النص الدرامي السوري واقعي لكنه لا يصف المأساة الحقيقية
دمشق - سجلت الدراما السورية منذ العامين الماضيين عودة قوية للمنافسة خاصة خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى بعض الأعمال التي كانت مخصصة للعرض على المنصات الرقمية، لكنها تظلّ حسب رأي بعض مؤلفين وفنانين ناقصة، حيث تهتم ببعض الأنماط دون غيرها في حين يرى البعض أنها لا تنقل الواقع السوري كما هو وتحتاج الكثير من الدعم المالي والشعبي لتعود لسالف إشعاعها الذي حققته في سنوات التسعينات والعقد الأول من الألفية الثانية.
وفي هذا السياق، ترى الكاتبة الشابة رنيم عودة أن النص الدرامي السوري يتميز بكونه واقعيا وشموليا ويخاطب كل الفئات العمرية وغير محدود بشريحة معينة كما أنه حقيقي وصادق يحاكي الواقع العربي ككل وهو معني بالمشاعر وليس فقط القضايا.
وتقدم عودة هذا العام تجارب مختلفة في كتابة الدراما التلفزيونية استعدادا لدخول سباق الموسم الدرامي القادم. فكاتبة مسلسل “عطر الشام” دخلت إلى الدراما الاجتماعية عبر مسلسل “الكرزون” الذي شاركت الكاتب مروان قاووق تأليفه وهو من إنتاج شركة أفاميا الدولية وإخراج رشاد كوكش.
وقالت عودة “إن المسلسل هو عمل درامي اجتماعي جريء وجديد الطرح ذو طابع شبابي ببطولة جماعية ويعالج قضايا الشباب المتنوعة ويكشف عن لغز يتعلق بانفجار بيروت والأزمة التي حصلت في البنوك اللبنانية”، مؤكدة أن المسلسل سيلامس الجمهور من خلال أفكاره غير المطروحة سابقا.
كما تعود كاتبة مسلسل جرح الورد إلى مسلسلات الدراما الشامية عبر مسلسل لوحات شامية متنوعة باسم “حواري الخير” إخراج ظهير غريبة ويضم لوحات متنوعة بين الفانتازيا والدراما والمولودراما والقليل من الكوميديا عبر لوحات تحمل كل منها قصة مختلفة.
الدراما السورية تظل حسب رأي بعض المؤلفين والفنانين ناقصة، حيث تهتم المسلسلات بعرض بعض الأنماط دون غيرها
واعتبرت عودة أن لكل عمل خصوصيته وأدوات كتابة السيناريو والحوار تختلف ما بين دراما البيئة الشامية والمسلسلات الحديثة فدراما البيئة الشامية محدودة بزمن وببيئة وعادات وتقاليد أما الأعمال الحديثة فيمكن التوسع بها أكثر.
موقف عودة لا يشاركها فيه الفنان السوري الشهير فارس الحلو، الذي عبّر في آخر تصريحات له عن عدم رضائه عن المسلسلات التي صارت تقدمها شركات الإنتاج ومحطات التلفزيون السورية.
ورأى الحلو أن الدراما السورية واقعية بالفعل، لكنها لا تصف المأساة في البلد كما هي عليه، مشيرا إلى وجود رقابتين تمارسان بشدة على الدراما السورية، الأولى رقابة رسمية ووصفها بـ”اللعينة”، أما الثانية فهي رقابة اجتماعية.
ويقول الفنان المغترب عن بلاده منذ سنوات إن “الأعمال الدرامية السورية لا يوجد فيها طموح لأن سقف الوطن والأعمال الوطنية منخفض من ناحية الإنتاج الدرامي الذي يعرض حاليا”.
والممثل تخرّج في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وانتسب إلى نقابة الفنانين السوريين، ثم أسس ورشة البستان للثقافة والفنون وهي تجمع نقابي قانوني يهدف إلى تنشيط الحراك الثقافي ودعم السياحة من خلال إقامة ملتقيات فنية في النحت والموسيقى والرسم والفنون الأخرى. ونال جائزة أفضل ممثل في مهرجان فالنسيا السينمائي الدولي 2007 عن فيلم “علاقات عامة”.
