلما ألقينا النظرة على كتاب أدبي وجدنا أنفسنا نريد أن نقتنيه ، ولكن أي كتاب نقتني ! ها هنا روائع لتولستوي وأخرى لأميل زولا ، وعلى الجانب الآخر روائع لشكسبير وديكنز وأرنست همنغواي وتشيخوف وموبسان وفكتور هيجو وغيرهم كثير .
    أدباء من الطراز الأول سطروا روايات هي قمة في الابداع والجمال وهي كتب مترجمة على أيدي أدباء أتقنوا فن الترجمة من تلك اللغات الى العربية .
    ومثلما ازدهرت الترجمة في هذه الحقبة فقد ازدهر التأليف الأدبي في بعض الأقطار العربية ، اذ برز روائيون مبدعون في مصر كنجيب محفوظ ويوسف ادريس ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعي واحسان عبد القدوس ، علاوة على أفذاذ من المفكرين كطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم .
    انها حقا حقبة العصر الذهبي للأدب وأحلى سنوات مجده ، نستمتع بالكتاب ونرى فيه عالما جميلا يأخذنا الى الأعالي , نقضي الساعات الطويلة بين دفتيه في شوق ولهفة ولا نلتفت الى طعام وشراب ، أجل كان هو زادنا بل غذاء روحيا يشبع عقولنا ونفوسنا .
    ولم يكن سوق السراي مجرد سوق لبيع الكتب بل كان مرجعا لكل جديد ثقافي نستلهم منه مقومات تطلعاتنا الى المعرفة .
    وكان للصحف والمجلات الدور الذي لا يستهان به في سير وتقدم الحركة الأدبية لما تحمل في طياتها من نقد أدبي وقصص قصيرة ومقالات فكرية لكبار الأدباء .
    هذا الحضور الأدبي كان له طابعه الخاص ونكهته المميزة ، بل أن بعض المقاهي كان لا يرتادها الا الأدباء وهواة الأدب يدور بينهم حوار ساخن حول هذا الكتاب أو ذاك .
    لا ننكر أن الأمية كانت ما تزال متفشية في وطننا وأنه بذلت جهود مضنية للقضاء عليها وسط نخبة من المتعلمين الذين رفعوا راية الفكر والأدب .
    ولولا أن هذا الوطن زج في صراعات هو في غنى عنها لكان له شأن في هذا المضمار الذي نتحدث عنه وأي شأن !
    ولعلنا اليوم نستذكر تلك الحقبة بمرارة وحزن لأننا افتقدناها ، وأن الجيل الحالي أصبح خالي الوفاض من تطلعاته الى المعرفة التي تأتي أولا وأخيرا من العشق للكتاب وما يفرزه من ثقافة .
    لقد شغل هذا الجيل بوسائل الاعلام المرئية مكتفيا بما يشاهده من أحداث ساخنة تقلق مضجعه أكثر مما توفر له الراحة والطمأنينة ، بينما يبقى الكتاب مركونا على الرف دون مراجعته أو المساس به يعلوه الغبار ان كان هذا الكتاب وجد أصلا على ذلك الرف .. وذلك لعمري واقع مؤلم يسيء الى حضارتنا التي كانت يوما ما متوهجة متألقة .
يعمل...
X