قرن أفريقي وقطط وكلاب
هيثم الزبيدي
في أي سوبرماركت للتسوق المنزلي في الغرب تجد أن حصصَ مأكولات الحيوانات المنزلية محـجوزة دائما في أقسام المعروضات؛ هذه للقطط بنكهات مختلفة وتلك للكلاب والأخرى للسناجب. القط مخلوق نزق جدا، من الضروري مراعاة ذائقته. جرّب أن تجبره على أكل طعام بنكهة سمك التونة ومزاجه يقول في ذلك اليوم “دجاج”. سيستدير ويُضرب عن الطعام.
تقول جمعية منتجات الحيوانات الأليفة الأميركية إن الأميركيين أنفقوا 110 مليارات دولار على إطعام حيواناتهم المنزلية في عام 2021. مبلغ ضخم بكل المعايير. يزداد تقديرنا لضخامة المبلغ إذا قارناه مثلا برقمين تم تداولهما في اليومين الماضيين لما تريد الولايات المتحدة تقديمه لدعم الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، ولنجدة الجِياع في منطقة القرن الأفريقي.
الرئيس الأميركي جو بايدن بشر المنطقة قبل افتتاح قمة جدة بأنه سيخصص مليار دولار لأمنها الغذائي. واضح أنه كلام موجه إلى قادة مشاركين في القمة ممن صارت فاتورة الحبوب الأساسية باهظة جدّا عليهم بالتزامن مع تداعيات أزمات توريدات القمح ونقله. على قادة دول مثل مصر والأردن أن يطمئنوا أنفسهم بأن “الغوث” الأميركي قادم في الطريق.
ثم جاءت تعهدات مديرة وكالة المعونة الأميركية سامانثا باور يوم الإثنين بتقديم مليار ومئتي مليون دولار للمساعدة على تجنّب المجاعة في القرن الأفريقي. أكثر من ألف طفل توفوا مؤخرا وثمة 7 ملايين آخرون يعانون من المجاعة في منطقة غارقة في النزاعات. المطلوب إطعام الجائعين بهذا المبلغ الهزيل. زد على ذلك أنه إطعام مشروط. كلوا ذرة صفراء ولا تأكلوا قمحا، لأن القمح مكلف. كلوا فولا سودانيا ولا تأكلوا أرزّا، كي لا نضطر إلى دفع كلفة نقل إضافية. أطفال القرن الأفريقي لا يملكون ترف قطط أميركا في اختيار ما يأكلون وما لا يأكلون. التصريحات التي تتضمن حديثا عن “الشر” الروسي الذي أدى إلى حدوث مجاعات في العالم تخفي ميلا إلى إكساب الأمر بعدا دراميّا، شأنها في ذلك شأن الحديث عن تراجع الحس الإنساني لدى من يخزنون القمح والناس جياع. قرارات مجالس القمح في الدول الزراعية الكبرى مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا -وهي القرارات التي تقضي بإتلاف فائض محصول القمح حفاظا على الأسعار على مدى عقود- لم تكن شرّا محضًا.
من المؤكد أنه ليس من مسؤولية الولايات المتحدة إطعام العالم. لكن وجهات النظر المختلفة إزاء الأشياء والقضايا هي ما يستفز ضمائر الناس. اللمسة الإنسانية القادمة من هناك ليست بحجم اللمسة الحيوانية.
هذا يعيدنا إلى مشهد صاحَبنا قرونا من الزمن؛ الكلب يجلس قريبا وهو ينتظر صاحبه لينتهي من تناول طعامه، ويترك له حصته ليأكل من البقايا. انقلب حال الدنيا؛ لم يحظ أطفال القرن الأفريقي حتى بحصة تعادل ما تتركه القطط والكلاب من أطعمة
هيثم الزبيدي
في أي سوبرماركت للتسوق المنزلي في الغرب تجد أن حصصَ مأكولات الحيوانات المنزلية محـجوزة دائما في أقسام المعروضات؛ هذه للقطط بنكهات مختلفة وتلك للكلاب والأخرى للسناجب. القط مخلوق نزق جدا، من الضروري مراعاة ذائقته. جرّب أن تجبره على أكل طعام بنكهة سمك التونة ومزاجه يقول في ذلك اليوم “دجاج”. سيستدير ويُضرب عن الطعام.
تقول جمعية منتجات الحيوانات الأليفة الأميركية إن الأميركيين أنفقوا 110 مليارات دولار على إطعام حيواناتهم المنزلية في عام 2021. مبلغ ضخم بكل المعايير. يزداد تقديرنا لضخامة المبلغ إذا قارناه مثلا برقمين تم تداولهما في اليومين الماضيين لما تريد الولايات المتحدة تقديمه لدعم الأمن الغذائي في الشرق الأوسط، ولنجدة الجِياع في منطقة القرن الأفريقي.
الرئيس الأميركي جو بايدن بشر المنطقة قبل افتتاح قمة جدة بأنه سيخصص مليار دولار لأمنها الغذائي. واضح أنه كلام موجه إلى قادة مشاركين في القمة ممن صارت فاتورة الحبوب الأساسية باهظة جدّا عليهم بالتزامن مع تداعيات أزمات توريدات القمح ونقله. على قادة دول مثل مصر والأردن أن يطمئنوا أنفسهم بأن “الغوث” الأميركي قادم في الطريق.
ثم جاءت تعهدات مديرة وكالة المعونة الأميركية سامانثا باور يوم الإثنين بتقديم مليار ومئتي مليون دولار للمساعدة على تجنّب المجاعة في القرن الأفريقي. أكثر من ألف طفل توفوا مؤخرا وثمة 7 ملايين آخرون يعانون من المجاعة في منطقة غارقة في النزاعات. المطلوب إطعام الجائعين بهذا المبلغ الهزيل. زد على ذلك أنه إطعام مشروط. كلوا ذرة صفراء ولا تأكلوا قمحا، لأن القمح مكلف. كلوا فولا سودانيا ولا تأكلوا أرزّا، كي لا نضطر إلى دفع كلفة نقل إضافية. أطفال القرن الأفريقي لا يملكون ترف قطط أميركا في اختيار ما يأكلون وما لا يأكلون. التصريحات التي تتضمن حديثا عن “الشر” الروسي الذي أدى إلى حدوث مجاعات في العالم تخفي ميلا إلى إكساب الأمر بعدا دراميّا، شأنها في ذلك شأن الحديث عن تراجع الحس الإنساني لدى من يخزنون القمح والناس جياع. قرارات مجالس القمح في الدول الزراعية الكبرى مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا -وهي القرارات التي تقضي بإتلاف فائض محصول القمح حفاظا على الأسعار على مدى عقود- لم تكن شرّا محضًا.
من المؤكد أنه ليس من مسؤولية الولايات المتحدة إطعام العالم. لكن وجهات النظر المختلفة إزاء الأشياء والقضايا هي ما يستفز ضمائر الناس. اللمسة الإنسانية القادمة من هناك ليست بحجم اللمسة الحيوانية.
هذا يعيدنا إلى مشهد صاحَبنا قرونا من الزمن؛ الكلب يجلس قريبا وهو ينتظر صاحبه لينتهي من تناول طعامه، ويترك له حصته ليأكل من البقايا. انقلب حال الدنيا؛ لم يحظ أطفال القرن الأفريقي حتى بحصة تعادل ما تتركه القطط والكلاب من أطعمة