واشتهر الحلو في عدد من المسلسلات بينها صوت الفضاء الرنان رفقة أيمن زيدان لكن نجوميته برزت في المسلسل الكوميدي “عيلة 5 نجوم” والمسلسل الدرامي “نهاية رجل شجاع”. وكان الحلو داعما للثورة السورية، فصدرت بحقه أحكام قضائية وتمت مصادرة أملاكه مع معارضين آخرين فاضطر لمغادرة البلاد والعيش في فرنسا.
وترى الفنانة السورية عبير شمس الدين أن الدراما السورية لا ينقصها سوى الدعم المالي الضروري، وهو موقف يوافقها فيه الممثل السوري الشهير سعد مينة الذي قال في آخر تصريحات له إن “الدراما السورية تفتقر إلى التمويل والدعم المادي من شركات الإنتاج”، مشددا على ضرورة البحث عن أعمال ذات مستوى جيد يناسب الجمهور السوري والعربي.
وأشارت الممثلة شمس الدين إلى ضرورة الالتفات قليلا إلى الأعمال الكوميدية، التي كانت في السابق سببا كبيرا في شهرة الإنتاج الدرامي السوري وإشعاعه، وفتحت الباب للعديد من الممثلين السورين ليصبحوا نجوما عربا.
وتعتبر الفنانة أن الدراما السورية تعيش مرحلة تعاف تظهر من خلال عدد وحجم الأعمال المعروضة خلال الفترة الماضية، لكنها تفتقر إلى الاختلاف في ما يتم تقديمه سواء على مستوى النصوص أو المخرجين أو الفنانين رغم أن هناك حرصا على التنوع في طبيعة الأعمال المنتجة.
ورأت شمس الدين أن الدراما السورية ما قبل الحرب لم يكن ينقصها شيء، لكن تأثيرات الأزمة ألقت بثقلها الكامل على هذا القطاع الفني.
وكانت شمس الدين قد شاركت خلال الموسم الرمضاني الماضي في الأعمال الكوميدية القليلة التي عرضت على الشاشات السورية في أوقات متأخرة ليلا جعلتها تحصد نسب مشاهدة ضعيفة، وهو ما ندد به الممثل أيمن زيدان الذي اعتبر أن مسلسله “الفرسان الثلاثة” واجه إقصاء ممنهجا رغم أنه يعيده إلى الكوميديا بعد غياب نحو عشرين عاما.
وشاركت الفنانة في مسلسل “الفرسان الثلاثة” و”بقعة ضوء” في جزئه الخامس عشر، و”على قيد الحب” و”حوازيق”، لكنها رأت أن هذه الأعمال مقارنة بكم الأعمال الدرامية المنتجة هذا العام تظل قليلة.
وعن طبيعة الطرح الكوميدي، ترى الفنانة أن نوعية العمل هي التي تحدد طبيعة الكوميديا، فمثلا يعالج مسلسل “بقعة ضوء” قضايا اجتماعية في زمن مختصر لذلك يحتمل العمل المبالغة في الكوميديا، في حين لا يحتمل مسلسل “الفرسان الثلاثة” السقوط في التهريج فهو بالأساس عمل يستعرض إلى جانب الكوميديا مشاكل اجتماعية عميقة بطريقة خفيفة توصل الفكرة للمشاهد بشكل أسرع وأقل حدة من الدراما.
وطالما أنها استعادت حضورها، بشهادة أهل الوسط الفني والنقاد، سيعمل منتجو الدراما السورية حتما على تقديم أعمال جديدة في الموسم الرمضاني القادم وحتى على منصات العرض الرقمي، لكن هل ستجد هذه المواقف صدى يحسّن من جودة المادة الدرامية ومواضيعها ويخصص لها الدعم الرسمي والشعبي الكافي لتستعيد صدارة القطاع الدرامي العربي